الله ) [الآية 284] ، وما يحدث به الإنسان نفسه لا يأثم به ما لم يفعله ، إما لأنه لا يمكن الاحتراز عنه في الوسع والطاقة ، أو بالحديث المشهور فيه؟
قلنا : قيل أريد بالآية العموم ، ثم نسخ بقوله تعالى : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) [الآية 286] وقيل : لا نسخ فيه لأنه خبر ، لا أمر أو نهي ، بل العموم غير مراد ، وإنما المراد ما يمكن الاحتراز عنه ، وهو العزم القاطع والاعتقاد الجازم ، لا مجرد حديث النفس والوسوسة. ولأن السياق أخبر عن المحاسبة لا عن المعاقبة ، فهو سبحانه يوم القيامة يخبر العباد بما أبدوا وما أخفوا ، ليعلموا إحاطة علمه بجميع ذلك ؛ ثم يغفر لمن يشاء فضلا ، ويعذب من يشاء عدلا ، كما أخبر جل وعلا في الآية.
فإن قيل : أي شرف للرسول (ص)، في مدحه بالإيمان ، مع أنه في رتبة الرسالة ودرجتها ، وهي أعلى من درجة الإيمان ، فما الحكمة في قوله تعالى : ( آمن الرسول ) [الآية 285].
قلنا : الحكمة فيه أن يبين للمؤمنين زيادة شرف الإيمان ، حيث مدح به خواصه ورسله ؛ ونظيره في سورة الصافات قوله تعالى في خاتمة ذكر كل نبي ( إنه من عبادنا المؤمنين ) (81) [الصافات].
فإن قيل : روي عن ابن عباس أنه قرأ : (ملائكته وكتابه) [الآية 285] فسئل عن ذلك ، فقال كتاب أكثر من كتب فما وجهه؟
قلنا : قيل فيه إنه أراد أن الكتاب جنس ، والكتاب جمع ، والجنس أكثر من الجمع ، لأن حقيقته في الكل على ما ذهب إليه بعضهم ؛ ويرد على هذا أن يقال : الكلام في الجمع المضاف ، والمفرد المضاف للاستغراق عرفا وشرعا ، كقوله لعبده : أكرم أصدقائي ، وأهن أعدائي ، وقوله : زوجاتي طوالق وعبيدي أحرار ، بخلاف قوله : صديقي وعدوي وعبدي وامرأتي ، فظهر أن الجمع المضاف أكثر. فإن قيل : إن «بين» لا تضاف إلا إلى اثنين فصاعدا ، فلم قال تعالى : ( لا نفرق بين أحد من رسله ) [الآية 285]؟
قلنا : أحد هنا بمعنى الجمع ، الذي هو آحاد كقوله تعالى : ( فما منكم من أحد ) [الحاقة : 47] فإنه ثم بمعنى الجمع بدليل قوله تعالى : ( عنه حاجزين )
Bogga 279