Memoirs of a Witness to the Century
مذكرات شاهد للقرن
Baare
(إشراف ندوة مالك بن نبي)
Daabacaha
دار الفكر
Lambarka Daabacaadda
الثانية
Sanadka Daabacaadda
١٤٠٤هـ - ١٩٨٤م
Goobta Daabacaadda
دمشق - سورية
Noocyada
وأعمال يهود قسنطينة بدت في ازدهار كبير يدر عليهم الذهب في تلك الظروف المضطربة، فكانوا يقرضون الأموال بفوائد تصل إلى ٥٠% أو ٦٠% سنويًا، وكثيرًا ما كان (سيدي المسلم) يوقع على بياض السندات والأوراق التي يقدمها تجار شارع فرنسا.
وفي الفترة بين عامي ١٩٢٠ و١٩٢٥ تمت في تلك الحوانيت تصفية ما تبقى من ثروات لدى عائلات قسنطينة العريقة في بورجوازيتها. وفي تلك الحوانيت أيضًا كان الفلاحون يتخلون عن آخر قطعة من أراضيهم في مقاطعة (سطيف) أو (قالما) أو (عنابة). والطريقة كانت واحدة، إنها التوقيع على سندات بيضاء.
وهذه الإجراءات فرضت حصارًا مخيفًا حول ملكية الجزائريين أبناء البلاد. وقد أصبحت حوانيت اليهود عبارة عن واسطة لانتقال الملكية من أيدي الجزائريين إلى أيدي المعمرين، وكان ذلك سهلًا؛ فالبورجوازي من أجل أن يقيم حفلة زواج، والفلاح من أجل أن يشتري سيارة (سيترون) ليأتي بها ويقضي سهرة في شارع (ايشيل Echelle) في قسنطينة كان بحاجة للمال. واليهودي كان مستعدًا دائمًا ليقرضه بفائدة ٦٠%، والفائدة المتجمعة بهذه النسبة تنقل آليًا بعد عام أو عامين ملكيتهم من أيديهم إلى أيدي المعمرين.
(وسيدي المسلم) لا يحسب الفائدة مطلقًا، عندما يقدم له الدائن اليهودي الشاي والنعناع أو قهوة تركية جيدة الصنع، في الساعة التي يحين فيها توقيع السندات. ولم يكن ليدرك حقيقة ما فعل إلا حين يطرق حاجب المحكمة بابه.
الانقسام الاقتصادي تابع هكذا سيره بتأثير مزدوج. فمن ناحية حَوَّل الملكية من أيدي الجرائريين إلى أيدي اليهود والأوربيين، ومن ناحية أخرى فقد نقلها من أيدٍ بورجوازية توارثت الثروة والجاه إلى أيدٍ بورجوازية أثْرَت من تعاطي التجارة. ذلك كله من وجهة نظرية لا يترجم سائر المأساة الإنسانية لتلك الفترة.
1 / 112