Min Wara Minzar
من وراء المنظار: صور انتقادية فكهة من حياتنا الاجتماعية
Noocyada
هذا المنظار ...
عجول وأناسي ...!
بين معمم ومقبع ومطربش!
يا خسارة!
طلاب لهو وطلاب قوت وطلاب موت
هكذا تكون الشرطة!
أنا وكيل نيابة
متحمس ...!
متحمسان ...!
حجرة التحمس!
Bog aan la aqoon
حمار آخر ...!
في زوايا الطريق!
شيخ وشيخ
شرف!
ولكنني كسبت القضية!
بين الأرقام والأحلام
ذات صباح ...
زهرة وزهرة ...
أيام في القرية
من الفأس إلى السلاح
Bog aan la aqoon
عرفان الجميل
آدمي ...!
القاهرة ليلة الجمعة!
قطط وكلاب وناس!
ساع في الدرجة الخامسة!
في حجرة البك الناظر!
صنع في إنجلترة ...
كرنفال!
بين «دغف» وصعلوك ومغفل ...!
مجلس ظريف
Bog aan la aqoon
دب في الترام
حلاقو القاهرة ...!
صاحب السلطان
صاحب السلطان الزائل
صاحب السطان الزائف
صاحب السلطان الحقيقي
مصري من الخارج
رئيس ...!
فتوات ميري!
صاحب الديوان
Bog aan la aqoon
صاحب الديوان أيضا
صاحب الديوان الظريف
صاحب الديوان المجد
صاحب الديوان المتمرد
في حجرة صاحب ديوان ...!
الفارس الجديد
شاعر عبقري
المتعاظمون
في عيد الفسيخ
محمد أفندي ...!
Bog aan la aqoon
من خوف الكوليرا في كوليرا!
القرآن في شارع فؤاد!
هذا المنظار ...
عجول وأناسي ...!
بين معمم ومقبع ومطربش!
يا خسارة!
طلاب لهو وطلاب قوت وطلاب موت
هكذا تكون الشرطة!
أنا وكيل نيابة
متحمس ...!
Bog aan la aqoon
متحمسان ...!
حجرة التحمس!
حمار آخر ...!
في زوايا الطريق!
شيخ وشيخ
شرف!
ولكنني كسبت القضية!
بين الأرقام والأحلام
ذات صباح ...
زهرة وزهرة ...
Bog aan la aqoon
أيام في القرية
من الفأس إلى السلاح
عرفان الجميل
آدمي ...!
القاهرة ليلة الجمعة!
قطط وكلاب وناس!
ساع في الدرجة الخامسة!
في حجرة البك الناظر!
صنع في إنجلترة ...
كرنفال!
Bog aan la aqoon
بين «دغف» وصعلوك ومغفل ...!
مجلس ظريف
دب في الترام
حلاقو القاهرة ...!
صاحب السلطان
صاحب السلطان الزائل
صاحب السطان الزائف
صاحب السلطان الحقيقي
مصري من الخارج
رئيس ...!
Bog aan la aqoon
فتوات ميري!
صاحب الديوان
صاحب الديوان أيضا
صاحب الديوان الظريف
صاحب الديوان المجد
صاحب الديوان المتمرد
في حجرة صاحب ديوان ...!
الفارس الجديد
شاعر عبقري
المتعاظمون
Bog aan la aqoon
في عيد الفسيخ
محمد أفندي ...!
من خوف الكوليرا في كوليرا!
القرآن في شارع فؤاد!
من وراء المنظار
من وراء المنظار
صور انتقادية فكهة من حياتنا الاجتماعية
تأليف
محمود الخفيف
يا قارئي العزيز:
Bog aan la aqoon
إن قرأت هذا الكتاب فأغضبك فإني أعيذك أن تلعنني، وإلا كنت كمن رأى صورته في المرآة فكرهها فحطم المرآة بغيا وظلما؛ وإن أنت أحببته وضحكت معي إذ أضحك، وتألمت معي إذ أتألم فحسبي جزاء أني أدخلت السرور على قلبك ساعات، وأني بعثت في نفسك شيئا من الألم الذي تطهر به النفوس.
محمود الخفيف
هذا المنظار ...
ضقت بالكتب حتى لأخشى أن ينقلب هذا الضيق قطيعة ليس بعدها صلة، والحق أني حائر في تعليل هذا الضيق الشديد، وأنا الذي ظل الكتاب زمانا مبعث أنسي وبهجتي، فلا أمله إذا قعدت، ولا أدعه إذا خرجت، كأنما كان ضرورة كالهواء الذي أتنفس فلا تقوم حياتي إلا به، أو كأنه بعض ملابسي التي لا أستطيع أن أبرح المنزل إلا وهي على جسدي، بل كثيرا ما خيل إلى رفاقي أني أستغني عن كل شيء ولا أستغني عن الكتاب، وإن كنت لا أفتحه بينهم إلا دقائق معدودات ...
