Memorandum of the Preponderant Statement with Evidence - Purity
مذكرة القول الراجح مع الدليل - الطهارة
Daabacaha
دار أم المؤمنين خديجة بنت خويلد
Noocyada
كتاب الطهارة
الطهارة في اللغة: هي النظافة والنزاهة.
الطهارة في الاصطلاح غير النظافة في الشرع لأنها في الشرع أعم من الطهارة في الاصطلاح.
الطهارة في الشرع: هي الطهارة من مناهي الله ﷿ والتحلي بأوامر الله.
س١: إلى كم تنقسم الطهارة؟
ج/ الطهارة تنقسم إلى قسمين هما:
١ - طهارة معنوية، وهذا القسم من مباحث علماء العقيدة.
٢ - طهارة حسية، وهذا القسم هو الذي يبحثه الفقهاء.
س٢: إلى كم تنقسم الطهارة المعنوية؟
ج/ الطهارة المعنوية تنقسم إلى قسمين:
أ. طهارة كبرى. ب. طهارة صغرى.
أ. فالطهارة المعنوية الكبرى: هي طهارة القلب من الشرك وأدناسه، وتحليته بالعقيدة والتوحيد الخالص والتعبد لله ﷿.
ب. وأما الطهارة المعنوية الصغرى: فهي تطهير القلب من أدناس الأخلاق، كالحقد والغل والبغضاء وتحليته بفضائل الأعمال.
س٣: إلى كم تنقسم الطهارة الحسية؟
ج/ الطهارة الحسية أيضا تنقسم إلى قسمين:
أ- طهارة رفع الحدث.
ب- طهارة زوال الخبث.
ففي طهارة رفع الحدث يتكلم الفقهاء عن أحكام المياه، وعن الوضوء والغسل والتيمم والمسح على الخفين.
أما طهارة زوال الخبث فيتحدث الفقهاء في إزالة النجاسة. وضوابط الأشياء النجسة، وأقسام النجاسات.
س٤: ما تعريف رفع الحدث؟
ج/ رفع الحدث هو: زوال الوصف القائم بالبدن المانع من الصلاة ونحوها.
قوله (وصف) يفيد أنه ليس عينا بخلاف الخبث، فالخبث عين مستقذرة شرعًا تمنع من الصلاة.
1 / 1
وقوله (ونحوها) أي مما تشترط له الطهارة، مثل مس المصحف والطواف على رأي جمهور أهل العلم.
س٥: ما تعريف زوال الخبث؟
ج/ زوال الخبث هي: زوال النجاسة أو زوال حكمها بلاستجمار أو التيمم. و(الخبث) كما قلنا هو عين مستقذرة شرعًا تمنع من الصلاة.
س٦: هناك بعض الفروق بين رفع الحدث وزوال الخبث فما هي؟
ج/ الفروق بين رفع الحدث وزوال الخبث هي كالتالي:
١ - أن رفع الحدث لابد له من الماء.
بخلاف زوال الخبث فلا يشترط له الماء كزوال النجاسة بالريح أو الشمس ونحو ذلك فلو زالت النجاسة بأي مزيل حكمنا بالطهارة، لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا.
٢ - أن رفع الحدث لابد له من نية، فلو اغتسل الإنسان من الجنابة بدون نية فإنه لا يرفع حدثه.
أما زوال الخبث فلا تشترط له النية، فلو أن إنسانًا في ثوبه نجاسة مثلًا ثم أصابه المطر بدون نية منه وزالت النجاسة لكفى ذلك.
٣ - أن رفع الحدث لا يعذر فيه الإنسان بالجهل والنسيان، فلو أن إنسانًا صلى وهو على غير طهارة جهلًا منه أو نسيانًا أو مُكرهًا، فصلاته غير صحيحة فإذا تذكر فعليه إعادة صلاته مرة أخرى، لأن هذا من باب الأوامر وباب الأوامر لا يعذر فيه الإنسان بالجهل والنسيان.
أما زوال الخبث فيعذر فيه الإنسان بالجهل والنسيان.
س٧: لو صلى الإنسان وعلى ثوبه نجاسة فما الحكم؟
ج/ الحكم لا يخلو من أمور:
أ- إذا تذكر أثناء الصلاة وقدر على إزالتها وهو يصلي وجب عليه ذلك، كما فعل النبي - لما جاءه جبريل فأخبره أن في نعليه أذى فخلعهما (١).
ب- وإن كان إزالة هذا الشيء لا يتم إلا بكشف العورة، أو يحتاج لإزالة هذا الشيء إلى عمل كثير، فإن الإنسان يقطع صلاته وزيل هذه النجاسة ثم يستأنف الصلاة من جديد.
ج- إذا لم يعلم المصلي بالنجاسة إلا بعد انتهائه من الصلاة فهذا صلاته صحيحة، لأن هذا من باب المنهيات وباب المنهيات يعذر فيه الإنسان بالجهل والنسيان، وهذه قاعدة في كل المحظورات.
_________
(١) رواه أحمد وأبو داود.
1 / 2
- أقسام المياه -
ينبغي للمكلف أن يعرف أحكام المياه لأنه لا صلاة إلا بماء معتبر، والمياه منها ما أذن الله بالطهارة منه ومنها ما لم يأذن بالطهارة منه، لذلك لابد للمكلف أن يعرف ما هو الماء الذي يتوضأ به.
س٨: إلى كم ينقسم الماء؟
ج/ على القول الراجح أن الماء على قسمين هما:
١) طهور. ٢) نجس.
القسم الأول وهو الطهور:
س٩: ما تعريف الماء الطهور؟
ج/ الماء الطهور هو: الذي لم يتغير بنجاسة ولا يزال اسم الماء باقيًا عليه، وهو يرفع الحدث ويزيل الخبث والدليل قوله تعالى - وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ (١) -، وقول النبي - - اللهم طهرني بالماء والثلج بالبرد - (٢)، وقوله في البحر - هو الطهور ماءه والحل ميتته - (٣).
س١٠: ما حكم استخدام الماء المحرم كالمغصوب ونحو ذلك؟
ج/ يحرم استعماله، لقول النبي - في خطبته في منى يوم النحر - إن دمائكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا - (٤).
س١١: ولكن لو توضأ إنسان بماء مغصوب أو أزال به النجاسة، فهل هذا الماء يرفع الحدث ويزيل الخبث أم لا؟
ج/ الراجح من أقوال أهل العلم أنه يرفع الحدث ويزيل الخبث، لكن مع الإثم وهذا القول رواية عن الإمام أحمد، ودليل العمومات كقول الله تعالى - وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِه - وهذا يشمل الماء المباح والمحرم لكن مع الإثم لاستعمال الماء المحرم.
