127

Matalib Saul

مطالب السؤول في مناقب آل الرسول‏

ثم دفع إلى قنبر درهما وقال: اشتر به من أجود عسل تقدر عليه.

قال الراوي: فكأني أنظر إلى يدي علي ((عليه السلام)) على فم الزق وقنبر يقلب العسل فيه، ثم شده بيده وجعل يبكي ويقول: اللهم اغفرها للحسن فإنه لا يعلم.

فهذه الوقائع والقضايا المفصلة التي أسفر له ((عليه السلام)) فجر نهارها، وأبدر لديه قمر شعارها وظهر عليه سر آثارها وانتشر عنه خبر أسرارها، شاهدة له ((عليه السلام)) أنه في العبادة ابن جلاها وفارع ذروة علاها، وضارب في أعشارها بمعلاها وراكب من مطيتها غارب مطاها، قد صدعت بمنطوقها ومفهومها بأنه ((عليه السلام)) قد حوى مقامات العابدين حتى حل مقام الإمامة، واتصف بسمات الزاهدين فبيده زمام الزعامة، فتحلى بالإنابة والعبادة والمحبة والزهد والورع والمعرفة والتوكل والخوف والرجاء والصبر والشكر والرضا والخشية، فهو ذو إخبات وتفكر ونسك وتدبر وتهجد وتذكر وتأوه وتحسر، وأذكار وأوراد وإصدار وإيراد فكابد من أنواع العبادات ووظائف الطاعات ما لا يكاد الأقوياء ينهضون بحمل أعبائه، إلى أن نزل القرآن العظيم بمدحه وأسفر بالثناء عليه من التنزيل وجه صبحه حتى نقل الواحدي (رض) في تفسيره يرفعه بسنده إلى ابن عباس (رض) أنه قال: إن علي بن أبي طالب ((عليه السلام)) [كان] يملك أربعة دراهم، فتصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم علانية فنزل فيه قوله تعالى: الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ومن تأمل ما قصصناه من الوقائع والقضايا وتدبر ألفاظها ومعانيها وجدها صادعة بالشهادة له ((عليه السلام)) بهذه المقامات، جامعة فيه ما فصله القلم من الصفات، وكفاه شرفا إنزال الله تعالى مدحه في السور والآيات، وإنها تتلى بألسنة الأمة إلى يوم القيامة في وظائف الصلوات.

Bogga 136