إهداء الكتاب
مقدمة
المثاني
إهداء الكتاب
مقدمة
المثاني
المثاني
المثاني
تأليف
عبد الوهاب عزام
Bog aan la aqoon
إهداء الكتاب
إلى والدي الكريمين رحمهما الله اللذين أورثاني فيما أورثاني حب الخير، والخضوع للحق، والإباء على الباطل.
من وراء السنين أهدي كتابا
فيه من حكمة الحياة سطور
في مكان به القريب بعيد
وزمان به القليل كثير
عبد الوهاب عزام
التصوف والسياسة
بقلم عباس محمود العقاد
كان أول ما قرأت من شعر الدكتور عزام ديوانا لطيفا جمع بين طائفة من مترجماته للشاعر المتصوف محمد إقبال الملقب بشاعر الإسلام، وطائفة من مبتكرات عزام في المعاني الصوفية أو المعاني الروحية، وتشابه النسق في الشعرين لأنهما في العربية من كلام ناظم واحد، وتشابه الجوان، ولا أقول تشابه المعنيان، حتى لقرأت مثنوية لعزام حسبتها من كلام إقبال، ولم أصحح هذا السهو إلا بعد مراجعة وتحقيق.
Bog aan la aqoon
لا يتشابه الجوان الروحيان هذا التشابه لأن الدكتور عزام يعجب بإقبال ويترجم كلامه إلى العربية، فلا بد من سليقة صوفية في روح شاعرنا العربي توحي إليه معانيه وخواطره، ولا شك أن الأصح من القولين أن هذه السليقة الروحية في نفس عزام هي التي حببت إليه إقبالا ومالت به إلى الإعجاب بشعره، فهذه السليقة هي مصدر الإعجاب بإقبال، وليس الإعجاب بإقبال مصدرها الأول ومبعثها الأصيل.
وعدت أقرأ لعزام بعد ذلك الديوان اللطيف فلم يزل هذا الخاطر يثبت عندي ويتمكن كلما قرأت له جديدا من الشعر أو قديما فاتني أن أقرأه في حينه، ثم قرأت هذه المثاني وفي ذهني هذا الخاطر فلم يزل يثبت كذلك ويتمكن كلما تتبعت أبياتها وموضوعاتها، حتى أكاد أنقل الديوان، أو معظمه، إذا أردت أن أسوق الشواهد على أصالة السليقة الصوفية في نفس الشاعر العالم الأديب.
لا يحتاج أن يقتبس الصوفية من أحد من يلهمه ضوء القمر على صفحة البحر أن يقول:
أحسب البدر ساطعا نبع ماء
فأرجي لديه تطهير ذنبي
وأراه من الأشعة فيضا
أتمنى لديه تنوير قلبي
أو يقول:
ذلك الماء والأشعة طهر
وصفاء يخال نورا وبحرا
Bog aan la aqoon
إيه يا نفس فاطهري وأضيئي
واشربن يا فؤاد صفوا وطهرا
فليس أشبه بفطرة المتصوف من تطهير النفس بجمال الكون ومن اتخاذ الجمال واسطة إلى الله.
ولا يحتاج أن يقتبس الصوفية من أحد من يفرق بين شريعة الباطن وشريعة الظاهر هذا التفريق:
قيل هذا محلل لا تدعه
قلت هذا الحلال عندي أثام
هو في شرعة الفقيه حلال
وهو في شرعة القلوب حرام
فهذا ميزان التصوف من قديم الزمن للفضائل الظاهرة والفضائل الخفية، وقصة موسى والخضر عليهما السلام خير مذكر بهما من آي القرآن الكريم.
ومن أعماق التصوف أن تواجه النفس آفاق الأبد متحررة من حدود الأزمان كما قال الشاعر:
Bog aan la aqoon
لا يبالي الأحرار في هذه الأر
ض حدود البقاع والأوطان
ومن الناس من يحرر حتى
لا ترى نفسه حدود الزمان
أو كما قال:
فلك دائر وصبح ومسي
أخذ الناس في الزمان دوار
حرر النفس من نهار وليل
تجد الدهر ما به تكرار
وإذا اقتبس الناقل في معاني التصوف فإنما يقتبس العبارة المتفرقة هنا وهناك ولا يقتبس السليقة التي تنظر إلى كل شيء بمنظار واحد فيما هو قريب وما هو بعيد من لباب الحقيقة الصوفية، وهذه السليقة هي التي أوحت إلى شاعر المثاني أن يجعل للصلاة وضوءا من العفة إلى جانب الوضوء من الماء.