أيكون مرد هذا الضيق إلى ما يبعثه طول الألفة من سأم؟ أم يكون مرده إلى أن الكتب وقد صارت عندي درسا وملهاة قد شغلتني عن كثير من متع هذه الحياة، فأنا أصدف عنها كيلا أنسى نصيبي من الدنيا، فأحرم من زينة الله التي أخرج لعباده؟
ولكني لا أرتاح إلى هذا السبب ولا إلى ذاك، ففي نفسي مما يبغض الكتب إلي ما هو أعظم خطرا مما ذكرت ... ذلك أنه قد استحوذ على قلبي خيال لا أدري ما إذا كنت فيه مخطئا أم مصيبا، وهو أن الكتب على طول صحبتي لها لم تعلمني شيئا مما ينبغي لي أن أعلمه من شئون هذه الحياة، ولا يزال هذا الخيال آخذا بخناقي يوسوس إلي أني إن جعلت كل همي إلى كتبي، فسوف ينقطع ما بيني وبين هذا الوجود ...!
ولا تحمل أيها القارئ كلامي هذا على المبالغة أو على المزاح فلو شئت لجئتك بألف دليل على ما يثبت لي العذر فيما أقول، وحسبك أن الكتب قد بينت لي كثيرا من أصول الفضائل وقواعد الخلق، فلما أتيح لي أن أتبين ذلك في سلوك من أخالط من الناس وجدتني في حيرة مما تقول الكتب، وأنكرت أكثر هؤلاء الناس وأنكروني، ولا شك أنهم رموني من الغفلة والحمق بقدر ما رميتهم بالضلال والسفه ...
وحسبك أن كثيرا من خلاني الأدنين - عفا الله عنهم - قد سخروا مني أكثر من مرة، سخرية كانت تنال من نفسي بعض الأحيان حتى لأهم أن أثبت لهم حماقتهم بالغضب منهم والثورة عليهم؛ فهم - سامحهم الله - يتهمونني بالغفلة إذا جادلتهم في أمر، كما أرى ذلك أحيانا في أعينهم وأحيانا في ألفاظهم، ولقد يجمعون على هذا إذ يجادلونني حتى لأوشك أن أطمئن إلى صوابهم، ومعنى ذلك الشهادة على نفسي أني مغفل، ولكني حين أذكر ما قرأت في الكتب لا ألبث أن أراهم بما يبدون من آراء من أكبر الحمقى، ومن عظماء المغفلين، أو هكذا يخيل إلي!
ولقد يصارحني من يجد نفسه في مأمن من غضبي، إما لكبر سنه وإما لسمو مكانته عندي أن أبرز عيوبي - وهي والحمد لله كثيرة - أني رجل خيال، أو بعبارة أصح رجل كتب لا أدري شيئا مما تقوم عليه الحياة بين من يفهمون الحياة، ومعنى هذا كما ترى أني جاهل غر، وإن كانوا ليصطنعون الذوق في شتمي إن جاز اصطناع الذوق في السباب!
وأكثر من ذلك لقد كان مرد كثير من أخطائي - وهي والحمد لله كذلك كثيرة - إلى جهلي بطباع من تربطني بهم صلة العمل الذي أكسب منه قوتي، أو قل: إلى جهلي بمبادئهم، ولطالما سبب لي ذلك كثيرا من العنت والحيرة وأظهرني عندهم بمظهر المشاغب الذي يحب المعارضة والمماحكة في سبب وفي غير سبب، وما بي والله شيء من حب الشغب ولا كانت المماحكة من طبعي، وإنما هي الكتب - لعنها الله - تريني أنني على حق إذا تدبرت ما تقوله، وأنهم غارقون في الباطل إلى أذقانهم الجليلة؛ وأظل حائرا أأسير طوع الكتب فلا أفرغ من الخصام والحرب، أم أسير وفق مبادئهم وسلوكهم، فأغنم الهدوء والسلام وعلى الضمير والخلق والفضيلة ألف تحية وألف سلام؟
Bog aan la aqoon
وكثيرا ما كانت تقل ثقتي بنفسي لما أرى مما يشبه الإجماع ممن أعاشر، على إنكار مسلكي، وكثيرا ما سألت نفسي أأنا الغر حقا أم أنهم هم الأغرار الأغفال؟
لذلك لم يكن عجبا أني طويت الكتب زمنا، ورحت أتعلم مكر الناس لا لأمكر مكرهم ولكن لآمن مما يمكرون، كما رحت أطالع الحياة لأستعيض بما فيها من مسلاة عما كنت أتسلى به من الكتب ...
ونظرت من وراء منظاري ورحت أتدبر، فزادتني التجربة يقينا أن الكتب جنت علي بقدر ما قدمت من كلام إلي! ... وما لبثت أن رأيت منظاري يقع بي على كثير مما أصيب فيه الدرس ومما أجد فيه المتعة والبهجة؛ ووجدتني على ضآلتي أشبه نفسي غرورا وتطاولا بأولئك الفحول من الكتاب والمفتنين من أساطين القصة الذين لم يأخذوا فلسفتهم من الكتب، وإنما أخذوها من الحياة ولأن أكون منهم كالقزم من العمالقة، فلخير لي أن أكون قزما مقلدا من أن أرضى بالضآلة والغفلة معا ...
