وأدلة القرآن الكريم على إبطال الاجتهاد مع وجود النص أكثر من أن تحصى، وفيما أجلبناه من ذلك كفاية لمن كانت بغيته معرفة الحق واتباعه. ويدل أيضا على ما قلناه من السنة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن قاضيا، معلما القرآن وشرائع الإسلام، وجعل إليه قبض الصدقات من العمال الذين كانوا باليمين. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم حين وجهه: بم تقضي أو بما تحكم؟ قال: بما في كتاب الله، قال: فإن لم تجد، قال: بما في سنة رسول الله، قال: فإن لم تجد، قال: أجتهد رأيي(¬1)، فهذا خبر تلقته علماء الأمة بالقبول. واستدل به على ما قلناه من أن الاجتهاد مع وجود النص باطل على ما قاله علماء الأصول(¬2)، وهو صحيح في معناه، صريح في مبناه، فقال المفتي في هذه المسألة وإجرائه إياها على المصالح المرسلة مع وجود أحكامها في الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
فإن قلت: ما لمعاذ لم يذكر الإجماع؟
قلت : لأنه لم ينعقد ما دام الوحي ليس له انقطاع.
فان قلت: قد عرفنا دليل ذلك من الكتاب والسنة، اعني دليل أنه لايهم الاجتهاد مع وجود النص، فأين الإجماع على ذلك، وأين دليل الإجماع؟
Bogga 113