Micyar
المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي أهل إفريقية والأندلس والمغرب
Noocyada
قلت: أرأيت لو غنم المسلمون بلاد النصارى, وظفروا من جملة الغنائم بورق, أليس هو حينئذ من مال المسلمين؟ فإن يبح النسخ فيه أدى إلى ضياع المال ولا يقال أنه مما لا يملك كالخمر والخنزير, لأنه ليس بنجس العين اجماعا. ومما يشهد لاعتبار الضرورة المبيحة للنسخ في الورق المذكور, وهو مناسب لبابه كمناسبة الاستنجاء بخاتم فيها ذكر, ما نص عليه أهل المذهب من إجازة مس الألواح المكتوب فيها القرآن للمتعلم والمؤدب ليصححها. وكان الأصل إلا يمساها إلا بطهارة, لكن رخص لهما في ذلك لرفع الحرج اللاحق لهما لو كلفا بالطهارة لمسها كل وقت مع كثرة الحاجة إلى مسها. وكذلك الجزء من القرآن للصبي بخلاف الكل الذي لا تدعوه ضرورة التعلم إلى حمله لأنه إنما يتعلم شيئا فشيئا. وقد قال القاضي أبو بكر بن العربي في أواخر كتاب الأقضية من القبس ما نصه: وكل ما دعت الحاجة إليه في الشريعة مما فيه منفعة ولم يعارضه محظور فإنه جائز وواجب بحسب حاله وهذا أصل بديع(¬1) وركبوا عليه انتهى نصه.
الرابع: ولئن سلمنا أن الورق المذكور إن لا قته نجاسة حين مناولة الكفار له, لكنه حين يصل إلينا لا نشاهد فيه شيئا من أحوال النجاسة قطعا بحس
[88/1] المشاهدة وغيرها, وما هو عليه من الصفات رفيع كصفات الطاهر المتنافس فيه, لا وضيع كصفات النجس المستقذر, فغاية ما تعلق به من النجاسة انها نجاسة انقلبت أعراضها. وهذا النوع وغن قيل بطهارته نظرا لما آلا إليه, وبنجاسته نظرا إلى أصله, لكن طريقة بعض الشيوخ ترجيح الطهارة فيما استحال منه إلى صلاح, حتى نقل كثير من الأيمة الاجماع على طهارة المسك وإن كان أصله دما, لانقلابه إلى صلاح. والورق من هذا المعنى, فإن لم يتفق على طهارته فلا أقل من راجحية القول بها, وفي هذا الوجه نظر.
Bogga 113