Methods of Addressing Poverty in the Prophetic Era (Ahl al-Suffa as a Model)
وسائل معالجة الفقر في العهد النبوي (أهل الصفة أنموذجا)
Daabacaha
رسالة ماجستير بالجامعة الإسلامية-كلية الشريعة
Goobta Daabacaadda
قسم الاقتصاد الإسلامي
Noocyada
وسائلُ معالجةِ الفقرِ في العهدِ النبويِّ (أهلُ الصُّفَّةِ أنموذجًا)
مشروعٌ بحثيٌّ لإكمال متطلَّبات الحُصولِ على درجة العالميَّة (الماجستير)
إعداد الطالب:
ماجد بن صالح بن مشعان الموقد
إشراف
الأستاذ الدكتور:
عز الدين بن مالك الطيب محمد
العام الجامعي ١٤٣٥ ــ ١٤٣٦ هـ
مقدمة / 2
- د -
ملخَّص البَحث
هذا بحثٌ تَكميليٌّ معدٌّ لنَيْلِ دَرجة الماجستير في الاقتصادِ الإسلاميِّ للعام الدِّراسي ١٤٣٥ هـ- ١٤٣٦ هـ، وقد تقدَّم به الطَّالب ماجد بن صالح الموقد، وأشرف عليه فضيلةُ الأستاذ الدكتور عز الدين بن مالك الطيب محمد الأستاذ بقسم الاقتصاد الإسلامي بالجامعة الإسلامية.
عنوان البحث: وسائل معالجة الفقر في العهد النبوي (الصُّفَّة نموذجًا)، واحتوى على مقدِّمة، وفصل تمهيدي، وفصلين يندرج تحتَها عددٌ من المباحث والمطالب، وخاتمة، وتوصيات.
يُناقش البحث وسائلَ معالجة الفقر في العهد النبوي، وبالتطبيق على أحد أهمِّ هذه الوسائل، وهو نموذج أهل الصُّفَّة الذي تطلَّبتْه مرحلة ما بعد الهجرة من مكَّة إلى المدينة وما نتَج عن ذلك من أسباب أدَّت إلى الفقر، وجاء نموذج الصُّفَّة كأحد أهمِّ الحلول النبويَّة لمعالجته، وتظهر مشكلةُ البحث من خلال طرْح التساؤلات التالية:
أ- كيف تمَّت محاربةُ الفقر في العهد النبويِّ عبْرَ نموذج الصُّفَّة؟
ب- هل أثبت نموذجُ الصُّفَّة فعاليتَه في محاربةِ الفقر في العهد النبويِّ؟
ج- هل يُمكِن تطبيقُ نموذج الصُّفَّة في العصر الحاضر؟ وبأيِّ كيفيَّة ووسيلةٍ؟
ويقوم البحثُ- بعون الله وتوفيقه- على المنهجِ الوصفيِّ والتحليليِّ والاستنباطي، الذي يعتمد على دراسة نموذج أهل الصُّفَّة بِوَصْفِه كما كان في عهد الرسول ﷺ، ومعرفة كيفيَّة مُعالَجَة النموذج للفقر، وتحليل مدى نجاحه وكفاءته؛ ليتمَّ الاستنباطُ عن مدى إمكانية التطبيقِ المُعاصِرِ له
وخلَص الباحثُ إلى نجاحِ نموذج أهل الصُّفَّة في تحقيق أهدافه، وتحقيقه لأهمِّ مقاصد الشريعة، وكفاءته الاقتصاديَّة والتوظيفية والتنظيمية، وتحقيقه لنموذجٍ فريدٍ للمعادلة الرياضية المتضمِّنة وجودَ علاقة طردية بين زيادة الموارد وتحقق الأهداف، بينما حقَّق نموذجُ أهل الصُّفَّة إمكانية تحقق معادلة طردية بين نقص الموارد وتحقق الأهداف، وإمكانية تطبيق
مقدمة / 5
- هـ -
النموذج في العصر الحاضر وممَّا أوصى به الباحث:
١. ضرورة التأصيل العلمي لمناهج الاقتصاد الإسلامي بالرجوع للقرآن الكريم والهدي النبوي.
٢. القيام بالمزيد من الأبحاث التطبيقية الاقتصادية للعهد النبوي.
٣. ربط الدراسات الاقتصادية بالعقيدة الإسلامية الصحيحة.
٤. أن تتضمَّن بحوث قياس الكفاءة الاقتصادية معايير النجاح الأخروي وما يحقِّقُه الفرد لدينه ووطنه وأمَّته.
٥. إعداد دراسات تتعلَّق بمدى تحقق العلاقة الطردية بين نقص الموارد وتحقيق الأهداف.
٦. حث الدعاة وطلبة العلم توضيح الفرق بين التصوف وأهل الصُّفَّة.
٧. إعداد دراسات تطبيقية للوسائل الأخرى لمعالجة الفقر في العهد النبوي وكيفيَّة تطبيقها في العصر الحاضر.
