167

Laga bilaabo Caqiidada ilaa Kacdoonka (3): Caddaaladda

من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل

Noocyada

الصفة الزائدة على وجود الفعل والتي يكون بها الفعل حسنا أو قبيحا هي ما سماه الأصوليون العلة بأقسامها المختلفة، المؤثرة أو المناسبة أو الملائمة والتي حاولوا معرفتها بطرق استقصاء العلة المعروفة في أبحاث القياس والاجتهاد. هذه الصفات الزائدة ليست عقلية مجردة بل مواقف حسية كما هو الحال في العلل في علم الأصول. وتعليل الأحكام ضروري لاكتشاف الأساس الواقعي للنص وبالتالي يكون إنكار صفات الأفعال إنكارا للتعليل وهدما لعلم الأصول. وتوجد الصفة الزائدة في الأفعال التي تستحق المدح أو الذم عند الفعل أو الترك مثل الواجب والمندوب والمكروه والمحرم. أما المباح فليس له صفة زائدة يتعلق بها حكم بل حكمه في وجوده وشرعيته في طبيعته. الصفات الزائدة في الأوامر والنواهي المطلقة مثل الواجب والمحرم، أو الاختيارية؛ المندوب والمكروه. أما المباح فحسنه في فعله لا في صفته، في طبيعته لا في حكمه.

13

والذي يميز بين الحسن والقبح، وبين الواجب والمحرم هي الصفات الموضوعية الزائدة على وجود الأفعال، وهما مستقلان عن المدح والذم والثواب والعقاب، صفتان للأفعال بصرف النظر عما يترتب عليها من نتائج خارجة عن الفعل. ولا تعارض بين إثبات الصفات الموضوعية للأفعال وبين كونها حسية تقوم على جلب النفع ودفع الضرر. بل إن هذه الصفات الزائدة يمكن معرفتها عن طريق إفادة النفع ودفع الضرر وتحقيق المصالح ودرء المفاسد وتكليف ما يطاق. يختار الإنسان إذن الحسن لذاته ويترك القبح لذاته، لا جلبا لنفع أو دفعا لمضرة، وكذلك أفعال الله لأنه غني عن النفع والضرر، ومع ذلك قد يحدث عن فعل الحسن جلب منافع وعن ترك القبح درء مضار. وقد يحدث عن فعل الحسن درء مضار وعن ترك القبيح جلب منافع. فلا تعارض بين إثبات الصفات الموضوعية للأفعال، الحسن لذاته والقبح لذاته، وكونها حسية مادية. المهم أن يكون النفع والضرر من الفعل ذاته وليس من إرادة خارجية، وتكون مشروطة بالفعل وليس بإرادة خارجية، وتكون ثابتة ودائمة ثبات العقل ودوامه وليست متغيرة بتغير الإرادة، لا يحكمها قانون ولا تقوم على عقل. هناك إذن إمكانية في التعريف العقلي للحسن والقبح لإثبات موضوعية الصفات دون الوقوع في الصورية الفارغة. الملاءمة والمنافرة حسيتان، والمدح والذم شرعيان في حين أن الكمال والنقص العقليين تدركهما كل العقول ويتسمان بالشمول، والشمول يقتضي الموضوعية.

14

الحسن والقبح إذن صفتان ذاتيتان للحسن والقبح، ومع ذلك قد يكونان كذلك لمعنى أو لعلة في الفعل نفسه وليس معنى أو علة خارجا عنه زائدا عليه.

