Dhimashada Macallimii Wasiirka hore
موت معالي الوزير سابقا
Noocyada
لمحتك مرة وأنا أمشي مسرعة كعادتي، وكنت غاضبة من ذلك الرئيس، وحين أغضب فإني أمشي بسرعة أكثر. يكشف لي الغضب عن أنني أسير نحو معركة جديدة، وأنني يجب ألا أضيع وقتا في الطريق؛ فالدقيقة من حياتي أصبح لها ثمن، والإحساس بحركة الزمن يصبح عندي طاغيا إلى حد الجري في الطريق. أخاف أن يبلغني الموت قبل أن أخوض معركتي، وكأنما هي المعركة الأخيرة في حياتي وبعدها سأموت، ولأنني في الأصل ميتة فأنا لا أخاف الموت، ولأنني لا أخاف الموت فإن الناس تخافني، وهذا هو السبب الوحيد الذي يخرجني من بعد كل معركة حية وباقية فوق ظهر الأرض.
سألتني في هذا اليوم عن غضبي فحكيت لك، لم أكن أحكي لأحد، لم أكن أعرف ماذا أقول، ولم أكن أستطيع لو عرفت، وما كان لأحد أن يسمعني أو يصدقني لو أنا قلت، فماذا كنت أقول؟ هل أقول إن العالم كله مخطئ وأنا وحدي على صواب؟ هل أقول إن العالم هو المجنون وأنا وحدي العاقلة؟ هل أقول إنني منذ ولدت وأنا أحس الحروف تمشي في جسدي كدورة الدم، وأنني حين أمسك القلم يتلاشى العالم كله وتتلاشى لذة الأكل ولذة الحب ولذة الجنس ولذة الموت، وأفنى في السطر كما أفنى في الحب كما أفنى في الموت، وأدرك مع كل ذلك أنني لا أفنى في شيء؟ هل أقول إن الفن كان اختياري وإرادتي لكني بالصدفة كنت أنثى، وأنني أرفض منذ الطفولة أنوثتي لأنها ليست أنا، وليست من صنعي، وإنما هي من صنع عالم مليء بالذكور وخال من الرجال؟ هل أقول إنني أخوض حياتي بقليل من العقل وكثير من الحب وأنني لا أمجد العقل رغم شهادتي الطبية؛ فالذي يصنع عقولنا هو العالم من حولنا، ولأن العالم مزيف تصبح عقولنا مزيفة، وفي ثورتنا في العالم لا بد أن نثور على عقولنا. أأقول كل هذا؟ وإذا قلته فهل يصدقني أحد؟
في ذلك اليوم قلت لي إنك تصدقني، ودهشت إلى حد عدم التصديق، إلى حد الجمود في مقعدي وأنا جالسة أمامك، وكنت أريد أن أبقى قليلا لكني وقفت وخرجت. لا أذكر لماذا خرجت، ربما دخل شخص آخر، ربما دق جرس التليفون أو الباب، المهم أنني خرجت ولم نلتق بعد هذا اليوم إلا نادرا. أحيانا ألمحك صدفة في طريق تسير بسرعة، وأنا أيضا أسير بسرعة، أحيانا ألمح كلماتك فوق صفحة؛ فأقف عندها وأتذكر، أو ألمح وجهك بين الوجوه فأرفع عيني فجأة، وقد أحييك من بعيد إذا لمحتني، وإذا لم تلمحني استدرت وسرت بسرعة. رغم خطوتي السريعة كنت أحس أن شيئا من نفسك قد أصبح معي إلى الأبد، وأسأل نفسي أتراه هو أيضا يحس أنني أعطيته من نفسي في لحظة مضت ولن أسترجعها، وأحيانا كنت أركب عربتي لآتي إليك لكني أتوقف وأسأل نفسي ماذا سأقول له، وهل هو يذكر ما حدث بيننا؟ وهل حدث شيء يمكن له أن يذكره؟
لم أكن أعرف هل حدث شيء؟ وإذا كان قد حدث فما هو؟ وهل هو شيء يمكن للذاكرة أن تمسكه كدليل، كشيء أبرر به ذهابي إليه لو أنا ذهبت، كسبب واحد أستطيع أن أحوله إلى كلمات تنطق لو هو سألني لماذا جئت؟
