Meditations
تأملات
Tifaftire
(إشراف ندوة مالك بن نبي)
Daabacaha
دار الفكر
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٩٧٩م.
Goobta Daabacaadda
دمشق سورية
Noocyada
والحقيقة الأولى التي تبادر إلى أذهاننا هي أن الثقافة لا تستطيع أن تكون أسلوب الحياة في مجتمع معين كما ذكرنا، إلا إذا اشتملت على عنصر يجعل كل فرد مرتبطًا بهذا الأسلوب، فلا يحدث فيه نشوزًا بسلوكه الخاص. ونحن إذا دقتقنا النظر في هذا العنصر، فإننا نرى أنه لابد أن يكون خلقيًا. فإذا قررنا وجود هذا العنصر بوصفه ضرورة منطقية اجتماعية، فإننا نكون بهذا قد وضعنا فصلًا هامًا من فصول الثقافة، وحققنا شرطًا أساسيًا من شروطها وهو: المبدأ الأخلاقي.
ولو أننا اتخذنا الآن هذا المبدأ مقياسًا يوضح لنا بعض الظواهر الاجتماعية، التي تعترضنا أحيانًا في صورة ألغاز لا ندرك معناها، فسوف نجد مثلًا أن العلاقات الشخصية لا تقوم في أي مجتمع على غير أساس أخلاقي. ولا كانت شبكة الصلات الثقافية عبارة عن تعبير عن العلاقات الشخصية في مستوى معين، فإن هذه الشبكة لا يمكنها أن تتكون دون مبدأ أخلاقي. وهذا الجانب من القضية قد أصبح واضحًا الآن، فإن شبكة الصلات الثقافية تختل حتما في بلد ما، إذا اختل فيه المبدأ الأخلاقي، وإن هذه الحقيقة هي وحدها التي تفسر فشل التجربة التي ذكرتها في الصورة الأولى. وهي أيضًا تفسر لنا كيف أن فعالية المجتمعات تزيد أو تنقص بقدر ما يزيد فيها تأثير المبدأ الأخلاقي أو ينقص. فإن مواقفها إزاء المشكلات محددة بذلك المبدأ الذي يكون الشرط الأساسي لأفعالها، تحديدًا ينظم فيها علاقات الأشخاص تنظيمًا يناسب المصلحة العأمة، وليس ثمة أساس آخر يقوم بهذه المهمة.
فالمبدأ الأخلاقي يقوم بالضبط ببناء عالم الأشخاص، الذي لا يتصور بدونه عالم الأشياء، ولا عالم المفاهيم. ومن هنا كانت أهميته الكبرى في تحديد الثقافة في مجتمع ما. وفي توضيح الخلاف الجوهري بين الثقافة التي تتضمن بوصفها شرطًا أوليًا تحديد الصلات بين الأفراد وبين العلم الذي لا يهتم إلا بالصلات الخاصة بالمفاهيم
1 / 148