Qaamuuska Masar Hore
موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي
Noocyada
الهرم الرابع ل «خنت كاوس» ومدينته.
ولا غرابة في ذلك؛ فإن «خنت كاوس» أرادت أن تكون بجوار والدها «منكاورع». غير أنها لم تتخذ شكل الهرم تماما، بل استحدثت في المعمار المصري طرازا جديدا يجمع بين الشكل الهرمي والهيئة الجديدة التي اختصت بها مقبرة أخيها «شبسكاف»، ولذلك جعلت قاعدة هرمها مربعة الشكل كما هو الحال في أهرام الجيزة، وأقامت على هذه القاعدة شكل تابوت لتحاكي مقبرة أخيها في دهشور، ويبلغ طول قاعدة هذا الهرم نحو 45 مترا وارتفاعه نحو 35 مترا، وقد قطعت القاعدة في الصخر المحلي ثم كسيت بالحجر الجيري الأملس من طرة، ووضع معبده الجنازي في داخل مربع قاعدته، ويتجه بابه شرقا، وقد كسي معظم هذا المعبد بالجرانيت الأحمر، ونقشت جدرانه بالمناظر الدينية والقرابين على كسوة من الحجر الجيري الضارب إلى السمرة. أما حجرة الدفن فقد كسيت بالجرانيت المحبب، ويتوصل إليها بوساطة منحدر مكسو بقطع الجرانيت الأحمر.
وقد نحتت في جوانبها سبع حجرات صغيرة للأثاث المأتمي، ومن المدهش أننا وجدنا بابا وهميا داخل هذه الحجرة، وكان بنهايتها من الناحية الغربية حجرة من الجرانيت وضع فيها تابوت الملكة المصنوع من المرمر، وقد عثرنا على أجزاء صغيرة منه، وأمام الهرم من الناحية الشرقية أقامت «خنت كاوس» مدينة صغيرة لكهنتها لا تزال منازلها المبنية من اللبن حافظة لشكلها، وبجوار معبد والدها الذي أقامه في الوادي شيدت «خنت كاوس» معبدها أيضا، وهما متشابهان في نظامهما وبنائهما من اللبن، وهناك أحواض ثلاثة لماء التطهير؛ أحدهم بالقرب من الهرم، والثاني في وسط المدينة، والثالث بجوار معبد الوادي، وقد نحتت في الناحية الجنوبية الغربية من الهرم سفينة تحكي سفن الشمس التي وجدت بجوار أهرام «خوفو» و«خفرع» وغيرهما من ملوك الأسرة الخامسة، ويحيط بالهرم والمباني الملحقة به سور عظيم يجمع بينها ويجعلها وحدة قائمة بذاتها.
وقد أثبتت البحوث التاريخية أخيرا أن «خنت كاوس» ربما كانت هي الملكة «نيتو كريس» التي ذكرها المؤرخون ونسبوا إليها إتمام الهرم الثالث، وأن التحريف جاء من النطق فحسب كما سنذكر بعد، ولا شك في أن هذه النظرية يقبلها العقل إذا علمنا أن «خنت كاوس» هي بنت «منكاورع» وأنها قد بنت معبدها بجواره، فلا يستغرب أن تكون هي التي يقصدها المؤرخون الأقدمون. (6-1) الأساطير التي قيلت عن الملكة «خنت كاوس» بانية الهرم الرابع بمنطقة الجيزة
إن الباحث فيما تركه لنا مؤرخو اليونان عن منطقة الجيزة، يلاحظ في الحال أن هناك بعض أشياء تنطبق على الحقيقة تمام الانطباق. على أن هناك في الوقت نفسه أشياء أخرى لا تقوم إلا على مجرد الأساطير.
فمثلا نرى هؤلاء المؤرخين يعزون الهرم الأكبر إلى «خوفو»، والهرم الثاني إلى «خفرع»، والثالث إلى «منكاورع». على أننا نرى من جهة أخرى أن «ديدور الصقلي» يذكر لنا استنادا على مصادر مصرية، أو يونانية أن الأهرام الثلاثة هي ل «أرمايوس» و«أموسس» و«أناروس»، وهناك أسطورة أخرى تدعي أن الهرم الثالث كان مقبرة لحظية تدعى «رودوبيس»، وقد بناه لها بعض عشاقها من حكام الأقاليم، وظلت هذه الرواية الأخيرة متواترة، وقد ذكر «استرابون» الذي قال إن هذه الحظية كانت تدعوها «سافو» باسم «دوريخا» على حين كان يدعوها آخرون باسم «رودوبيس». غير أن «هيرودوت» فند هذه الأسطورة قائلا إنه رغم الثروة التي جمعتها «رودبيس» فإنه كان من الصعب عليها أن تجد الموارد التي تمكنها من أن تقيم مثل هذا الأثر. يضاف إلى ذلك أنها لم تكن معاصرة لبناء هذا الأثر؛ إذ كانت تعيش في عهد الملك «أماسيس »، وبعد ذلك نجده يقص علينا تاريخ «رودوبيس» ذاكرا أنها كانت امرأة راقية الجنس، وأنها كانت جارية لشخص يدعى «جادمان» من جزيرة «ساموس»، وأحضرت إلى مصر حيث أعتقها «كراسوس» أخو «سافو» التي أحضرتها إلى مصر حيث أقامت فيها حظية.
