Laga soo bilaabo Xawilaadda ilaa Hal-abuurka
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٢) التأليف: تمثل الوافد - تمثل الوافد قبل تنظير الموروث - تمثل الوافد بعد تنظير الموروث
Noocyada
وجالينوس عند مسكويه هو الأخلاقي، لا الطبيب أو المنطقي. وقد اقتصر التوسط بين المذهبين المتعارضين؛ الإنسان خير بالطبع كما يقول الرواقيون، وشرير بالطبع كما يقول الفلاسفة السابقون؛ وينقدهما، ويتوقف الأمر على طبيعة الأفراد، منهم من هو خير بطبعه، ومنهم من هو شرير بطبعه؛ ومن ثم كان جالينوس أقرب إلى الإسلام. وقد حاجج جالينوس كلا المذهبين ببرهان الخلف، إثبات فساد النقيض حتى يثبت النقيض الثاني؛ فلو كان الناس أخيارا بالطبع لتعلموا الشر، إما من أنفسهم لأن بهم قوة تشتاق إلى الشر أقوى من القوة التي تشتاق إلى الخير، وإما أن بهم قوة تشتاق إلى الشر، أو تعلموه من غيرهم لأنهم أشرار بالطبع. ولو كان الناس أشرارا بالطبع لتعلموا الخير من أنفسهم أو من غيرهم؛ وبالتالي يثبت وجود الخير. وهنا يبدو مسكويه مؤسسا الأخلاق على قواعد المنطق والبرهان. وينتهي إلى نفس الرأي المتوسط عند جالينوس مع مزيد من الترجيح بالبداهة والتجربة بعد المنطق والبرهان. ويمكن تصور الناس على مراتب ثلاث كالهرم؛ في القاعدة، وهم الأكثر، الناس أشرار بالطبع؛ وفي الوسط، وهم من على استعداد للخير والشر؛ وفي القمة، وهم الأقلية، الأخيار بالطبع. وعلى هذا النحو جالينوس هو الذي يؤيد مسكويه، وليس مسكويه هو الذي يؤيد جالينوس.
18
ويجمع جالينوس الأخلاق إلى الطب؛ فالأخلاق تبدأ بالطبيعة بنعمة الوجود ثم تتواتر بعد ذلك، تبدأ بالجسد ثم بعد ذلك بالإجادة؛ لذلك كتب جالينوس كتابي «التشريح» و«منافع الأعضاء»؛ فالطب مقدمة للأخلاق. وفي كتابه «أخلاق النفس» يبين موافقة أهل الشر للأشرار لإيجاد الأعذار لأنفسهم أنهم غير متفردين بهذا الرأي، بل ويشاركهم فيه غيرهم طبقا لقواعد الجدل والإقناع، ثم يزيد مسكويه على جالينوس تعرف المرء على عيوب نفسه بعد أن يعرفها؛ إذ إن عيوب نفس كل إنسان خافية عليه؛ ومن ثم وجب أن يختار صديقا فاضلا ويطلب منه أن يبينها له دون أن يغضب من صراحته، بل يغضب من كتمانه، ويطلب منه المزيد دون أن يتضجر أو يتضرر. ولعل العدو في هذا أنفع من الصديق؛ فعدو عاقل خير من صديق جاهل.