س١٢: ما حكم استعمال ماء زمزم في رفع الحدث وإزالة الخبث؟
ج/ يجوز استعمال ماء زمزم في رفع الحدث وإزالة الخبث ولا يكره ذلك، وهذا قال به بعض الحنابلة وهو اختيار العلامة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى وهو الراجح.
والدليل على ذلك: حديث أسامة - أن النبي - دعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ - (٥).
_________
(١) (لأنفال: من الآية١١).
(٢) متفق عليه من حديث عبدالله بن أبي أوفى.
(٣) رواه الخمسة وصححه الحاكم وابن حبان والبخاري وصححه الترمذي من حديث أبي هريرة.
(٤) رواه مسلم من حديث جابر ﵁.
(٥) رواه أحمد وأهل السنن، وقال الترمذي: صحيح.
1 / 3
س١٣: قال النبي - - إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثًا فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده - (١)، هل النهي للتنزيه أم للتحريم؟
ج/ الأقرب أنه للتحريم وهو قول الظاهرية، وهو قول الشيخ محمد بن إبراهيم ﵀، فإذا غمس يده قبل أن يغسلهما ثلاثًا فإنه يأثم.
س١٤: لو أن إنسانًا غمس يده في الإناء قبل أن يغسلهما ثلاثًا فما حكم ذلك الماء؟
ج/ الراجح أنه باقٍ على طهوريته، لأن الحديث الذي فيه النهي عن غمس اليدين في الإناء قبل غسلهما ثلاثًا غاية ما فيه النهي عن غمس اليد ولم يتعرض النبي - للماء، وفي قوله - فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده - دليل على أن الماء لا يتغير الحكم فيه، لأن هذا التعليل يدل على أن المسألة من باب الاحتياط وليست من باب اليقين الذي يرفع به اليقين، وعندنا الآن يقين، وهو أن الماء طهور، وهذا اليقين لا يمكن رفعه إلا بيقين فلا يُرفع بالشك.
س١٥: ما الحكمة من النهي عن غمس اليد بالماء للقائم من نوم الليل قبل أن يغسلهما ثلاثًا؟
ج/ على خلاف، والراجح في ذلك ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ حيث قال: (إن العلة هي خشية ملامسة الشيطان ليد النائم ملامسة حقيقية، ونظير ذلك قول النبي - - إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنشق ثلاثًا فإن الشيطان يبيت على خيشومه (٢) -، وملامسة الشيطان ليد النائم ملامسة حقيقية).
س١٦: ما حكم الماء إذا استعمل في طهارة كالماء المتساقط من أعضاء المتوضئ؟
ج/ المراد باستعمال الماء: إمراره على العضو ثم يتساقط منه، أو أن يتطهر في نفس الماء، وليس المراد الاغتراف منه، فحكم هذا الماء على الراجح أنه طهور، قال السعدي ﵀ في الإرشاد: (وإن كان مستعملًا في طهارة مشروعة كتجديد وضوء ونحوه فهو طهور، مكروه على المذهب، غير مكروه على القول الصحيح لعدم الدليل) (٣).
س١٧: ما حكم الماء الذي خلت به المرأة المكلفة لطهارة كاملة، هل يرفع حدث الرجل أم لا؟
ج/ على خلاف، والراجح أنه طهور يرفع حدث الرجل، لما ورد في حديث ابن عباس ﵄ أن رسول الله - كان يغتسل بفضل ميمونة - (٤).
_________
(١) أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة -.
(٢) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة -.
(٣) الإرشاد صـ٦.
(٤) رواه مسلم.
1 / 4
ولحديث ابن عباس أيضًا - أن امرأة من نساء النبي - استحمت من جنابة فجاء النبي - يتوضأ من فضلها فقالت: إني اغتسلت منه، فقال: الماء لا ينجسه شيء - (١) قال شيخ الإسلام ﵀: (وتجوز طهارة الحدث بكل ما يسمى ماء وبما خلت به امرأة لطهارة، وهو رواية عن أحمد رحمه الله تعالى وهو مذهب الأئمة الثلاثة) (٢).
أما ما ورد من نهي النبي - أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة (٣)، فهذا محمول على التنزيه، وبهذا يحصل الجمع بين أدلة النهي وأدلة الجواز.
القسم الثاني وهو النجس:
وهو ما تغير بنجاسة، أي تغير طعمه أو لونه أو ريحه.
س١٨: ما هو الضابط في نجاسة الماء؟
ج/ الضابط في ذلك ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ أن الماء سواءٌ كان قليلًا أو كثيرًا فإنه لا ينجس إلا بالتغير.
وهذه قاعدة وهو القول الراجح، قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (٤): (وأما الماء إذا تغير بالنجاسات فإنه ينجس بالاتفاق، وأما إذا لم يتغير سواءً كان الماء قلتين أو أكثر فإنه يكون طهورًا) أ. هـ.
س١٩: كيف يطهر الماء النجس؟
ج/ الصحيح أنه سواءً كان الماء قليلًا أو كثيرًا، إذا زال التغير بأي مزيل سواء زال بنفسه أو بنزح أو بلإضافة فإنه يكون طهورًا، لأن الحكم متى ما ثبت بعلة زال بزوالها، وأي فرق بين أن يكون كثيرًا أو يسيرًا فالعلة واحدة، متى زالت النجاسة فإنه يكون طهورًا وهذا أيسر فهمًا وعملًا.
س٢٠: ما الحكم إذا شك هل الماء تغير بنجاسة أم لا؟
ج/ الأصل أنه طهور كما هو رأي شيخ الإسلام ﵀ وهو الأقرب، لأن الأصل في الأشياء الطهارة، والقاعدة الشرعية تقول ﴿ليقين لا يزول بالشك﴾، فاليقين لا يزول إلا بيقين مثله.
س٢١: ماذا يلزم من علم بنجاسة الشيء؟
ج/ يلزم من علم بنجاسة شيء إعلام من أراد أن يستعمله لحديث - الدين النصيحة - (٥)، كما لو رأى نجاسة على بدن المصلي أو ثوبه، فيدب عليه إخباره لأن هذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
_________
(١) رواه اهل السنن.
(٢) الاختيارات صـ٣.
(٣) رواه أبو داود وغيره، وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان من حديث الحكم بن عمرو الغفاري.