وليت لي مثل بصيرة هؤلاء ... إذا لأفدت من العلم من وراء منظاري، ما لن يأتيني نصفه من جميع ما في دار كتبنا العظيمة من مجلدات!
ولكن لا ضير أن أنظر وأن أطيل النظر، وأن أدور بمنظاري هنا وهناك، في المدينة وفي القرية في كل زاوية وفي كل طريق، في المنتديات وفي الحقول وفي الأسواق، وفي غير ذلك من نواحي هذا المسرح العظيم أو هذا المضطرب الواسع، الذي يمثل كل امرئ عليه دوره ...
ولعل طول النظر وتنوعه يعوض علي بعض ما فاتني من العلم فيما تصرم من سني عمري بين أوراقي وكتبي ...
هيا ... هيا ... أيها المنظار، هذا هو المسرح الذي لا يسدل عليه ستار.
عجول وأناسي ...!
- يا شيخ ... يا معلم، صل عا النبي! - أصلي عا النبي إيه ... اسكت يا عم خليك في حالك ...!
صاح بالعبارة الأولى رجل في المدخل الشمالي لميدان السيدة زينب، ينادي بها فظا غليظ القلب من بني آدم كان بالليل يسوق أمامه عددا من العجول الصغيرة قد سلكها جميعا في حبل، وصار يدفعها بإحدى يديه في غير هوادة إلى حيث تذبح، ويهوي على أجسامها لا يبالي أين يقع ضربه بحبل غليظ معقد كلما أبطأت، أو على الأصح كلما جهدت وتقطعت أنفاسها فاضطرها الإعياء والكلال إلى الإبطاء ...
Bog aan la aqoon
ورد ذلك الفظ في غلظة ووحشية يطلب إلى من يسأله الرفق أن يبقى في حاله فلا يتدخل في شأنه؛ وما ملك هذا إلا أن يحوقل ويستغفر الله ويستعيذ به، ويركن بعد لسانه إلى أضعف الإيمان!
ونظرت فإذا بذلك الغليظ الفظ يزيد الضرب بحبله على أجسام هاتيك العجول الجاهدة، ويزيدها دفعا ولكما؛ ووقع أحدها على الأرض فجذب الصف كله وجذبه الصف فانقلب على ظهره، وزعق زعقة مثلت لي ألمه بصورة لم يكن ليمثلها لي كلامه لو أنه تكلم! ... زعقة أشبه بزعقة الآدمي يبتعثها منه الألم وفمه مزموم، فهي بين حنجرته وخيشومه ... وكأنما يقول العجل الصغير: آه ... وخيل إلي كأنما يدعو العجل ضاربه أن يصلي على النبي! وأهوى الغليظ الجلف بحبله المعقد على العجل المسكين وحده، وقد تمدد على جنبه وهو يحاول أن يضع صدغه على الأرض، فتجذبه العجول وقد اضطرب نظامها، وإن جسده كله لينتفخ ويهبط في سرعة من فرط ما يلهث، وإنه ليحاول النهوض من ألم الضرب فما يزيد على أن يبسط أرجله ويثنيها في الهواء تارة، وعلى الأسفلت الجامد جمود قلب هذا الغليظ تارة أخرى ... ثم جذبه الجلف من إحدى أذنيه ومن ذيله جذبة قوية وركله ركلة شديدة، فوقف على رجليه يلهث، ومشى مع بقية العجول، وصاحبه الفظ يمسك بذيله مخافة أن يقع ثانية على الأرض ...!
وتحرك قلبي لما رأيت، ولكنني لم أستطع أن أصنع شيئا، ولا يعيبن القارئ علي أضعف الإيمان، فالرجل غليظ وحبله أغلظ، وما تعلمت الملاكمة، أو كانت لي حتى بمخاطبة الغلاظ الجهال طاقة ... ولم يكن على مقربة مني شرطي أستعينه ... شرطي؟ والله لو وجد لسخر مني أن أدعوه إلى مؤاخذة الرجل على صنعه، ولظن بعقلي الظنون ...
وأعيذك أيها القارئ أن تعجب أن يتحرك قلبي لمثل هذا المنظر، فما أحب إلا أن تكون رفيقا، وإذا أنت ترفقت بالعجول كنت حريا أن تترفق ببني آدم ... ولقد تداعى لهذا المنظر الأليم في ذهني معنى ... بل معان ... فكم من الآدميين من يرتبطون هكذا على خسف، ويسقطون من كلال وإعياء، وعلى جنوبهم وظهورهم تهوي أيد خفية بما هو أقسى من الحبل المعقد الغليظ ... أجل كم من آدمي في الأصفاد والأغلال، وإن لم تعض بساقيه سلسلة، أو يخنق عنقه غل ... كم من البشر من يساقون كما تساق هذه العجول ليكدحوا في لظى الصيف، وفي زمهرير الشتاء؛ كي يسعد فريق مثلهم من بني آدم بطيبات الحياة، وأي فرق لعمري بين هذا وبين الرق؟!