19
ويحيل مسكويه إلى أفلاطون وسقراط وفيثاغورس عندما يؤسس الأخلاق على النفس مستعيرا منه تشبيها للنفس الناطقة والنفس البهيمية، مثال الذهب في اللين والانعطاف، والحديد في الصلابة والامتناع. كما استعمل مقالا من بقراطس في موضوع التهور والجبن، مجرد صورة فنية على كبح جماح النفس، مثال السفينة إذا عصفت بها الرياح وتلاطمت عليها الأمواج، يمكن السيطرة عليها عن طريق الملاحين أكثر من السيطرة على القضبان الملتهب. وهؤلاء الثلاثة يمثلون تطور الفلسفة قبل اكتمالها في أرسطو، وقد أجمعوا على أن الفضائل كلها في النفس، وأقسام السعادة، الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة، في قوى النفس العاقلة والغضبية والشهوية، وهي فضائل قائمة بذاتها لا تحتاج إلى البدن في شيء. وإذا أشرقت العدالة أشرقت بها كل قوة من قوى النفس لأنها مجموع فضائلها، فتنهض النفس وتؤدي غايتها في قرب الإنسان السعيد من الله تقدس اسمه. والعدالة توسط بين الأطراف؛ لذلك أوصى أفلاطون طالب الحكمة بأن يموت بالإرادة حتى يحيا بالطبيعة في موضوع علاج الخوف من الموت. وعلى الرغم من ارتباط الأخلاق عند أفلاطون بالنفس، وارتباطها عند جالينوس وأبقراط بالبدن، إلا أن مسكويه يجمع بين الاثنين مضافين إلى أرسطو في نظرية متكاملة للأخلاق، تقوم على قواعد البرهان وطهارة النفس وسلامة البدن.
20
ويقتبس مسكويه نصا من سقراطيس في موضوع الصداقة بألفاظها، ويقطع النص إلى فقرات حتى يسهل استيعابها وتمثلها، متعجبا مما يعلم أولاده أخبار الملوك والحروب والضغائن دون أن يعلمهم أمور المودة وأحاديث الألفة، وما يحدث للجميع من خير بالمحبة والأنس؛ إذ لا يستطيع أحد أن يعيش دون مودة، حتى ولو كانت الدنيا كلها ضده، بل تكون حاجته إلى المودة أشد، ولا يعادل المودة شيء في الدنيا حتى لو كانت ذخائر جميع الملوك وكنوز قارون؛ مما يدل على انتحال النص؛ فسقراطيس لم يكن يعلم خزائن قارون، وقد تكون قراءة إسلامية لقول صحيح، وكلاهما إبداع. ولا شيء يعادل لوعة صديق، ولا شيء يقوم مقامه. والسلطان إليها أحوج؛ لأنه بها يباشر أمور الرعية أكثر من الاعتماد على أعوانه. عيون الصديق أفضل من عيون الأمن. والنص له ما يقابله في الموروث، ولكن الغاية منه تمثله وابتلاعه في المحيط الواسع.
21
ويعي مسكويه تماما متى يكون ناقلا نصا، ومتى يكون معلقا وقارئا لنص ثان، ومتى يكون مكملا ومبدعا لنص ثالث. ويعلن عن ذلك صراحة في فصل «تأديب الأحداث والصبيان»، يعلن أنه نقل أكثره من كتاب بروسن حتى، ولو كان عنوانا بأكمله دونما شعور بحرج من قال، قلت، ولو كان أكثره نقلا وأقله صفحتين من الكتاب كله، متفقين مع الجو العام في نقطة تطبيقية، جزء في كل، يمكن حذفه دون الإخلال بمنطق الكتاب، مجرد قوسين عارضين يمكن تلخيصها وعرضها أو حذفها. وتصل بداهة هذه النصائح إلى حد البساطة بالرغم من اختلافها من حضارة إلى حضارة، ومن فرد إلى فرد، ومن مذهب إلى مذهب، ومن غاية إلى غاية. والانتقاء أيضا تأليف غير مباشر ما دام متفقا بين المنقول والناقل، الحديث عن النفس بلسان الآخر. وهو موضوع عملي صرف، تأديب الأحداث والصبيان، قد لا يوجد ما يقابله في الموروث، ولكنه متفق في العقل والمصلحة. تبدو الأخلاق عند مسكويه هنا على مستويين؛ الأخلاق الإشراقية والأخلاق العملية، فضائل النفس والنصائح والمواعظ التربوية .
22
Bog aan la aqoon