(٤) مجموع الفتاوى٢١/ ٣٠.
(٥) رواه مسلم وأحمد عن تميم بن أوس الداري -.
1 / 5
- باب الآنية -
الآنية: جمع إناء وهو الوعاء.
س٢٢: ما الأصل في الآنية؟
ج/ الأصل في الآنية الحل، لأنها داخلة في عموم قوله تعالى - هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا - (١)، ومنه الآنية.
فلا يحرّم من الأواني إلا ما حرمه الشارع، وأما ما عدا ذلك فالأصل فيه الحلّ.
فالأواني مم الخشب ومن الصُفر، والنحاس والحديد والأحجار الكريمة حتى لو كانت غالية الثمن فإن الأصل فيها الحلّ اتخاذًا واستعمالًا، لكن يستثنى من ذلك ما استثناه الشارع من الذهب والفضة، كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.
س٢٣: عندنا (اتخاذ) وعندنا (استعمال)، فما الفرق بينهما؟
* أما الاستعمال: فهو مباشرة الإنسان للإناء بسبب استعماله، كأنه يستعمله في الأكل والشرب أو للتطهير به ونحو ذلك.
* أما الاتخاذ: فهو عدم مباشرة الإناء للانتفاع، وإنما يُتخذ إما للزينة أو لاستعماله في حالة الضرورة أو للبيع والشراء فيه وما أشبه ذلك، وهذا هو الفرق بين الاتخاذ والاستعمال.
س٢٤: ما حكم استعمال آنية الألماس والأحجار الكريمة أو الزبرجد وغيرها من الأواني الثمينة؟
ج/ الأصل في الآنية الحل إلا ما نُصّ على تحريمه كما سيأتي بيانه إن شاء الله، فيجوز استعمال آنية الألماس والأحجار الكريمة أو الزبرجد سواء كان ذلك استخدامًا أو اتخاذا للزينة ما لم يصل إلى حدّ الإسراف.
س٢٥: ما أنواع آنية الذهب والفضة؟
ج/ آنية الذهب والفضة على أنواع هي:
١. المُسْبَت: وهو أن يكون خالصًا من الذهب والفضة (إناءٌ خالصٌ من الذهب والفضة).
_________
(١) (البقرة: من الآية٢٩).
1 / 6
٢. الممّوه: وهو أن يكون الإناء طُليَ بالذهب والفضة (يعني يُماع الذهب أو الفضة ثم يؤُتى بالإناء من الحديد أو النحاس أو غيره ويغمس في هذا الذهب أو الفضة) فيكتسب لونًا فقط.
٣. المُطعَّم: أن يؤتى بإناء من الحديد أو الصُفر ونحو ذلك ويحفر من أي مكان، ثم يوضع فيه قطعة من الذهب أو الفضة.
٤. المطْلي: وهو أن يؤتى بصحائف من ذهب أو فضة ثم توضع على الإناء من الحديد أو النحاس أو الصُفر.
الفرق بين المُطَّعم والمطْلي: أن المُطَّعم يحفر ثم توضع فيه قطعة من الذهب أو الفضة، وأما المطْلي يُؤتى بصحائف من ذهب أو فضة ثم توضع على الإناء من الحديد أو النحاس أو الصُفر.
٥. المُكفَّت: يُبْرَد الإناء (يُحفر فيه) ويوضع فيه كهئية الساقي، ثم يؤتى بشريط من الذهب أو الفضة ويوضع فيه، أو يدار على الإناء لتجميله وتزيينه.
٦. المُضَبب: أن ينكسر الإناء ثم يُؤتي بشريط من الذهب أو الفضة ويربط فيه، أو ينخرق الإناء ويؤتى بقطعة من الذهب أو الفضة ويُسدُّ فيها هذا الخرق.
س٢٦: ما حكم استعمال آنية الذهب والفضة في الأكل والشرب؟
ج/ استعمال آنية الذهب والفضة في الأكل والشرب محرم إجماعًا، لا خلاف في ذلك.
من الأدلة على تحريمه:
ما روى حذيفة - أن النبي - قال - لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة (١) -، قوله - فإنها لهم - أي الكفار إذا ليس لهم نصيب من العبودية التي ينالون بها في الآخرة نعيمها، فلا يصح استعمالها لعبيد الله في الدنيا، وإنما يفعلها من خرج عن عبوديته ورضي بالدنيا وعاجلها من الآخرة.
وقال أيضًا - الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم - (٢).
س٢٧: ما حكم اتخاذ واستعمال آنية الذهب والفضة في غير الأكل والشرب؟
ج/ الصحيح أن الاتخاذ والاستعمال في غير الأكل والشرب ليس بحرام، لأن النبي - نهى عن شيءٍ مخصوص وهو الأكل والشرب، ولو كان المحرَّ غيرهما لكان النبي - أبلغ الناس وأبينهم في الكلام، ولا يخصُّ شيئًا دون شيء، بل إن تخصيصه الأكل والشرب دليل على أن ما عداهما جائز، لأن الناس ينتفعون
_________
(١) متفق عليه.
(٢) متفق عليه من حديث أم سلمة ﵂.
1 / 7
بهما في غير ذلك، ولو كانت حرام مطلقًا لأمر النبي - بتكسيرها، كما كان النبي - لا يدع شيئًا فيه تصاوير إلا كسره، لأنها إذا كانت محرَّمة في كل الحالات ما كان لبقائها فائدة، ويدل لذلك أن أم سلمة ﵂ وهي رواية حديث التحريم - الذي يشرب في آنية الذهب والفضة وإنما يجرجر في بطنه نار جهنم - كان عندها جلجل من فضة جعلت فيه شعرات من شعر النبي - (١) فكان الناس يستشفون بها فيُشفون بإذن الله، هذا بالنسبة للاستعمال في غير الأكل والشرب، أما استعمالهما في الأكل والشرب فقد تقدم بيان حكم ذلك.
س٢٨: ما الإناء المضبب؟
ج/ المُضبّبب: أن ينكسر الإناء من الحديد أو نحو ذلك ثم يؤتى بشريط من الذهب أو الفضة ويربط فيه، أو ينخرق الإناء ويؤتى بقطعة من الذهب أو الفضة ويُسدَّ فيه هذا الخرق.
س٢٩: متى يباح استعمال الإناء المضبب؟
ج/ يباح استعماله إذا اجتمعت فيه الشروط الآتية:
١. أن تكون ضبة (يعني اتخاذ شريط لربط الكسر أو انخرق الإناء فيُؤتى بقطعة من الفضة ويُسدُّ فيه هذا الخرق).
