فصرخ القزمة قائلا: ستة آلاف قدم! يا للسماء! من أين عرف طولي؟! ستة آلاف قدم! لم يخطئ قيد شعرة، ماذا؟! أبوسع هذه الذرة أن تقيسني ولا يسعني أن أقيسها، أنا الذي لا يستطيع رؤيتها إلا بالميكروسكوب؟!
فقال الرياضي: أجل، لقد قستك وسأقيس أيضا رفيقك الضخم.
فقبل الطلب واضطجع فخامته؛ إذ لو بقي واقفا لظل رأسه محجوبا بالغيوم، فغرس فلاسفتنا شجرة كبيرة في مكان منه، لو كان الدكتور سويفت مكاني لما تردد في تسميته باسمه، ولكني لن أفعل؛ لشدة احترامي للسيدات.
وبدأ فلاسفتنا بإجراء أرقام حسابية خلصوا منها إلى أن الذي يرونه شاب يبلغ طوله مائة وعشرين ألف قدم.
حينئذ لفظ ميكروميغاس هذه الكلمات: «لقد صرت كبير اليقين أنه لا ينبغي لنا أن نحكم بالظواهر، رب! يا من وهبت الذكاء لكل مادة مهما تبلغ صغارتها، إن الأجرام المتناهية في الصغر تكلفك من الجهد مقدار ما تكلفك الأجرام المتناهية في الكبر، وإذا كان من الممكن وجود مخلوقات أصغر من هذه، فلا يستبعد أن يكون لها عقل يتفوق على عقل تلك الحيوانات الرائعة التي رأيتها في السماء، وتستطيع أن تغمر بقدمها الكرة التي هبطت إليها.»
فأكد له أحد الفلاسفة أنه ثمة خلائق ذكية أصغر من الإنسان بكثير، وأخبره ليس عن كل ما ذكره ڨرجيل من الخوارق عن النحل، بل عما اكتشفه سوامردام وشرحه ريومور، وأعلمه أخيرا أن ثمة حيوانات هي من النحل بمثابة النحل من الإنسان، أو الشعروي نفسه من تلك الحيوانات الهائلة التي ذكرها، وهذه الأخيرة من أجرام أخرى لا تبدو أمامها إلا بمثابة ذرات.
وما زالوا يتباحثون حتى دخلوا في مواضيع راقت الرحالتين جدا، فقال ميكروميغاس: (7) حديث مع الناس «أيتها الذرات الذكية! يا مستودعا لعظمة الخالق وفطنته، لا شك أنك تتمتعين بملذات طاهرة في كرتك؛ لأنك وأنت قليلة المادة كثيرة العقل، لا يمكنك إلا أن تصرفي حياتك في الحب والتفكير، وهي حياة الأرواح الصحيحة! لم يتفق لي أن أجد السعادة الحقيقية في مكان، ولكني لا أشك في أنها تقطن هذه البقعة.»
فلما سمع الفلاسفة هذا الكلام هزوا رءوسهم، واعترف أحدهم وهو أشد صراحة من الآخرين، أنه إذا استثني عدد قليل من السكان يبقى جماعة من المجانين والأردياء والبائسين، قال: إن المادة التي تتكون منها هي أكثر مما نحتاج لنرتكب كثيرا من الشر إذا كان الشر يصدر عن المادة، والروح التي فينا هي أوسع مما نحتاج إذا كان الشر يصدر عن الروح، أتعلم أن مائة ألف مجنون مبرنط من جنسنا يعمدون في الساعة التي أخاطبك فيها إلى قتل مائة ألف حيوان آخر معمم، أو أن هؤلاء يقتلون أولئك؟
فارتعش الشعروي وسأله عن سبب هذه المخاصمات الشنيعة بين حيوانات بهذا المقدار من الحقارة، فأجابه الفيلسوف: إن السبب في هذه المخاصمات يرجع إلى حمأة لا تبلغ مساحتها ما تبلغه مساحة عقبك، يذهب بعضهم إلى أنها ملك رجل يدعى «السلطان»، ويذهب آخر إلى أنها ملك رجل يدعى «القيصر»، ولا أعلم لماذا يدعي كذلك، ولم يسبق لهذا ولا لذاك أن رأى بقعة الأرض التي يقتتلون لأجلها ولن يراها أبدا، كما أنه لم يتفق لأي من الحيوانات التي تتناحر أن رأى بعينه الحيوان الذي يجري التناحر لأجله.
فصرخ الشعروي غاضبا وقال: يا لهم من أشقياء! تحدثني نفسي بأن أخطو ثلاث خطوات، وأسحق بثلاث رفسات وكر أولئك القتلة المضحكين.
Bog aan la aqoon