Min Caqida Ila Thawra Nubuwwa
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Noocyada
28
ولا فرق في ذلك بين رجل وامرأة ما دامت النبوة مركزة على الرسالة وليس على الشخص؛ وبالتالي لا يهم جنس مبلغ الرسالة، ذكرا كان أم أنثى، فالشخص ما هو إلا وسيلة للتبليغ، ولكن الواقع من تاريخ الأديان أن الأنبياء الذكور هم الغالب على الأنبياء الإناث، على مدى تاريخ النبوة، وفي كل مراحل الوحي؛ نظرا لما تتطلب النبوة من مهام الحرب وفنون القتال، ومن واقع التاريخ البشري وإحصاء قادة الحرب فإن الغالبية كانت من الذكور.
29
وقد تحولت الصفات في العقائد المتأخرة في إطار نظرية الوجوب والجواز والاستحالة؛ ما يجب للرسول وما يمتنع عليه وما يجوز له من صفات، وكانت النتيجة أربع صفات للوجوب، وأربعة أضدادها في الاستحالة، وصفة واحدة في الجواز؛ وبالتالي يجب على المسلم كما آمن بواحد وأربعين عقيدة في الله أن يؤمن بتسع عقائد في الرسول. ولما كانت الصفات الأربعة الثانية فيما يستحيل على الرسول مضادة للصفات الأربع الأولى، فيما يجب للرسول، أمكن وضعها في أربع صفات واحدة إثباتا ونفيا، إيجابا وسلبا، فالاستحالة هي قلب للوجوب؛ الأولى يجب عليه الصدق ويستحيل عليه الكذب، فالصدق أول شرط للتبليغ؛ والثانية تجب عليه الأمانة وتستحيل عليه الخيانة، والأمانة في التبليغ مثل الصدق فيه؛ والثالثة يجب عليه التبليغ ويستحيل عليه الكتمان، والتبليغ هو الإعلان، وهو الغاية الرئيسية من النبوة، ووظيفتها الأولى؛ والرابعة تجب عليه الفطانة ويستحيل عليه التهور أو البلادة؛ لذلك نجحوا في قيادة الأمم وفي تأسيس الدول. وتجوز عليهم الأعراض البشرية من موت وفناء ومرض وعجز وشيخوخة وطعام وشراب وجماع ونوم؛ فالنبي ليس إلها، ولا خالدا، ولا يصعد إلى السماء، ولا يسير على الماء، بل يأكل الطعام ويمشي في الأسواق.
30
وإذا كان الرسول قدوة في السلوك وأسوة حسنة للناس، فقد رسب في وعينا القومي أضداد الصفات أكثر من استقرار الصفات ذاتها؛ فتوارى الصدق وراء التهور أو البلادة، وجعلنا الأعراض البشرية مستحيلة، ورفعنا الزعماء إلى مصاف الآلهة، فلا تموت ولا تمرض، وأضفينا عليها صفات الوجوب، وقدسناها عن صفات الاستحالة.
وبالرغم من محاولة بعض الحركات الإصلاحية الأخيرة تحويل صفات النبي الأربع إلى خصائص للرسالة العامة، فالتبليغ أساسا هو إبلاغ الناس الخبر وإيصال الرسالة؛ وبالتالي القضاء على تشخيص النبوة، التي قد تكون هي الجذر التاريخي لتشخيص السياسة والمبادئ والرسالات في أشخاص الرؤساء، سرعان ما تحولت من جديد تحت أثر علوم السيرة إلى نبوة مشخصة، بل وامتدت الخصال الأربع وتكاثرت وأصبحت بالعشرات، وتحولت من صفات محددة خاصة بتبليغ الرسالة إلى صفات بدنية وجسمية ومزاجية خاصة، مثل حسن صورته وبياض وجهه المشوب بالحمرة ونور عقله وذكاء لبه وحكمه وعفوه وصبره وجوده وسخائه وسماحته وشجاعته ونجدته، ثم تمتد الصفات الفردية إلى الصفات الاجتماعية، مثل حسن عشرته وأدبه ورحمته ووفائه وتواضعه وعدله وعفته وزهده ووقاره وصحته وهيبته، والاعتقاد بنجاة أبويه نظرا لنجاة أهل الفترة كلها، هكذا بلا أعمال أو استحقاق، أو بعد إحيائهما من جديد وإيمانهما به، وكأن الله مسيح آخر يبعث الموتى من القبور قبل يوم الدين، وهو ما يظهر في المدائح النبوية والتواشيح الدينية التي تسمع في الموالد والأعياد، كما تسمع الأغاني في مدح صفات الزعماء.
31
تاسعا: تواتر الرسالة
إذا كانت النبوة تقوم على أربعة أطراف؛ المرسل والمرسل إليه والرسالة والمرسل إليهم، وكان النبي موضوع التوحيد، والمرسل إليه هو شخص النبي كتشخيص للنبوة بقيت الرسالة والمرسل إليهم. وأهم ما تتطلبه الرسالة بعد التبليغ هو تواترها؛ أي صحتها التاريخية وبقاؤها بلا تزييف أو تبديل أو تحريف، ثم فهمها حتى يمكن أخيرا تطبيقها في الحياة العلمية، وتحويلها إلى شريعة وإلى نظام مجتمع ودولة.
Bog aan la aqoon