Min Caqida Ila Thawra Nubuwwa
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Noocyada
1
والحقيقة أنه لو رجع الأموات إلى الحياة لعجل الثواب والعقاب، ولانتفت الغاية من الإعادة؛ فإحضار المستقبل يغني عن تأجيل الحاضر إلى المستقبل. والقول برجعة الأموات إنما يعبر عن عقائد المجتمعات المضطهدة التي مات زعماؤها ولم يحققوا غاياتهم بعد؛ فرجعتهم إنما تعني معاودة رسالتهم واستئناف نشاطهم؛ لذلك كانت الرجعة للأئمة أكثر منها للجماهير. وبوجود الزعامة العائدة، وبعودة البطل، تصحو الجماهير، وتلتف العامة حولها. ويوجد نموذج سابق لذلك في البيئة الدينية والتراث الحضاري الشائع عند بني إسرائيل الذين يشاركون الشيعة في عقدة الاضطهاد.
فإن لم تثبت رجعة الأموات جاءت عقيدة التناسخ ثم عقيدة الرفع. فالتناسخ عود إلى الدنيا وإيثار لها على الآخرة، والرفع تطهر وإيثار للآخرة على الدنيا، وكلاهما طريقان متقابلان. فالتناسخ استعجال بالثواب وبالعقاب، ورفض للانتظار إلى يوم الحساب، وعصفور في اليد خير من عشرة في الغد، وثواب الدنيا وعذابها مشاهدان للعيان؛ فالأولى أن تعود الأرواح إلى الدنيا؛ الخيرة منها في أجساد حسنة، والشريرة منها في أجساد قبيحة. وهي عقيدة تجمع بين العلم والأسطورة، بين المشاهدة وعقدة الاضطهاد. والروح الخير يكون هو الملاك، والروح الشرير يكون هو الشيطان.
ولما كانت النفس لا تتناهى، فهي تعاود الحلول في الأجسام. وما أسهل بعد ذلك من تأويل الحجج النقلية بحيث تتفق مع عقيدة التناسخ، خاصة تلك الآيات التي تتحدث عن تركيب الصور وخلق الإنسان وخلق الأزواج من نفسه، بتأويل حرفي يقضي على الدلالة.
2
وهناك صورة أخرى للتناسخ في عقيدة الدهرية تمنع من انتقال الأرواح إلى غير أنواع أجسادها التي فارقت. فلما كان العالم لا يتناهى، فوجب أن تتردد الأنفس في الأجساد أبدا، ولا يجوز أن تنتقل إلى غير النوع الذي وجب لها بطبعها وشرفها تعلقا به وإشراقا فيه، ولا تحتاج النفس في هذه الحالة إلى شرائع، يكفيها شرف طبعها وخلودها. والحقيقة أن هناك تمايزا بين أنواع النفس، بين النفس الناطقة وهي نفس الإنسان، والنفس غير الناطقة وهي نفس الحيوان. وهذا ما يؤكده الحس والعقل، وتؤيده المشاهدة والبرهان.
3
أما القول بأن الأرواح تنتقل إلى أجساد أنواعها، فيعارضه إثبات تناهي العلم وحدوثه. فكيف تحل نفس لا متناهية في عالم لا متناه؟ كما أن الاختلاف بين الأشياء في العالم أكثر من الاتفاق، والفروق أكثر من التشابهات؛ وبالتالي استحال أن تحل الروح في جسد يشابه. ولما كانت الأشخاص متفردة بأرواحها، وكانت الأعمال أحد مظاهر هذا التفرد، استحال أن تحل روح شخص في شخص آخر.
4
كما لا يثبت التناسخ بمجرد مشاهدة عقاب في الدنيا لمن لا يستحق، مثل مرض الأطفال وذبح الحيوان، وبأن يكون بالضرورة عقابا مستحقا لأرواح اكتسبت هذه الأجساد. فطبقا للصلاح والأصلح، كان من الأصلح عدم خلق مرض الأطفال أو ذبح الحيوان، بدلا من عذابهما وجعلهما يتحملان عقاب الآخرين.
Bog aan la aqoon