192

قلت: وما ذكره عليه السلام هو الحق، وقد تقدم لنا التنظير على معنى ما حكاه الإمام (المهدي) عليه السلام هنا، ولا أدري ما وجه جزمهم بانتفاء الداعي في حق النائم مع إثباتهم الاعتقاد له، والاعتقادات من جملة الدواعي، فقالت البهشمية: الرؤيا اعتقاد يفعله النائم ابتداء، أو لداع من ملك، أو من شيطان.

وقال (البلخي): بل هي خواطر داعية إلى الاعتقاد من الله، أو من الشيطان، أو من الطبيعة، وقال أبو علي: منها ما يكون فكرا كمن يكثر التفكر في شيء فيعتقده حال النوم، ومنها ما يكون من الله أو من ملك، ومنها ما يكون من الشيطان نحو ما يعتقده من الشر، فهؤلاء كما ترى قد أثبتوا للنائم اعتقادا، وجعلوا الباعث عليه أحد هذه الأسباب التي بها ينتفي التسلسل، فما المانع من أن يكون هذا الاعتقاد هو الداعي له إلى الفعل؟.

وأما قولهم: إنها لو انتهت إلى داع ضروري من جهة الله تعالى لكانت علما، فنقول: قد جعلتم الداعي من جهة الله تعالى أحد الأسباب، على أنه لا يلزم إلا لو كان الاعتقاد من فعل الله تعالى، وقد نصت البهشمية على أنه لا يصح أن يكون الاعتقاد من الله، وحينئذ فنقول: الاعتقاد من النائم والداعي يجوز أن يكون من الله، وأن يكون من غيره كما قلتم فلا محذور، على أن الإمام (المهدي) عليه السلام قد اعترضهم فقال في إطلاق أصحابنا إنه لا يكون من الله لكونه جهلا نظر لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((لم يبق من الوحي إلا الرؤيا ))، وقوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك }[الإسراء:60]، وقولهم: إنه قد يكون من الله.

Bogga 192