Bog aan la aqoon
اسأل الظالم المصلي من ذا
قد أحل الصلاة للظلام
أول الطهر للصلاة اغتسال
يرحض النفس من حقوق الأنام
ولا أريد أن أنقل الديوان كله أو معظمه، كما أسلفت، في معرض الشواهد التي تبدي هذه النظرة في مختلف المنظورات، فسيراها القارئ غير معتمد على الشواهد، وسنزيد عليها فيما يلي شواهد أخرى في سياق غير هذا السياق.
يقول القارئ: عجب! أصوفي وسياسي؟ إن الدكتور عبد الوهاب عزام - كما يعلم القراء - سفير مصر الموفق عند دولة الباكستان، وهو من ثم في زمرة أهل السياسة الذين مثلوا لأبناء عصرنا في مثال يقول القائل منهم ما يشاء، إلا أنه مثال الصوفية والمتطهرين.
وإنني لأرحب بهذه المناسبة لأنها أصلح المناسبات لتجلية النفس الإنسانية وتصحيح الموازين الأدبية والفكرية في معرض من أهم معارض البحث الحديث، وهو البحث في حدود الملكات ومصادر الأعمال والنيات، وهنا موضع الشواهد التي قلنا قبل سطور إنها تدل على السليقة لأنها تأتي - على قصد وعلى غير قصد - في نسق واحد حين ينظر الشاعر إلى جميع المنظورات، وسنورد فيما يلي بعض الشواهد على السليقة التي تربط بين التصوف وبين السياسة في أشرف معانيها، وإنها لأقرب شيء في هذه المعاني إلى مثال الصوفية والمتطهرين.
لا عجب في أن يجمع شاعر المثاني بين السليقة الصوفية وملكة السياسة؛ لأنه يدين بالصوفية التي دعته إلى الإعجاب بشعر إقبال، وما كان إقبال من متصوفة «الفناء» الذين يقولون «لا» حين يواجهون العالم أو يواجهون الوجود من ظاهره إلى خافيه، ولكنه كان من متصوفة «الثبوت» الذين يقولون «نعم نعم» لكل مظهر من مظاهر الحياة أو الوجود.
تصوف لا يهرب من غمرة الحياة؛ لأنه:
إنما يعرف التصوف في السو
Bog aan la aqoon
ق بمال ومطمع وفتون
وتصوف لا ينكص عن المعالي، لأن المعالي إذا ملأت النفس أخرجت منها وساوس الشيطان:
املأ النفس بالمعالي وإلا
ملأتها وساوس الشيطان
ومثل هذا التصوف والعمل في ميادين السياسة لا يتناقضان، ولا سيما تصوف «السفارة» وهو من الألف إلى الياء وئام وسلام. يقول المتصوف كما يقول السياسي السفير مع الشاعر:
أمنح الناس مسمعي وحديثي
وألاقي كلامهم بكلام
وسوى ذاك في الفؤاد حديث
من وراء الأسماع والأفهام
ويقول المتصوف كما يقول السياسي السفير مع الشاعر:
Bog aan la aqoon
قلت للنفس ساء ظني بالنا
س وشاهت وجوههم والسمات
قالت: اصقل مرآة نفسك وانظر
رب وجه تشوه المرآة
ويقول المتصوف كما يقول السياسي السفير مع الشاعر:
كم بهذا الأنام أحسنت ظنا
فنهتني عواقب التجريب
ثم عاودت فيهم حسن ظني
آملا فيهم صلاح القلوب
ويقول المتصوف كما يقول السياسي السفير مع الشاعر:
Bog aan la aqoon
إن في النفس بغضة لأناس
أصلحنهم وحببنهم إليا
واغسل الحقد والهوى من فؤادي
واجعلني لكل حق وليا
وجماع ذلك كله قوله في ضبط النفس مفرقا به بين الحر والعبد:
قيد الحر نفسه برضاه
وأبى في الحياة قيد سواه
وترى العبد راضيا كل قيد
غير تقييد نفسه عن هواه
فهذه خصال تلتقي كلها في فضائل المصافاة والتغاضي وأخذ الناس بالحسنى وبسط المعاذير، مع ضبط النفس وتغليب الحكمة على الهوى في جميع الأحوال، وكلها من ملازمات الصوفية، وكلها كذلك من ألزم لوازم السفارة بين الأمم والآحاد.
Bog aan la aqoon
وأحسب القارئ يحيط الآن بما عنيناه حين قلنا إن المتصوف الناقل قد يقتبس من التصوف عبارة هنا وعبارة هناك ولا ينظر بالعين «المتصوفة» إلى جميع المنظورات على هذا المنوال، وبهذه السليقة يتلاقى المتصوف والسفير أحسن لقاء.
