Cabdiga ilaa Kacaanka (5): Iimaanka iyo Camalka - Imaamnimada
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
Noocyada
41
فإذا انقسم العلم إلى قسمين رئيسيين، العقليات والسمعيات، أو الإلهيات والنبوات، فإن القسم الأول هو في الحقيقة مبحث الإنسان؛ فالله هو الوعي الخالص، الذات، أي شعور الإنسان بوجوده، ليس له بداية في الزمان، ينشأ في الشعور ويبقى فيه طالما كان الشعور يقظا. لا يوجد في محل؛ فالشعور زمان لا مكان، ولا يشبهه شيء لأنه وعي خالص، وواجد تعبير عن وحدة الشعور. فإذا ما تعين هذا الوعي الخالص فإنه يتسم بصفات الوعي النظرية والعملية، النظرية مثل العلم الذي يأتي من السمع والبصر ويعبر عن نفسه بالكلام، والعملية مثل الإرادة والقدرة. وهذه الصفات النظرية والعملية إنما هي تعبير عن الحياة اليقظة. والوعي الخالص والوعي المتعين كلاهما يعبران عن الإنسان الكامل، الإنسان المثالي، ما يجب أن يكون عليه الإنسان، سواء كوعي خالص كذات أو كوعي متعين بالصفات. فإذا ما تحول الإنسان الكامل إلى الإنسان المتعين فإنه يظهر كحرية وعقل، والحرية سابقة على العقل لأنه بها يثبت وجوده ويستقل عن الإنسان الكامل، ثم يظهر العقل كأساس للحرية؛ إذ إن الحرية عاقلة. وتبدو حرية الإنسان المتعين في خلق الأفعال؛ أي إنه يكون صاحب أفعاله مسئولا عنها، سواء أفعال الشعور الداخلية أو أفعال الشعور الخارجية، أو أفعال البدن في الطبيعة أو أفعال الإنسان في المجتمع؛ فأفعال الشعور الداخلية من إدراك وعلم أفعال حرة، وأفعال الشعور الخارجية تقوم على الاستطاعة، وأفعال البدن في الطبيعة تجعل فعل الإنسان ممتدا ومنتشرا في العالم ومحدثا لمساره، ويصب خلق الأفعال في النهاية في أفعال الإنسان في المجتمع والتاريخ، حيث يكون مسئولا عن وضع أمة في لحظة معينة وعن مصيرها في التاريخ. ولما كانت الحرية عاقلة برز العقل أساسا للنقل، وأصبح العقل قادرا على إدراك حسن الأفعال وقبحها، وعلى إدراك الصلاح والأصلح وفهم الغائية في التاريخ. ولكن بسبب هذه الرؤية المنهارة للتاريخ لم يظهر الإنسان فيه، وتحول الإنسان الكامل إلى مجرد رمز وأمل ومشجب يتعلق به الإنسان المتهور بلا إرادة مستقلة وبلا عقل قادر. ولم يبق أمام الإنسان المقهور إلا التصوف والإشراق حتى يحدث التطابق بينه وبين نفسه هروبا من العالم، وتعويضا عن اغترابه فيه.
وقد كشفت السمعيات أو النبوات عن البعد الثاني وهو التاريخ، سواء التاريخ العام الممتد منذ البداية في النبوة وحتى النهاية في المعاد، أو التاريخ المتعين بفعل الإنسان الفردي أو بفعل الدولة كنظام سياسي؛ فالإنسان يصب في التاريخ، وكما أن الإنسان كامل ومتعين، فكذلك التاريخ عام ومتعين. والتاريخ العام هو تاريخ الوحي أو تاريخ الفكر، وتاريخ الفكر هو تاريخ الوعي أو الوعي التاريخي، تجارب البشر السابقة، حياة الشعوب، ونهضات الأمم وسقوطها. ويصعب الوعي التاريخي في الوعي الفردي، فيصبح الوعي الفردي وعيا تاريخيا، ويصبح الوعي الفردي مسئولا عن التاريخ ودافعا إياه نحو غايته ونهايته في المعاد. وطبقا لفعل الإنسان في التاريخ، وعيه بالماضي والتزامه بالحاضر، يتحدد مسار التاريخ في المستقبل. وطبقا لهذا التحدد يحدث المعاد