آه لقلبي ... وأف لمنظاري ... يا عجبا! ما أسرع ما تمثل لي هذا المعنى الذي طاف بخاطري، فإذا هو صورة مجسدة تدب على الأرض، فها هو ذا عسكري غليظ شديد يسوق أمامه رهطا من الغلمان، قد ربط ذيل هذا في ذيل ذاك، أو يد هذا في يد جاره، إن لم يكن لهما ذيلان يربطان، وقد التقطهم جميعا من الشارع، وكان ذلك في نفس الميدان من مدخله الجنوبي، ولا بد أن قطيع العجول قد مر برهط الصبية قبل أن تقع عيني عليهم بدقيقتين أو ثلاث!
وأخذ العسكري الغليظ الفظيع يهوي بكفه الثقيلة المعقدة بما يتحلى به من خواتم غليظة، على قفا هذا الصبي الهزيل مرة، وعلى قفا ذاك المريض النحيل مرة، والويل لمن يلتفت وراءه من الصبية؛ وكان هؤلاء المساكين كلما سمعوا وقع الكف الثقيلة المعقدة على قفا أحدهم، رفعوا أكتافهم ونزلوا برءوسهم ليخفوا أقفيتهم، والرعب ملء جسومهم وحسبهم ما هم فيه من جوع وعري ومرض وشقاء ...
ولم أطق صبرا فدنوت من هذا العسكري العاتي، فليس في يده حبل أخاف منه، وإنه لحري أن يغره تدخلي وجرأتي فيحسبني من رجال النيابة مثلا أو من أولي الجاه على أي حال، وقلت في لهجة الآمر لا في لهجة المستفهم: «لا تضرب هؤلاء المساكين يا شاويش.»
وصدق ظني فقد رفع العسكري يده إلى رأسه بالتحية، وراح يفهمني أن هؤلاء هم سارقو الجيوب وخاطفو الحلي ... و... و... فقاطعته وأنا أوهمه أني أحفظ رقمه قائلا: «لا تضربهم مرة ثانية.» ونظر إلي هؤلاء المساكين وقرأت في كل وجه من وجوههم الشاحبة معنى هو أسمى من أن أصفه بالشكر ... ووقعت نظراتهم من نفسي موقعا لن ينهض لتصويره أبلغ الكلام ...
وتدخل شاب حاسر الرأس عليه حلة أنيقة وتحت إبطه مجلات وكتب، فخاطب الشرطي في عنف قائلا: «ألك أولاد يا شاويش؟ أترضى أن يعامل أولادك هذه المعاملة؟» ثم أدار إلي الحديث قائلا: «ومع ذلك فنحن كما نزعم أمة متمدنة ... في أي بلد متمدن يوجد مثل هؤلاء المساكين في الشوارع على هذه الصورة؟ وأين ما نسمع عنه من أسماء المبرات وجمعيات الإحسان والخير؟ ... لقد مر بي منذ لحظة قطيع من العجول يدفعه فلاح عات كما يدفع هذا الشرطي الصبية، فاشمأزت نفسي لذلك المنظر وتكدر خاطري، ثم ما لبثت أن رأيت هؤلاء المساكين ... ألا إن بيننا وبين الرقي أجيالا وأجيالا، وإنما تخدعنا العمارات الضخمة والسيارات الفخمة والعواصم الكبيرة.»
وانطلق الشاب وقد غاب عن بصره وبصري الشرطي والغلمان، وقلت لنفسي: ما أوسع الفرق بين مصير العجول ومصير الصبية، فإنما تساق هذه العجول إلى حيث تريحها سكين الجزار، ويساق هؤلاء الصبية إلى حيث ينتظرهم العذاب الأليم!
Bog aan la aqoon
بين معمم ومقبع ومطربش!
الحر شديد تلفح زفراته الوجوه، والترام مزدحم بالناس قعودا ووقوفا، وما منهم إلا من ملأ الفتور بدنه كأنما أخذتهم جميعا سنة فهم صامتون مطرقون. وليس ما يدب فيه النشاط والقوة إلا هذا الترام السريع الذي ينحدر إلى القاهرة من مصر الجديدة منطلقا كالسهم، يهز ركابه الوسنانين هزات قوية تنفض عنهم بعض فتورهم، وتكاد تلقي بالجالسين منهم على أطراف المقاعد إلى أرض العربة، في منعرجات الطريق ...
وفي زاوية من العربة جلس ثلاثة: معمم على أحد المقاعد يواجهه على المقعد المقابل مقبع ومطربش.