على أن الشاعر السياسي كان سفيرا بين مصر والشرق بعلمه قبل أن يكون سفيرا لهما بعمله، وكان لدراسته الفارسية والأردية أثر في تقريب ثقافتهما يحسب من سفارات الأدب التي تعاون فيها العلم والعمل، ومن هذا التقريب الذي لم يسبق إليه: تعريفه قراء العربية بتاريخ الرباعية في الآداب الفارسية والعربية؛ فهو أوفى ما كتب بلغتنا في هذا الموضوع.
وستكون هذه المثاني صلة جديدة بين آدابنا وآداب الفرس والهنود، فإنها تجدد لنا القالب الذي أفرغت فيه طائفة مختارة من شعر هذه الأمم، وتريد عليها فضل النسبة العربية فيما استوحاه الشاعر العالم السياسي من سليقته وفطنته وخياله، وفقه الله للمزيد من هذه السفارة العليا، وأفاد بجهده المشكور أتم ما يفيد.
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
تفضل الكاتب الألمعي الكبير، والشاعر المبدع القدير الأستاذ عباس محمود العقاد فكتب مشكورا مقدمة لهذه المثاني.
فأقصر أنا كلمتي هذه على تاريخ نظم هذه الأبيات وعلى تسميتها.
1
هذه أبيات نظمتها مثاني في أوقات شتى. خطرت لي في الحضر والسفر، حتى في الطائرة، خطرت حين الفراغ وحين العمل، بالليل والنهار.
نظمت الأولى منها فبدا لي أن أنظم أمثالها، وتوالت الخطرات وتوالى النظم. وكتبت ما نظمت فور نظمه أحيانا. وكثيرا ما نظمت في الطريق فحفظت ما نظمت حتى تيسرت كتابته.
Bog aan la aqoon
ثم حرصت على أن أسجل وقت النظم ومكانه، ولكني لم أثبتهما مع الأبيات لئلا أعني القارئ بهما، إلا أن يكونا متصلين بالمعنى، يتضح بهما، أو يكمل معهما، أو كان في إثباتهما فائدة أخرى.
نظمت الخطرة الأولى على شاطئ بحر العرب من مدينة كراچي يوم الخميس التاسع والعشرين من ذي القعدة سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة وألف من الهجرة (21 آب سنة 1952م).
ونظمت آخرها وأنا أكتب هذه المقدمة، يوم الأحد ثامن عشر صفر 1374ه (17 تشرين الأول سنة 1954).
وإن توالي النظم من بعد على هذا النسق ألحق ما أنظمه بأخواتها في الطبعة الثانية.
ونشرتها كما نظمتها على ترتيب التاريخ ولم أجمع المتشابهات منها بالتقديم والتأخير، فرب بيتين في معنى يبعدان مكانا عن أبيات أخرى في معناهما، ويجاوران أبياتا لها معان بعيدة عنهما.
وكتبت عنوانا لبعض المثاني توضيحا لفكرة اشتملت عليها، أو جمعا للمثاني التي تتوالى في معنى واحد أو التي يجمعها مكان واحد أو زمان من الأمكنة والأزمنة التي رأيت أن أثبتها مع الأبيات، جمعت هذه تحت عنوان واحد وبينت تتابعها بكتابة حرف ت بجانب أرقامها.
وأدع للقارئ تبين ما في هذه المثاني من دعوة إلى الجلال والجمال، والخير والحق، والأمل المشرق، والجد الدائب، والاستكبار على الدنايا، ولقاء الحوادث بعدتها من الإيمان والصبر، وما يتصل بهذه من معاني الحياة الكريمة.
2
وسميتها المثاني
وكان بدا لي أن أسمي هذه الأبيات رباعيات، كاصطلاح أدباء الفرس في الأبيات الثنائية، وكما جرى العرف بين أدباء العرب في هذا العصر، ولكني عدلت عن هذه التسمية بعد التأمل.
Bog aan la aqoon
وإليك البيان: (أ) الرباعي في الفارسية
عرف وزن الرباعي منذ عرف الشعر الفارسي الحديث، منذ أواخر القرن الثالث الهجري. ويقول شمس الدين محمد بن قيس الرازي مؤلف كتاب المعجم في معايير أشعار العجم - وهو أوسع وأقدم ما كتب في هذا الموضوع بالفارسية:
1
إن أحد متقدمي شعراء العجم - وأحسبه الرودكي
2 - أخرج من بحر الهزج وزنا مقبولا تميل إليه الطباع السليمة فسمي الرباعي.