15

فشمول العقل لا يقضي على بنية الفعل وتحققه في موقف. وجلب النافع ودفع الضار لا يقضي على وجود الصفات والمعاني المستقلة عن الأفعال حتى يمكن تعميمها والمشاركة فيها؛ فالصفات الخلقية صفات موضوعية موجودة في الأشياء وليست مجرد إسقاطات ذاتية تختلف باختلاف أحوال الفرد وثقافاته وعقائده وقيمه وتربيته وظروفه وحياته. وهي ليست فردية فقط يمكن إدراكها بالعقل، بل هي أيضا اجتماعية يمكن إدراكها بالحس الاجتماعي المشترك. هي وصف للشيء وفي نفس الوقت بنية اجتماعية له، صفة للفعل ووضع اجتماعي كما هو الحال في معاني العدل أو الظلم. ولا تختلف الصفة عند الإنسان وعند الله، فالصفة واحدة لا تتغير، العدل عدل عند الله والإنسان، والظلم ظلم عند الإنسان والله، «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن» على ما هو معروف أيضا في علم أصول الفقه. لقد بلغت قمة العقلانية في نظرية الحسن والقبح العقليين في إثبات أن الأشياء ذاتها ليست أشياء محضة بل هي أشياء وقيم وأن حكم الواقعة هو ذاته حكم القيمة. الواقعة قيمة والقيمة واقعة، وكلاهما موجودان في الفعل. في الحسن والقبح، وفي الأخلاق والجمال يقوم اعتبار الصفات في الأشياء على افتراض التوحيد بين الذات والصفات؛ فتكون الذات في هذه الحالة هي الجوهر. الشيء حسن لأن فيه صفات الحسن، وقبيح لأن فيه صفات القبح، في حين يقوم اعتبار الصفات خارجة على الأشياء على افتراض الفصل بين الذات والصفات، وأن الصفات زائدة على الذات وأنها من مصدر آخر غير الذات نفسها. وهناك حجج عديدة لإثبات الصفات المستقلة للأفعال. فالنهى دلالة على القبح، والقبح أصل النهي. يعطي النهي الإدراك الحدسي ويعطيه القبح الدليل العقلي. والحدس أيضا قادر على إدراك القبح العقلي أحيانا لدى الشعور اليقظ وفي لحظات الصفاء.

16

ولا تتوقف معرفة الحسن والقبح معرفة حدسية على تصور العالم أو على الإيمان بمبدأ عام؛ وذلك لأنها معرفة واقعية قائمة على إدراك مباشر للأمور. وإن لم يتقدم العلم بالقبح على النهي لما كان هناك كمال للعقل ولما صح النظر والاستدلال. فمن كمال العقل العلم بالقبائح. ولو كان العلم بها عن طريق الأمر والنهي لتساوت في الخفاء والجلاء. وهي ليست كذلك مما يدل على أنها من إدراك العقل الذي يختلف الناس فيه بين الجلاء والخفاء.

ولا يعني شمول الحكم الخلقي تغييره حسب أوجه الأشياء أو وقوع في النسبة؛ فالقبائح قبائح لأنها تقع على وجه. وليس الوجه مجرد وجهة نظر ذاتية في الشيء، بل جانب من جوانبه. إن اختلاف الأحكام حسب الأوجه اختلاف وجودي وليس فقط معرفيا، اختلاف موضوعي وليس فقط ذاتيا. ولا ترجع عمومية الحكم أو الوجود الموضوعي للصفات وليس فقط ذاتيا. ولا ترجع عمومية الحكم أو الوجود الموضوعي للصفات إلى مبدأ عام خارجي أو إلى وجود مطلق بل هو اقتضاء إنساني خالص يجعل الحكم الخلقي أو الوجود الموضوعي للصفات ممكنا، وهو الواجب لصفة زائدة. وكذلك يحسن الحسن لوجه نفعا بالنفس أو بالغير أو دفعا لضرر بالنفس أو عن الغير أو أمرا بالحسن أو نهيا عن القبح أو إرادة للحسن وكراهة للقبح. وإذا اجتمع وجهان الحسن والقبح على فعل واحد، فالحكم لوجه القبح تفاديا للشبهات أو لوجه الحسن فالأشياء في الأصل على الإباحة. وإن كان ندبا فالحسن صفة زائدة تستحق الشكر، وإن كان كراهة فالقبح صفة زائدة تستحق الذم. أما الواجب فله وجه معقول يجب لأجله وهو واجب معياري لا زيادة فيه ولا نقصان أقرب إلى الحكم الصوري، وكذلك المحظور.

Bog aan la aqoon