كنهاية للفعل وإمكانيات التحقق. كما يتحدد مصير الإنسان فيه بالفناء أو البقاء، طبقا لفعله ووجوده في الحاضر بالعدم أو الوجود. يتعين التاريخ إذن بفعل الفرد الذي يقوم على النظر، والذي يتحول فيه النظر إلى تصديق بالوجدان. ويكون الفعل بالكلمة والإعلان كتعبير عن النظر والصدق، ويكون أيضا بأفعال الجوارح. ولما كان الفرد لا يعيش بمفرده، بل يعيش في جماعة، ظهر النظام السياسي كاكتمال لفعل الفرد، وأصبحت الدولة استمرارا لوجوده وتحقيقا لاختياره؛ فالفرد والدولة تعينان للتاريخ العام، أي إن العمل والسياسة تعينان للنبوة والمعاد. يكشف إذن علم التوحيد عن حضور الإنسان والتاريخ في شقيه العقليات والسمعيات أو الإلهيات والنبوات؛ وبالتالي تأخذ الأصول الخمسة معنى جديدا؛ فالتوحيد والعدل هما الوعي الخالص والوعي المتعين؛ أي الإنسان. والوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي السمعيات؛ أي النبوة والإيمان والعمل والإمامة. والأصول الثلاثة تشير إلى التاريخ. وإذا كانت الأصول الخمسة هي أفضل الصياغات القديمة لعلم التوحيد، فإن الإنسان والتاريخ هما الأصلان المعاصران له، وهما في الوقت نفسه البعدان الناقصان في وجداننا المعاصر نتيجة للاغتراب القديم؛ وبالتالي يكون التحدي للعلماء وللساسة هو إيجاد الصلة بين هذين البعدين في علم التوحيد وفي وجداننا المعاصر حتى يعود العلم حيا في القلوب فيملؤها، كما يقضي على الفراغ النظري في الممارسة السياسية المعاصرة، وينتهي هذا الفصام القديم بين التوحيد والواقع، ويقضي في نفس الوقت على الاغتراب الديني لجيلنا بإيجاد الصلة بين التوحيد والثورة. (3-2) التوحيد والثورة
إذا كان الإنسان والتاريخ هما محورا علم أصول الدين، وكان الإنسان قابعا وراء الإلهيات (العقليات)، والتاريخ وراء النبوات (السمعيات)، كان «الله» و«الإمام» هما عصبا العلم. وإذا كان الله هو ركيزة الدين، والإمام هو ركيزة السياسة، أصبح الدين والسياسة هما محورا العلم كما تجلى ذلك في موضوعه الأول، الذات، وموضوعه الأخيرة، الإمامة، الله والسلطان، الدين والدولة، أو التوحيد والثورة، وهما الموضوعان الرئيسيان في العلم. قد يختلطان معا عند القدماء وعند المعاصرون، في الوعي التاريخي القديم وفي الوجدان الشعبي المعاصر، فيصبح الإله سلطانا، والسلطان إلها؛ ويسهل على السلطان التأله، كما يسهل على العامي اعتقاد الإله سلطانا؛ لذلك كان من الظواهر الإيجابية في علم التوحيد الالتزام السياسي؛ فقد ظهر العلم موجها للواقع ومتحدا به. وكما تظهر العلاقة بين التوحيد والإمامة من خلال الله والسلطان، تظهر أيضا من خلال الله والمعارضة؛ فليس إقرار النظام بأكثر اعتمادا على التوحيد من زعزعة النظم والثورة عليها. كان الدين هو أيديولوجية القدماء، وما زال يكون الرافد الأساسي في أيديولوجية الناس. وكما كانت الدعوة إلى الطاعة تتم باسم السلطان، كذلك كانت الثورة عليه تقوم باسم الله، بل إن الثورات المضادة كانت أيضا تقع باسم الله، وكذلك كانت المطامع الشخصية وحب القيادة والرغبة في السلطة كل ذلك تصفية للخصوم. وكانت الثورة سياسية واقتصادية واجتماعية في آن واحد، وما الثورة على السلطان إلا الشكل الخارجي لها.