ثم يروي المؤلف قصة اختراع هذا الضرب من الوزن فيقول إن الشاعر الذي اخترعه كان يجول في متنزهات مدينة غزنة في يوم عيد فرأى جمعا من الصبيان يلعبون بالجوز. وبينهم صبي مليح فصيح اتجهت إليه عيون النظارة، فرمى الصبي جوزة فلم تصب الحفرة وجاوزتها ثم رجعت تتدحرج حتى وقعت فيها فصاح الصبي:
غلتان غلتان همى رود تابن كو (تتدحرج تتدحرج ذاهبة إلى قعر الحفرة).
فأعجب الشاعر بهذه الجملة في هذا الصوت، وأدرك فيها وزنا جميلا فقاسه على أوزان العروض حتى أخرجه من بحر الهزج، وضم إليه شطرا على قافيته وبيتا على وزنه، فصارت الشطرات الأولى والثانية والرابعة متفقة في القافية، والثالثة مطلقة.
ثم يصف المؤلف شيوع هذا الوزن وفروعه، وافتتان الناس به إلى أن يقول:
وجرت العادة أن يسمى ما نظم بالعربية من هذا الوزن «قولا» وما نظم بالفارسية غزلا، وأهل العلم يسمون ملحونات
Bog aan la aqoon
3
هذا الوزن «ترانه» وغير الملحون «دوبيت» وسماه المستعربة «الرباعي». ا.ه.
وظاهر أن هذا الضرب سمي رباعيا لأنه مؤلف من أربعة أشطر كما سمي «دوبيت» لأنه مؤلف من بيتين، ولكن مؤلف المعجم يقول إن المستعربة سموه رباعيا لأنه مؤلف من أربعة أبيات بحساب العروض العربي؛ لأن الهزج في العربية لا يزيد على مفاعيلن أربع مرات، وفي الفارسية كل شطر فيه أربع تفعيلات، فساوى الشطر في الفارسية البيت في العربية.
ويوافق هذا ما في كتاب معيار الأشعار، وهو كتاب فارسي ألف سنة 649ه ولا يعرف مؤلفه، نقل عن هذا الكتاب الشيخ سيد سليمان الندوي رحمه الله في كتابه عن الخيام:
وقال القدماء على هذا (وزن الرباعي) شعرا كثيرا، وقفوا كل مصراع وعدوه بيتا مثل الرجز المشطور ... ولهذا حسب القدماء الرباعي أربعة أبيات وسموه «جهار بيت» وسموه بالعربية «الرباعي» والتزموا التقفية في الأربعة.
وأما المتأخرون فقد تركوا مربعات هذه الأوزان، وعدوا كل بيت منها مصراعا وسموا الرباعي «دوبيت» ولم يشترطوا التقفية (يعني في كل شطر) ا.ه.
ولعل مما يؤيد هذا أن الرباعيات العربية التي رواها الباخرزي مقفاة الأشطر كلها، ولكنا لا نسلم بقول صاحب معيار الأشعار إن القدماء التزموا تقفية كل مصراع؛ فقد أثرت رباعيات عن الرودكي والعنصري وغيرهما من المتقدمين لم يقف فيها الشطر الثالث.
ويمكن أن يقال إجمالا: قد اتفق الشعراء المتقدمون والمتأخرون على وزن الرباعي ، ومال المتقدمون إلى تقفية الشطور كلها ولم يلتزموه، ومال المتأخرون إلى إطلاق الشطر الثالث ولم يلتزموه أيضا، واتفقوا على تسميته بالرباعي واختلفوا في تعليل التسمية أهي نسبة إلى أربعة أشطار أم أربعة أبيات. •••
وقد أخرج شعراء الفرس أربعة وعشرين ضربا في وزن الرباعي نصفها من الهزج الأخرب، وهو يبتدئ بمفعول، ونصفها من الهزج الأخرم ويبتدئ بمفعولن.
وهي في ظاهرها بعيدة من الهزج بما لحقها من الزحاف والعلة، ولكنها في اصطلاح العروضيين مأخوذة منه متصلة به. (ب) الرباعي في العربية
Bog aan la aqoon
يقول مؤلف المعجم:
ولم يكن الزحاف المستعمل في هذا الوزن معروفا عند العرب فلم ينظم فيه القدماء شعرا عربيا، ولكن المطبوعين من المحدثين أقبلوا عليه اليوم كل الإقبال، وشاعت الرباعيات العربية في كل بلاد العرب.
