أيسخولوس
مسرحية الفرس
مسرحية بروميثيوس المقيد
مسرحية السبعة ضد طيبة
مسرحية المتضرعات أو الضارعات أو المستجيرات 1
مسرحية أجاممنون
مسرحية حاملات القرابين
مسرحية اليومينيديس أو الرحيمات1
من أشهر أقوال أيسخولوس
أيسخولوس
مسرحية الفرس
مسرحية بروميثيوس المقيد
مسرحية السبعة ضد طيبة
مسرحية المتضرعات أو الضارعات أو المستجيرات 1
مسرحية أجاممنون
مسرحية حاملات القرابين
مسرحية اليومينيديس أو الرحيمات1
من أشهر أقوال أيسخولوس
مسرحيات أيسخولوس
مسرحيات أيسخولوس
تأليف
أيسخولوس
جمع وترجمة
أمين سلامة
أيسخولوس
حياته ومسرحياته
(1) شخصية أيسخولوس وعبقريته
اعتبرت التراجيديا كلون أدبي مستقل في أواخر القرن السادس ق.م. بعد ثيسبيس
Thespis ،
1
وفي عصر من خلفوه مباشرة؛ لقد صارت جزءا من الأدب، ولكنها ما زالت نوعا
ولم يكتب لأيسخولوس أن يكون واحدا من عباقرة العالم كله في كتابة المآسي فقط، ولكن
ولقد استطاع أيسخولوس أن يحافظ في مسرحياته على قسط عظيم من بساطة الأغاني
Dithyrambus
2
بصفة خاصة؛ مما دفع أريستوفانيس
Aristophanes
إلى تسمية أيسخولوس ب «الأمير الباكخي»، ولقد اتسمت
كان أيسخولوس جليل النظرة، فمسرحياته تحلق في السماء، ولكم خلق خياله من صور
ويرجع إلى أيسخولوس إرساء الأسس الثابتة للمأساة الإغريقية قبل أرسطو بحوالي قرن
3 (512-476ق.م.)، وما أضفاه عليها أيسخولوس من قوته الجبارة، ومقدرته الفائقة
•••
كان أيسخولوس ينحدر من أسرة أرستقراطية كريمة المحتد تعتبر من أشهر الأسر
هو ابن يوفوريون
Euphorion ، ولد في إليوسيس
Eleusis
بقرب أثينا سنة 525 أو 524ق.م. من أسرة قديمة
Eupatrid ، وهم سلالة قبائل
Eolians
كانوا قد نزحوا تحت ضغط غارات
Attica
حيث أسسوا مملكة
ونكاد لا نعلم شيئا كثيرا عن حياة أيسخولوس، ولقد أجمع المؤرخون على أنهم لا يعرفون
ومع ذلك كان لأيسخولوس هذا شقيقان هما كونايجيروس
Cynaegirus ، وأمينياس
Aminias ،
Marathon
سنة 490ق.م. وأظهر بسالة لا مثيل لها، بينما حارب الثاني في موقعة سالاميس
Salamis . أما أخته فقد أنجبت سلسلة من شعراء
الذي فاز على سوفوكليس الشاعر الألمعي عندما تقدم الأخير
اتصف أيسخولوس بالأنفة والكبرياء والإباء في مراحل حياته الخاصة والعامة، فنجده قد
ومن العجيب أننا لسنا على إلمام كاف بأحداث حياة أيسخولوس. يقول سويداس
Suidas
إن أيسخولوس اشترك في مباراة تراجيدية في
Chaerilus
وبراتيناس
وفرونيكوس
، وظل
ثم جاءت الأزمة الكبرى للحروب الفارسية، والتي تسمى أيضا الحروب الميدية، وهي الحروب
