Laga bilaabo Aaminsanaanta ilaa Kacaanka (1): Hordhacyada Nazariyada
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Noocyada
موضوع العلم إذن هو «المعلوم»، الذي يمكن معرفته؛ لذلك اشتمل المعلوم على نظرية العلم إجابة على سؤال: كيف أعلم؟ كما اشتمل على نظرية الوجود إجابة على سؤال: ماذا أعلم؟ ولو أن العلم تطور ولم يتوقف من القرن الثامن حتى الآن لكانت تلك الأمور العامة قد ابتلعت الإلهيات وأصبح العلم صوريا خالصا؛ فالإلهيات قد أصبحت عقليات ولم يعد باقيا إلا النبوات أو السمعيات التي عادت من القرن الثامن حتى الآن وابتلعت العلم كله بما في ذلك المقدمات النظرية عن «الأمور العامة» والعقليات وريثة الإلهيات.
وبالرغم من مزايا هذا الموضوع التجريدي إلا أنه يعبر عن إيمان باطني، ويهدف إلى شيء آخر، إما إلى حدوث العالم من أجل إثبات أن الله قديم أو لإثبات أن الوجود متميز عن الماهية في هذا العالم من أجل إثبات أن ماهية الله هو وجوده، وأن وجوده هي ماهيته، ولإثبات أن هذا العلم منقسم إلى جواهر وأعراض من أجل إثبات أن الله هو الجوهر الخالص لا أعراض فيه، ويحدث نفس الشيء بالنسبة إلى الوحدة والكثرة والعلة والمعلول،
25
وكلها تصدر عن إحساس مرهف بالإيمان معروضا عرضا عقليا صرفا، وفي هذا الإحساس قد يختلف الناس، فقد يرى البعض أن إثبات حدوث العالم هو المعبر عن هذا التنزيه العقلي، وقد يرى آخر أن قدم العالم هو الأكثر تعبيرا عن ذلك، قد يرى فريق أن عدم الربط بين العلة والمعلول ربطا ضروريا تعبير أصدق عن التصور الإيماني للعالم، بينما يرى فريق آخر أن الربط الضروري بين العلة والمعلول هو أصدق تعبير عن وجود الله وحكمته، وهكذا يختلف الناس في تعبيرهم عن إحساساتهم الدينية بالصور العقلية. وإنما يرجع اتهام بعضهم لبعض بالخروج عن الدين في أحسن الأحوال، ومع توافر حسن النية، إلى تعدد هذه الصور العقلية أو تضاربها، مع أنها كلها صور إيمانية تعبر عن عواطف إيمانية بالرغم من اختلاف ظروف نشأتها.
26
هذا بالإضافة إلى أن هذه الأمور الصورية العامة ما زالت مرتبطة بالجو العام لبيئة ثقافية معينة هي البيئة اليونانية ومفاهيمها، وهي بطبيعتها مثالية، والمثالية والعواطف الدينية صنوان، والخلاف بينهما في الدرجة وليس في النوع، فقط في درجة التجريد.
ولما كانت هذه الصور الدينية ليست وليدة البيئة الثقافية المعاصرة، فإنه لزم ملؤها بمادة معاصرة حتى يمكن أن تعبر عن مضمون معاصر، وإلا ظلت صورية فارغة تعبر عن الطهارة الدينية والتقوى الباطنية التقليدية، إن «الأمور العامة» اليوم ليست هي أفكار الوجود والعدم والماهية، والجوهر والعرض ، الواحد والكثير، العلة والمعلول، الوجوب والإمكان، القدم والحدوث ... إلخ، فقد كانت هي المفاهيم السائدة في الثقافة القديمة بعد ترجمة الثقافة العصرية آنذاك، وكان مصدرها الرئيسي من اليونان، أما اليوم فقد أصبحت أفكار الحرية والعدالة والمساواة والتحرر والتقدم والنهضة بل والثورة والتغير الاجتماعي هي الأفكار السائدة في ثقافتنا المعاصرة منذ فجر نهضتنا الحديثة، والتي أصبحت جزءا من الثقافة العصرية بعد الترجمات عن الثقافات العصرية الحالية ومعظمها وارد من الغرب، وكما عبرت الأمور العامة القديمة عن مقتضيات ثقافتنا القديمة وحاجاتها، فإن الأفكار المعاصرة تعبر أيضا عن مقتضيات ثقافتنا الحالية وحاجات مجتمعاتنا المعاصرة.
27
خامسا: منهجه
لم يفرد القدماء قسما للحديث عن منهج العلم، بل جعلوه جزءا من تعريفه، وهو إيراد الأدلة اليقينية على صحة العقائد الدينية ودفع حجج الخصوم، ورد شبه المعارضين، المنهج إذن مزدوج: الأول إيجابي وهو: «إثبات صحة العقائد الدينية بالأدلة اليقينية»، والثاني سلبي وهو: «دفع حجج الخصوم، ورد شبه المعارضين».
Bog aan la aqoon