٢. أن تكون الضبة يسيرة، ويرجع في كون الشيء يسيرًا وكبيرًا إلى العرف.
٣. أن تكون من فضة، فإذا كانت من ذهب فلا تجوز.
٤. أن تكون للحاجة، فإذا كانت للزينة فلا تجوز.
والدليل على جواز ذلك ما ورد من حديث أنس - أن قدح النبي - انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة - (٢).
س٣٠: ما حكم آنية الكفار وثيابهم؟
ج/ آنية الكفار وثيابهم على ثلاثة أقسام:
١. أن تكون نجسة، كأن يكون في الإناء مثلًا شحم خنزير، أو كانت ثيابهم نجسة فهذه لابدَّ من غسلهما.
٢. أن يُعرف عن هؤلا الكفار أنهم يتوقون النجاسة فهنا لا بأس باستعمال هذه الأواني والثياب من غير غسيل.
والدليل على ذلك أن الأصل الطهارة.
_________
(١) رواه البخاري.
(٢) رواه البخاري.
1 / 8
٣. أن يُعرف عن هؤلا مباشرة النجاسة، ولكنه لا يرى عليها أثر النجاسة، فهذه هل تغسل أم لا؟ على خلاف، والأقرب أنه لا يجب الغسل بدليل ما صح عن النبي - - أنه توضأ من مزادة امرأة مشركة - (١)، وأيضًا ثبت - أن النبي - دعاه غلام يهودي على خبز شعير وإهالة سنخة (٢) -، (٣).
وكذلك صح عن عمر - - أنه توضأ من جرَّة نصرانية - (٤)، كل هذا يدل على أن ما باشروه فهو طاهر، ولأن الأصل في الأشياء الطهارة، وهنا قاعدة ﴿اليقين لا يزول بالشك﴾ فإذا شكّ الإنسان بنجاسة شيء لم تُلم نجاسته فهنا الأصل الطهارة فلا يزول اليقين إلا بيقين مثله، فلا يلتفت إلى الشك.
س٣١: ما أقسام الميتة من حيث الطهارة وعدمها؟
ج/ الميتة من حيث الطهارة وعدمها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
١ - ما لا تحله الحياة ومعنى ذلك (أي ليس فيه دم سائل) فهذا طاهر وهذا مثل القرن والظفر والشعر والصوف ... الخ، فهذا طاهر من الميتة.
٢ - ما تحله الحياة وهذا مثل اللحم والعصب .. الخ، فهذا نجس من الميتة.
٣ - ما بين ذلك وهو الجلد، وهذا يظهر بالدباغ، ولكن طهارة جلد الميتة مخصوص بكل حيوان مات وهو يؤكل في حال الحياة كالشاة والبعير ونحوهما فهذا يطهر جلده بالدباغ، والدليل على طهارة جلود الميتة إذا دبغت، إذا كانت تؤكل حال الحياة ما ورد في حديث سلمة بن المحبق أن النبي - قال - دباغها ذكاتها (٥) - فعبر بالذكاة، ومعلوم أن الذكاة لا تطهّر إلا ما يباح أكله، فلو أنك ذبحا حمارًا وذكرت اسم الله عليه وأنهر الدم، فإنه لا يسمى ذكاة، وعلى هذا يقال: جلد ما يحرم أكله ولو كان طاهرًا في حال الحياة فإنه لا يطهر بالدباغ، كما لو دبغ جلد هرة مع أنها طاهرة حال الحياة، ومع ذلك فإن جلدها لا يطهر بالدباغ.
س٣٢: ما حكم تغطية الآنية وإيكاء الأسقية .. وما الحكمة من ذلك؟
ج/ يُسنُّ تغطية الآنية، وإيكاء الأسقية، وإقفال الأبواب، وهذا دلَّ له حديث جابر أن النبي - قال - أوكِ سقاءك واذكر اسم الله، وخمر إناءك واذكر اسم الله، ولو أن تعرض عليه عودا (٦) -، والتخمير: التغطية.
_________
(١) رواه البخاري ومسلم من حديث عمران بن حصين.
(٢) رواه أحمد من حديث أنس -، قال الألباني في إرواء الغليل: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(٣) الإهالة: الدسم، والسنخة: المتغيرة.
(٤) عزاه النووي في المجموع للشافعي والبيهقي صحح إسناده وذكره البخاري في صحيحه معلقًا فقال: توضأ عمر بالحميم من بيت مشركة.
(٥) رواه أحمد والنسائي والطبري وفي التلخيص: إسناده صحيح.
(٦) متفق عليه.
1 / 9
والحكمة من تغطية الآنية وإيكاء الأسقية وردت في صحيح مسلم حيث قال - فإن الشيطان لا يفتح غلقًا، ولا يحل وكاءً ولا يكشف إناءً -.
والكشف هنا كشف حقيقي، يكشفه الشيطان أو يستشرفه إذا لم يُربط الوكاء ولم يغطى الإناء ولم تقفل الأبواب.
وكذلك من العلل: ما ورد أن النبي - قال - غطُّو الإناء، وأوكئوا السقاء، فإن في السنة ليلة ينزل فيها داء لا يمرُّ بإناءٍ ليس عليه غطاء، ولا سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل به من ذلك الداء (١) -.
_________
(١) رواه مسلم.
1 / 10
- باب الاستنجاء وآداب التحَّلي -
س٣٣: ما تعريف الاستنجاء والاستجمار؟
الاستنجاء: استفعال من النجو، وهو في اللغة القطع يقال: نجوت الشجرة أي قطعتها، والمراد بذلك إزالة الأذى أي العَذِرَة.
اصطلاحًا:
* الاستنجاء: هو إزالة ما خرج من السبيلين بما طهور.
* الاستجمار: هو إزالة ما خرج من السبيلين بالأحجار ونحوها.
والمراد بآداب التخلي:
هي ما يحسن أن يكون عليه مُريد قضاء الحاجة.
فائدة:
وهذه الآداب من الأهمية بمكان، لأن بهذه الآداب تكتمل شخصية المسلم ويتميز عن غيره، ولذلك النبي - قال - الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق - (١)، ومن العجيب أننا نرى بعض الناس يتهاونون في أداء السنن ويكادون يقتصرون على الواجبات، ورحم الله الإمام أحمد عندما كان في سكرات الموت، وكان عنده إنسان يوضئه، فلما غسل وجهه بدأ الإمام أحمد يشير إلى لحيته كأنه ينبه على أنه ترك تخليل اللحية، مما يدل على شدة تمسكهم بالسنة، فعلى هذا يحسن القراءة في باب الآداب وتطبيق هذه الآداب، لأنها من مكملات الدين ومحسّناته ومجمّلاته مع هذه الآداب فيها شيء يصل إلى حد الوجوب.