Marathon
سنة 490ق.م. مع رجال
Gela
الخصبة، وإنه لفي استطاعة غابات ماراثون الشهيرة المقدسة، وفي
ومن المحتمل أن يكون قد قام أيسخولوس بدور فعال في الحرب الفارسية الثانية التي
Xerxes
بن دارا
Darius
كسرى فارس وقتئذ في سالاميس
Salamis
سنة 480-479ق.م. وبلاتيا
وأرتيميسيوم
Artemisium . هذا
ومع ذلك فمما لا شك فيه أن الحروب الميدية التي اشترك فيها أيسخولوس قد لعبت دورها في
أما عن أعمال البطولة المنسوبة إلى أخويه كونايجيروس وأمينياس، فمن المتعذر
Syracuse » بفضل هيرو
Hiero
الطاغية
وكان أيسخولوس قد سافر إلى صقلية، وأقام في بلاط هيرو السوراكوزي في عام 476ق.م. وهناك
Aetnaeans
في صقلية بعد سنة 476 مباشرة
Aetna
التي بناها ذلك
Catana . وألف
ولقد تبارى أيسخولوس عند عودته إلى أثينا مع سوفوكليس
Sophocles
الشاب في سنة 468 بأول تمثيلية له، بيد أن هذا الأخير فاز
بيد أن أيسخولوس عاد فدحر سوفوكليس في السنة التالية بمجموعة التمثيليات الأربع
Oresteia (أجاممنون وخويفوروي
Ghoëphoroe
ويومينيديس) في نفس المدينة سنة 458،
أما تواريخ مسرحياته الأخرى، فلا يمكن معرفتها إلا بالتخمين وبالتقريب. وعلى العموم
هناك روايات كثيرة في العصور القديمة قلما يمكن تصديقها، تعزو رحلته إلى صقلية إما
Suidas
أنه بينما كانت إحدى مآسيه تمثل،
Bion
وقد شبا شاعرين
خلفه لعدة أجيال. راحت مسرحياته المأسوية تغذي المسرح
وهناك رواية تقول إن أيسخولوس قتل بعد أن أقام ثلاث سنوات في جيلا، وأن الذي قتله
وفي زمن لاحق، وضع الأثينيون، بإيعاز من الخطيب لوكورجوس
Lucurgus ، تمثالا برنزيا له، وكذلك تمثالا لكل من سوفوكليس
Euripides ، في المسرح العام. وبقرار
وإذا حكمنا عليه من واقع مؤلفاته والمذكرات القليلة المبعثرة هنا وهناك، نقول إنه كان
(2) علاقات أيسخولوس بشعر الأبطال
لو قارنا بين الأدلة، متغاضين عن الاختلافات التي تعزى إلى حسن النية، لقادتنا
يبدو أنه اتخذ موضوعات جميع مؤلفاته الدرامية، ما عدا «الفرس»، من شعر البطولة. وإذا حاولنا إعادة تكوين المسرحيات المفقودة، من العناوين والشذرات والمذكرات الباقية،
Homerus
والشعراء الدوريون. لقد جمع هذا الشاعر
Athenaeus ، «الفتات التي سقطت من مائدة هوميروس»، ولكنه نهج وهو يجمعها
Dionysus . ورغم
Thebes
وأرجوس
Argos ، التي تتجلى
جمع عدد معين من مسرحيات أيسخولوس في مجموعات رباعية، أي في سلاسل تتألف كل سلسلة
رأينا أن القاعدة منذ عهد أيسخولوس، في المباريات الدرامية، أن يعد كل شاعر من
Dionesia
4