٨. التوصية بتطبيق النموذج في المساجد بشكل مباشر وإعداد دراسات أخرى عن إمكانية تطبيق النموذج في معسكرات اللاجئين والسجون والأسواق المركزية وتهيئتها للتطبيق أسوة بالنموذج.
٩. دراسة واستخلاص النظريات الاقتصادية من أقول الرسول الكريم ﷺ.
١٠. دراسة واستخلاص النظريات الاقتصادية للصحابة رضوان الله عليهم، كونها نتاج تربية وتنمية فكرية رعاها الرسول الكريم ﷺ.
مقدمة / 6
- و-
إهداء
إلى والديَّ أطال الله في عمرهما على طاعته
وإلى زوجتي وأولادي
الذين تحمَّلوا تقصيري في حقِّهم طيلةَ أيام الدِّراسة والبحث
إلى إخوتي وأخواتي
إلى مشايخي
إلى أقاربي
إلى زُملائي
إلى كل مسلم ومسلمة
وإلى كلِّ مَن ساعدني في إنجاز هذا البحث
أُهدي هذا الجهدَ المتواضِع
مقدمة / 7
- ز -
شكرٌ وتقديرٌ
إذا لم يكُن عونٌ من الله للفتَى ... فأوَّلُ ما يجني عليه اجتهادُه
فالحمدُ لله العليم الكريم، والشُّكر والفضل والمنَّة له وحْدَه،
أحمده حمدًا وثناءً يليق بجلالِ وجهه وعظيم سُلطانه
والصَّلاة والسلام على خيرِ البريَّة نبينا محمَّد عليه أفضل الصلاة والسلام
والشُّكر بعدَ شُكر الله للجامعة الإسلامية وكلية الشريعة وقسم الإقتصاد الإسلامي
ورئيسه الشيخ الدكتور /مسلم الفزي، وللمشرِف على هذا البحث
الدكتور الفاضل/ عز الدين بن مالك الطيب محمد
أستاذ الاقتِصاد الإسلامي في كليَّة الشريعة بالجامعة الإسلاميَّة
والشُّكر موصولٌ لأعضاء لجنة المناقشة الموقَّرين
أسال اللهَ الكريم أن يحفظَهم ويُديم عليهم الصحةَ والعافية، وأن يبارك في عمرِهم وعملِهم
والشُّكر والتقديرُ موصولٌ لكل مَن أسهم في إنجاز هذا البحثِ بأيِّ إسهام كان
فجزَى اللهُ الجميعَ خيرَ الجزاء.
مقدمة / 8
- حـ -
المقدِّمة
الحمدُ لله ربِّ العالَمين، والعاقبةُ للمتَّقين، ولا عُدوانَ إلَّا على الظالمين، وأشهد أنْ لا إله إلَّا الله، وحْده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، صلَّى الله عليه وآله وصحبه وسلَّم.
وبعدُ فيُعاني المجتمعُ العالميُّ من مشكلةِ الفقر، ويُحاول جاهدًا البحثَ عن حلول جادَّة للقضاء عليه أو التقليل من آثارِه، كما أنَّ الإحصائيات الرسميَّة للمنظَّمات الدوليَّة تُنذر بوقوعِ كارثةٍ إنسانيَّة جرَّاءَ النموِّ المطَّرد لأعداد الفُقراء في العالم، وفي خِضَمِّ هذا البحث كان لزامًا علينا- كمُسلمين- أنْ نبحثَ عن هذه الحلول في التراث الإسلاميِّ العظيم، وفي هَدْي الرسول الكريم ﷺ، الذي أقام في صدْر الإسلام دولةً متطوِّرة مكتملةَ الأركان، وكان من أهمِّ الأُسس الاقتصادية التي أقامها محاربةُ الفقر عبْرَ نماذجَ عِدَّة؛ منها: (المؤاخاة، والتوزيع العادِل للثروة، ونموذج الصُّفَّة محلُّ بحثنا هذا)، ونماذج أخرى كثيرة اتَّسمتْ بالطَّابع الاقتصادي الإسلامي، ممَّا يَفرِض علينا الغوصَ في أعماقِ هذا الفِكر الاقتصاديِّ المتقدِّم.
ولَمَّا كان لزامًا عليَّ البحثُ عن موضوع لإكمالِ مُتطلَّبات الحصولِ على درجة العالميَّة في قِسم الاقتصاد الإسلامي، وبعد البحث في النموذج الاقتصاديِّ الإسلامي الأصيل، وبعدَ استشارة مشايخي وأساتذتي؛ وقَع اختياري على موضوع أسميتُه:
«وسائِل مُعالَجة الفقرِ في العهدِ النبويِّ (الصُّفَّة نموذجًا)»
كإحدى وسائل مُحاربةِ الفقر؛ لدِراسته من جميع جوانبِه، وتقييمه، ومعرفة إمكانية تطبيقه في العصرِ الحاضر وَفقَ التقسيم المشار له أدناه.
الأهميَّة العِلميَّة للموضوع:
يُسهِمُ البحث الحالي في:
١ - إبراز الفِكر الاقتصاديِّ الإسلاميِّ، وقُدرته على حلِّ المشاكِل الاقتصادية وتحليلها.