42
فإذا كان التوحيد لا يتحقق إلا بالثورة، ولا يجد غايته إلا فيها، فإن تحقق الوعي الخالص في التاريخ لا يتم إلا بالفعل، بجهد الإنسان وعمل الجماعة، وكأن الفعل هو المحرك الأول لهذه العملية. وما ظنه القدماء أنه المحرك الأول هو في حقيقة الأمر فعل الإنسان في عملية تحقق الوعي الخالص في التاريخ، وما ظنه القدماء على أنه وجود يمكن إثباته في البداية بالبراهين العقلية هو في حقيقة الأمر عملية الإيجاد ذاتها من البداية إلى النهاية؛ فالوجود صيرورة أو عملية إيجاد، أو كما قال القدماء حال ينتقل فيه الوجود إلى عدم أو العدم إلى وجود. الفعل شرط الوجود عن طريق عملية الإيجاد التي لا تتم إلا من خلال الفعل. فإذا كان الله هو الوعي الخالص، فإنه لا يوجد إلا من خلال عملية الإيجاد من خلال الفعل وبنشاط الذات؛ فقد يوجد وقد لا يوجد طبقا لنشاط الذات، وبناء على القيام بعملية الإيجاد أو النكوص عنها. هو إذن أقرب إلى الإمكان منه إلى الوجوب أو الامتناع. وما دامت عملية الإيجاد مرتبطة بنشاط الذات، فإمكانية الوجود تكون فردية خالصة، توجد بالنسبة لمن يقوم بعملية الإيجاد ولا توجد بالنسبة إلى آخر لا يشارك في الإيجاد. الوجود إذن فردي محض بالنسبة للفرد وبالنسبة للوعي الخالص. الوجود إحالة متبادلة بينهما، بقدر ما يوجد الفرد يوجد الوعي الخالص، وبقدر ما يوجد الوعي الخالص في الفرد يزداد وجود الفرد ووعيه بعملية الإيجاد. وقد تستغرق عملية الإيجاد حياة الفرد كلها؛ إذ إن الوعي الخالص مشروع الفرد. الله إذن مشروع شخصي، وحياة الفرد تحقيق لهذا المشروع، ويتحقق المشروع بتحقيق الفرد لرسالته في العالم. ولما كان نشاط الفرد ممتدا إلى نشاط الجماعة ويصب فيه، فإن عملية الإيجاد تكون جماعية بقدر ما هي فردية. ولما كانت الجماعات تتوالى ويتراكم جهدها، كان مشروع الفرد والجماعة هو ذاته مشروع الإنسانية. باكتمال الوحي تكتمل الإنسانية، ويصبح مشروعها تحقيق الوحي كنظام مثالي للعالم، أو تحويل الأيديولوجية وهي الوحي إلى بناء للواقع. فإذا ما تم ذلك على مستوى النظر والإدراك تحول الوعي الخالص إلى تاريخ على مستوى العمل والسلوك. هذا التحقق في العالم ليس خروجا عنه كما هو الحال في علوم التصوف، بل هو داخل فيه، وقائم على التزام الإنسان بقضايا العالم وليس بتخليه عنها إنقاذا لذاته، وهو يظن أنه قد أنقذ العالم معه؛ ومن ثم هناك خلاف جذري بين عملية التوحيد كإيجاد وحدة الوجود الصوفية بالرغم من أن كليهما حول التوحيد إلى عملية. فوحدة الوجود وحدة نظرية خالصة وليست وحدة عملية؛ إذ لا يتحقق الوحي فيها كنظام مثالي للعالم، ولا يتغير الواقع، بل يظل كما هو عليه. لا تعني وحدة نظرية هنا أنها وحدة عقلية، بل تعني أنها وحدة بلا عالم، وحدة صورية بلا مضمون، مجرد افتراض نظري دون أن تتحقق بالفعل. هي وحدة خالية من أي مضمون اجتماعي، وحدة ميتافيزيقية خالصة، وكأن التوحيد بين الله والعالم هدف في ذاته، في حين أن عملية الإيجاد وحدة عملية تتم بالفعل بين الوحي والعالم، لها مضمون اجتماعي أساسا، وسيلة لتحقيق غاية هي تغيير نظام العالم إلى كمال له، وتحقيق مثال الوحي فيه. وحدة الوجود عملية وهمية من صنع الخيال، وليست عملية واعية تقوم على تحليل الواقع وعلى تنظير القضايا. وحدة الوجود لا تتم إلا في نفس الصوفي، ولا تنقذ إلا إياه، وكأنها وحدة تقوم على أنانية خالصة، ينقذ الصوفي نفسه ويترك العالم، في حين أن عملية التوحيد هي أساسا غيرية تقوم على التضحية بالذات في سبيل خلاص العالم. وحدة الوجود تنتهي بالقضاء على الفردية وإلغاء الشخصية، والغوص في عالم واحد يفقد فيه الإنسان ذاتيته، في حين أن عملية الاتحاد قائمة في البداية على إثبات الذاتية في البداية دون التخلي عنها في النهاية؛ فالشهادة أقوى إثبات لها بتحويل الموت إلى خلود. وحدة الوجود وحدة فردية خالصة لا تتم إلا في نفس الصوفي دون الجماعة أو الحزب أو الجماهير أو التاريخ. والحلقة الصوفية أو الطريقة جماعة محدودة مهمتها عملية محضة في بداية الطريق، ولكن في النهاية تظل فردية خالصة، في حين أن عملية الإيجاد وحدة فردية وجماعية تتم في الفرد وفي الجماعة، في الإنسان وفي الأمة. وحدة الوجود لو تمت كعملية فإنها تتم في الماضي وفي تاريخ النبوة، وتتحقق بالفعل بانتهاء النبوة، ولا تترك للمستقبل شيئا، في حين أن عملية الإيجاد تهدف أساسا إلى المستقبل، وتتحقق إلى الأمام في العالم. تتم وحدة الوجود بتدخل إرادة خارجية تفعل وتنفذ، تختار وتشاء. وشرط ذلك إسقاط التدبير وإلغاء الفرد لحريته وإرادته، في حين أن عملية الإيجاد عملية حرة خالصة، يخلق الإنسان بها ذاته، ويحقق بها مشروعه بفعله الحر. وإذا بدت وحدة الوجود وكأنها عملية تتم لصالح الله وليس لصالح البشر؛ لأنه أحق بالوحدة والاتحاد معه من غيره، فإن عملية الإيجاد تتم لصالح البشر، فهو أحوج إلى الوحدة والتوحيد من غيره.