س٣٤: ما شروط الاستجمار بالأحجار ونحوها؟
ج/ شروط الاستجمار بالأحجار ونحوها هي:
أولًا: أن تكون هذه الأحجار طاهرة لا نجسة ولا متنجسة (والفرق بين النجس والمتنجس: أن النجس نجس بعينه كالروث، والمتنجس نجس بغيره أي طرأت عليه النجاسة كالورق المتنجس) والدليل على ذلك حديث ابن مسعود - أنه جاء إلى النبي - بحجرين فأخذ النبي - الحجرين وألقى الروثة وقال - هذا رِكس (٢) -، والركس: النجس.
وكون النبي - يأخذ الحجرين ويلقي الروثة يدلُّ على أن ذلك نجس وأنه لا يجزيء.
_________
(١) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة -.
(٢) رواه البخاري.
1 / 11
ثانيًا: مُنْقِ، أي منظف، فإذا كان لا ينظف فإنه لا يُجزئ، لأن وجوده كعدمه، والذي لا ينقِ إما لا ينقٍ لملامسته، كأن يكون أملس جدًا، أو لرطوبته كحجر رطب، أو كان المحل قد نشف لأن الحجر قد يكون صالحًا للإنقاء لكن المحل غير صالح للإنقاء.
ثالثًا: أن لا تتعدى النجاسة موضع الحاجة، وموضع الحاجة ما جرت العادة به في أن البول ينتشر إلى ما حول المخرج، فإذا كانت النجاسة تعدت إلى ما حول المخرج فقط أجزأ الاستجمار، أما إذا تعدى موضع الحاجة فلا بدَّ من الاستنجاء بالماء، وقد قال بهذا بعض أصحاب الإمام أحمد ﵀ قالوا: لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، فما زاد عن موضع العادة يغسل، وما كان على العادة يجزئ فيه الاستجمار.
والأقرب: أن الاستجمار يُجزئ مطلقًا حتى ولو تعدى الخارج موضع الحاجة، لأن الشارع لم يحدد ذلك. وفي الاختيارات لشيخ الإسلام ابن تيمية (ويجزئ الاستجمار ولو تعدى الخارج إلى الصفحتين والحشفة وغير ذلك، لعموم الأدلة بجواز الاستجمار، ولم ينقل عن النبي - في ذلك تقدير) (١) أ. هـ.
رابعًا: أن يكون ثلاث مسحات ودليل ذلك حديث سلمان - - نهى رسول الله أن نستنجي بأقل من ثلاث أحجار - (٢).
فدَّل ذلك على أنه لابدَّ من ثلاث مسحات، ولا يشترط ثلاثة أحجار، إنما يشترط ثلاث مسحات حتى ولو كانت بحجر واحد، لأن الحجر الواحد قد يكون له جهات متعددة، وإن أنقى بواحدة فلا يكفي، فلابدَّ من ثلاث، وإذا بم يُنقِ بثلاث يزيد رابعة وجوبًا ويقطع على خامسة استحبابًا حتى يقطع على وتر، وهكذا لأن النبي - نهى أن يستنجى بأقل من ثلاث أحجار ولأن الغالب أنه لا نقاء بأقل من ثلاثة أحجار.
خامسًا: أن لا يكون بعظم ولا بروث، بدليل قول النبي - في حديث سلمان - - وأن لا نستنجي بعظم ولا روث (٣) -، وورد هذا أيضًا من حديث ابن مسعود (٤)، وأبي هريرة - أنه جمع للنبي - أحجاراُ وأتى بها بثوبه فوضعها عنده ثم انصرف (٥)، وحديث رويفع (٦)، ولو خالف وفعل فقد فعل محرمًا وهو آثم يُخشى عليه من العقوبة.
_________
(١) الاختيارات صـ٩.
(٢) رواه مسلم.
(٣) رواه مسلم.
(٤) رواه البخاري.
(٥) رواه البخاري.
(٦) رواه أبو داود والطبري وفيه شيبان القتبائي وهو مجهول ورواه أحمد وفيه أبن لهيعة وقد اختلط.
1 / 12
س٣٥: هل يُجزئ إذا استجمر بعظام أو روث؟
ج/ الأظهر أنه لا يُجزئ ووجوده كعدمه كأنه لم يستجمر وهذا هو قول المذهب.
س٣٦: لماذا نُهي عن الاستجمار بالعظام والروث؟
ج/ أما بالنسبة للعظام إذا كان العظم عظمّ مذكاة فقد بيَّن النبي - أن هذا العظم يكون طعامًا لإخواننا الجن كما قال - للجن - لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه، تجدونه أوفر ما يكون لحمًا (١) -.
ولما سألوه عن علف بهائمهم كما في الحديث نفسه قال - لكم كل بعرة تكون علفًا لبهائمكم -.
سادسًا: أن لا يكون الاستجمار بطعام الآدميين وطعام بهائم الآدميين، كالعلف والبرسيم ونحو ذلك، والدليل على ذلك لما نهى عن الاستجمار بطعام الجن وطعام بهائمهم فطعام الآدميين وطعام بهائمهم من باب أولى، لأن الإنس أفضل.
سابعًا: ألا يكون الاستجمار بمحترم، مثل كُتب العلم الشرعي. والظاهر أن هذه الكُتُب حتى ولو كتبت بغير العربية مادام أن موضوعها محترم.
س٣٧: ما ضابط الاستجمار المُجزئ وما ضابط الاستنجاء بالماء؟
ج/ أما ضابط الاستنجاء المجزئ فهو، أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء، فالنجاسة يعفى عنها في مواضع، من هذه المواضع، ما يبقى بعد الاستجمار، لأنه لا بد أن يبقى أثر، فالاستجمار المجزئ أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء، فإذا بقي أثر لا يزيله إلا الماء صحَّ الاستجمار.
والدليل على أن هذا الأثر يعفى عنه قول النبي - في العظام والروث - أنهما لا يطهَّران - فدل على أن ما عداهما يطهر مع أنه سيبقى أثر.
أما ضابط الاستنجاء بالماء فهو أن تعود خشونة المحل إلى ما قبل خروج النجاسة، فإذا حصل ذلك عرف الإنسان أنه استنجى استنجاء شرعيًا.