أما المعمم فهو في حدود الأربعين أنيق الثياب جدا، نظيفها كأنما هو قادم بها من فوره من دكان الخياط، ولست أدري ماذا يصنع يوم العيد ليشعر الناس أنه «غير» ملابسه، ممتلئ البدن، أبيض الوجه في حمرة، متورد الوجنتين، تنبئك ملامح وجهه بأنه فكه خفيف الروح، وتحدثك عيناه ولفتاته ونظراته فيمن حوله - على الرغم من الفتور الذي لحقه كما لحق غيره - أنه «ابن بلد» بأوسع معنى لهذه الكلمة.
أما المقبع فهو عتل في نحو الستين، ثقيل الظل جامد الطبع فيما يبدو من ملامحه وهيكله جميعا، وبخاصة حاجباه الكثيفان ومنخاراه الواسعان وعيناه الضيقتان، وفمه الذي ما إن رأيته حتى جزمت بأنه لم يبتسم مرة في سنواته الستين، ولو طلب إلي أن أؤدي يمينا عن هذا لأديتها في غير حرج.
أما المطربش فأرجو أن تعفيني من وصفه، فذلك هو أنا صاحب المنظار!
وحدث بين هؤلاء الثلاثة ما بعث الركاب جميعا من سنتهم، وما أضحكهم على الرغم من الحر والغبار وجهد اليوم ...
مد المقبع إحدى رجليه فوضعها على المقعد حتى مس حذاؤه ملابس المعمم أو كادت، فنظر إليه هذا نظرة استنكار عله يسترد رجله، ويبعد ذلك الحذاء الذي خيل إلي لكبره أنه مركب من مراكب الأطفال؛ فقال له المعمم: «من فضلك يا خواجه.» وأشار إلى حذائه؛ فنظر إليه المقبع متثاقلا، وقال: «لا ... أنا حر.» ونطق الحاء خاء فازداد ثقلا على ثقل.
وازداد وجه المعمم حمرة ورأيته أخذ يتحمس، ولكنها حماسة من يعرف كيف يسلك في مثل هذا الموقف ما يشاكله من مسلك: «أنت حر في بيتك ولكن هنا لا ...» ونطق المعمم كذلك الحاء خاء، كأنما هو حيال «نص» لا يملك له تبديلا.
ولم يلتفت المقبع إليه فازداد بذلك جمودا على جمود!
Bog aan la aqoon
ولم يرع هذا العتل إلا رجلا الشيخ جميعا تمتدان، فتستقران لا على المقعد ولكن في حجره، وقد ضغط الشيخ بنعليه على بطنه وهو يقول: «أنا كمان حر.» وأصر على جعل الحاء خاء.
وضحكت حتى تبادر دمعي وضحك من شهدوا المنظر جميعا، وطار عنهم فتورهم؛ ونهض المقبع كأنما لدغته عقرب، وهو يرطن بلغته، وكأنما فمه بالوعة غصت بالماء وقد انتفخ شدقاه فازداد غلظا على غلظ.
ونظر إلي المعمم وهو بين الضحك من فعلته، وما أثارته من ضحك عام وما كللت به من نجاح أعجبه، وبين الغيظ مما يرطن به المقبع، وقال لي: «ترجم حرفيا ما يقول لألقي به تحت الترام.» فأحجمت وما زدت على أن ضحكت، فقال الشيخ وقد حبس ابتسامته وبدا الجد في وجهه: «أتمتنع عن ترجمة ما يقول هذا الخنزير؟ أهذه غيرتك على كرامة بني وطنك؟»
ورأيتني على رغمي قد دخلت خصما ثالثا في القضية!
ونظرت إلى الشيخ وقلت: «أفتراني - يرحمك الله - أتبين شيئا مما يقول؟ ومع ذلك فهل تظنه يمتدحك ويثني عليك؟»
وأعجب الشيخ ردي فابتسم أو كاد ثم عاد إلى عبوسه وتقطيبه، على أنه ما لبث أن ضحك مع من ضحكوا لهذا الرد.
ورأيت أني أحرجت الشيخ إذ حرمته مما أراد أن يتعلل به من جهله بما يقول خصمه، وكفى الله المؤمنين القتال ... وصار لزاما أن يلقي بذلك المقبع تحت الترام وإلا فقد قبل شتائمه.
وأنقذ المقبع من الموت المحتم تحت عجلات الترام، أو قل: أنقذ الشيخ من حرجه وقوف الترام على آخر محطة، بحيث لم تعد عجلاته تفعل شيئا!
وانطلقت وأنا أدير في رأسي هذه القضية الصغيرة التي فسرت لي تفسيرا عمليا معنى الحرية، وظللت ساعة لا تبرح خيالي رجلا الشيخ يضغط بنعليهما على بطن ذلك المقبع، الذي ظن أنه لا يزال لقبعته ما كان لها قبل من هيبة!
يا خسارة!