مقدمة / 9
- ط -
٢ - مَعرِفة طُرُق محاربةِ الفقر في العهد النبويِّ.
٣ - إمكانية التطبيق المعاصِر لهذه الطُّرُق؛ ومنها: نموذج أهل الصُّفَّة.
أسبابُ اختيارِ الموضوع:
١ - العملُ على إبرازِ مزايا الفِكر الاقتصاديِّ النبويِّ، وإظهارها للمجتمع.
٢ - انصراف الاقتصاديِّين في بُحوثهم إلى النظريات الاقتصاديَّة الحديثة، دون الاتِّجاهِ إلى ما في الإسلامِ من حلول.
٣ - زيادة عددِ الفقراء في العالَم. (١)
الدراسات السابقة:
١ - أصحاب الصُّفَّة: أبو تراب الظاهري، دار القبلة للثقافة الإسلامية، جدة، اقتصر المؤلف ﵀ على تعداد أسماء أهل الصفة فقط.
٢ - رجحان الكفَّة في بيان نُبذة من أخبار أهل الصُّفَّة: الحافظ محمد بن عبدالرحمن السخاوي، تحقيق: مشهور بن حسن آل سلمان، وأحمد الشقيرات، دار السلف، الرياض، الطبعة الأولى ١٤١٥ هـ، تضمن أخبار أهل الصُّفَّة إلا إنها لم تكن ذات طابع اقتصادي.
٣ - أهل الصُّفَّة ودورهم في انتشار الإسلام: تنيضب الفايدي، مكتبة المغامسي، المدينة، ١٤٣٥ هـ، تضمن شرح لأدوار أهل الصُّفَّة في نشر الاسلام وترجمة لعدد كبير منهم.
٤ - أهل الصُّفَّة بعيدًا عن الوَهْم والخيال؛ صالح احمد الشامي، دار القلم، دمشق ١٤١٢ هـ، (ص: ٥٩)، تضمن نقض الاوهام والأخبار غير الصحيحة عن أهل الصُّفَّة وشرح لبعض أحوالهم.
_________
(١) تشير إحصائية منظمة الامم المتحدة المنشورة على موقع المنظمة على شبكة الإنرنت على الرابط http://www.un.org/ar/zerohunger/#&panel ١ - ١ بأن عدد الجياع في العالم يقارب ٨٠٠ مليون وقد أنشئء على الموقع قسم خاص للقضاء على الجوع بعنوان (تحدي القضاء على الجوع) باعتباره أحد أهداف المنظمة للألفية الحالية
مقدمة / 10
- ي -
٥ - الصُّفة تاريخها- أصحابها، دراسة تاريخية توثيقية، محمود محمد حمو، بحث منشور في مجلة مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة-العدد (٢٩)، وهي دراسة متميزة جدًا عن أهل الصُّفَّة وقد كانت مرجعًا هامًا لهذا البحث وساعدت الباحث في الوصول للمراجع الأخرى لا سيما في تراجم أهل الصفة وتعريفها ومكانها وتاريخها، وتختلف عن بحثنا هذا بكونها ليست دراسة إقتصادية متخصصة ولم تتضمن جميع المصادر الاقتصادية لأهل الصُّفَّة إضافة إلى عدم تطرقها لتقويم نموذج أهل الصُّفَّة من الناحية الاإقتصادية.
كما يوجد دراسات أخرى قديمة وحديثة تناولت أهل الصُّفَّة إلا أننا لم نجد من خلال بحثنا أي دراسة إقتصادية متخصصة لأهل الصُّفَّة، بينما ستختصُّ هذه الدراسة بالجانبِ الاقتصاديِّ للموضوع بعون الله وتوفيقه.
وتتحدد المشكلة في محاولة الإجابة عن التساؤلات التالية:
١ - كيف تَمَّتْ مُحاربة الفقر في العهد النبوي عبر نموذج الصُّفَّة؟
٢ - هل أثبت نموذج الصُّفَّة فعاليته في محاربة الفقر في العهد النبوي؟
٣ - هل يمكن تطبيق نموذج الصُّفَّة في العصر الحاضر؟ وبأي كيفيَّةٍ ووسيلةٍ؟
حدود البحث:
الحدود الزمانية: دراسة نموذج أهل الصُّفَّة في العهد النبوي.
الحدود المكانية: دراسة الحالة الاقتصادية للمسلمين بعد الهجرة في المدينة المنورة وخصوصًا أهل الصُّفَّة منهم.
أهداف الدراسة:
١ - الكَشْف عن محاسن الاقتصاد الإسلامي، وصلاحيته للتطبيق في كل زمان ومكان.
مقدمة / 11
- ك -
٢ - الكَشْف عن نموذج الصُّفَّة كأحد الحُلول لمُحارَبة الفَقْر في العَهْد النبَوي، ودراسته بشكل متعمِّقٍ.
٣ - معرفة إمكانية التطبيق المعاصر لنموذج الصُّفَّة، كأحد وسائل مُحارَبة الفقرِ.
