Min Caqida Ila Thawra Nubuwwa
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Noocyada
ولما كان تحديد القتل بهذا المعنى يحيل إلى الروح جاز التساؤل عن الروح؛ حتى لا يتم تعريف شيء وهو القتل، بشيء آخر أغمض منه وهو خروج الروح؛ فالروح عند البعض جوهر وإلا لم تقبض، جسم لطيف تشتبك بالبدن كاشتباك الماء بالعود الأخضر. وهي عند البعض الآخر ليست جسما ولا عرضا، بل جوهر مجرد متعلق بالبدن للتدبير، غير داخل منه ولا خارج عنه. هناك إذن تصوران للروح، مادي وصوري، وكلاهما ظن. قد توجد بالأمر والخلق، وقد توجد تدرجيا، وكلاهما أيضا ظن.
11
أما الشهادة فإنها تأتي من التفرقة بين المقتول والميت. فهل كل مقتول ميت؟ فالمقتول ليس بميت من أجل إفساح المجال لحياة الشهداء، فإذا كان كل مقتول ميتا عند البعض، وذلك لأن كل نفس ذائقة الموت، فإنه عند البعض الآخر المقتول ليس بميت. وإذا كان التصديق بالموت يقع عند البعض بالحس والمشاهدة دونما حاجة إلى نص، فإنه عند البعض الآخر هو فراغ الآجال كما هو في النص. فإذا كان الموت عند البعض مجرد اختلال في نظام الطبيعة، كما كان القتل، أو هو مسار كوني، أرحام تدفع وأرض تبلع، دورة مستمرة من الحياة إلى الموت، فإنه عند البعض الآخر مجرد صفة للميت، كما أن الحياة صفة للحي. ولكن يظل السؤال: هل الموت وجودي أم عدمي؟ إذا كان وجوديا عند البعض فهو كيفية؛ أي صفة وجودية تضاد الحياة، ويكون عند البعض الآخر عدمي؛ أي عدم الحياة، ويكون التقابل بينهما مثل التقابل بين الملكة والعدم.
12
ولكن في الشهيد يمحى التقابل؛ إذ إنه ميت حي؛ مما يدعو إلى سؤال: هل الموتى أحياء تتصل أرواحهم بأجسادهم؟ إن لم يحدث ذلك عند الميت، فإنه يحدث بالضرورة عند الشهيد؛ فالشهداء أكمل حياة من الموتى. وهذا هو معنى أن أرواحهم في حواصيل طيور خضر؛ أي إن الأرواح متصلة بالأجساد. فالشهيد حي، وجسده حي، وروحه في جسده.
13
وقد يفسر ذلك في الدنيا بعد آثار الروح في الجسد في قدرة الجسد في الحياة على ازدياد القدرات الحسية فيه (الرؤية والشم عن بعد)، أو في الموت في مقاومة الجسد لمظاهر التحلل. فإذا كان الشهداء أكمل حياة من الموتى، فهل الأنبياء أكمل حياة من الشهداء؟ ولا يقتصر الأمر فقط على الأنبياء الشهداء، مثل يحيى وعيسى، بل على الأنبياء الذين كانت حياتهم شهادة من خلال أعمالهم وإخلاصهم وتفانيهم في أداء الرسالة وتبليغ الأمانة.
14
والحقيقة أن الشهادة تتحدد بأهدافها؛ فليست الشهادة لذة في أبدان الشهداء، سواء لحاجة أم لغير حاجة، وإلا وقعنا في نظرة حسية للأمر، بل تتحدد بالغاية أو الهدف الذي مات الشهيد لأجله. فهناك شهيد الدنيا الذي قاتل من أجل الغنيمة، وهي ليست شهادة، بل طمعا في الرزق وحبا في الدنيا وإيثارا للمال، خاصة وأنه ليس ماله، بل مال الآخرين. وهناك شهيد الآخرة، كالمطعون والمبطون؛ فهو مثل الأول في الثواب، ولكن دونه في الحياة والرزق، ولا تجري عليه أحكام الشهداء في الدنيا؛ فإنه يغسل ويصلى عليه؛ فهو شهيد لأنه مات مقتولا دون توقع، ودون إعداد للموت، اختطفه الموت اختطافا، وانتزعت منه الحياة انتزاعا، يضاف إلى ذلك قدر الآلام. وهناك شهيد الدنيا والآخرة؛ شهيد الحرب الذي قاتل لإعلاء كلمة الله، وهو أعلى الشهداء منزلة، وأرفعهم درجة، وهو الذي يضحي بحياته في سبيل المبدأ والعقيدة.
15
Bog aan la aqoon