وقد ذكر المؤرخ «أفريكانوس » نقلا عن مختصر تاريخ مصر لمانيتون، أنه في نهاية الأسرة السادسة حكمت البلاد الملكة «نيتوكريس»، وهي التي أقامت الهرم الثالث، وقد وصفها بأنها أقوى وأجمل نساء عصرها، وأضاف إلى ذلك أنها كانت شقراء. أما نص «يوزيب» (نقلا عن «مانيتون» أيضا) فيصفها بأنها شقراء وردية الوجنتين، ولعل السبب الذي دعا إلى وضع «رودوبيس» مكان «نيتوكريس» يرجع إلى وصف الملكة «نيتوكريس» بكونها شقراء ذات وجنتين ورديتين؛ لأن لفظة «رودوبيس» تعني المرأة ذات الوجه الوردي اللون، وعلى ذلك يجب ألا يفهم من الاسم الذي جاء في هذه الأسطورة الإغريقية أنه اسم علم، بل يجب أن يفهم منه أنه وصف ل «دوريخا». يضاف إلى ذلك أن «نيتوكريس» و«رودوبيس» توصفان بأنهما أجمل نساء عصرهما، وقد بذلت محاولات شتى بطرق مختلفة لحل التناقض الذي يظهر لنا في هذه الروايات فلم تسفر عن شيء، ولا جدال في أن «مانيتون» كان يعرف أن الهرم الثالث ينسب ل «منكاورع» وأن اسمه كان يقرأ عليه، وفي قائمة الملوك المصريين يوجد في بدء الأسرة السابعة اسم «من كا رع» وهو اسم يشبه اسم «منكاورع»، وقد ظن هذا الاسم أنه لقب التتويج للملكة «نيتوكريس» التي وضعت تقريبا في هذا الموضع في قائمة الملوك، ولكن هذا الفرض مشكوك جدا في صحته، ويعلل الآخرون النسبة المزدوجة لبناء الهرم الثالث بحقيقة وجود حجرتين للدفن فيه؛ إحداهما فوق الأخرى، وفي كل منهما آثار للدفن. وأخيرا ظن البعض أن هذه الأسطورة ليست لها علاقة ببناء الهرم بل بإتمامه، وذلك لأن «ديدور» ذكر أن «منكاورع» مات قبل أن يكمل بناء مقبرته، ولكن ليس من المعقول أن نذكر أن «نيتوكريس» أو أية ملكة أخرى هي التي أتمت الهرم، لأنه معروف لدينا أن «شبيسكاف» بن «منكاورع» هو الذي قام بإكمال معبد الوادي الذي تركه والده ناقصا، وعلى ذلك فإن الأسطورة القائلة بأن «نيتوكريس» (رودوبيس) هي بانية الهرم الثالث لم تفسر بعد.
والآن أصبح من المحقق لدينا تحديد نسبة هرم الجيزة الرابع، فاعتمادا على النقوش المكتوبة على مدخله نعرف أنه ل «خنت كاوس» (ملك الوجه القبلي والبحري، وأم الملك)، والآن بعد هذا الكشف نرى أن رواية بناء ملكة لهرم يظهر أنها قد نقلت من الهرم الرابع إلى الهرم الثالث، وهذا التخمين قد أيده نص «يوزيب» الذي ذكر أنه في الأسرة السادسة كانت «نيتوكريس» تحكم البلاد، وكانت (أقوى من كل من كان في عهدها، وأجمل النساء جميعا)، شقراء لها وجنتان ورديتان ويظن أنها بانية الهرم الثالث الذي يشبه تلا.
ولكننا نرى من جهة أخرى أن الهرم الثالث لا يختلف في شكله عن هرمي «خوفو» و«خفرع» وعلى ذلك يظن أنه قد وقع خطأ في نص «يوزيب»؛ وذلك لأن الوصف الذي أورده ينطبق تمام الانطباق على الهرم الرابع، فهو مبني على قطعة منحوتة في الصخر ويظهر في الحقيقة على شكل تل.
ولا نستطيع على وجه التأكيد ذكر السبب الذي أدى إلى اختلاط الأمر بين الهرمين، ومن المحتمل أنه في النص الأصلي ل «مانيتون»، قد جاء ذكر الهرم الرابع، ولكن الكتاب الأقدمين قد اعتادوا أن يتكلموا عن أهرام ثلاثة بالجيزة، ويحتمل أنه قد وقع خطأ في النص في هذا الموضوع فوضع اسم الهرم الثالث مكان الهرم الرابع، ومن المحتمل كذلك أنه قد ظن أن الهرم الرابع لوقوعه بالقرب من معبد الوادي للهرم الثالث قد بني لإحدى بنات «منكاورع»، وفي عام 1927 كشفت حفائر بعثة «هارفرد- بوستن» في مصر شرقي الهرم الأكبر عن مقبرة الملكة «مرسى عنخ الثالثة»، وقد رسم على الجدار الغربي للحجرة الرئيسية صورة أمها «حتب حرس الثانية» زوجة الملك «ددف رع» على شكل امرأة شقراء ترتدي رداء يختلف عما يرتديه عادة النساء المصريات، ومن المحتمل جدا أنها من نسل «خوفو» عن طريق زواجه بامرأة أجنبية من أصل نوبي.
Bog aan la aqoon