خطة البحث:
تتكوَّن خُطة البحث مِن: مقدمة، وتمهيد، وثلاثة فصول، وخاتمة، وفهارس، وذلك على النحو التالي:
المقدمة: وتشتمل على الافتِتاحِيَّة، والأهمية العِلْمِيَّة للموضوع، وأسباب اختيار الموضوع، والدِّراسات السابقة، ومشكلة البحث، وحُدود البحث، وأهداف البحث، وخُطَّة البحث، ومنهج البحث.
الفصل التمهيدي: في شرح مفردات العنوان (الفقر، وسائل معالجته في العَهْد النبَوي، أهل الصُّفَّة):
المبحث الأول: حالة الفقر في العَهْد النبَوي، وفيه ثلاثةُ مَطالب:
المَطْلَب الأولُ: مَاهِيَّة الفقر في الإسلام.
المَطْلَب الثاني: أسباب الفقر في العَهْد النبَوي.
المَطْلَب الثالث: الحالة الاقتِصاديَّة للمسلمين في المجتمع المَدَني.
المبحث الثاني: وسائل مُعالَجَة الفقر في العَهْد النبَوي، وفيه ستةُ مَطالب:
المَطْلَب الأول: المُؤاخاة.
المَطْلَب الثاني: الزَّكاة.
المَطْلَب الثالث: الحَثُّ على الصدقة والتبَرُّع.
مقدمة / 12
- ل -
المَطْلَب الرابع: الحَثُّ على العمل.
المَطْلَب الخامس: الوقف.
المَطْلَب السادس: نموذج أهل الصُّفَّة.
المبحث الثالث: التعريف بنموذج الصُّفَّة، وفيه أربعةُ مَطالب:
المَطْلَب الأول: التعريف باسم الصُّفَّة.
المَطْلَب الثاني: تاريخ الصُّفَّة (بدايتها ونهايتها).
المَطْلَب الثالث: مكان الصُّفَّة.
المَطْلَب الرابع: أصحاب الصُّفَّة.
الفصل الأول: الموارد الاقتِصاديَّة لأهل الصُّفَّة، وفيه ثلاثةُ مَباحِث:
المبحث الأول: المصادر الذاتيَّة:
المَطْلَب الأول: العمل.
المَطْلَب الثاني: الغنائم.
المبحث الثاني: المَصادر الرسمية:
المَطْلَب الأول: مَصادر بيت المال.
المَطْلَب الثاني: الزَّكاة.
المبحث الثالث: المَصادر غير الرسميَّة.
المَطْلَب الأول: الصدَقات والهِبات.
مقدمة / 13
- م -
المَطْلَب الثاني: الأوقاف.
الفصل الثاني: تقويم نموذج الصُّفَّة وإمكانية تطبيقه، وفيه مَبحثان:
المبحث الأول: تقويم كفاءة نموذج الصُّفَّة، وفيه ثلاثةُ مَطالب:
المَطْلَب الأول: الكَفاءَة الاقتِصاديَّة.
المَطْلَب الثاني: الكَفاءَة التَّوْظيفيَّة.
المَطْلَب الثالث: الكَفاءَة التنظيمية.
المبحث الثاني: إمكانية التطبيق المُعاصِر، وفيه ثلاثةُ مَطالب:
المَطْلَب الأول: المساجد.
المَطْلَب الثاني: مُعَسْكَرات اللاَّجئين.
الخاتمة: وفيها ذكرُ أهم النتائج والتوصيات.
مقدمة / 14
- ن -
الفهارس:
أولًا: فهرس الآيات القرآنيَّة.
ثانيًا: فهرس الأحاديث والآثار.
ثالثًا: قائمة المَصادر والمراجع.
رابعًا: فهرس الموضوعات.
منهج البحث:
أولًا: يقوم البحثُ- بعون الله وتوفيقه- على منهج دراسة الحالة والمنهج الاستنباطي، الذي يعتمد على دراسة نموذج أهل الصُّفَّة بِوَصْفِه كما كان في عهد الرسول ﷺ، ومعرفة كيفيَّة مُعالَجَة النموذج للفقر، وتحليل مدى نجاحه وكفاءته؛ ليتمَّ الاستنباطُ عن مدى إمكانية التطبيقِ المُعاصِرِ له.
ثانيًا: منهج التعليق والتهميش سيكون على النحو التالي:
• عزْوُ الآيات القرآنيَّة إلى سُوَرِها؛ بذِكْر اسم السورة، ورقْمِ الآية، مع كتابتها بالرَّسْم العُثماني.
• وضع الأحاديث الشريفة بين قوسين مزدوجين هكذا «...».
• تخريجُ الأحاديثِ الشريفةِ الواردة في البحث مِن كُتُب السُّنَّة، فإن كان في الصحيحين أو أحدهما فإني أكتفي بتخريجه منهما؛ بذِكْرِ الكتاب، والباب، ورقْم الحديث، والجزء والصفحة، وإن لم يكنْ فيهما اجتهدتُ بتخريجه من مَظَانِّه، مع ذِكْر كلام أهل العلم عليه صِحَّةً وضَعْفًا.
