278

Memoirs of a Witness to the Century

مذكرات شاهد للقرن

Tifaftire

(إشراف ندوة مالك بن نبي)

Daabacaha

دار الفكر

Daabacaad

الثانية

Sanadka Daabacaadda

١٤٠٤هـ - ١٩٨٤م

Goobta Daabacaadda

دمشق - سورية

Noocyada

كانت كل البواخر التي تعمل بين الموانئ الفرنسية والجزائرية تحمل في قمة عمودها الرئيسي العلم الفرنسي، وعلى مقدمتها اسم أحد الولاة الذين تولوا الولاية العامة بالقصر الصيفي (١) منذ سنة ١٨٣٠.
وكانت الباخرة التي تصل مدينة عنابة بمرسيليا، ترسي أولًا بمدينة (سكيكده) حيث ينقل أكثر المسافرين الأوربيين من الدرجة الأولى والثانية، فينقلبون بوسائلهم الخاصة إلى اتجاهاتهم المختلفة بعمالة قسنطينة.
أما فوج الشرق القسنطيني فكان مثلي من ركاب الدرجة الرابعة، يقضي ليلته على العنبر فتفاجئه صباح الغد حملة تنظيف الباخرة وتطرده من سباته مع حاجاته وحقائبه، سيول الماء الموجهة ومكانس المنظفين؛ ثم تقلع الباخرة من جديد نحو ميناء (عنابة) حيث ينزل آخر راكب لينقلب عشية إلى وجهته في شرق العمالة.
أما أنا فكنت أقضي النهار بمدينة (سيدي مروان (٢»، لأن القطار المتجه نحو تبسة لا يخرج منها إلا مرة واحدة في الصباح، فتكون لدي فرصة جسّ نبض (عنابة)، فكان السكون يخيم تحت سمائها، لا تتحرك تحته العاصفة التي اجتاحت معظم نواحي قسنطينة، ولا يهب تحته روح الإصلاح كأنه لم يصل إليها بعد، بل ما زالت الطرق الصوفية منتشرة فيها، وقد كانت الزاوية (العليوية) هي الثانية في القطر الجزائري بعد زاوية (مستغانم)، وما امتص الاستعمار مدينة مثلها، فقد أصبحت الأسرتان المسلمتان صاحبتا الاعتبار فيها، لا همّ لهما غير الاندماج في الوسط الأوربي للحفاظ على مكانتهما، على النقيض من الأسر المسلمة الأخرى في القطاع القسنطيني التي بدأت تفكر في استعادة مكانتها على

(١) هكذا كان يسمى قصر الشعب بالجزائر منذ بناه الأتراك إلى آخر العهد الاستعماري الفرنسي.
(٢) سميت هكذا في لغة الشعب باسم الفقيه المالكي الشهير الذي عاش فيها في القرن الرابع الهجري.

1 / 283