Laga soo bilaabo Tarjumaada ilaa Hal-abuurka
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (١) التدوين: التاريخ – القراءة – الانتحال
Noocyada
لم يحدث التوازن المطلوب بين التراث والتجديد؛ فقد خرج أقرب إلى التراث منه إلى التجديد، يغلب عليه تحليل القدماء أكثر من تحليل المعاصرين؛ فيتناول الموضوعات القديمة أكثر مما يبين أثرها كمخزون نفسي في سلوك الأفراد والجماعات ووعيهم بالتاريخ، أقرب إلى القلة من المتخصصين منه إلى مجموعة المثقفين، وباختصار أقرب إلى العقيدة منه إلى الثورة. كان السبب في ذلك أنه بالإضافة إلى صعوبة إيجاد ميزان متعادل بين القديم والجديد، كان يتم الانتقال أحيانا من القديم إلى الجديد قفزا بعد أن يتم الاستغراق في القديم دون القدرة على الخروج منه خروجا طبيعيا منتقلا إلى الجديد؛ لذلك خرجت قفزات قديمة وأخرى جديدة متجاورات دون الانتقال بين الاثنين على نحو طبيعي متصل كتوالد طبيعي.
3
كان فك القيد من القدماء هو الهم الغالب على تثوير المحدثين، فما أسهل التثوير إذا ما كسرت القيود. والتحرر من الماضي هو شرط الثورة في الحاضر، والتخفيف من ثقل الحمل هو إسراع في التقدم. كان الغالب هو الفكر السالب؛ فالسلب أقوى من الإيجاب، والهدم يسبق البناء، والرفض متقدم على القبول خاصة في عصر يخشى من الرفض والتمرد والنفي، ويغلب عليه القبول والتسليم، ويلاحق فيه المفكرون والمبدعون. كان القصد هو التحرر من المنبع، وخلخلة الجذور حتى يتحقق التثوير خاصة بعد فشل تجاربنا الحديثة في النهضة في القرن الماضي، والثورة في هذا القرن، عودا إلى بدأ، ورجوعا إلى المنبع والجذور الأولى في السكون والخوف والاستسلام. كانت خلخلة الحائط المنيع من الأساس، مرة إلى الأمام ومرة إلى الخلف تكفي لأية هبة ريح لاقتلاعه بدلا من خبط الرأس فيه فتسيل الدماء. كان يكفي وضع بعض الزيت على المزلاج الصدئ وتحريك المفتاح مرتين فتحا وغلقا حتى يكفي ذلك لأية ريح تفتحه بدلا من ضربة رأس تسيل الدماء ولا ينفتح الباب. (ب)
غلب على الكاتب منهج العرض أكثر من منهج التحليل، عرض أقوال القدماء، ثم الدخول معها في حوار من أجل مراجعتها ثم خلخلتها والشك فيها دون تحليل النص وبيان مكوناته، كيف نشأ وتطور ثم انغلق حتى تحول إلى سلطة. كانت الغاية من العرض كشف القدماء، وإعادة بسط فكرهم حتى تسهل رؤيته، والتعرف على بنيته ثم التصويب عليه بعد أن أصبح لوحة مكشوفة. غلب على الحوار مع القدماء أسلوب المواجهة من الأمام وليس أسلوب الالتفاف من الخلف؛ لذلك صعبت معرفة أين ينتهي العرض وأين يبدأ النقد؟ متى ينتهي كلام القدماء ومتى يبدأ كلام المحدثين؟ أين ينتهي النص القديم ومتى يبدأ النص الجديد؟ كان يمكن إعادة كتابة النص القديم بأسلوب جديد عن طريق منهج القراءة وآليات التأويل، وهو ما كان يحدث أحيانا، ولكن الخطورة كانت في ضياع النصين معا، القديم والجديد، وبالتالي يتوارى التمايز والتقابل بين القدماء والمحدثين. وكان قد تم استعمال هذا المنهج من قبل في «مناهج التفسير في علم أصول الفقه»، ولم يكن مرضيا بسبب خروج نص يختفي فيه التمايز بين القديم والجديد، بين التراث والتجديد، مجرد قراءة لا أساس لها ولا منطق، عمل فلسفي خالص، ذهنان يتحاوران في لا زمان ولا مكان بهدف بيان إمكانية التجاوز والانتقال من مرحلة تاريخية قديمة بأسلوبها ومناهجها وموضوعاتها إلى مرحلة تاريخية جديدة مخالفة في تطلعاتها ووسائل تعبيرها وأهدافها، وسمي ذلك منهج النقل؛ أي مجرد إعادة كتابة النص القديم بأسلوب جديد، مستعملة لغة العصر، مثالية الشعور، ومنهج العصر، منهج تحليل التجارب الشعورية تحت تأثير الحركات الإسلامية المعاصرة.