Bog aan la aqoon
المجلس حافل كعهده كل ليلة بالشخصيات من كل نمط، ففيه القاضي والمحامي والأستاذ والنائب والكاتب والشاعر والصحفي وغير هؤلاء ممن أداروا ظهورهم للعمل، وركنوا إلى المعاش أو إلى الراحة ...
ويتشقق الحديث حتى لينسى السامرون كيف بدأ ولا أين اتجه، ثم لا يلبث أن ينتهي بنكتة أو ينقطع بسلام قادم يأبى على عادتنا إلا أن يصافح الجالسين، من يعرف منهم ومن لا يعرف في حماسة وشوق ...
وظل هذا حال المجلس ساعة ثم انتظم الحديث وأخذ سمته إلى غايته، واتجهت الأنظار إلى شاب من صحابتي لم أقدمه إلى أحد، وإن كان يعرف الكثيرين بأسمائهم وأشخاصهم.
أخذ هذا الفتى يتكلم بعد صمت، وأنصت السمار إليه أول الأمر يتبينون من هذا القادم الجديد، وإني لأعلم من قبل أنه سوف يأسرهم بحديثه، ففي صوته ما ترتاح إليه الآذان من إشباع في غير غلظ، ومن رنين في غير حدة، وفي منطقه ولهجته من الظرف والهدوء وحسن السياق ما يجذب إليه النفوس من حيث لا تشعر؛ وفي محياه من الفتوة والقسامة، وفي عينيه من البريق والدعة، وفي فمه من الابتسام والسلام، في كل أولئك وفي حسن إشارته وإيماءته ما يجعله حديث مجالس من طراز نادر.
هو في الخامسة والثلاثين أو زاد عليها قليلا، مهندم الثياب في تواضع يدل على رقة الحال أكثر مما يدل على السعة، ولكن خفة روحه وبراعة تحدثه يصرفان الأعين عن ثيابه إلى شخصه ثم عن شخصه إلى حديثه ...
واتجه الحديث بعد أن انتهى شوط منه إلى السياسة بعد الأدب، فأعجب هذا الشاب الواسع الاطلاع سامعيه على اختلاف مذاهبهم، إذ أشار إلى أن بعض النقص في كمال هذا الزعم يعوضه بعض الكمال في نقص ذاك.
وانتقل الكلام إلى الاقتصاد فأنصت مليا ثم أدلى برأيه، فلخص ما سمع من آراء تلخيصا جميلا، فكأنما أتى برأي جديد، وهو لم يأت بشيء إلا ما نسقت فطنته وأدت بلاغته ...
ومال الحديث بالسامر إلى قضية المرأة والرجل، فقال: إنه لا الرجال صالحون للحكم على النساء، ولا النساء صالحات للحكم على الرجال، وهذه هي القضية التي لا يوجد فيها حكم من غير الطرفين، ولسوف تنعقد جلساتهم ثم تؤجل إلى أجل غير مسمى؛ وذلك لأن الرجال والنساء لا يرتضون الحكم الأول الذي صدر من الغيب على آدم وحواء ...
وضحك السامرون وخرجوا من الجد إلى المزاح، وراح كل يدلي بما يحفظ من نكتة أو يذكر من نادرة، ثم أنصتوا إلى صاحبي الشاب فأضحكهم جميعا بنكاته وأقاصيصه، وراعهم بحافظته وسرعة انتقاله من نكتة إلى نكتة، وهو ينسبها جمعيا لأصحابها بل ويذكر الصحف التي نشرتها والمناسبة التي أخرجتها.
وبدا لأحد الجالسين فسأل هذا الشاب ما عمله؟ وابتسم الشاب ابتسامة عريضة تجلت فيها خفة روحه، ولكن مازجها شيء من الدعابة الناقمة، وقال: أنا ناظر مدرسة ...
Bog aan la aqoon
وعاد سائله يستفهم أثانوية أم ابتدائية هذه المدرسة؟
ورد الشاب بقوله: «لا يا فندم إلزامية بس.»
وصاح أحد الجالسين من غير وعي قائلا: «يا خسارة!»
وضج بعض الجالسين بالضحك؛ ونظر آخرون في ساعاتهم يريدون أن ينصرفوا؛ وصمت في غيظ وعبوس شخص كان يناديه تارة يا أستاذ وتارة يا بك، وانتحى البعض جانبا مزورين وهم ينظرون نظرات كريهة إلى هذا الذي أعجبوا به منذ دقائق.
وارتفع صوت أحد الفضلاء يقول للذي أعلن الخسارة: حسبتك والله تقول: «ونعم» ... حتام يا قوم تغرنا الألقاب والرتب؟ وحتام نحترم الرجل لجاهه أو لماله أو للقبه؟ أليس في ذلك معنى من معاني العبودية؟ وكم عندنا من نظار المدارس الابتدائية أو الثانوية من نضعهم إلى جانب هذا الأستاذ في سعة اطلاعه ورجاحة عقله. ألا إن المرء بأصغريه ... ألا إن المرء بأصغريه.
