228

Min Hadith Nafs

من حديث النفس

Daabacaha

دار المنارة للنشر والتوزيع

Lambarka Daabacaadda

الثامنة

Sanadka Daabacaadda

١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م

Goobta Daabacaadda

جدة - المملكة العربية السعودية

Noocyada

عن «مستقبل» آخر، فأنا كالفرس الذي يعدو ويشتد ويكدُّ نفسه ليدرك حزمة الحشيش، والحزمة معلقة في عنقه، يبصرها أبدًا أمامه ولا يصل إليها، فلا يزال يسعى حتى يدركه الكلال فيقع، أو تعترضه حفرة فيسقط فيها ... ولكن الحفرة التي أسقط فيها أنا لا قيام منها ولا مناص من ورودها، ولا يستطيع أن يجتنبها كبير ولا صغير، ولا غني ولا فقير، ولا أمير ولا أجير. وإذا أنا وصلت إلى الأمل الضخم هان عليّ وذهب بهاؤه وامَّحت روعته، كأن الآمال سراب لا يلمع إلاّ من بعيد. لقد كان أكبر أملي يوم كنت في الابتدائية أن أكون معلمًا، وكنت أتوهّم حياة المعلم فأجدها جنة أنزلت الأرض فيها ما تشتهي الأنفس ... أليس المعلم يأمر فيُطاع أمره، وينهى فيُجتنب نهيه، ويوفى التبجيل وينال الإكبار؟ فلما صرت معلمًا لم أجد من تلك الجنة إلاّ الذي تجده من الغوطة في الشتاء: أرضًا موحلة ما فيها إلاّ الشوك، وأشجارًا يابسة ما فيها إلاّ الحطب، ورأيت مدرّس الثانوية أعلى قدرًا وأقل عملًا وأكبر مرتبًا وأوسع جاهًا، فأملت أن أكونه. وأملت أن أكون كاتبًا، وأن أكون قاضيًا، وأن أكون خطيبًا، وأن أسيح في البلاد ... فلم أجد في الأمل إلاّ الألم لانتظاره، ثم الملل من بقائه، فتيقنت الآن أني لو صرت رئيس الجمهورية أو صاحب «الأهرام» أو كان لي مال «عبود»، لذهبت الأيام بلذة ذلك كله وهوّنه الاعتياد، فلم أستفد منه إلاّ حسد الحساد عليه والحسرة -إن فُقِدَ- لفقده ... وأن متع الدنيا أوهام، مَن لم ينلها تشوّقَ إليها وحسد عليها، ومَن نالها ملّها وتمنى غيرها:

1 / 245