العظمى مجموعة رباعية كهذه. وظلت هذه القاعدة سارية طوال القرن الخامس. غير أننا لا نستطيع الجزم بأنها كانت سارية خارج أثينا. وعلاوة على هذا، فإن بعض
Organic
(أي مكونة من حلقات)، تمييزا لها عن المجموعة
إذا كانت الأرقام التي ذكرناها صحيحة، فإنها دليل قاطع على عدم وجود عدد صحيح من
(3) عدد مسرحيات أيسخولوس
ذكرنا أن عدد تمثيليات أيسخولوس بلغ 90 تمثيلية منها 82 لا تزال معروفة بعناوينها،
ولما كان معروفا أن الشاعر الممثل يجب عليه أن يقدم للمسابقة ثلاث قصص تراجيدية وقصة
Tetralogy
كما كانت القصص التراجيدية الثلاث قبل أن تضاف إليها الدراما
Trilogy ؛ عرفنا أن جمهور مسرح
قلنا إنه لم يبق من مسرحيات أيسخولوس إلا سبع مسرحيات كاملة أصاب نصوصها شيء
(1)
المتضرعات
The Suppliants ، وتاريخها
(2)
الفرس
The Persians
مثلت عام 472ق.م. وقد وضعت للكوروس، وكان موضوعها هو نفس موضوع تمثيلية فرونيخوس التي
»؛ هزيمة
(3)
السبعة ضد
The Seven Against Thebes
مثلت سنة 467 كقصة مملوءة بروح آريس
Ares ، إله الحرب، وكجزء من مجموعة تمثيليات
Laius
وأوديبوس الجزأين الأولين منها، والتمثيلية
Sphinx » الخاتمة. (4) «بروميثيوس المقيد» أو «مغلولا»
، وهي مسرحية لا شك في أنها وضعت بعد
»، التي ربما كان أول
وأخيرا:
مجموعة الأوريستيا في سنة 458، وهي الثلاثية الوحيدة الباقية التي وصلت
(5) «أجاممنون» وتعالج مقتل ذلك البطل وهو عائد إلى وطنه. (6) «حاملات القرابين» أو «الخويفوراي
Choephorae » المسماة باسم «كوروس النساء» الطرواديات
Orestes
من أيجيسثوس
Aegisthus
وكلوتايمنسترا
Clytaemnestra . (7) «اليومينيديس
Eumenides » التي يطارد
Furies ، ثم
Areopagus
سراحه في
وربما كانت هذه الثلاثية آخر ما عرضه أيسخولوس في أثينا، وتعطينا فكرة عن النظرة
أما الآن فسوف نتناول في شيء من الإيجاز بعض مسرحيات أيسخولوس، مستعرضين فكرتها
(4) مسرحية المتضرعات
إن المتضرعات تراجيدية بسيطة بدائية التركيب تماما من أدران التعقيد، وتكثر فيها
ولقد سميت هذه المسرحية بالمتضرعات أو الضارعات نسبة إلى «الضراعة»، وهي الدور
Danaus » ملك مصر والشقيق التوءم لأيجوبتوس
Aegyptus .
فالمسرحية إذن تتناول العلاقة بين أسرتي داناوس وشقيقه أيجوبتوس، ومحورها قائم
كانت «إيو
Io » ابنة «إناخوس
Inachos » تعمل كاهنة للربة «هيرا
Hera » زوج زوس، أبي الآلهة والبشر، فأحبها الأخير حبا جما جعله
وللمرة الثانية علمت هيرا بالأمر، وفي الحال كلفت «أرجوس
Argos »، ذا المائة عين التي لا تنام كلها في آن واحد، بل يبقى نصفها
