إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه وسأرسله إليكما، فأتاهما سعد بن معاذ ففعل مثل صاحبه، فقال له مصعب: أو تقعد فتسمع فإن رضيت أمرًا رغبت فيه وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره، قال سعد: أنصفت، ثم ركز حربته وجلس فعرض عليه مصعب الإسلام وقرأ عليه القرآن فأسلم واغتسل وصلى ركعتين (^١).
فحكمة مصعب بن عمير ﵁ والموعظة الحسنة التي وعظ بها أسيد بن الحضير وسعد بن معاذ ﵄ كان لها تأثير عظيم وسريع، فكان من حكمته أن كلمهم بأسلوب العقل وذلك أنه قال لهم: "إن رضيت أمرًا قبلته وإن كرهته كُف عنك ما تكره" فلم يجعل لهما مجالًا للرفض.
والحكمة لها معانٍ كثيرة ومتعددة، ومن هذه المعاني: "أنها الإصابة في القول والفعل، وقبله سرعة الجواب مع الإصابة" (^٢). وهذا الذي فعله مصعب ﵁ جعل له قبولًا لدى المدعوين، كما أن قراءة القرآن عليهم هي من الحكمة، فعند الطبري ﵀: "أن الحكمة في الآية هي وحي الله الذي يوحيه إلى الرسول ﷺ وكتاب الله الذي أنزله عليه" (^٣)، ويقول الإمام القرطبي: "إن الله أمر الرسول ﷺ في هذه الآية أن يدعو إلى دين الله وشرعه بتلطف ولين دون مخاشنة وتعنيف" (^٤). وجميع هذه المعاني تنطبق على دعوة مصعب بن عمير ﵁ من لطف ولين وإصابة في القول والفعل وقراءة القرآن.