أما صاحبي فلم يأبه بما حدث؛ لأنها كما حدثني ليست أول مرة يلقى فيها مثل ما لقي، وما زاد على أن ضحك ملء نفسه من المزورين جميعا، وإن كنت أحسست في ضحكه المرارة والألم ...
طلاب لهو وطلاب قوت وطلاب موت
كل أولئك رأيتهم في ليلة واحدة وفي شارع واحد، لعله أكبر وأحفل شوارع عاصمتنا، وكل أولئك قل أن يخلو منهم شارع من الشوارع الكبيرة في عاصمتنا العظيمة ...
أما طلاب اللهو فهم أنماط من الناس حسب ما يبتغي كل لنفسه مما يلهو به أو يزجي به فراغه، وأكثر هؤلاء بادون للأعين في غير حاجة إلى منظار، فالشوارع بهم مكتظة، ومنهم فريق هم طلاب اللهو الخفي والعياذ بالله لا يكاد يتبينهم المنظار حتى يرتد عنهم فرارا أو يختفوا هم عنه ...
وأما طلاب القوت فهم كذلك طوائف وأنماط من الخلق، ولكن دع عنك أصحاب الملاحي والمتاجر، فهؤلاء في الحق طلاب ذهب لا طلاب قوت ...
Bog aan la aqoon
وإنما أعني بطلاب القوت أولئك الذين «يسرحون» من بنين وبنات وفتيان وكهول بأوراق «اليانصيب»، أو بالصحف أو بصناديق مسح الأحذية أو بصناديق الحلوى أو أدوات الحلاقة أو السكائر أو غيرها؛ ثم أولئك الذين لا تجد في أيديهم شيئا من هذا، وتراهم يتساقطون على الموائد تساقط الذباب، أو يقعون على مقربة منها إقعاء القطط وغير القطط من الدواب، ينتظرون لقمة أو يفتشون في قمامة، أو يلتقطون ما يلقى من أعقاب السكائر ...
وطلاب القوت هؤلاء وبخاصة من يطلبونه بغير عمل، قذى في العيون بأسمالهم وأذى للنفوس بألفاظهم ومعاركهم وصخبهم ...
ولكن أكبر ظني أن ولاة الأمر قد اقتنعوا أنهم زينة ينقص بغيابهم جمال العاصمة نقصا كبيرا، أو لعلهم أيقنوا أنهم باتوا بحق من تراثنا القومي ومن تقاليدنا الأهلية، فلو خلت الشوارع منهم بمعجزة من المعجزات لبثت الحكومة عينوها، وأرصدت أعوانها حتى يأتوا بهم طائعين، فيعود للعاصمة جمالها الذي غاضت بشاشته ورونقها الذي انطفأت بهجته ...
وأما طلاب الموت فأحسب ذهنك أيها القارئ قد وثب إلى أولئك الجنود الذين كانوا يدبون بالعاصمة كالجراد المنتشر، ولكني لست أقصد هؤلاء فقد أراحنا الله - سبحانه - من عفاريتهم الحمر والسمر والسود إلى غير رجعة إن شاء الله ...
إنما طلاب الموت هم أولئك العظام الملقاة على طوارئ الشارع، والذين يعدون في الأحياء وهم من الموتى لولا أنفاس ضئيلة في صدورهم تتردد.
رأيت خمسة من هؤلاء على مسافات متقاربة، أما أولهم فقد تكور في ثيابه كالقنفذ، وبجانبه زجاجة لعله كان يدور بها في نهاره على المستشفيات، وتحسبه في الثمانين وقد لا يزيد عن الأربعين.
وأما ثانيهم فغلام في نحو الخامسة عشرة بسط إحدى ذراعيه على الأرض ووضع الثانية على بطنه، حيث موضع الألم أو موضع الجوع، وفي وجهه الذابل المتجه إلى السماء صفرة الموت، وفي ساقيه أو في عظمتيه الممدودتين فقاقيع حمراء مخيفة تشيع في صفرتها، ولقد حسبت أنه لن يرى وجه النهار ...
وأما ثالثهم فكهل ضرير ناحل البدن، خائر القوة تدور حول صدغيه من أسفل ذقنه إلى قمة رأسه لفائف بيضاء تحتها قطع من القطن، ولعله قدم بها من إحدى «العيادات الخارجية»، واستلقى هنا يطلب الراحة لبدنه بالموت ...
وأما رابعهم فشيخ تدل لحيته البيضاء ويداه المعروقتان وجبينه المغضن على أنه جاوز السبعين، وقد ألقى عصاه بجانبه ووضع تحت رأسه بعض العلب من الصفيح، لعله كان يلعق ما ترك فيها من طعام.
وأما خامسهم فقد آلمني مرآه أكثر مما فعل مرأى سابقيه جميعا، فهو مقطوع اليدين والرجلين كأنه بقية تمثال قديم، ولست أدري كيف يتحرك المسكين وكيف يأكل إن وجد ثمة من أكل!