Hermes » رسوله المحبوب ورسول جميع الآلهة، وهو يحمل عصاه السحرية
ولكن هيرا تمادت في غيها وحقدها، وفكرت في الانتقام من إيو بطريقة أخرى، فسلطت
Ipaphus ، الذي كان من نسله أيجوبتوس أبو المصريين،
أما داناوس هذا، فقد أنجب خمسين ابنة من عدة زوجات أطلق عليهن اسم «الدانايديس
Danaides »، بينما أنجب أخوه أيجوبتوس خمسين ابنا،
ولقد اقتفى أبناء أيجوبتوس أثرهن حتى أرجوس، وعرضوا عليهن الزواج، فوافق داناوس بعد
Hypermnestra
التي امتلأ
Lyncius ، فأبقت عليه وفرا
هذا هو مجمل الأسطورة الذي استمد منه أيسخولوس المادة اللازمة لكتابة قصة «الضارعات»،
ويظهر أنه لم يصلنا من هذه الثلاثية غير اسمها. وثانيتها «المتضرعات» التي نعالجها
غير أن هناك من يعتقد أن الضارعات كانت أول تراجيدية في الثلاثية أعقبتها القصتان
يبدأ أيسخولوس قصة «المتضرعات» بمنظر بنات داناوس وهن يبتهلن أمام الهياكل الدينية
للنظر في أمر هؤلاء المتضرعات، وهل في
ولكنه قبل أن يجاهر بموافقته لبقائهن خاف أن تسفر حمايته لهن عن قيام الحرب بينه
وفي هذه الأثناء يقدم رسول مصري على عمل محرم؛ إذ ينتهك حرمة المكان المقدس
وينهي أيسخولوس المأساة بدعاء حار تنادي به الفتيات المتضرعات الآلهة، وخصوصا
•••
إن كل ما في مأساة الضارعات من محاسن وجمال ينحصر إلى حد كبير في أجزائها العديدة
أما متى تم تمثيل مأساة الضارعات، فهذا التاريخ غير معروف على وجه الدقة. هذا وإن
والضارعات كقصة يمكننا أن نقول بلا تردد أنها عديمة الأشخاص عديمة الموضوع التراجيدي
وبالإضافة إلى هذين البطلين كانت هناك جوقة مؤلفة من عذارى خمسين وقعن في مأزق خطير،
(5) مسرحية «الفرس»
ربما كانت قصة «الفرس
» التراجيدية التاريخية
ولا تدور حوادث هذه التراجيدية في أحضان أثينا أو بلاد الإغريق نفسها، بل كانت فارس
كان الفرس قد أغاروا على الأغارقة في عهد دارا
Darius ، وانتصروا في موقعة ماراثون
Marathon ، ثم أعادوا الكرة في عهد إكسركسيس بن دارا، ولكن النصر في
Salamis
البحرية. وهرب إكسركسيس إلى بلاده تاركا قيادة جيوش الفرس
البرية.
استغل أيسخولوس هذا الحدث التاريخي وكتب قصة الفرس التي مثلت في عام 472ق.م. بعد
Menon
لكي
ويستهل أيسخولوس قصة الفرس بمشهد يمثل جوقة من نبلاء شيوخ الفرس وعظمائهم ممن كانوا
Atossa
زوجة دارا ملك الفرس السابق ووالدة إكسركسيس
وهكذا حرص أيسخولوس على أن يعد أذهان الفرس للهزيمة التي ستلحق بهم وبجيوشهم، حتى
ثم تنتهي القصة بفجيعة الملك وعويل الجوقة.
