وكذلك يتفاضلون في عداوة الله بحسب تفاضلهم في الكفر والنفاق، وأولياء الله على طبقتين:
سابقون مقربون، وأصحاب يمين مقتصدون، ذكرهم الله في عدة مواضع من كتابه العزيز في أول الواقعة وآخرها وفي سورة الإنسان والمطففين وفي سورة فاطر.
فالأبرار أصحاب اليمين هم المتقربون إلى الله بالفرائض يفعلون ما أوجب الله عليهم ويتركون ما حرم الله عليهم، ولا يكلفون أنفسهم بالمندوبات، ولا الكف عن فضول المباحات، وأما السابقون المقربون فتقربوا إليه بالنوافل بعد الفرائض ففعلوا الواجبات والمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات، فلما تقربوا إليه بجميع ما يقدرون عليه من محبوباته أحبهم الرب حبا تاما كما قال تعالى في الحديث القدسي: «ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه».
فهؤلاء المقربون صارت المباحات في حقهم طاعات يتقربون بها إلى الله عز وجل فكانت أعمالهم كلها عبادات لله فشربوا صرفا كما عملوا له صرفا، المقتصدون كان في أعمالهم ما فعلوا لنفوسهم فلا يعاقبون عليه ولا يثابون فلم يشربوا صرفا بل مزج لهم من شراب المقربين بحسب ما مزجوه في الدنيا فالمقربون السابقون أفضل من الأبرار أصحاب اليمين.
وإذا كان أولياء الله هم المؤمنين المتقين والناس يتفاضلون في الإيمان والتقوى فهم متفاضلون في ولاية الله، بحسب ذلك كما أنهم لما كانوا متفاضلين في الكفر والفسوق والمعاصي والنفاق كانوا متفاضلين في عداوة الله بحسب ذلك.
أصل الإيمان والتقوى
وأصل الإيمان والتقوى الإيمان برسل الله، وجماع ذلك الإيمان بخاتم الرسل محمد - صلى الله عليه وسلم - فالإيمان به يتضمن الإيمان بجميع كتب الله ورسله، وأصل الكفر والنفاق هو الكفر بالرسل وبما جاءوا به فإن هذا هو الكفر الذي يستحق صاحبه العذاب في الآخرة فإن الله تعالى أخبر في كتابه أنه لا يعذب أحدا إلا بعد بلوغ الرسالة قال تعالى: { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } [الإسراء: 15] .
Bogga 15