Bog aan la aqoon
وقلت لصاحبي، وقد زفرت زفرة طويلة: أيرى الناس هؤلاء كما أرى؟ فضحك وليس المجال مجال ضحك وقال: أف لمنظارك، فأجبته: بل أف لهؤلاء الذين يملئون الصحف بأسماء المؤسسات والمبرات، والذين يتكلمون كثيرا عن أوجه الإصلاح وأنماط المشروعات ...
ومضيت وأنا أسائل نفسي: في أي بلد من بلاد العالم يجمع فيه شارع واحد بين اللاعبين بالذهب، وبين الذين يعيشون كما تعيش الكلاب والقطط، والذين يطلبون الموت فلا يظفرون حتى بالموت؟
هكذا تكون الشرطة!
يا سيدي! بالباب عسكري يقول إنه يريد أن يسلمك محضرا!
بهذا النبأ المزعج دخل علي الخادم في نحو الساعة الثامنة من مساء ليلة قريبة، وأنا جالس إلى مكتبي أفتش في المراجع دون أن أقع على طلبتي حتى ضاق صدري، فلم يسر عني ما بي إلا هذا النبأ البهيج! ووثبت من فوري أتلقى البشرى، فلقد والله زادني الخادم غيظا على غيظي بابتسامته البلهاء التي شفع بها هذا الخبر الأسود، كما لو أنه جاء يبشرني بما تنبسط له نفسي!
ومشيت وأنا أسأل الخادم، أو على الأصح أصيح به محنقا - فقد خيلت إلي أعصابي المكدودة أنه يشمت بي إذ يبتسم أو يظن بي خوفا: أي محضر؟ ولم أخرج من داري نهاري كله، ولا أذكر أني فعلت بالأمس ولا قبل الأمس شيئا يستوجب المحضر، ولا أنا - ولله الحمد - ذو سيارة حتى أدوس بها أحدا أو أخالف بها نظام المرور، ولست ممن يعودون إلى دورهم بعد منتصف الليل ... ولا ... ولا ...
ومضيت إلى الباب الخارجي فما راعني إلا عتل أبرز ما فيه شارباه وأنفه وطول قامته، حتى لقد ذكرني ذلك العملاق بتلك الصور الكاريكاتورية التي ترسمها بعض المجلات لبني جنسه، وأشهد والله بعد رؤيته ما فيها شيء مما كنت أظنه من مبالغة! - ماذا تريد يا شاويش؟ ... وليصدقني القارئ أني أتأدب حتى في خطاب من يسلمني محضرا. - معي محضر يا أفندي من فضلك وقع عليه بالاستلام! - لمن هذا المحضر؟ - لا أعرف. - ما موضوعه؟ - لا أعرف.
هذه والله - في غير تحريف - إجابة الشاويش الهمام لم أصنع بها شيئا إلا أني عربتها! وحبست ضحكي تأدبا علم الله وبنفسي أن أقهقه لولا أني لا أحب أن أسيء حتى إلى مثل هذا العتل وقلت: إذا كنت لا تعرف صاحب المحضر ولا موضوع المحضر ... فلم اخترت بيتنا هذا بالذات؟ - قالوا: عند المزلقان ...
ومددت يدي أتناول الورق منه، فدفعه إلي بعد تردد وحذر؛ وألقيت نظرة فإذا هو لفلان في بيته المرقوم بكيت ويقع كذلك عند مزلقان وهو بشأن سيارة لم يعنني أن أعرف موضوعها، وتبسمت وقلت للشرطي: ليس المحضر لنا، ورحت أصف له موضع البيت المقصود وأذكر له اسم الشخص المطلوب، وحسبت أنه سوف يحمد لي هذا الإرشاد؛ ولكنني نظرت فإذا به يداعب شاربه ويرميني بنظرة اشتركت فيها عيناه وأنفه وغلظه وجهله، وإنه ليبتسم ابتسامة أسمج من هيكله، وكأنما يريد أن يذكرني أنه من رجال البوليس وأنه ليس يضحك أحد أو يمكر برجال البوليس، ثم قال: وقع على الورق يا أفندي. مافيش لزوم للزوغان!
ورأيت أني أكون أجهل منه لو ناقشته بعد ذلك، فهممت أن أوقع وأن أتحمل تبعة المحضر وما فيه لمجرد التخلص منه، وليفهمه رؤساؤه بعد خطأه؛ وعدت أؤكد له أني لست الشخص المطلوب، وهو ينظر إلي ويصب علي سماجته كلها، حتى ضقت به فقلت: لن أوقع، وإذ ذاك تراجع وطلب إلي أن أدله على البيت المكتوب في الورق ... فتنفست الصعداء وقلت: أتعرف بيت محمد باشا محمود؟ - محمد باشا محمود؟ ومين محمد باشا محمود ده؟ ومين يا أفندي اللي يعرفني بالكلام ده؟!
Bog aan la aqoon