186

Laga bilaabo Caqiidada ilaa Kacdoonka (3): Caddaaladda

من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل

Noocyada

70

ومن ثم يكون من الخطأ تسمية القائلين بالمعارف العقلية منكري النبوات. فإمكانيات العقل البشري في الإدراك ومعرفة الحقائق لا تنفي وجود السمع كواقع تاريخي وكإمكانية نظرية.

71

السمع تأييد للعقل وتقوية ليقينه وزيادة للثقة به. الشرع تأكيد للعقل وتقوية له وإعطاؤه مزيدا من اليقين؛ ومن هنا تأتي نظرية اللطف وقسمة الناس إلى خاصة وعامة. فإن لم يحتج الخاصة إلى السمع نظرا في المعرفة أو عملا في الممارسة الحرية، فقد تحتاجه العامة في إدراكها للحقائق وكتقوية لعزائمها. للسمع إذن وظيفة معرفية نظرية في إعطاء افتراضات سابقة للبرهنة عليها مع يقين مسبق بصحة الافتراض وتوجيه العقل لصحة البرهان. قد يكون مقياسا إذا ما اختلف العقلاء، وحكما بين الخصوم. قد يكون تأكيدا وتثبيتا لحكم العقل منعا للشك وتأسيسا لليقين في مقابل الخطأ الإنساني والتردد والتقلب بين وجهات النظر. قد يعطي الوصف الكامل ووجهة نظر شاملة متكاملة في مقابل التجزئة الإنسانية والتيه في المتناهيات في الصغر وفقدان النظرة الكلية. قد يساعد السمع على تقصير مدة البحث بالتوجه مباشرة نحو الافتراض الأقرب إلى التحقيق بدلا من تبدل الافتراضات مرات عدة، وقد لا يقع الناظر على الافتراض الصحيح. قد تكون مهمة السمع عملية صرفة؛ توجيه الإنسان إلى العمل وتقصير مدة البحث النظري عن الأسس العامة حتى يخصص باقي الوقت للتفصيل وباقي العمر للتحقيق. ودور السمع تشريعي وإن لم يكن معرفيا، عملي وإن لم يكن نظريا.

72

وكما أن السمع محكوم من العقل من أعلى، فإنه أيضا محكوم من الواقع من أسفل. وكما أن النقل مؤسس في العقل فإنه أيضا مؤسس في الواقع؛ ومن ثم تكون صلة التأسيس بين أطراف ثلاثة: النقل والعقل والواقع. كان الوضع التقليدي للمسألة هو العقل والسمع، موضوع ذو شقين. وكان السؤال أيهما الأساس وأيهما المؤسس؟ هل السمع أساس العقل أم هل العقل أساس السمع، وكأن العلاقة هي علاقة أدنى بأعلى وأعلى بأدنى، علاقة تابع بمتبوع أو متبوع بتابع، علاقة مرءوس برئيس أو رئيس بمرءوس، علاقة فرع بأصل أو أصل بفرع، وهي العلاقة الشائعة في علم أصول الدين، بل وفي التراث كله، سواء في الحكمة علاقة الطبيعيات بالإلهيات وعلاقة الإلهيات بالطبيعيات أو في التصوف، علاقة المخلوق بالخالق أو علاقة الخالق بالمخلوق أو في علم أصول الفقه، علاقة الفرع بالأصل وعلاقة الأصل بالفرع كما هو الحال في القياس الفقهي.

والحقيقة أن العلاقة بين السمع والعقل هي علاقة اتحاد كامل أو حتى لا علاقة بالمرة لغياب طرفين متمايزين منفصلين؛ فالعقل هو السمع ، والسمع هو العقل. تحليل العقل يؤدي إلى اكتشاف أوليات السمع، وفهم السمع يؤدي إلى اكتشاف المبادئ الأولية للعقل والحقائق الثابتة في الحياة الإنسانية. العلاقة هي علاقة الحدس بالبرهان، وكلاهما من عمل العقل، علاقة الافتراض بالقانون وكلاهما من عمل العقل، علاقة النظر بالعمل وكلاهما من عمل الإنسان.

73

والحقيقة أيضا أن هناك طرفا ناقصا في هذه العلاقة الثنائية في معادلة العقل والنقل، وهو الواقع محك التفسير والذي إليه يحتكم الطرفان السابقان. فالواقع هو عنصر التوحيد بين النقل والعقل. لا يفسر النقل إلا باللجوء إلى الواقع، فقد خرج النقل منه بدليل تطور الوحي وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ. وفي علم أصول الدين تسبق نظرية الوجود نظرية الذات والصفات والأفعال، أي أن العالم سابق على الله في البحث والتأصيل. وفي علوم الحكمة تسبق الطبيعيات الإلهيات. وفي علم أصول الفقه تقوم الشريعة على تحقيق المقاصد، جلب المنافع ودفع المضار. وفي علوم التصوف يتجلى الحق في الخلق والله في العالم؛ ومن ثم يحضر الواقع في بطن النص وقلبه، ووظيفة العقل إيجاد الوحدة بينهما، الوحدة بين المضمون والشكل، فالواقع هو المادة والنص هو الصورة.

74

Bog aan la aqoon