• ترجمة مختصرة للأعلام الذين تَرِدُ أسماؤهم في صُلْبِ البحث.
مقدمة / 15
-س -
• توثيق نُصوص العلماء وآرائهم مِن كُتُبِهم مباشرةً.
• توثيق الإحْصائيَّات المُتَعَلِّقة بالمشروع، وعمل الجداول اللازمة، حسب ما تَقْتَضِيه طبيعةُ البحث.
• التعريف بالمُصْطَلَحات والكلمات الغريبة الورادة في البحث.
• الالْتِزامِ بعلامات الترقيم، وضبط ما يحتاج إلى ضبطٍ.
• ذِكْر خاتمة البحث.
• وَضْع الفهارس الفنِّيَّة اللازمة- كما في الخطة.
• وَضْع المَلاحق ذات العلاقة بالدراسة- إنْ وُجِدَتْ.
مقدمة / 16
الفصل التمهيدي: في شرح مفردات العنوان
(الفقر، وسائل معالجته في العَهْد النبَوي، أهل الصُّفَّة):
المبحث الأول: حالةُ الَفْقر في العَهْد النبَوي، وفيه ثلاثةُ مَطالب:
المَطْلَب الأول: مَاهِيَّةُ الفقر في الإسلام.
المَطْلَب الثاني: أسباب الفقر في العَهْد النبَوي.
المَطْلَب الثالث: الحالةُ الاقتِصاديَّة للمسلمين في المجتمع المَدَني.
المبحث الثاني: وسائل مُعالَجَة الفقر في العَهْد النبَوي، وفيه سِتَّةُ مَطالب:
المَطْلَب الأول: المُؤاخاة.
المَطْلَب الثاني: الزَّكاة.
المَطْلَب الثالث: الحَثُّ على الصدَقة والتبَرُّع.
المَطْلَب الرابع: الحَثُّ على العمل.
المَطْلَب الخامس: الوقف.
المَطْلَب السادس: نموذج أهل الصُّفَّة.
المبحث الثالث: التعريف بنموذج الصُّفَّة، وفيه أربعةُ مَطالب:
المَطْلَب الأول: التعريف باسم الصُّفَّة.
المَطْلَب الثاني: تاريخ الصُّفَّة (بدايتها ونهايتها).
المَطْلَب الثالث: مكان الصُّفَّة.
المَطْلَب الرابع: أصحاب الصُّفَّة.
1 / 1
المبحث الأول: حالةُ الَفْقر في العَهْد النبَوي
وفيه ثلاثةُ مَطالب:
المَطْلَب الأول: مَاهِيَّة الفقر في الإسلام
الفقيرُ هو: مَن ليس له مالٌ ولا كَسْبٌ لائق به، يقَع مَوْقِعًا مِن كفايته؛ مِن مَطْعَمٍ ومَشْرَبٍ، ومَلْبَسٍ ومَسْكَنٍ، وسائر ما لا بُدَّ منه لنفسه، وما تَلْزَمُه نَفَقَتُه مِن غير إسرافٍ ولا تَقْتيرٍ، كمَن يحتاج إلى عشرة ريالات كلَّ يوم، ولا يجد إلا أربعةً أو ثلاثةً أو ريالين، أما المسكينُ فقد اختلف العلماءُ في تعريفه على أقوالٍ، ومِن أشهرها: أنه الذي يَمْلِك قوت يومه، ولكن لا يَكْفِيه، وذَكَر بعضُهم أن المسكين والفقير بمعنًى واحدٍ، وهذا له حظٌّ مِنَ النظر لو ورَد لفْظُ المسكين في سياقٍ مُنفردًا عن الفقير، أما لو اجتمع لفظُ المسكينِ والفقيرِ فلا بد من التفريق بينهما في المعنى، وقد اختلف العلماءُ حول الفقير والمسكين اختلافًا كثيرًا؛ فذهب أبو يوسف صاحبُ أبي حَنِيفَةَ، وابنُ القاسم مِن أصحاب مالك إلى أنهما صِنْفٌ واحدٌ، وخالَفَهما الجمهورُ (١).
وذَكَر الطَّبَرِيُّ في تفسيره أن المراد بالفقير: المحتاج المُتَعَفِّفُ عن المسألة، والمسكينُ: المحتاجُ السائل (٢)؛ كما قال تعالى في شأن اليهود: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ﴾ (٣).
وذكَر "شيخي زَادَهْ" في كتابه مَجْمَع الأَنْهُر أنَّ الفقيرَ والمسكينَ عند الحَنَفِيَّة والشافِعِيَّة هو
_________
(١) حاشية الدُّسُوقي على الشرح الكبير؛ محمد بن أحمد بن عَرَفَة الدُّسُوقي المالكي، دار الفكر، (١/ ٤٩٢).
(٢) جامع البيان في تأويل القرآن؛ محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى ١٤٢٠ هـ، (١٤/ ٣٠٥).
(٣) سورة البقرة: ٦١.
1 / 2
مَن يَمْلِك شيئًا دون النِّصابِ الشرعيِّ في الزَّكاة (١).