ويكفي في الاستنجاء والاستجمار غلبة الظن ولا يلزم اليقين، فإذا غلب على ظن الإنسان وقد استجمر بالحجارة ونحوها أنه بقي أثر لا يزيله إلا الماء، أو إذا استنجى بالماء غلب على ظنه أن خشونة المحل عادت كفى ذلك، فلا يلزم اليقين، لأن اليقين ليس بشرط.
س٣٨: ما الحالات التي تكون بعد قضاء الإنسان حاجته؟
ج/ إذا قضى الإنسان حاجته فله ثلاث حالات هي:
_________
(١) رواه مسلم من حديث ابن مسعود -.
1 / 13
١. أن يجمع بين الاستنجاء والاستجمار، يبدأ بالاستجمار أولًا بالحجارة ونحوها ثم يستنجي بالماء، فهذا أفضل.
٢. أن يستنجي بالماء، وهذا أفضل من الاقتصار على الاستجمار، لأنه أبلغ في النظافة.
٣. أن يقتصر على الاستجمار، وهذا أيضًا مجزئ، لحديث عائشة مرفوعًا - إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه (١) -، وبعض الناس يعتقد أنه لا يجوز الاقتصار على الاستجمار مع وجود الماء وهذا خطأ، فلو اقتصر على الاستجمار أجزأ ذلك حتى مع وجود الماء.
هذه ثلاث حالات، والنبي - فعل الاستنجاء وفعل الاستجمار.
س٣٩: قد يقول قائل أن الإنسان إذا استجمر لابدَّ أن يبقي أثر، لأننا قلنا أن ضابط الاستجمار الشرعي أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء فهذا الأثر الذي يبقى، ما حكمه؟
ج/ يقال هذا الأثر معفُوٌ عنه، حتى ولو عرق الإنسان وسأل وأصاب شيئًا من ثيابه وبدنه فإن ذلك معفو عنه، لأن القاعدة الشرعية تقول ﴿أن ما ترتب على المأذون فهو غير مضمون﴾ فما دام أنه أُذن له الاقتصار على الاستجمار المجزئ، وتقدم ضابط ذلك، فما ترتب عليه من سيلان ما بقي من أثر إذا عرق الإنسان فإن هذا يعفى عنه.
س٤٠: إذا كان يجب الاستنجاء أو الاستجمار لكل خارج من السبيلين إلا ما يستثنى، وهو خروج الأشياء الطاهرة، فما الذي يشمله الطاهر؟
ج/ الطاهر يشمل ما يلي:
١. المني: فلو أن الإنسان خرج منه مني ولم يغسله وإنما أعمَّ جسده بالماء كفى ذلك، أو أصاب المني شيئًا من ثيابه ولم يغسله فلا بأس بذلك، لحديث عائشة ﵂ كنت أغسل الجنابة من ثوب رسول الله - فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء في ثوبه - (٢)، وفي رواية - لقد كنت أفركه من ثوب رسول الله - فركًا فيصلي فيه - (٣).
فالمني طاهر لأنه أصل الأنبياء والصديقين والشهداء، وهؤلا يستحيل أن يكون أصلهم نجس، والقول بطهارة المني هو قول الجمهور وهو الراجح، وقد ذكر ابن القيم ﵀ مناظرة جميلة في كتابه بدائع الفؤائد (٤) بين اثنين أحدهما يرى نجاسة مني الآدمي، والآخر يرى طهارته، فيحسن الرجوع إليها.
_________
(١) رواه أحمد وأبو داود وإسناده صحيح.
(٢) رواه البخاري.
(٣) رواه مسلم.
(٤) ٣/ ١١٩.
1 / 14
٢. الريح: فهي طاهرة، لأنها لا تحدث أثرًا فهي هواء فقط، وإذا لم تحدث أثرًا في المحل فلا يجب أن نغسله، لأن غسله حينئذٍ نوع من العبث، وسواء كان له صوت أم لا فهي طاهرة وإن كانت رائحتها خبيثة، قال الإمام أحمد ﵀: (ليس في الريح الاستنجاء لا في الكتاب ولا سنة رسوله -، وإنما عليه الوضوء) (١)، حتى ولو خرجت الريح من الإنسان وثيابه مبلولة فهنا ستلاقي الريح رطبة فهي طاهرة " أي الريح " وبناء على هذا لا يجب غسل هذه الثياب.
٣. رطوبة فرج المرأة: هذه طاهرة أيضًا، فحكم هذه الرطوبة إن كانت من مخرج الولد فهي طاهرة، وإن كانت من مخرج البول أو الغائط، فهي نجسة، لكن الفقهاء قالوا كونها تخرج من مخرج البول أو الغائط فهذا نادر، فالأعمَّ الأغلب أنها تخرج من مخرج الولد، فهذه طاهرة باتفاق أهل العلم، أما هل تنقض الوضوء أم لا تنقض؟ فعلى خلاف، والصحيح أنها لا تنقض الوضوء.
س٤١: ما الحكم لو خرج من الإنسان بول ناشف " أي يابس " ولم ينجس المحل؟
ج/ إذا خرج من الإنسان حصاة أو خرزة أو بول ناشف ونحو ذلك ولم تلوث المحل فإنه لا يجب له الاستنجاء ولا الاستجمار، لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، فالنجس الذي لم يلوث المحل لا يجب له الاستنجاء، لأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة النجاسة ولا نجاسة هنا.
س٤٢: ما حكم استقبال القبلة واستدبارها حال الاستنجاء؟
ج/ المصنف ﵀ يرى كراهة ذلك، ولكن هذا فيه نظر، لأن الكراهة حكم شرعي يفتقر إلى دليل ولا دليل على ذلك، والأصل جواز استقبال القبلة واستدبارها ولا يحرم من ذلك إلا ما دل الدليل عليه كما سيأتي في مسألة استقبال القبلة واستدبارها حال البول أو الغائط.
_________
(١) مسائل أحمد لأبي داود ص٥، وشرح العمدة١/ ١٦١.
