Laga soo bilaabo Xawilaadda ilaa Hal-abuurka
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٢) التأليف: تمثل الوافد - تمثل الوافد قبل تنظير الموروث - تمثل الوافد بعد تنظير الموروث
Noocyada
23
والحديث القدسي الأول «إن للنار سبعة أبواب وللجنة ثمانية أبواب» تبليغ من الله إلى النبي؛ فالأشياء المدركة إما مدركة للجزئيات، الحواس الخمس الظاهرة، ثم إدراك الصور مع المواد أو بدون المواد في خزانة الحواس، وهو الخيال، وقوة حاكمة عليها حكما غير واجب وهو الوهم، وقوة حاكمة عليها حكما واجبا هو العقل؛ فهذه ثمانية إذا اجتمعت أدت إلى السعادة السرمدية والدخول في الجنة، وإن نقصت إحداها أدت إلى الشقاوة السرمدية والدخول في النار. وفي اللغة المؤدي إلى الشيء يسمى بابا؛ لذلك سميت أبوابا، السبعة المؤدية إلى النار والثامنة المؤدية إلى الجنة. وإذا كان العدد الرمزي سبعة، فلماذا زيد واحد في الجنة؟ ولماذا أخذ ابن سينا ثلاث حواس باطنية فقط ولم يأخذ الخمسة كلها مثل التذكر والحس المشترك؟ وهو أيضا موضوع غيبي يمارس فيه ابن سينا منهجه في التأويل بتحويله إلى دلالات إنسانية قياسا للغائب على الشاهد. لقد استطاع ابن سينا تحويل النصوص إلى تجارب إنسانية ومعاني عقلية على أوسع نطاق من العمومية والشمول، ولكن ظل التأويل مرتبطا بثقافة العصر، علم الفلك القديم، وعلم النفس، وطرق المعرفة القديمة. فإذا ما تغيرت ثقافة العصر تغير التأويل. وهل يمكن تجاوز تشخيص الطبيعة إلى الإنسانيات مباشرة وإعطاء تأويل إنساني عام لكل العصور، أم أن التأويل بطبيعته فهم للنصوص في ثقافة كل عصر؟
ويئول ابن سينا الحديث القدسي الثاني «إن على النار صراطا صفته أنه أحد من السيف وأدق من الشعر، ولن يدخل أحد الجنة حتى يجوز عليه؛ فمن جاز عليه نجا، ومن سقط عنه خسر» كمناسبة لتحويل الغيبيات إلى مشاهدات، والوحي إلى تجارب إنسانية.
24
وهي صورة فنية للعقاب ودون فهم العقاب أولا. وبدون التجربة الإنسانية لا يمكن فهم الصورة الفنية المتضمنة في النص. الصورة الفنية وسيط بين الوعي والنص، بها من الوعي الشعور أو الخيال، وبها من النص الحروف والكلمات. الثواب هو البقاء في العناية الإلهية الأولى، ولا يحصل إلا بعد الكمال العلمي والعملي، وذلك عن طريق مجاهدة النفس الحيوانية في أفعالها العملية وإدراكاتها العلمية. ويكون الهلاك بمطابقة الوهم للقوى الحيوانية في غيبة الحواس، وتكون النجاة بمطابقة العقل للصور العقلية الشريفة. ويمكن على هذا الأساس فهم الجنة والنار؛ فالعوالم ثلاث: عالم حسي، وعالم خيالي ووهمي، وعالم عقلي. العالم العقلي هو المقام في الجنة، والعالم الخيالي الوهمي هو الحطب، والعالم الحسي هو القبور. ولما كان العقل في حاجة إلى استقراء الكليات من الجزئيات، فإنه يحتاج إلى الحس الظاهر الذي يقدم المحسوسات إلى الخيال والوهم. وهذا هو طريق جهنم، الصراط الدقيق. فإذا توقف الإنسان ولم يتجاوز الوهم والخيال إلى العقل وقف على الجحيم وسكن في جهنم. يحول ابن سينا الأخرويات من مستوى الكونيات إلى مستوى المعرفة؛ فالصراط ليس شعرة حسية، بل طريق للمعرفة يؤدي إلى الوهم أي إلى النار، أو إلى العقل أي إلى الجنة. التأويل إذن هو إرجاع الخارج إلى الداخل، والموضوع إلى التراث، والشيء إلى المعنى، والواقع إلى الفكر.
25
لقد توجهت علوم الحكمة إلى السمعيات كي تحيلها إلى عقليات متجاوزة علم الكلام، محولة الصور الفنية إلى علوم نظرية وسلوك عملي، ومتجاوزة المصادفة والسير على الصراط عندما تتكافأ الأدلة، وكأن المؤمن بهلوان تساعده الملائكة كي يقع في الجنة أو تدفعه الشياطين كي يقع في النار. وقد اختار ابن سينا الآيات القرآنية والأحاديث القدسية من نفس النوع الغيبي الأخروي الذي يسمح له بالتأويل الإشراقي، وليس الآيات والأحاديث العملية التي تنفع الناس في الدنيا، وكما نحتاج هذه الأيام في مجتمعات الضلال والتخلف. حول ابن سينا الأخرويات إلى إنسانيات، الثواب والعقاب، السعادة والشقاء. (ب) وفي «سر القدر» ذكر الحكيم تحولا من الشخص إلى الرمز، وأفلاطون في المقدمة الثالثة، إثبات المعاد للنفوس وليس في المقدمتين الأوليين، نظام العالم وحديث الثواب والعقاب. ينكر الحكيم وجود الشر القصدي في العالم على عكس الخير؛ فالشر إعدام وليس وجودا. وهي نظرة متفائلة تشبه نظرة الإسلام، على عكس أفلاطون الذي يرى أن الشر والخير مقصودان استشهادا بالآية القرآنية
يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية
كمقدمة نقلية؛ فالموروث وعاء للوافد، والوافد مادة للموروث ومضمون لها. ولا يستشهد بالقرآن إلا في المقدمة الثالثة بعد الأولى في نظام العالم، والثانية حديث الثواب والعقاب، إثبات المعاد للنفوس؛ فالمعاد دعوة للنفس المطمئنة. ويعود ابن سينا إلى المسألة الصوفية التي سئل عنها «من عرف سر القدر فقد ألحد» إلى الأصل في الحديث «القدر سر الله، ولا تظهروا سر الله»، بصرف النظر عن صحة السند أو المتن، مع أن صيغة «ما روي»، وليس حديث الرسول أو قال الرسول، تشكك فيه. والأقوال الثلاثة المنسوبة إلى علي تحتمل الشك أيضا؛ إذ إنها تدور حول نفس المعنى بصياغات أدبية متعددة مما قد يكشف عن الإبداع الذاتي، الفكرة التي تخلق صورها. وقد يدل استشهاده بعلي ثلاث مرات على تشيعه. كما يستشهد بحديث أو قول مأثور «اعملوا فكل ميسر لما خلق الله». وتظهر بعض التعبيرات القرآنية تعبر عن المخزون الأدبي لابن سينا، كما تظهر العبارات القرآنية وأساليبه في الخطاب مثل الشراب الطهور، وضرب الأمثال، ولا يسأل عما يفعل، وكل شيء هالك إلا وجهه.
26
Bog aan la aqoon