"وكان من كبار أئمة العربية والبيان (٧)، فهو أديب عالم لغوي عميق الفكر والثقافة، عمدة في البلاغة العربية (٨)، وإضافة إلى ذلك فله شعر كان ينفث فيه ما في نفسه من لواعج، لكن شعره - القليل - لم يَرْقَ به إلى مرتبة الشعراء، وفي ظني أنه لم يقصد ذلك، ولو قصد لأجاد، لتمكنه وموهبته وبيانه. وقد حفظت الكتب التي ترجمت له بعض أشعاره (٩) .
سجل عبد القاهر في بعض شعره موقفه من الزمان، ونفاق أهله، وتكالبهم على الدنيا بكل الوسائل، وتفريطهم في العلم والتنكر له ولأهله، وأجتزئ ما يصور ذلك واضحًا، فهو يقول: هذا زمان ليس فيه سوى النذالة والجهالة
لم يَرْقَ فيه صاعدٌ إلاّ وسلّمه النذالة (١٠)
ويقول أيضًا:
كَبِّرْ على العلم يا خليلي ... ومِلْ إلى الجهل مَيْلَ هائم
وعش حمارًا تعش سعيدًا ... فالسعد في طالع البهائم (١١)
مكانته العلمية (١٢)
لعلّ قول من ترجموا له "هو إمام العربية واللغة والبيان " شاهد له على علوّ منزلته العلمية، فإنْ نظرنا إليه من زاوية الأدب فهو أديب، ومن زاوية البلاغة فهو قمة في بلاغته وبيانه، وهو "أول من دوّن علم المعاني " ولو نظرنا إليه من زاوية الدراسات اللغوية لوجدنا جهوده ومؤلفاته - ما وصل إلينا منها وما لم يصل - ترفعه إلى مصافِّ الكبار، إضافة إلى نظراته التجديدية في "دلائل الإعجاز" وفي النظم تحديدًا.
ولكن من يتتبع جهود النحويين والذين ترجموا لهم عبر القرون، يحسّ بأن القرن الخامس الذي عاش فيه عبد القاهر لم يُنْصَف، ففي القرن الثاني كان الخليل وسيبويه والكسائي ويونس، وفي القرن الثالث الفرّاء والأخفش الأوسط والمازني والمبرد، وفي
_________
(٧) بغية الوعاة ٢/ ١٠٦.
(٨) عبد القاهر الجرجاني / بلاغته ونقده ١٩.
(٩) إنباه الرواة ٢ / ١٨٩ وما بعدها.
(١٠) دمية القصر ١٥٧، عن عبد القاهر الجرجاني / بلاغته ونقده ٢٢.
(١١) البلغة ١٢٧، بغية الوعاة ٢ / ١٠٦.
(١٢) بسطنا القول في ذلك - ما أمكن - في بحث نشر في مجلة مجمع اللغة العربية الأردني (عدد ٢٨)، بعنوان "جهود عبد القاهر في الدراسات التصريفية".
1 / 8