1 / 15
- آداب قضاء الحاجة -
آداب قضاء الحاجة هي:
أولًا: يسنُ تقديم الرجل اليسرى عند دخول الخلاء واليمنى عند الخروج، وهذه مسألة قياسية، فاليمنى تقدم عند الدخول للمسجد كما جاءت السنة بذلك (١)، واليسرى عند الخروج منه، كذلك النعل ثبت عن رسول الله - أنه أمر لابس النعل أن يبدأ باليمنى عند اللبس وباليسرى عند الخلع، كما ورد ذلك في حديث أبي هريرة - أن رسول الله - قال - إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين، وإذا انتزع فليبدأ بالشمال لتكن اليمنى أولهما تُنعل وآخرهما تُنزع - (٢)، قالوا: فدلَّ هذا على تكريم اليمنى لأنه يبدأ بها اللبس الذي فيه الوقاية، ويبدأ باليسرى بالخلع الذي فيه إزالة الوقاية، ولا شك أن الوقاية تكريم، فإذا كانت اليمنى تقدم في باب التكريم واليسرى تقدَّم في عكسه، فإنه ينبغي أن تقدم عند دخول الخلاء اليسرى، وعند الخروجٌ اليمنى لأنه خروج إلى أكمل وأفضل.
س٤٣: ما قاعدة أقسام تقديم اليمين أو اليسار بالنسبة للرِجل أو اليد، مع التمثيل؟
ج/ وهذه المسألة لا تخلو من ثلاث أقسام:
أ-ما كان من قبيل الطيبات: تقدم له الرجل اليمنى، كالخروج من الخلاء، ودخول المسجد، إدخال كم الثوب يبدأ بالكم الأيمن، وإنما كان هذا من قبيل الطيبات لأنه ستر ووقاية.
ب-ما كان من قبيل الخبائث: تقدم له الرجل واليد اليسرى كدخول الخلاء، وكذلك إخراج الكم الأيسر عند خلع الثوب، وكذلك خلع النعل اليسرى أولًا عند الخلع، وإنما كان الخلع من قبيل الخبائث لأن فيه إزالة للستر والوقاية.
ج-ما لم يظهر فيه الطيب ولا الخبيث: أي من الأشياء المباحة، فهذا تقدم له اليد اليمنى والرجل اليمنى، لحديث عائشة ﵂ أن النبي - كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله - (٣).
_________
(١) رواه الحاكم من حديث أنس وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
(٢) رواه البخاري ومسلم.
(٣) رواه البخاري ومسلم.
1 / 16
ثانيًا: قول [بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث]، لحديث علي مرفوعًا - سترٌ ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الخلاء يقول: بسم الله - (١)، وعن أنس كان النبي - إذا دخل الخلاء قال - اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث - (٢).
ومعنى الخبث والخبائث فيهما خلاف والراجح:
أن الخبث: هو الشر.
والخبائث: النفوس الشريرة.
وإذا فسرنا الخبث بالشر والخبائث بالنفوس الشريرة فإن الإنسان يكون قد استعاذ من الشر وأهله.
ثالثًا: عند الخروج يقول (غفرانك)، ويدل لذلك حديث عائشة ﵂ قالت - كان النبي - إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك (٣) -.
ويالمناسبة من ذلك، إي من قول غفرانك، قال ابن القيم ﵀: (وفي هذا من السر والله أعلم أن النجو يثقل البدن ويؤذيه باحتباسه، والذنوب تثقل القلب وتؤذيه باحتباسه فيه، فهما مؤذيان بالبدن والقلب فحمد الله عند خروجه على خلاصه من هذا المؤذي ببدنه وخفة البدن وراحته وسأل أن يخلصه من المؤذي الآخر ويريح قلبه منه ويخففه) (٤)، وهذا معنى مناسب فهو من باب تذكر الشيء بالشيء.
س٤٤: هل يشرع أن يقول بعد (غفرانك) الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني أم لا يشرع ذلك؟
ج/ ورد في ذلك حديث أنس - قال: كان رسول الله - إذا خرج من الخلاء قال - الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني - (٥)، ولكن هذا الحديث ضعيف، وعلى هذا لا يشرع أن يقول ذلك بل يقتصر على قول (غفرانك).
رابعًا: من الآداب اجتناب ما يكره عند قضاء الحاجة، وإليك بيانها:
س٤٥: هناك أمور تكره عند قضاء الحاجة فما هي؟
١) يكره البول في كل موضع: يخشى منه ارتداد النجاسة، مثل مهب الريح أو الأرض الصلبة، قال ابن القيم ﵀: (وكان " أي النبي - " إذا أراد أن يبول في عزاز من الأرض " وهو الموضع الصلب " أخذ عودًا فنكت به يثري ثم يبول، وكان يرتاد لبوله الموضع الدمث " وهو اللين الرخو ") (٦).
_________
(١) رواه ابن ماجه وإسناده صحيح.
(٢) رواه الجماعة.
(٣) أخرجه البخاري في كتاب الأدب المفرد وأبو داود والترمذي.
(٤) إغاثة اللهفان ١/ ٥٨.
(٥) رواه ابن ماجه وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة من حديث أبي ذر وأخرجه ابن أبي شيبة والطبراني من حديث أبي ذر، والحديث ضعيف، ضعفه البوصيري والمنذري.
(٦) زاد المعاد ١/ ١٧١.
1 / 17
٢) يكره الكلام حين قضاء الحاجة: لقول ابن عمر ﵄ مر رجل بالنبي - فسلم عليه وهو يبول فلم يرد عليه - (١).
أما إذا انتهى الإنسان من قضاء الحاجة وشرع يستنجي أو يستجمر، فهنا لا بأس من الكلام في هذه الحالة.
٣) كذلك مما يكره مس الفرج باليمنى حال التبول فقط: لحديث أبي قتادة - لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول (٢) ... الحديث -، أما مس الفرج في غير حال البول فمحل اختلاف، والأحوط أن يتجنب مسه باليمين مطلقًا إكراما لليمين وتشريفًا وصيانه لها عن الأقذار.
٤) كذلك مما يكره قضاء الحاجة الاستنجاء والاستجمار باليمين: لحديث أبي قتادة - - ولا يتمسح من الخلاء بيمينه (٣) -، وأما التعليل فهو إكرام اليمين أيضًا.
س٤٦: هل يكره استقبال الشمس والقمر في حال التخلي " أي حال قضاء الحاجة " أم لا؟
ج/ الحنابلة يرون كراهة ذلك، والراجح أن ذلك لا يكره، قال ابن القيم ﵀: (فإن النبي - لم ينقل عنه ذلك في كلمة واحدة لا بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مرسل ولا متصل، وليس لهذه المسألة أصل في الشرع، والذين ذكروها من الفقهاء منهم من قال: أن العلة اسم الله مكتوب عليها، ومنهم من قال: لأن نورهما من نور الله، ومنهم من قال: أن التنكب عن استقبالهما واستدبارهما أبلغ في التستر وعدم ظهور الفرجين) (٤).
