============================================================
القمر ليلا.. لا يظهر له ظل؛ لأنه لا يظهر إلا لكثيف، وهو صلى الله عليه وسلم قد خلصه الله من سائر الكثائف الجسمانية، وصيره نورا صرفا لا يظهر له ظل أصلا خرقا للعادة، كما خرقت له في شق صدره وقلبه مرارا ولم يتأثر بذلك.
(دونهم وسناء) بالمد؛ آي: رفعة عظيمة أوتيتها لم ينته إليها مخلوق؛ أي: اتتقت مساواتهم له؛ لمانع منعهم عن اللحوق به، هو ما اختص به من ذلك النور وتلك الرفعة، اللذين لم يصل أحد إلى أدنى مبادىء شأوهما فضلا عن كماله، وفي جعله هذين حاجزا استعارة تجريدية، كما آن في جمعهما الجناس المذيل، ويعبر عنه بالمطرف؛ لأن الزيادة وقعت ذيلا وطرفا، وهو : أن يتماثل اللفظان وينفرد أحدهما بزيادة حرف آخر في آخره، كقولهم : العار ذل العارف، وهو أحد أقسام الجناس الناقص ومنها تحو: الساق والمساق، ويسمى بالمردوف؛ لأن حرف الزيادة مردوف بما وقع فيه التجانس، ونحو: داء ودواء، ويسمى بالمكتنف؛ لأن حرف الزيادة مكتنف؛ أي: متوسط بين ما اكتنفاه.
وقد يقع الاختلاف بأكثر من حرف، نحو: من آمن، ويسمى متوجا، ونحو: جهد ومجاهد، وجوى وجوانح، سماه في " التلخيص" مذيلا(1) وأهل الصناعات البديعيات : على أن الزائد من آخره حرف أو أكثر يسمى مذيلا، ومن أوله كذلك يسمى مطرفا.
تبيه: الجناس: تشابه اللفظين من حيث اللفظ، وفائدته : الميل إلى الإصغاء إليه؛ فإن مماثلة الألفاظ تحدث ميلا وإصغاء إليها، فلذا اكثر منه الناظم في هذذه القصيدة، وربما تركت التنبيه على كثير منه في محله؛ استغناء بظهوره، أو تقدم التنبيه على نظيره.
ومع كون الجناس يوجب الميل والإصغاء.. فمحل مراعاته: مالم تعارضه قوة المعنى وتمكنه مع فقده ، وإلا.. لم يراع ، ومن ثم قال الله تعالى : { ومآ أنت يمؤن لنا ولؤ كنا صدقين}، فلم يقل : مصدق؛ رعاية لجناس الاشتقاق؛، لأن معنى (1) تلخيص المفتاح (ص 703)
Bogga 21