كم سنة مرت دون أن آتي إليك، لا أعلم فأنا لا أقيس الزمن بالسنوات، وعمري كله قد لا يساوي في نظري لحظة واحدة أحسها بعقلي وجسدي وبكل طاقتي المخزونة من عقلي وجسدي. كنت أدرك الزمن بالسنوات، وعمري كله قد لا يساوي في نظري لحظة واحدة أحسها بعقلي وجسدي وبكل طاقتي المخزونة من عقلي وجسدي. كنت أدرك دائما أن ما عندي من حواس ليس هو كل ما عندي، وأنه هناك تحت السطح نبض آخر غير نبض القلب، وعقل آخر تحت العقل، وجسد آخر تحت الجسد. أهناك امرأة كاملة أخرى داخلي؟ وأيهما أنا؟ أيهما الحقيقة وأيهما اللاحقيقة؟ كنت أحس دائما أن بين الحقيقة واللاحقيقة مسافة قد لا تكون إلا شعرة، لكني أحاول - على الدوام - أن أقطعها لأقتحم ذلك المجهول، وكلاهما - المجهول والمعلوم - أحسه كالرهبة داخل جسدي، وقد كسر الطب والتشريح رهبة الجسد في عيني، وكسر الفن رهبة المجهول، وأبحت لنفسي أن أتحدث عن جميع أعضاء الجسد كما يتحدث الشعراء عن نبض القلب، وأتساءل دائما لماذا أصبح نبض القلب هو النبض الوحيد المباح؟
كم سنة مرت دون أن آتي إليك، لا أذكر، لكني أذكر أنني في لحظة مفاجئة، في تلك الانتفاضة حين أقطع الشعرة بين المعلوم والمجهول أو بين اليقين والشك، وأدرك أن العلم مخطئ وأنا على صواب، وأهب من حياتي كالممسوسة برغبة مباغتة في الموت، أو أهب من موتي بأمل مفاجئ في الحياة، في لحظة من تلك اللحظات مددت إصبعي في قرص التليفون وأدرت رقمك، ورد علي صوت رجل قال إنك غير موجود؛ فتركت اسمي ورقمي وقلت إنني أنتظر ردا.
كم سنة مرت وأنا أنتظر، لا أذكر، وما حاولت أن أذكر؛ فقد حزنت وسحق الحزن ذاكرتي فلم أعد أتذكر، وكلما تذكرت حزنت ونسيت إلى أن أصبحت لا أحزن ولا أنسى. وأكاد في كل لحظة أتذكر، وفي كل مرة لا أعرف بالضبط ما الذي أتذكره، فليس هناك شيء حدث بيننا يمكن للذاكرة أن تمسك به، وليس هناك دليل ولا سبب ولا مبرر يمكن أن أقوله لو أن أحدا سألني.
لمحتك مرة من بعيد فتوقفت وتحركت نحوك، لكني استدرت وسرت من جديد بخطوتي السريعة وأنا أسأل نفسي أهو حب أم لا حب؟ وهل يختلط الأمر إلى هذا الحد؟ إلى حد العجز عن الفصل بين الحب واللاحب، إلى حد العجز عن رؤية الأبيض من الأسود، كالعمياء تماما، توقفت لحظة لأمسك رأسي بيدي، وأغمض عيني أو أفتحهما، وسألت نفسي أيكون العالم قد سلب من عيني البصر؟ أيكون العالم قد مزق أعصاب العين وأعصاب القلب؟
كنت أدرك أن العالم قد مزق كل شيء في العالم إلا أنا، ومزق البشر إلى عبيد وأسياد، ومزق الإنسان إلى عقل وجسد، ومزق الجسد إلى أعضاء شريفة وأعضاء غير شريفة. كنت أدرك أن العالم قد مزق كل شيء في العالم إلا أنا. مزق الرجال ومزق النساء ومزق الأطفال، ومزق الحكام ومزق المحكومين، وليس هناك من فاصل بين التمزق السياسي والتمزق الجنسي، والفنان الصادق يسقط بصدقه في ألاعيب السياسة، ويغرق بفنه في أحابيل الجنس، وكلاهما - الجنس والسياسة - محنة الفن ومحنة الإنسان، لكن الفنان مشدود بفنه إلى صفوف المحكومين تحت أي اسم وفوق أي أرض، ونافر بإنسانيته من أجساد الحكام بأي ثقل وبأي شكل، منجذب بنظرته إلى الجنس تحت وهم أي حب، مشدود إلى العالم بكل ما فيه وما عليه، يدرك أن العالم - عن يقين - سيمزقه، لكنه يدرك، بيقين آخر، أنه أبدا لن يتمزق.
كم سنة مرت دون أن أذهب إليك؟ لكني فتحت الجريدة صدفة مرة؛ فأنا لا أفتح الجرائد في عالم تكذب فيه الأقلام والأجساد. ذلك الصباح لم أعرف لماذا أمسكت بالجريدة؟ ربما كنت أنوي أن أفرش بها أحد رفوف المطبخ، لكني لمحت وجهك، وقرأت كلماتك الدقيقة السوداء، وحروف المطبعة تكاد تشبه خط يدك، وصدق الكلمة فوق الورق له حركة تشبه حركة عينيك وهما تنظران إلي. أكنت تراني أمامك وأنت تكتب، لكنك لم ترني منذ سنين طويلة، ولا يمكن لأي ذاكرة مهما قويت أن تحتفظ بشيء حدث منذ سنين طويلة، فما بال الشيء الذي لم يحدث؟
Bog aan la aqoon