والمِسْكين مَنْ قَدَر على مالٍ أو كَسْبٍ حلالٍ لائقٍ (يقَع موقعًا مِن كِفايته)، وكفايةِ مُمَوِّنِه مِن مَطْعَمٍ وغيرِه، (ولا يَكْفِيه)، كمَنْ يحتاج عشرةً فيجد سبعةً أو ثمانيةً، وإن ملَك نِصابًا أو أنصباء، ومِن ثَمَّ قال في الإحياء: قد يَمْلِك ألفًا وهو فقيرٌ! وقد لا يَمْلِك إلا فأسًا وحَبْلًا وهو غنيٌّ! ولا يَمْنَع المسكنةَ المَسْكَنُ، والمُعْتَمَدُ أنَّ المرادَ بالكفاية هنا كفايةُ العُمر الغالب، نظير ما يأتي في الإعطاء، وإن فَرَّقَ بينهما فلا يقال: يَلْزَم على ذلك أخْذُ أكثر الأغنياء بل الملوك مِن الزَّكاة! لأنَّا نقول: مَن معه مالٌ يَكْفيه رِبْحُه، أو عقارٌ يكفيه دَخْلُه- غَنِيٌّ، والأغنياءُ غالِبُهم كذلك فضلًا عن الملوك، فلا يلزم ما ذُكِرَ، وقد عُلِمَ مِن ذلك أن المِسْكينَ أحسنُ حالًا مِن الفقير، خِلافًا لِمَنْ عكَس، واحتجوا بقوله تعالى: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ﴾ (٢)؛ حيث سَمَّى مالكيها مَساكينَ؛ فدَلَّ على أن المِسْكينَ مَنْ يَمْلِك ما لا يكْفيه (٣).
ولا يُخْرِجُ الفقيرَ أو المِسْكينَ عن فَقْرِه ومَسْكَنَتِه أن يكونَ له مَسْكَنٌ لائقٌ به، مُحتاجٌ إليه، ولا يُكلَّف بيعه لِيُنفقَ منه، ومَن له عَقارٌ يَنْقُص دَخْله عن كفايته فهو فقيرٌ أو مِسكينٌ، نعم لو كان نفيسًا بحيثُ لو باعه استطاع أن يشتريَ به ما يَكْفيه دَخْلَه- لَزِمَهُ بيعُه فيما يظهر، ومِثْل المسكنِ فإنِ اعتاد السكنَ بالأُجرة ومعه ثمنُ مسكنٍ، أو له مسكنٌ: هل يَخْرُج عن الفقر بما معه؟ أجاب في نهاية المحتاج بالإيجاب، وخالفَهُ غيرُه، وكذلك حُليّ المرأة اللائقِ بها، المحتاجة للتزيُّن به عادةً، لا يُخرجها عن الفقر والمسكنة، وكذا كُتُب العلم التي يحتاج إليها ولو نادرًا كمرَّةٍ في السنة، سواء أكانتْ كتبَ عِلْمٍ شرعيٍّ؛ كالفقه، والتفسير،
_________
(١) مجمع الأَنْهُر في شرح مُلْتَقَى الأبْحُر، عبد الرحمن بن محمد بن سليمان المدعو بشيخي زاده، يعرف بداماد أفندي (المتوفى: ١٠٧٨ هـ)، دار إحياء التراث العربي، (١/ ٢٢٠).
(٢) الكهف: ٧٩.
(٣) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة شهاب الدين الرملي (المتوفى: ١٠٠٤ هـ)، دار الفكر، بيروت، الطبعة ١٤٠٤ هـ/١٩٨٤ م، كتاب الصدقات (٦/ ١٥٥).
1 / 3
والحديث، واللغة، والأدب، أو علمًا دنيويًّا نافعًا؛ كالطبِّ لِمَنْ كان مِن أهله، ونحو ذلك، وكذا آلاتُ الحِرْفة، وأدوات الصنعة، التي يحتاج إلى استعمالها في صَنْعتِه، كما لا يخرجه عن الفقر والمسكنة مالُه الذي لا يَقْدِر على الانتفاع به، كأن يكونَ في بلدٍ بعيدٍ، لا يتمكَّن مِن الحصول عليه. أو يكون حاضرًا ولكن حِيلَ بينه وبينه، كالذي تَحْجزه الحكوماتُ المُسْتَبِدَّةُ، أو تَضَعُه تحت الحراسة، وما شابه ذلك. ومثل ذلك دُيُونُه المُؤَجَّلة، لأنه الآن مُعْسرٌ، إلى أن يحلَّ الأَجَلُ (١).
المَطْلَب الثاني: أسباب الفقر في العَهْد النبَوي
إنَّ القارئ لكُتُب السِّيرة يعلم أنَّ الأنصارَ قدَّموا كلَّ ما يستطيعون لإخوانهم المهاجرين ومن ذلك مؤاخاتهم لهم في الأهل والمال، ولقد استمرَّ عطاؤعم طيلةَ حياة النبي ﷺ، حتى جاء الخيرُ وعَمَّ في أواخرها، وشهد الله سبحانه بكرمهم وإيثارهم قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (٢).
