Min Caqida Ila Thawra Nubuwwa
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Noocyada
ومهما يكن من شيء، فإن الإحباط والتكفير لا يكونان إلا في الصغائر. أما الكبائر فإن عقابها لا يزول بكثرة الطاعات، ولا ينقطع إلا بالتوبة. وإن تراكم الصغائر لا يجعلها كبيرة، وكأن التراكم الكمي لا يؤدي إلى تغير كيفي. ومن عمل الكبائر ومات عليها قبل التوبة وله حسنات رجحت كبائره عند الموازنة. أما من هم بسيئة ثم تركها مختارا فتكتب له حسنة، فإن تركها مغلوبا لم تكتب حسنة ولا سيئة تفضلا من الله، ولو عملها كتبت له سيئة واحدة؛ ولو هم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة واحدة، فإن عملها كتبت له عشر حسنات. كل ذلك لأن الأعمال بالنيات، وأن الأفعال مرهونة بمقاصدها؛
29
فأفعال الشعور أقرب إلى الخير، فإذا ما تحققت إلى أفعال خارجية تضاعف الخير. أما النوايا السيئة إذا لم تتحول إلى أفعال خارجية عن طريق حرية الإرادة، فإنها تظل أقرب إلى الخير بفضل ممارسة الحرية. إن المهم في ذلك كله هو تطبيق العدل بعد ممارسة الحرية. ولا يهم في ذلك قياس الأفعال إيجابا وسلبا على نحو كمي متخارج، بل دلالتها على الأفعال على نحو متداخل؛ فقد يكون في عمل واحد نية وصدق، وفي أعمال كثيرة ضعف وتكاسل. لا يعني الإحباط والتكفير إذن مجرد إلغاء الأكثر للأقل إلغاء كميا، بل يعني احتواء النفع للضرر، والحسن للقبيح، والإحسان للإساءة، والخير للشر. ليس المهم في ذلك وقائعها الأخروية، بل آثارها ونتائجها الدنيوية في دفع الناس نحو الخير تطابقا مع الطبيعة، وحرصا عليها من الزيف، وتأكيدا على تجدد الأفعال، والقدرة على تجاوز الأفعال السيئة طالما وجد الزمان واستمر التكليف. (ب) التوبة
والتوبة هي الحالة الثانية التي يسقط فيها الاستحقاق؛ فإن لم يسقط العقاب بالإحباط والتكفير فإنه يسقط بالتوبة. ولا تزول آثار الأفعال السلبية إلا بعقد العزم والإصرار على التغيير، وليس بمجرد تداخل الأفعال، وإلغاء النفع للضرر، والإحسان للإساءة. ومن لقي الله مسلما تائبا من كل كبيرة، أو لم يكن عمل كبيرة قط، فسيئاته كلها مغفورة، وهو من أهل الجنة، ولو بلغت سيئاته ما شاء الله لها أن تبلغ. التوبة من الكبيرة عامل مرجح في الموازنة.
30
وقد تكون التوبة بالقول إذا كان الفعل قولا، وقد تكون بالفعل إذا ما تحول الفعل السيئ إلى بناء واقعي دائم. التوبة هنا هدم للبناء القبيح، ومعاودة لبناء جديد أفضل؛ لذلك تأتي التوبة آخر فصل في الكتاب؛ كي تكون خاتمة الأعمال التوبة؛ أي تجدد الفعل إلى ما لا نهاية، والبداية المستمرة من جديد على البراءة الأصلية.
31
والتوبة لغة تعني الرجوع والإنابة؛ أي الإبطال؛ واصطلاحا التراجع عن الزلات. ويتضمن تعريف التوبة ثلاثة أشياء: ترك الزلة في الحال، والندم على ما فات، وعقد العزم في المستقبل على عدم العودة إليها. فهي فعل من أفعال الشعور الداخلة، أفعال القلب، قبل أن تكون فعلا من أفعال الشعور الخارجية، أفعال الجوارح. التوبة إذن معرفة درجات الفعل ومراتبه بين الأعلى والأدنى، وترك الأدنى إلى الأعلى طبيعة واختيارا.
32
لذلك كانت للتوبة شروط ثلاثة: الأول ترك المعصية في الحال، على الفور دون تأخير، وفي اللحظة وليس في الديمومة، كفعل حر طبيعي دونما مقارنة أو انتظار أو تدبر أو حساب، وإلا كان الأمر مجرد إعادة حساب وليس توبة؛ فهي أقرب إلى الفعل الحدسي منه إلى الفعل الاستدلالي. ولا يهم أن يكون عيب التأخير هو تراكم الذنوب، وزيادة الذنب الأول ذنبا ثانيا، بل المهم هو عدم تحول الإدراك إلى فعل فوري؛ وبالتالي عدم تجدد الفعل في الحال. كما يتضمن التغير الفوري رد المظالم، وإعادة الحق إلى أصحابه؛ فالتوبة ليست فقط فعل نقاء للضمير، بل هو فعل اجتماعي؛ تصحيح للواقع الفعلي، وإلا كانت التوبة فعل شعور فارغ لا مضمون له؛ مجرد ستار على الظلم وتبرئة للذمة أمام النفس.
Bog aan la aqoon