وهون الله، فبلغنا سراي «العباسية». وكان الاستقبال هنالك رائعا؛ إذ أتت وفود القرى ببيارقها، واستلفت نظري علم «سرابايا» المتعدد الألوان. وعلا الهتاف للوزير. وسرعان ما اعتلى الباشا منبرا وراح يخطب في الشعب؛ فبعد أن تغنى بالعباسية وأمجادها التاريخية، وأكد لسامعيه أن أيا من أبناء قائمقامية «العباسية» يفوق سوبرمان، وطرزان، وغاندي، وأنشتين، ونيوتن، وعلي الزيبق أو هنري فورد أو عنترة العبسي؛ تخلص إلى ذكر «الفلبين» والفاجعة التي نزلت بالشرق المتوسط باستشهاد البطل رشيد المغربي، وأن الباشا حينما علم بالخطب من صديقه - وأشار إلي - أسرع فسألني أن آتي بنفسي لأحمل لبني العباسية وصية شهيدهم الأخيرة.
إذ ذاك أشرقت علي الحقيقة حين عرفت أن زيارة الباشا للعباسية لم تكن صدفة، وأنه اقتادني إلى هناك ليستثمر حضوري ويبتاع به أصواتا انتخابية. وكأنه لمح حنقي، وكنت إلى جانبه على المنبر، فأخذ يقدمني للجمهور، ويعزو إلي مقاما سياسيا في المهجر لم أحلم به، وغمرني بألقاب علمية لم أسمع بها، ولقبني بسموأل لبنان الذي تحمل أخطار الأسفار ومشاقها إلى لبنان لأحمل وصية الصديق الأخيرة.
وجاء دوري للخطابة، فنهضت وفتحت فمي:
أيها الإخوان
كان رشيد المغربي بين يدي حينما لفظ أنفاسه الأخيرة، فهز حامل علم «سرابايا» بيرقه وصاح: «فليحي بطل سرابايا!»
فأجابه فتى يحمل علم «الفحيص»: «اخرس! إن رشيد المغربي ابن الفحيص، فليحي رشيد المغربي بطل الفحيص!»
وتطايرت الشتائم، واشتبك بنو القريتين في معركة بترت خطابي؛ فوجمت واتخذت موقفا حياديا. ولقد علمتني معارك «الفلبين» أن الحذر كل الشجاعة، فهرعت أبتغي مكانا قصيا، غير أن أمواج المعركة غمرتني، ولم أدر إلا وعصا كسرت على كتفي الأيسر، فماجت الدنيا في عيني ووقعت على الأرض أستمع إلى أصوات القتال بيمنى أذني، وأصغي باليسرى إلى زقزقة عصافير الجنة ...
وفرق الجند بين المتقاتلين، وتوسط العقلاء؛ فسكنت الجلبة، واعتلى الوزير المنبر ثانية. فبعد أن مجد قرية «سرابايا» وعظم ضيعة «الفحيص»، ذكر أن الشهيد رشيد المغربي ولد في «سرابايا»؛ فهو ابنها غير منازع (هتاف من بني سرابايا)، غير أن أملاكه في «الفحيص» وزوجته منها، وفيها كان عداد تذكرة نفوسه؛ فهو بدون شك فتى «الفحيص» (هتاف من الفحيصيين). وكان الباشا يود أن يطلق على الشهيد لقب «بطل القريتين»، ولكنه يريد أن يزيد إلى أمجاد «العباسية» التاريخية فتحا جديدا، فهو يرغب إلى الجمع أن يوافقوه على تسمية الشهيد «بطل العباسية» فدوى الهتاف، وأطلق الرصاص، وهاج القوم فرحين مؤيدين اقتراح الوزير في حكمته السليمانية، فشكرهم الباشا، وتمنى الشفاء العاجل للأربعة عشر جريحا.
حينئذ تقدم زعيم المقاطعة وبلغ الوزير قرارات القوم التالية:
أولا:
Bog aan la aqoon