43 (3-3) الحزب الثوري
إذا كان الوحي كنظام مثالي للعالم يتم من خلال الفرد، وكان العمل الفردي ينفتح على العمل الجماعي ويتحد به، فإن تنظيم العمل الجماعي الأمثل يتم في الحزب. ولما كان التوحيد ثوريا، فإن التوحيد لا يتحقق إلا بالحزب الثوري. الحزب هو الصورة المثلى لتحقيق المشروع والتعبير عن النشاط، والانتساب إلى حزب هو أول خطوة لتحويل النظر إلى عمل. الحزب هو التعبير عن الحياة في أعلى صورها، وهو النشاط المحقق للمشروع. الحزب هو لب مسألة التوحيد، والحل لانفصام التوحيد عن العدل، والإنسان عن التاريخ. هو الذي يحقق الكلمة على الأرض، ويثبت وجودها بالفعل، لا بالبراهين العقلية والأدلة النظرية. الحزب هو الذي يحول الوحي إلى نظام مثالي للعالم، هو المحقق للمطلق في التاريخ. والحزب هو عصب الدولة، وعماد النظام السياسي. الحزب خليفة شعب الله المختار الذي أدى دوره من قبل في إتمام الوحي في صورته النهائية، وفي تربية الشعور الإنساني حتى أصبح شعورا فرديا مستقلا عن الجماعة، يتمتع بحرية كاملة في النظر والعمل. لا يتحقق التوحيد كنظام مثالي في العالم عن طريق إنشاء حكم إلهي في دولة وضعية، بل بإعلاء نظام العالم تدريجيا حتى يتحد مع نظام الوحي؛ أي بتطوير الدولة القائمة وجعلها أكثر قربا من نظام الوحي. يظل الوحي من جانب المعارضة والرقابة في الدولة في مواجهة السلطة الفعلية. وإقامة الدولة الإسلامية لا تأتي مرة واحدة، بل تقوى أقرب الدول إليها دون القضاء على الكل من أجل إقامة المثل الأعلى من البداية إلى النهاية طبقا لجدل الكل أو لا شيء.
44
والحزب هو اتفاق الجماعة واجتماعها على هدف مشترك، وليس مجرد ائتلاف لجماعات متضاربة الأهداف مختلفة المشارب متنافرة الغايات، يمثل مصلحة الناس لا مصلحة طبقة أو فئة، ويلتحم الحزب بجماهيره لأنه ليس طبقة تعلو عليها أو تتكسب على حسابها، بل هو المعبر عن إرادتها، والموجه لعملها السياسي، والمحقق لأغراضها، والقائد لنضالها، والموحد لجهودها، والمنظر لسلوكها. مهمة الحزب التوجيه والمعارضة أكثر من التنفيذ والتبعية؛ لأنه سلطة معنوية لا سلطة تنفيذية. ويقوم بدور التوعية للجماهير قبل أن يبدأ الممارسة الفعلية بعملية التغيير حتى يمكنه أن يكسبها في صفوفه. وتعني التوعية تغيير البناء النفسي للجماهير، وهو شرط لثورتها على الواقع. ويعتمد الحزب أساسا على الشباب الذي يضفي عليه جدته وخلقه وإبداعه وحركته ونماءه. فكثيرا ما يثقل الفكر والممارسة بطول العمر. ويقوم تربية الأفراد تربية للكوادر التي تتم من خلال الممارسة داخل الجماعة، الحزب. لا تعارض إذن بين البداية بتربية الفرد أو تربية الجماعة. تربية الأفراد تربية للكوادر التي تتم من خلال الممارسة داخل الجماعة، وتغيير الجماعة لا يتم إلا بعمل الكوادر من خلالها. ودور الحزب الأساسي بعد التكوين قيادة الكفاح المسلح؛ فالكفاح المسلح ليس فقط جزءا من البناء الأيديولوجي، بل هو واقع العصر، عصر التحرر من الاستعمار والإقطاع.
Bog aan la aqoon