وغني بها عن الناس وغنيت به، فما يهمه اليوم أن يسمع الناس ما يصدح به من أغاريد الحب أو يكون لها وحدها شدوه وغناؤه.
آه ...! لشد ما تقسو عليه دنياه!
كان ذلك منذ سنين. أما اليوم، فقد ضربت الأيام بينه وبينها بسور ليس له باب، وعاد إلى الحياة وحده، لا يدري من أمرها ولا تدري من أمره شيئا ... ... وأشرق الصبح عليه صبيحة عيد الميلاد، وما زال يراوح بين جنبيه في فراشه الوحدة ولم تغتمض عيناه.
ما هو؟ وأين هو؟ وما دنياه؟
إنه ليحس من حوله فراغا هائلا ليس له قرار، وإن الوحدة لتكتنفه فما يشعر أن ثمة أحدا بجانبه يفزع إليه ليؤنس وحشة قلبه، وإنه ليعيش من زحمة الحياة وصخب الأحياء في ضجة يموت فيها النغم ويتلاشى الصدى، ففيم العيش؟ وما جدواه؟ وإلى أي غاية يمضي؟
وعاد يلتمس الوسيلة إلى الخلاص ...
وقالت له نفسه: «أتحسب يا صاحبي أنك قد فرغت من دنياك حين خلوت إلى نفسك؟ فما أنت بشاعر ...! لئن كنت قد عفت الحياة وكرهت المقام في دنياك لأمر من أمور دنياك، إن الحياة ما تزال تطالبك بحقها عليك، فإن أديته وإلا فلست من شعرائها ولا كنت ... ... ما الشعر إلا رسالة الحياة إلى الأحياء تعبر عن أسرار الحياة ومعانيها، وما هو إلا قبس من نور السماء يتنزل على قلب بشر لتنير به السماء ما حوله من ظلمات البشرية، وما هو إلا إحساس زائد على إحساس الناس يرى ما لا يرى ذو عين ويسمع ما لا يسمع ذو أذن، وما هو إلا وحي يوحى من وراء الغيب إلى إنسان تكون فيه زيادة على الإنسانية، وما هو إلا إدراك كامل يكشف عن مظاهر الجمال في الكون ويهدي إلى الحق والخير. ... أفتراك يا صاحبي قد بلغت رسالة الشعر حين حسبت أنك قد فرغت من دنياك أم أنت ...؟»
وأطرق الشاعر برهة يفكر ثم نهض لأمره ...
بلى، إن عليه رسالة يؤديها وواجبا ينهض له، فلا عليه من الناس حتى يبلغ، فإذا انتهى من أمره فإن نفسه له خالصة يمضي بها حيث يريد.
وأمات في دخيلته دواعي النفس ونوازع الهوى ومضى لغايته ...
Bog aan la aqoon