Min Caqida Ila Thawra Nubuwwa
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Noocyada
لذلك كان الأقرب إلى العقل هو إثبات الدوام للاستحقاق ثوابا كان أم عقابا؛ إيثارا للعدل حتى ولو أدى ذلك إلى التضحية بالعفو.
15
كما أن اعتبار الآيات للترغيب والترهيب قضاء على موضوعية الوعيد وشموله واستقلاله، وإن كان يدل على أن الهدف منها هو التأثير في النفوس وتوجيه السلوك، وليس الاستحقاق المادي ثوابا كان أم عقابا. وليس القصد من العقاب منفعة الله أو الإضرار بالإنسان والإجحاف به؛ لأنه ليس مسئولا عن أفعاله، بل القصد منه التأكيد على نتائج الأفعال كجزء من الأفعال ذاتها ومسئولية الإنسان عنها. فلو وقع الضرر بالإنسان من أفعال الغير فإن الغير يتحمل مسئولية هذا الضرر، ولا يرضى الإنسان إلا بأن يوقع العقاب على من أساء إليه.
16
قد يكون التخليد في النار يأسا وتشاؤما وقسوة، خاصة إذا كان رفض التخليد للمؤمنين والكفار على السواء، ولكنه يكون استحقاقا، ودوام الاستحقاق أكثر دفعا للإنسان وحثا له على تجدد الفعل عن طريق التوبة؛ أي قطع العقاب ودوام الثواب.
17
وهل من الصالح العام التشكك في عقاب مرتكب الكبيرة، وما أكثر القتلة وسفاكي الدماء، وناهبي أموال اليتامى ظلما، والمستعبدين رقاب الناس؟ إن العقاب على الكبائر نتيجة للفعل وليس حقا للمالك؛ فالإنسان لا يملكه أحد، بل هو فعله، وإلا ضاعت العلاقة الضرورية بين الفعل والأثر، أو بين العلة والمعلول. إن إبطال عقاب فاعل الكبيرة يناقض العقل والعدل، ويثبت اللامعقول والظلم. وهو مناقض أيضا للعادة ولحكمة الشعوب ولطبائع الأشياء كما بدت في الأمثال العامية وخبرات البشر، وهو مناقض للشرع؛ لأن الشرع يستلزم التوبة قبل العفو، والندم قبل المغفرة. وإن العفو قبل التوبة والمغفرة قبل الندم ليس مظهرا من مظاهر الكرم والمروءة، بل هو جور وظلم وعطاء لمن لا يستحق. إن الغاية من عقاب المسيء هي التربية والإعداد، وإن إبطال العقاب ينقض التربية، ويجعل الإساءة طبيعة. صحيح أن العفو أقرب إلى الطبيعة الخيرة من العقاب، ولكن ليس قبل تربية الشعور. إن العفو عن المسيء قبل إدراكه معنى الإساءة قد يلجئه إلى الإساءة من جديد؛ لأنها لم تكلفه شيئا من ضرر أو عقاب ما دام العفو قائما، كما هو الحال في الأخلاق اليهودية التي تجعل بني إسرائيل أبناء الله وأحباءه؛ وبالتالي لن يعاقبهم الله مهما بلغت إساءاتهم ومعاصيهم. إن إثبات دوام العقاب للمسيء ليس موجها ضد الخصوم؛ ضد الكافرين من المؤمنين، وضد الفرق الهالكة من الفرق الناجية؛ وبالتالي ليس سلاحا دينيا في خصومات سياسية، بل هو إقرار للعدل وإثبات للاستحقاق.
18 (3) متى يسقط الاستحقاق؟
لا يسقط الاستحقاق إلا في حالتين؛ الأولى طبقا لقانون الموازنة بشقيه، الإحباط والتكفير؛ والثانية في حالة التوبة.
19
Bog aan la aqoon