استعان أيسخولوس في كتابته لهذه القصة أشخاصا أربعة: أتوسا والرسول الفارسي وشبح
وعلى غرار الضارعات اهتم أيسخولوس بجوقة الغناء المؤلفة من الأمناء الذين وكل
تشبعت روح هذه المسرحية بالطابع الديني المختلط بالنزعة الوطنية، والأولى هي التي
ومما هو جدير بالذكر أن هذه المسرحية قد لاقت نجاحا خارقا في عصرها، وساعد على
ومما يستوجب ملاحظته على هذه المسرحية خلوها من اسم أي قائد إغريقي، وازدحامها بأسماء
(6) مسرحية «السبعة ضد طيبة»
مثلت هذه المأساة في سنة 467ق.م. وتروي قصة الصراع الهائل الذي دب بين ولدي
ومما لا شك فيه أن هذه المأساة لا تتعرض بحال من الأحوال لغير موضوع النزاع الذي نشب
Etcocles
وبولينيكيس
على عرش طيبة، بعد أن تخلى أبوهما
ولا تختلف روح هذه المأساة عنها في قصة الفرس، إذ تسودها روح دينية بحتة. وتعتبر
وهناك من يقول إن أيسخولوس قد فاز بالجائزة الأولى على هذه المأساة، ومفهوم أنها
ويقصد بالسبعة خلفاء بولينيكيس الذي يهاجم طيبة، ولكن يبرز لهم سبعة أبطال آخرون من
ويلعب الممثل الأول دور إتيوكليس وأنتيجوني، بينما الممثل الثاني يقوم بدور الرسول
وهناك من النقاد من يعتقد بأن هذه المأساة بسيطة كسالفاتها، ومع كل فلا ضير من أن
(6-1) الأبطال السبعة ضد طيبة
بولونيكيس وتوديوس كضيفي أدراستوس
كان لأدراستوس
Adrastus
بن تالاوس
Talaus
ملك أرجوس، خمسة أطفال؛ ثلاثة ذكور،
Argia ، ودايبولي
Deipyle ، وكان الملك يحب ابنتيه حبا جما،
ظل الملك يفكر في تلك النبوءة الغريبة، أو يجد لها تأويلا، ولكن دون جدوى. فلما كبرت الفتاتان وترعرعتا، وكعب ثدياهما وامتلأتا بالشباب والحيوية، وأصبحتا
قدمت وفود اللاجئين إلى أبواب مدينة أرجوس من اتجاهين مختلفين؛ أحدهما
Calydon ، وكان
Tydeus
بن أوينيوس
Oeneus ، هاربا من كالودون، بعد أن قتل أحد
استطاع الملك أن يفض النزاع بين المتعاركين، ويوقف القتال. وبينما كانا
Meleager
ورحلته التي قام بها لصيد الخنزير الكالودوني. عندئذ استعاد أدراستوس قول
أقسم أدراستوس للأميرين أن يعيد كلا منهما إلى عرشه، ويتوجه ملكا على
Amphiaraus
زوج شقيقة أدراستوس، وكابانيوس
Capaneus
ابن شقيقته، ثم هيبوميدون
Hippomedon ، وبارثينوبيوس
، شقيقا ملك أرجوس. وقد وقع الاختيار على أن تكون
سارت الحملة صوب طيبة، فظن الناس أن الجبال تسير فيها، وعلا الغبار ومثار
فحاول بادئ ذي بدء أن يثني أدراستوس وبقية الأبطال عن عزمهم، ولكنه رأى عدم
عندما اضطر بولونيكيس إلى ترك طيبة، كان قد أخذ معه قلادة وقناعا، أعطتهما
Harmonia
وقت أن
هكذا لم يجد العراف مفرا من الانضمام إلى زملائه، ولا سيما أنه عندما
بدء حملة الأبطال
أعد الأبطال الآخرون عدتهم وزودوا جيوشهم بكل ما يحتاجون إليه من طعام وملبس
Nemea ، وجدوا كل نبع وكل نهر وكل
صحب أدراستوس بعض رجاله، وذهبوا يجوسون في الغابة وحدهم بحثا عن الماء، حتى
Hypsipyle ،
Thoas . وقد كنت فيما مضى ملكة بين
Lemnos ، أعيش في بحبوحة من العز،
Lycurgus
ملك نيميا، وإن الصبي الذي أحمله ليس ابني؛ إنه
Opheltes ، ابن سيدي، عهد إلي
انتصب أدراستوس واقفا، وصرخ مناديا رجاله وأتباعه، وسرعان ما سار الجيش كله
شرب كل إنسان وكل حيوان حتى ارتوى واستعاد نشاطه، وبعد أن أخذوا كفايتهم من
توجست هوبسيبولي شرا عظيما عندما سمعت صراخ الطفل، وازدادت ضربات قلبها،
أقشعر بدن هوبسيبولي فزعا، وارتجف جسمها هلعا، كما أن الصيحات التي خرجت من
كان هيبوميدون
Hippomedon
هو أول من أبصر
تجاسرت المرأة الآن فقط على أن تقتفي أثر الصبي، إذ كانت الأرض مضرجة
Archemorus ؛ أي «الكمال المبكر».
