Minhaj Muttaqin
كتاب منهاج المتقين في علم الكلام(للقرشي)
Noocyada
أما أولا فقد بينا أن من أثبت هذين اللفظين ونفى الآخر عده العقلاء مناقضا سواء فرضنا الإدراك مشتركا بتردد الفهم عند إطلاقه. وأما ثانيا فيلزمه أن لا يكون الباري تعالى مدركا للأشياء لأنه يستحيل أن يصل إليها والإدراك هو عنده والوصول بمعنى، وأما ثالثا فالإدراك عنده معنى قائم بذات الباري تعالى، وبذات أحدنا فكيف يعقل في هذا المعنى أن يكون قد وصل إلى المرئيات فضلا عن أن يكون سمعه قد أحاط بالشيء من جميع جوانبه، وأما خامسا فالله تعالى يدرك نفسه عندهم بهذه الإدراكات الخمسة، فكيف يكون قد وصلت هذه الإدراكات إليه.
وبالجملة فكيف يعقل في المعاني / 152/ الوصول إلى غيرها، وأما سادسا فأهل اللغة لا يعقلون هذه المعاني فضلا عن أن يجعلوا الإدراك هو أن يحيط بالشيء من جميع جوانبه(1). وأما سابعا فهو أول كلامه جعل الإدراك بمعنى الوصول فقط، وفي آخره جعله بمعنى الإحاطة، وقدمنا أن الإدراك ليس من الإحاطة في شيء.
وأما الأصل الرابع وهو أن إثبات ما نفيه مدح راجع إلى الذات يؤدي إلى الانقلاب والنقص فلأن كون الشيء مرئيا أو غير مرئي إذا كان لأمر يرجع إلى ذاته وغير تابع للاختيار، فإن كونه مرئيا يقتضي خروجه عما لأجله كان غير مرأي والعكس ويفيد اختصاصه بصفة لم يكن عليها وهو محال اتفاقا، وبعد فأما أن تمدح بنفي صفة كمال وهو محال اتفاقا أو بنفي صفة لا كمال فيها، ولا نقصص، وهو محال؛ لأن نفي ذلك لا يكون مدحا ولا ذما، وكذلك ثبوته وهو بمنزلة قول القائل فلان لا يقوم ولا يقعد أو تمدح بنفي صفة نقص وهو المطلوب.
الوجه الثاني من الاستدلال بهذه الآية أن الله تعالى نفى إدراك الأبصار عن نفسه نفيا عاما للأشخاص والأوقات من حيث أن حرف النفي إذا دخل على اسم الجنس المعرف باللام اقتضى الاستغراق بدليل صحة الاستثناء، وهذا لا يسع إنكاره، وقد اعترف به محققوهم لكن راموا الانفصال بما لا محصول له.
Bogga 229