ولقد أسهم القادرون من المهاجرين- مِن أمثال: أبي بكرٍ وعُمَر وعثمان وعبدالرحمن بن عوف- وبَذَلُوا، وقدَّموا الشيءَ الكثيرَ، مما هو مذْكورٌ في كُتُب السيرة، بل قد أسهم كلُّ قادرٍ حتى ولو كان الشيء الذي يُقَدِّمُه قليلًا؛ فكان النبيُّ ﷺ عندما يَحُضُّ على الصدقة- كما يقول ابنُ مسعود-: «ينطلق أحدُنا إلى السُّوق، فيحامل فيُصيب المدَّ ...» (٣)، ثم يأتي ليتبَرَّع به (٤).
_________
(١) المرجع السابق (٦/ ١٥٢).
(٢) الحشر: ٩.
(٣) أخرجه ابن ماجه في سننه، بابُ مَعِيشَةِ أصحابِ النَّبِيِّ ﷺ (٥/ ٢٦٠) حديث (٤١٥٥)، مسند أحمد (٣٧/ ٣٤) حديث (٢٢٣٤٦).
(٤) أهل الصُّفَّة بعيدًا عن الوَهْم والخيال؛ صالح احمد الشامي، دار القلم، دمشق ١٤١٢ هـ، (ص: ٥٩).
1 / 4
وعليه، فقد قدَّم كلُّ قادر على العطاء ما يستطيع، ولم يكن الضيقُ ناتجًا عن تقصيرٍ أو كسلٍ أو بُخْلٍ، وإنما هي ظروفٌ اقتَضَتْها طبيعةُ هذه المرحلة مِن حركة الدعوة (١)، ومِن ذلك ما أخرجه محمد بن سعد، عن مَخْرَمة بن سليمان الوالبي، أخبرني الأَعْرَج، عن أبي هريرة: «أن النبي ﷺ كان يجوع، قلتُ لأبي هُرَيْرَة: وكيف ذلك الجوعُ؟ قال: «لكثرة مَنْ يَغْشاهُ وأضيافه، وقومٌ يَلْزَمُونه لذلك، فلا يأكل طعامًا أبدًا إلا ومعه أصحابُه، وأهلُ الحاجة يتتبَّعُون من المسجد، فلما فتح الله خَيْبَرَ اتسع الناسُ بعضَ الاتِّساع، وفي الأمر بعدُ ضيقٌ، والمعاشُ شديدٌ فهي بلادُ ظلَفٍ لا زرع فيها، إنما طعامُ أهلِها التمرُ، وعلى ذلك أقاموا، قال مَخْرَمَةُ بنُ سليمانَ: وكانت جَفْنَةُ (٢) سعدٍ تَدُور على رسول الله ﷺ منذ يوم نزل المدينة في الهجرة إلى يوم تُوُفِّي، وغيرُ سعد بن عُبادة من الأنصار يَفْعَلُونَ ذلك، فكان أصحابُ رسولِ الله ﷺ كثيرًا يتواسون، ولكن الحقوق تَكْثُر، والقُدَّامُ للمدينة يَكْثُرون، والبلادُ ضيقةٌ، ليس فيها مَعاشٌ إنما تخرج ثَمرتُهم من ماءٍ ثمرٍ يحمِلُه الرجالُ على أكتافهم أو على الإبلُ،، وربما أصاب نَخْلَهم القُشامُ (٣)،
فيُذهِبُ ثَمرتَهُم تلك السنة» (٤).
فإنَّ هذا النصَّ لَيَصِفُ أسبابَ الشِّدَّة، ويؤكِّد عدم التقصير في البذْل والعطاء، ومن الأسباب ما يلي:
١ - أن المدينةَ بلد زراعيٌّ، وزراعتُه تقوم على النَّخيل بالدرجة الأولى، وإن المَزَارِعَ تُسقى بالماء الذي يَحْمِلُه الرجال على أكتافهم أو تَحْمِلُه الإبل، وهو أمرٌ صعبٌ؛ فليس هناك مِن أنهار
_________
(١) المرجع السابق، ص ٥٩
(٢) الجفنة قيل: بمعنى القصعة الكبيرة، وقيل وعاءٌ يصنع عادةً من الخزف ويستعمل للتبخير أَو لتسخين الموادّ، ونرجح بأنها وعاء يستعمل لحفظ الطعام والإبقاء على مادته وخصائصه أطول فترة ممكنة.
(٣) القشام: قيل بمعنى الموت وقيل اليبس ونرجح بأنها: آفة تصيب البلح فتذهب به ..
(٤) الطبقات الكبرى، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء، البصري البغدادي، المعروف بابن سعد (المتوفى: ٢٣٠ هـ)، تحقيق (إحسان عباس)، دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى، ١٩٦٨ م، (١/ ٤٠٩).