بيد أن هوبسيبولي لم تنج من غضب يوروديكي
Eurydice
زوجة لوكورجوس؛ إذ إنها عندما سمعت بموت طفلها،
وصول الأبطال إلى طيبة
عندما اكتشفت عظام أوفيلتيس، صاح أمفياراوس العراف في غضب: «هذه نبوءة عن
أعد إتيوكليس وخاله كريون، عدتهم للدفاع عن المدينة مدة طويلة، فقام ابن
احرسوا كل مدخل من مداخل المدينة، ولا يدخلن الرعب إلى نفوسكم، ولا
بعد أن مات أوديبوس، تركت ابنتاه أنتيجوني وإسميني قصر ثيسيوس، ورحلتا إلى
بينما كان إتيوكليس يحفز رجاله على الاستعداد للدفاع عن المدينة. تسلقت
Ismenus ، وحول ينبوع دركي الذي طالت شهرته من
Mycene ، ويعيش بالقرب من مياه لرنا. إنه فارع
Aetolians
الذين من عادتهم حمل الدروع الثقيلة، ويشتهرون
فسألته الفتاة: «ومن يكون ذلك البطل الصغير، الذي يبدو حديث السن رغم أن له
فأجاب العجوز: «ذلك هو بارثينوبايوس
بن أتالانتا صديقة أرتيميس، ولكن ألا ترين
فقالت أنتيجوني في عصبية: «إنني لا أستطيع أن أرى غير كتفيه وهيكل جسمه، ومع
«ومن يكون ذلك الرجل الذي يسير بطول الحوائط، يفحصها ويبحث عن أضعف الأماكن
«إنه كابانيوس
Capaneus
المتعجرف، الذي
فشحب وجه أنتيجوني، وطلبت أن تبرح ذلك المكان، فمد لها العجوز يده،
مينويكيوس
كان كريون وإتيوكليس يعقدان مجلس الحرب، وقررا إرسال قائد واحد إلى كل من
كان يعيش في طيبة في تلك الأثناء عراف يدعى تايريسياس، وكان ابن
Eueres
والحورية خاريكلو
Chariclo ، وذات مرة في أيام صباه كان مع أمه
أرسل كريون ابنه الصغير مينويكيوس
Menoeceus ، ليأتي بالعراف العجوز. فلما مثل تايريسياس
Manto
والصبي. فلما طلب إليه الملك أن يدلي بما يكنه الطير
فأجاب كريون: «ها هو واقف إلى جوارك.» «إذن، دعه يهرب إلى أبعد ما تستطيع أن تذهب به قدماه، قبل أن أدلي إليك
فسأل كريون: «ولكن لماذا؟ إن مينويكيوس هو ابن أبيه الحقيقي! إنه يستطيع أن
فقال تايريسياس: «إذن فلتسمعن ما علمته من الطير؛ إن ربة الحظ ستزورك مرة
فصاح كريون: «ما هذا؟ ماذا تعني بقولك هذا أيها العجوز؟! أتعني أنه يجب أن
لا تسألني شيئا بعد الآن، أمامك سبيلان، فاسلك أيهما شئت، فهكذا تقول
قال تايريسياس تلك العبارات، ثم أشار إلى ابنته، فصحبته خارج الردهة،
Aetolia
وثسبروتيا
Thesprotia
إلى وحي دودونا
Dodona ، حيث يمكنك أن تحتمي هناك في
فأجاب مينويكيوس وعيناه تشعان بريقا خاطفا: «سمعا وطاعة يا أبتاه،
سأصعد إلى الأكمة العالية، وأقذف بنفسي إلى مضيق الأفعوان السحيق المظلم، فقد
بعدئذ نهض مينويكيوس وأسرع إلى أعلى نقطة في الأسوار، وتطلع إلى جيوش
هكذا تحققت النبوءة، فكظم كريون حزنه العميق، وكبح عاطفته الثائرة، وأبعد
أخذ جيش أرجوس يتحرك عبر السهل، ثم بدأ الهجوم عنيفا على الأسوار، وتعالت
أما بولونيكيس، ملك طيبة المنفي من بلاده، فقد اندفع بهجوم على الباب الذي
Ares
إله الحرب، وقد نحت على سطح درعه المعدني
أما أدراستوس ملك أرجوس، فقد توجه بجيشه إلى الباب الأخير، يحمل درعا جعل
عندما اقترب القواد السبعة من الأبواب، بدأ القتال بالنبال والقسي
هيا نحمل على الطيبيين فنفرقهم شماطيط!»
