وهم طفل أن يناديها فأخطأ النداء ونطق على عادته: ماما! فلوت وجهها لتخفي عن أطفالها دمعة!
وأحس الصغار إحساس الطفولة الملهمة، فداروا بها يسألونها عما بها محزونين وفي كل عين دمعة!
ونظرت ثانية فابتسمت وسري عنها، ثم ضمت أطفالها إلى صدرها وهي تتمتم: «لا علي يا أحبائي ما دمتم معي؛ أنتم بني وبناتي، وأنا لكم أم، أم بلا ولد!»
ثمن المجد
لم يكن من طبيعتها الزهو والمباهاة، ولكنها تشعر الليلة بين لداتها وصواحبها أنها قد بلغت مرتبة من حقها أن تزهى بها وتفتخر، إنها الليلة خطيبة «سامي»، وهذا خاتم الخطبة في إصبعها يزهو ويتألق شعاعه، وأي صواحبها لم تعرف سامي أو تسمع به، وإنه من الشهرة وذيوع الصيت حديث كل فتى ونجوى كل فتاة.
وراحت «رشيدة» تخطر بين رفيقاتها تتقبل التهاني وتوزع الابتسامات مغتبطة سعيدة، لا تكاد تستقر على مقعد من خفة الفرح ونشوة المسرة ... ... ثم انفض السامر وخلت رشيدة إلى نفسها تحلم بما كان وبما سيكون وتتهيأ لليوم السعيد المنتظر.
فتى في ربيع العمر، لم يفتنه الشباب ولم يبطره الغنى، تطلع إلى أمل بعيد فمضى يشق الطريق إليه في عزم وقوة، وبلغ، وبرز اسمه في الطليعة من أدباء الجيل ولم يزل في أول الطريق، وذاع اسمه كما ينفذ شعاع الصبح فتكتحل كل عين من نوره ويصحو كل نعسان، وشدت القماري بأغانيه في الرياض، وهتفت به العذارى في خلواتهن، وتغنى الفتيان ...
ودق الجرس ذات مساء في دار رشيدة وجاء سامي يخطبها ... وتوافد لداتها وصواحبها يهنئنها ويتمنين لها الأماني ...
وراحت تتخيل نفسها إلى جانبه يمشيان ذراعا إلى ذراع تحدثه ويصغي إليها والناس تهتف باسمها واسمه، والعيون تتبعهما حيث يتنقلان من روض إلى روض في طريق مفروش بالزهر، والأصابع تشير إليهما في همس ...
ولذها الحلم السعيد فطارت بغير جناح تحلق في أودية المنى سكرى.
Bog aan la aqoon