ألف شمس الدين محمد بن قيس كتابه في أوائل القرن السابع الهجري. وعرفنا أن الرباعيات العربية كانت شائعة في عصره في كل البلاد العربية.
وهذا كلام مؤلف آخر أقدم منه هو علي بن الحسن الباخرزي مؤلف «دمية القصر» المتوفى سنة سبع وستين وأربعمائة من الهجرة، يقول في ترجمة أحمد بن الحسين الخطيب من شعراء عصره وهو من أصحاب اللسانين (العربي والفارسي):
ولم يبلغني من شعره إلا قطع نظمها على وزن الرباعي مثل قوله:
قد هاض فراقه فقاري والله
واستهلك هجره قراري والله
أذري الدم ليلي ونهاري والله
لم يغن من الهوى حذاري والله
وقوله:
Bog aan la aqoon
أبلى جسدي هوى ظلوم جاني
قد هجن قده قضيب البان
يا من أضحى وما له من ثاني
ما ضرك لو فككت هذا العاني
ولم أكن سمعت هذه الطريقة حتى أنشدني والدي لأبي العبار الباخرزي رباعيات على هذا النمط منها قوله:
قد صيرني الهوى أسير الذلة
واستنهكني وما بجسمي علة
واستأصل هجره بصبري كله
لا حول ولا قوة إلا بالله
إلى أخوات لها من مقاله.
Bog aan la aqoon
ثم نسج والدي على منواله فنظم منها أعدادا كثيرة على وزنه فمنها قوله:
أعطيتك يا بدر عنان القلب
لا زلت أرى هواك شان القلب
لو لم يكن الصدر صوان القلب
أنزلتك والله مكان القلب
وقلت أنا:
قد مل هواي فافترشت المله
خل بوصاله يسد الخله
أدمى كبدي بسيف هجر سله
ما أجوره علي سبحان الله
Bog aan la aqoon
انتهى كلام الباخرزي.
ويؤخذ منه: (1)
أن الرباعيات لم تشع في العربية حتى زمن الباخرزي فلم يسمع بها حتى أنشده والده بعضها. (2)
وأن الرباعيات العربية على وزن الفارسية. (3)
وأن التقفية في رباعيات العرب تنتظم الشطور الأربعة مع أن الفارسية تلتزم فيها التقفية بين أشطر ثلاثة، والشطر الباقي وهو الثالث منها، يجوز إطلاقه وتقفيته. (4)
وأن ناظمي الرباعيات العربية استعملوا القافية المردوفة أحيانا، وهي التي تكرر فيها كلمة بعينها، وتراعي التقفية قبلها.
كما في الرباعية:
قد هاض فراقه فقاري والله ... إلخ.
والرباعية:
أعطيتك يا بدر عنان القلب ... إلخ.
Bog aan la aqoon
وهذا النوع من التقفية شائع في الشعر الفارسي أوزانه كلها، ويظهر أن الرباعيات العربية كانت قليلة وحديثة عهد بالنشوء أيام الباخرزي ثم شاعت من بعد. حتى عمت البلاد العربية كما قال صاحب المعجم. •••
يتبين مما قدمت أن الرباعيات في الفارسية والعربية لها وزن يخصها، ونظام في القافية يميزها؛ فليس كل ما نظم بيتين بيتين يعد رباعيا.
لهذا رأيت ألا أسمي أبياتي هذه رباعيات، إبقاء على الاصطلاح المتبع في الأدبين العربي والفارسي، وسميتها المثاني إذ كانت الأبيات فيها مثنى مثنى.
وقد جاء في القرآن الكريم:
الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله .
وحسبي فخرا، وحسب هذه الأبيات صيتا، أن تسمى سمة مأخوذة من القرآن.
وإني لشاكر لدار المعارف عنايتها بإخراج هذه المثاني في صورة من الجمال والإتقان اللذين عرفا في كل أعمالها.
والحمد لله الملهم. وهو حسبي وكفى. ا.ه.
كراچي الأحد ثامن عشر صفر سنة 1374ه
17 تشرين الأول 1954م
Bog aan la aqoon
عبد الوهاب عزام
هوامش
المثاني
1
أيها البحر
1
زاخر ثائر نهارا وليلا
أيها البحر ما هياج البحور؟
هل خلا من هديرك الدهر يوما
أو سيخلو على مرور الدهور؟
Bog aan la aqoon
2
ترفع الشمس عن جمالك سترا
ويصون الجمال ستر الظلام
2
يقرأ الناس من جمالك سطرا
من حروف الإصباح والإظلام
3
تختفي كالنجم في الدجن اختفى
ثم تبدو ومض برق للفؤاد
3
Bog aan la aqoon