س٤٧: ما حكم البول في الإناء؟
ج/ البول في الإناء ينقسم إلى قسمين:
١ - أن يكون الإناء معدًا لذلك فلا بأس هنا من البول فيه، بدليل حديث حُكْيمة بنت أُميمة بنت رقيقة عن أمها أنها قالت - كان للنبي - قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل (٥) -، فلا بأس من البول فيه، ولا يقيد بالحاجة هنا ما دام معدًا " أي الإناء " لذلك قال في حاشية ابن قاسم (لا خلاف في جوازه، لحديث أميمة السابق، ثم قال فتقييده بالحاجة لا حاجة إليه) (٦).
٢ - ألا يكون الإناء معدًا لذلك، فالمصنف ﵀ قال " يكره " لكن هنا يقال إن كان ذلك يؤدي إلى استقذار الإناء وإذهاب منفعته فهنا لا يقتصر على الكراهة، بل يقال بالتحريم، ونظير ذلك البول في الماء الراكد المنهي عنه.
_________
(١) رواه مسلم.
(٢) متفق عليه.
(٣) رواه البخاري ومسلم.
(٤) مفتاح دار السعادة ٢/ ٢٠٥.
(٥) رواه ابو داود والنسائي.
(٦) حاشية ابن القاسم ١/ ١٣٢.
1 / 18
س٤٨: ما حكم البول قائمًا؟
ج/ البول قائما لا سيما إذا كان لحاجة جائز بشرطين:
الأول: أن يأمن الناظر إليه، لأنه إذا كان قائمًا فمظنة انكشاف عورته أكثر، فحفظ الفرج واجب، أما إذا كان لا يأمن ذلك فالبول قائمًا حرام.
الثاني: أن يأمن عدم التلوث بالنجاسة.
فإذا وجد هذين الشرطين جاز أن يبول قائمًا ولا يكره، لفعل النبي - كما في حديث حذيفة - قال - انتهى رسول الله - إلى سباطة قوم فبال قائمًا - (١)، السباطة هي الزبالة " أي مجمع الزبائل ".
س٤٩: ما حكم استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة في الصحراء والبنيان؟
ج/ الأقرب أن استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة محرم سواء كان ذلك في الصحراء أو البنيان، لحديث أبي أيوب الأنصاري - أن النبي - - أذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا - (٢).
ولكن يستثنى من ذلك الاستدبار في البنيان فلا بأس به والأحوط تركه، لحديث ابن عمر ﵄ قال - رقيت يومًا على بيت حفصة فرأيت النبي - يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة - (٣)، قال الشيخ محمد بن عثيمين ﵀: (والقول الراجح عندي في هذه المسألة أنه يحرم الاستقبال والاستدبار في الفضاء، ويجوز الاستدبار في البنيان دون استقبال، لأن النهي عن الاستقبال محفوظ ليس فيه تخصيص، والنهي عن الاستدبار مخصوص بالفعل، وأيضًا الاستدبار أهون من الاستقبال، ولهذا والله أعلم جاء التخفيف فيه فيما إذا كان الإنسان في البنيان، والأفضل ألا يستدبرها إن أمكن ذلك) (٤).
س٥٠: إذا استتر في البر بشجرة مثلًا أو حجر أو كثيب رمل أو أرخى ثوبه فهل هذا يعتبر ساترًا يجوز معه أن يستدبر الكعبة أم لا؟
ج/ الأقرب في ذلك أنه يرجع في ضبط ذلك للعرف، فإذا كان العرف يعتبر هذا الشيء ساترًا فهو كذلك، لأنه لم يرد تحديده في الشرع، وبالنسبة لإرخاء ذيله " أي طرف ثوبه " الظاهر أنه لا يعتبر ساترًا، لأن المحرم في الصحراء الاستدبار والاستقبال وليس ستر البول.
_________
(١) رواه البخاري ومسلم.
(٢) رواه البخاري ومسلم.
(٣) رواه البخاري ومسلم.
(٤) فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين ٤/ ١١١.
1 / 19
س٥١: ما حكم قضاء الحاجة في موارد المياه وقارعة الطريق، وما علة ذلك؟
ج/ يحرم قضاء الحاجة في موارد المياه وقارعة الطريق والظل النافع وهو الظل الذي يستظل به الناس، ويقاس عليه المشمس الذي يجلس فيه الناس أيام الشتاء للتدفئة، وإنما حرّم ذلك لما فيه من الأذية التي تحصل للمسلمين في هذا العمل وكل عمل يؤدي إلى أذية الناس فهو محرم ولا يجوز، لقوله تعالى - وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (١) -.
ولقول النبي - كما في حديث أبي هريرة - اتقوا اللاعنَين، وقالوا وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال الذي يتخلى في طريق الناس وفي ظلهم - (٢)، ولما رواه معاذ - قال، قال رسول الله - - اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل - (٣)
والعلة من المنع هي أذية الناس فالحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، وبناء على هذا فالإنسان إذا غلب على ظنه أنه لا يتأذى أحد لكون هذه الشجرة لا تُقصد ونحو ذلك فإنه لا بأس من البول والتغوط تحتها.
س٥٢: ما حكم البول بين قبور المسلمين؟
ج/ يحرم البول بين قبور المسلمين، لأنه حرمة ميتًا كحرمته حيًا، لحديث عائشة ﵂ قالت - كسر عظم الميت ككسره حيًا (٤) -.
س٥٣: ما حكم اللبث في الخلاء فوق قدر الحاجة؟
ج/ يكره اللبث في الخلاء فوق قدر الحاجة لعلتين:
أ- لما فيه من كشف العورة بلا حاجة.
ب- أن الحشوش والمراحيض مأوى الشياطين والنفوس الخبيثة فلا ينبغي أن يبقى في هذا المكان الخبيث، وبعض العلماء قال: إنه مضر من الناحية الطبية، وتحريم اللبث مبني على التعليل ولا دليل فيه عن النبي - ولهذا قال الإمام أحمد ﵀ في رواية عنه (أنه يكره ولا يحرم).
أما إذا كان يؤدي إلى الضرر فهو محرم ولا يجوز.
خامسًا: من آداب الخلاء أن يستتر الإنسان حال قضاء الحاجة.
_________
(١) (الأحزاب:٥٨).
(٢) رواه مسلم.
(٣) رواه أبو داود.
(٤) رواه أبو داود، وإسناده صحيح.
1 / 20