Min Caqida Ila Thawra Nubuwwa
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Noocyada
26 (3) البعث
ثم تتحدد المسألة أكثر فأكثر، وتتحول من مجرد مسألة ميتافيزيقية، إعادة المعدوم بوجه عام إلى حشر الأجساد بوجه خاص، إلى موضوع البعث الذي يجمع بين العام والخاص؛ ففي إعادة المعدوم الأولوية للفعل وللقدرة الإلهية، في حين أنه في البعث الأولوية للشيء. والبعث والنشور معنى واحد، وهو الإخراج من القبور. وحشر الأجساد يعني سوقها إلى الموقف المسمى بالحشر بعد بعثهم من القبور المسمى بالنشر. فهي كلها معان متقاربة، والخلاف بينها في التوقيت؛ أي في وقت الحدث. فالبعث والنشر أولا ثم الحشر ثانيا. الأول الخروج من القبور، والثاني الوصول إلى الموقف. والمهم هو عموم البعث، وليس بعث فرد بعينه؛ لأنها قضية مبدأ، وليست قضية شخص.
27
ويتم البعث عن طريق تجميع الأجزاء الأصلية من أول العمر إلى آخره حتى ولو قدمت، ويتم البعث ابتداء من العظم بعد أن يتحلل اللحم وتأكله الديدان؛ فالعظام هي التي تحيا يوم القيامة، كما أنها ما يخلق قبل أن يكسوه اللحم.
28
والحشر على أربعة أنواع: اثنان في الدنيا، واثنان في الآخرة. ففي الدنيا إخراج اليهود من جزيرة العرب إلى الشام، وسوق النار التي تخرج من أرض مدن باليمن للكفار وغيرهم من كل حي قرب قيام الساعة إلى المحشر، فتثيب معهم، وتقيل معهم، فتدور الدنيا كلها وتطير، ولها دوي كدوي الرعد القاصف، وحكمتها الامتحان والاختبار. من علم أنها مرسلة من عند الله وانساق معها سلم منها، ومن لم يكن كذلك أحرقته وأكلته. وبعد سوقها لهم إلى المحشر يموتون بالنفخة الأولى بعد مدة. هذان النوعان في الدنيا، وواضح في المكان الأول هو المعنى الحرفي للحشر؛ أي إخراج الناس من مكان إلى مكان، مثل إخراج اليهود من الجزيرة العربية أحد أهداف الإسلام السياسي الأولى، ثم إخراج الكفار بالنار من مدن اليمن خارج الجزيرة إلى يوم القيامة. من تعرف عليها سلم منها، ومن لم يعرفها احترق بها. وهذا النوعان يدلان على أن النوعين الآخرين إنما هما امتداد لحشر الدنيا في الآخرة قياسا للغائب على الشاهد. أما نوعا الآخرة، فهما البعث والخروج من الأرض إلى يوم الحشر، راكبا أو ماشيا أو منكفئا على وجهه، وصرف الناس من الموقف إلى الجنة والنار. الأول يبدأ من الأرض خارجا عنها. وصور الخروج تطابق نوع الأعمال؛ أفضلها الراكب، وأقلها الماشي، وآخرها المنكفئ على الوجه. الراكب هو التقي، والماشي على رجليه هو قليل العمل، والمنكب على وجهه هو الكافر. الركوب دلالة العظمة، والمشي للرجل العادي، والانكفاء على الوجه علامة الذل والمهانة. والثاني حشر الناس من الموقف قبل الحساب إلى الجنة أو النار بعد الحساب. وقد فصل الصوفية أنواع الحشر، واعتمد علم أصول الدين في هذا الموضوع على خيالات التصوف.
29
ويكون البعث بالأجساد والأرواح معا، وليس بالأجساد وحدها؛ لأن الأجساد لا تحيا إلا بعودة الأرواح إليها، وليس بالأرواح وحدها؛ لأن الثواب والعقاب للأجساد والأرواح معا. والبعث غير التناسخ؛ ففي التناسخ تعود الأرواح إلى أجساد مختلفة في الدنيا؛ الروح الحسنة في قالب حسن، والروح السيئة في قالب سيئ؛ أي انتقال الروح من بدن إلى بدن مخالف للأول دونما جنة أو نار، في حين أن البعث هو عود الروح إلى الأجزاء الأصلية من أول العمر إلى آخره.
30
ويبدأ الحشر بأنواعه الأربعة من مكان معين هو القدس المبدلة، التي لم يعص الله أحد عليها، وهي غير القدس المدينة الأرضية. هذا من حيث المكان. أما من حيث الزمان، فيبدأ بالنفخة الثانية، وهي نفخة البعث؛ إذ تجمع الأرواح في الصور ، وفيها ثقوب بعددها، تخرج الأرواح إلى أجسادها، فلا تخطئ روح جسدها. أما النفخة الأولى، نفخ إسرافيل في الصور النفخة الأولى، فعندها قد تفنى النفس، وقد لا تفنى. إنما لا خلاف في بقائها بعد النفخة الأولى بعد فناء الجسم، حتى الأنبياء والملائكة الأربعة الرؤساء والحور العين وموسى. النفخة الأولى إذن فناء الأرواح كلية، ما بقي منها قبل موت أجسادها، أو ما بقي منها بعد موت أجسادها. والنفخة الثانية بعث الأرواح من ثقوب الصور بعددها، وكأن الصور بها آلاف الملايين من الثقوب. ماذا يكون طوله إذن؟ وهل وظيفة الصور إصدار الصوت أم بعث الأرواح؟ هل هو آلة سمعية أم آلة بصرية؟ المهم في النفختين أن البعث يتم في الزمان، وما بين النفختين أربعون عاما! ولكن بحساب من؟ بحساب الدنيا أم بحساب الآخرة؟
Bog aan la aqoon