4 (ج)
أتى مسهبا، مطولا، وكأنه موسوعة جديدة في علم العقائد منذ «المغني في أبواب التوحيد والعدل» للقاضي عبد الجبار. وبالتالي استحال عمليا الاطلاع عليه من الجمهور لإحداث التثوير المطلوب. يوضع في المكتبات العامة وليس في المكتبات الخاصة، يحمل على المناضد وليس بيانا يوزع على الناس في الشوارع. أوغل في التفصيلات الجزئية حتى ضاعت الرؤية الكلية، فلم يتحقق القصد من التثوير. كان الهدف هو العلم الدقيق قبل الأيديولوجيا، وحتى لا يتهم الكتاب بأنه ضحى بالأول في سبيل الثاني. كان الهدف أيضا مبارزة القدماء ضربة بضربة وطعنة بطعنة حتى يتم الانتصار عليهم في جولات متعددة وليس بالضربة القاضية. كان المطلوب تقويض الأسس النظرية التي قامت عليها تحليلات القدماء، وكان لا بد من خلخلتها. واقتضى ذلك التعامل مع الجذور جزءا جزءا حتى لا تقطع الجذوع والجذور باقية فتنتج جذوعا أخرى. وعلم الكلام ذاته علم حجاج وجدال وصنعة أدلة وبراهين، بل إن إثبات الشيء مرهون بالدليل عليه، وما لا دليل عليه يجب نفيه بمنطق الأصوليين. كان العذر في ذلك ألا يترك تحليل المحدثين صغيرة ولا كبيرة، شاردة ولا واردة، عرضها القدماء حتى يتم تذويب الماضي كله في الحاضر، والقضاء على تكلسه وقدرته على التأثير في التاريخ. ولكن العيب في العصر الذي يبغي الاطلاع السريع، والتعامل مع أجهزة الإعلام، وملء الفراغ الثقافي والتعامل مع الثقافة في الأمد القريب، وليس تحليلا لجذورها التاريخية على الأمد البعيد. هو عصر ثورة المعلومات التي يهمها نقلها من أطراف الأرض إلى أطرافها بصرف النظر عن مضمونها. (د)
جاء التبويب أقرب إلى القدماء منه إلى المعاصرين، ليس فقط في البنية الثلاثية للعلم: المقدمات، والإلهيات (العقليات)، والنبوات (السمعيات)، بل أيضا في ألفاظه ولغته، مثل الذات والصفات والأفعال، والنبوة والمعاد، والإيمان والعمل والإمامة، مما يسهل على أهل التخصص المعاصرين تصنيفه ضمن العقيدة أكثر من تصنيفه ضمن الثورة. لم يكن هناك إشكال في المقدمات النظرية (المجلد الأول)؛ فقد وصلت نظرية العلم ونظرية الوجود إلى أكبر قدر ممكن من التعقيل والتنظير والتعميم، متجاوزة العقيدة إلى المبادئ العامة؛ أي إلى الأوليات التي تقوم عليها أية عقيدة.
5
كما أن «التوحيد» (المجلد الثاني) و«العدل» (المجلد الثالث) أقرب إلى العموم منهما إلى الخصوص، وإلى العقل منهما إلى النقل؛ فلفظ «التوحيد» لفظ فلسفي وميتافزيقي ووجودي، وليس بالضرورة لفظا عقائديا. إنما كان الإشكال في «السمعيات» التي غلبت عليها الألفاظ العقائدية: النبوة ، والمعاد، والإيمان، والعمل، والإمامة؛ لذلك آثرنا وضع اللفظ الجديد تحت اللفظ القديم؛ فالتوحيد هو الإنسان الكامل، والعدل هو الإنسان المتعين. والنبوة والمعاد يشيران، إلى التاريخ العام؛ والإيمان والعمل والإمامة يشيران إلى التاريخ المتعين. في الظاهر البنية القديمة لم تتغير، الإلهيات والسمعيات. وفي الحقيقة تغيرت لأنه أمكن تحويل هذين القسمين للعقائد إلى بعدين جديدين ينقصان في وجداننا المعاصر، الإنسان والتاريخ. آثرت الإبقاء على الشكل وتغيير المضمون، الشكل القديم لجذب القراء القدماء والأزهريين وعلماء أصول الدين، والمضمون الجديد لجذب القراء المحدثين والجامعيين والثوريين. وبلغة التضاد العصري، الأول لجذب السلفيين، والثاني لجذب العلمانيين، تحقيقا للمصالحة الوطنية بدلا من الاقتتال وسفك الدماء في الجزائر ومصر. والأفضل الإبقاء على الشكل وتغيير المضمون من تغيير الشكل والإبقاء على المضمون.
6
Bog aan la aqoon