نلخصه فيما يلي:
إن مما أدته الحركة التحليلية في الفلسفة خلال الخمسين سنة الأخيرة، هو أنها أزالت الإشكال الذي كان يظن أنه ملازم لقضايا المنطق الصوري والرياضة البحتة، إذ كان الرأي مجمعا على أن هذه القضايا صادقة بالضرورة، لكن نشأت الصعوبة حين أرادوا معرفة كيف أتيح للإنسان أن يعلم عنها أنها صادقة بالضرورة، لماذا يكون العالم منطقيا؟ كيف أتيح لنا أن نوقن بأن قوانين المنطق لن تخالف الواقع؟ الجواب هو أنه لا معنى لقولنا: إن العالم منطقي أو غير غير منطقي، إذ الشيء الوحيد الذي يمكن أن يوصف بكونه منطقيا أو غير منطقي استدلال عبارة من عبارة أخرى، والاستدلال المنطقي هو ما نجربه وفق قوانين المنطق، وقوانين المنطق هي قواعد وضعناها لإجراء مثل هذا الاستدلال.
30
إن قوانين المنطق يستحيل أن تتعارض مع الواقع؛ لأنها في ذاتها لا تقول شيئا عن الواقع، إننا بتطبيقنا لقوانين المنطق نستطيع أن نشتق عبارة صحيحة من عبارة أخرى صحيحة، لكن المنطق وحده ليس هو الذي يقول عن العبارة الأولى إنها صحيحة؛ لأن ذلك موكول إلى الخبرة وحدها، كل ما يستطيع المنطق أن يقوله هو أنه إذا صدقت عبارة - أو مجموعة عبارات - وصفية، فلا بد أن تصدق كذلك عبارة وصفية أخرى هي كذا وكذا.
لكن لماذا نلزم أنفسنا باشتقاق العبارة الثانية من العبارة الأولى؟ الجواب هو أننا إذا سلمنا بالعبارة الأولى الصحيحة ورفضنا أن نسلم بالعبارة التي تلزم عنها، فإننا نكون بمثابة من يناقض نفسه.
والسؤال الآن هو: ولماذا ينبغي لنا أن نجتنب مناقضة أنفسنا؟ أليس ذلك لأن العالم مكون على نحو يستحيل معه أن يصدق النقيضان معا؟ وإذا كان أمر العالم كذلك، فهو إذن عالم يجري على اتفاق مع قوانين المنطق ... لكن الجواب على هذا كله هو أنه ليس ثمة ما يلزمنا بألا نقبل التناقض،
31
إنما هو اتفاق بيننا نشأ عن اتفاقنا على طريقة معينة نستخدم بها لغة التفاهم، إننا اتفقنا على أن يكون لأداة النفي «لا» معنى معين، بحيث إذا قلنا عبارة كهذه «ق ولا ق» جاءت عبارة بغير معنى، أي لم نجد لها مدلولا في عالم الأشياء، وليس ذلك لأن في طبيعة العالم نفسه ما يأبى ذلك، بل لأننا نحن الذين صنعنا لغتنا على نحو يجعل ضم القضية إلى نقيضها لا يفيد وصفا لشيء.
إن قولنا: إن «عدم اجتماع النقيضين» قانون من قوانين المنطق، مساو لقولنا: إننا اتفقنا على استخدام معين لأداة النفي، وكان يجوز لنا أن نبني نسقا منطقيا آخر يخرج على هذا القانون - قانون عدم اجتماع النقيضين - إذ يجوز لنا مثلا أن نبدأ بناءنا المنطقي الجديد باشتراطنا صدق «ق ولا ق»، ثم نأخذ في استدلال النتائج من هذا الاشتراط الأولي، وعندئذ يكون اجتماع النقيضين هو الصحيح، وهو الذي نرتب على صدقه صدق القضايا التي تستدل منه، وإذا بدا هذا القول مشكلا غريبا، فلأننا نظن أن علامة النفي ستظل في البناء المنطقي الجديد المقترح، محتفظة بمعناها الحالي، مع أنه واضح طبعا أننا لو أبقينا لها معناها الحالي الذي يجعل عدم اجتماع النقيضين صحيحا؛ استحال أن يكون اجتماع النقيضين صحيحا أيضا.
32
Bog aan la aqoon