1 / 5
تَسقي المَزارع كما في البلاد الزراعية الأخرى، وإذا أصاب القُشامُ الثمرةَ فقد ذهب موسمُ ذلك العام، والميدانُ الزِّراعيُّ مجالُه مَحدودٌ، والأيدي العاملةُ التي يستهلكها قليلةٌ، خاصة وأن الزراعة الأولى هي النَّخيل، والعمل فيها مواسمُ محدودة (١).
٢ - كثرة الوافدين والقادمين؛ مما ينشأ عنه كثرةُ الحقوق والالْتِزامات، وكلُّ قادمٍ يحتاج إلى أمرين تامَّيْن: السكنِ له ولأسرتِه، وتأمينِ مَوْرِد رزقٍ له، ولم يكنْ هذا بالأمرِ بالسَّهْل، وكمثالٍ لكثْرة أعداد القادمين وعدم قُدرة المدينة على استيعابهم ومثال ذلك قصةُ وفْدِ مُزَيْنَةَ؛ فقد كان أول مَن وفَد على رسول الله ﷺ مِن مُضَر أربعمائة مِن مُزَيْنَةَ، وذاك في رجب سنة خمس، فجعل لهم رسولُ الله ﷺ الهجرةَ في دارهم: «أنتم مهاجرون؛ حيثُ كنتم فارجعوا إلى أموالكم» (٢)، فقد ردَّهم رسولُ الله ﷺ إلى بلادهم وهو أحْوَجُ ما يكون لهم؛ مِن أجْلِ الدفاع عن المدينة، وما ذاك إلا لأنه رأى عدم القدرة الاستيعابيَّة للمدينة على تقبُّل تلك الأعداد الكبيرة دفعةً واحدةً للظُّروف الاقتِصاديَّة القائمة (٣).
٣ - أنَّ المهاجرين- وغالبيَّتُهم مِن قريش- لا يُتقنون غير التجارة عملًا، ولم يكن فيهم مَن يُحْسِنُ الصنعات المختلفة؛ وذلك لاحتقار العربي يومئذٍ للصنعة، وأنه يرى فيها عملَ الأرِقَّاء والعبيد، وهذا يجعل من القادمين عاطلين عن العمل لفترة من الزمن على الأقل، ريثما يتعرَّفون على أوضاع البلد، ومع هذا فالمدينة ليست البلد الكبير الذي يستوعب ذلك العدد مِن التجَّار (٤).
٤ - أن المدينةَ عاشتْ في أكثر أيام الرسول ﷺ في حالة حرب، والحربُ تُنهك الاقتصاد،
_________
(١) أهل الصُّفَّة بعيدًا عن الوَهْم والخيال، مرجع سابق، (ص: ٦١).
(٢) الطبقات الكبرى، مرجع سابق، (١/ ٢٩١).
(٣) أهل الصُّفَّة بعيدًا عن الوَهْم والخيال، مرجع سابق (ص: ٦٢).
(٤) المرجع نفسه والصفحة نفسها.
1 / 6
وتُذْهِبُ بالثروات، وفي كثيرٍ مِن الأحيان كان يتوفر وجودُ مُقاتلين ولا يوجد المال الذي يُجَهِّزهم للوصول إلى أرض المعركة؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ﴾ (١).
٥ - كان للمدينةِ مع مكةَ حركةٌ تجارية قبل الهجرة وتوقفتْ هذه الحركةُ بعد الهجرة،، مما أثَّرَ بِدَوْرِه على النشاط الاقتصاديِّ (٢).
٦ - الهِجرةُ مِن مكة إلى المدينة بحدِّ ذاتها، وترْكُ المهاجرين لأموالهم، أو غالب أموالهم في مكةَ، إما لعدم استِطاعَة حَمْلها كلها، أو لمساومة كفار قريش على أموالهم ليخلوا سبيلهم للهجرة، ومِن ذلك الحديثُ الذي رواه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: «قال رسول الله ﷺ للأنصار: إن إخوانكم قد تركوا الأموالَ والأولادَ وخرجوا إليكم؛ فقالوا: أموالنا بيننا قطائع؛ قال رسول الله: أوغير ذلك؟ قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: هم قوم لا يعرفون العلم، فتكفونهم وتقاسمونهم التمر؛ قالوا: نعم» (٣).
المَطْلَب الثالث: الحالة الاقتِصاديَّة للمسلمين في المجتمع المَدَني
تُظهر كُتُب السيرة أن الحالة الاقتِصاديَّة العامة في المدينة كان فيها مِن ضيقِ العيش الشيءُ الكثيرُ، ويتضح ذلك مِما يلي:
_________
(١) سورة التوبه: ٩٢.
(٢) أهل الصُّفَّة بعيدًا عن الوَهْم والخيال، مرجع السايق (ص: ٦٣).
(٣) الحديث أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة (٢/ ٤٨٨).
وينظر: السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني، أحمد أحمد غلوش، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى ١٤٢٤ هـ- ٢٠٠٤ م، (ص: ١١٣)، وانظر كذلك: البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: ٧٧٤ هـ)، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجَر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة: الأولى، ١٤١٨ هـ- ١٩٩٧ م، (٤/ ٥٦٥).
1 / 7