سرت هذه الكلمات في الجيش كله كما تسري النار في الهشيم يوم ريح صرصر
، فأخرج كتلة من الصخر تكفي لقتل فيل، وتركها
في تلك اللحظة ظهر إتيوكليس، فجمع رجاله كما يجمع الراعي القطيع بعد تشتيت،
رأى ذلك أدراستوس، فسرت الرجفة في أحنائه، وأيقن أن رب الآلهة كان
الشقيقان يتقاتلان
هكذا كانت خاتمة الهجوم على طيبة، بيد أنه لما عاد كريون وإتيوكليس إلى
وقف إتيوكليس فوق أعلى برج بالقصر، وصاح بأعلى صوته مخاطبا رجاله داخل
Danai
رجال أرجوس، وكل من أقبل للهجوم على هذه
عندئذ قفز بولونيكيس من بين صفوف جيش أرجوس، وأعلن استعداده للنزال كما
وكان أهل طيبة يشجعون إتيوكليس بقولهم: «إن قضيتك عادلة؛ لأنك تدافع من أجل
وقبل أن يبدأ النزال، اجتمع عرافو الطرفين، وقدموا الذبائح ليتبينوا
ما كادت شفاه إتيوكليس تنتهي من تلك العبارات، حتى أعلنت الأبواق ابتداء
عندئذ أخرج إتيوكليس قدمه اليمنى، ليبعد صخرة كانت تعترض طريقه، وبذلك جعل
أحس إتيوكليس بطرف الرمح يخترق لحمه، ولكنه رغم ذلك، ورغم شدة الألم لم
أيقن إتيوكليس أنه قد قضى على منافسه، وأحرز النصر الذي كان ينشده، فانحنى
لما رأى القوم موت ملكهم، فتحوا أبواب طيبة على مصاريعها، وتدفقت منها
مات بولونيكيس بين ذراعي أخته، وفي الحال بدأ الطرفان يتشاحنان بصوت مرتفع،
انقض أهل طيبة على المعتدين فجأة دون أن يمكنوهم من التسليح، ففرقوهم
وجد بريكليمينوس الفرصة سانحة أمامه، فاقتفى أثر أمفياراوس العراف إلى نهر
اندحر جيش أرجوس وعاد إلى وطنه مفكك الأوصال، يحمل خزي الهزيمة ومثالب
قرار كريون
أقيمت الزينات في كل ناحية وكل طريق من طرق طيبة، وابتهج القوم ابتهاجا
سمعت أنتيجوني تلك الأوامر، فهالها قسوة خالها وجوره، ولكتها تذكرت
لم يبق سوانا نحن الاثنتين! أتريدين أن تسوقينا إلى عاقبة مماثلة؟»
تركت أنتيجوني شقيقتها الرعديدة، وقالت: «لست في حاجة إلى مساعدتك، سأقوم
لم يمض وقت طويل حتى هرع أحد الحراس إلى الملك كريون، وهو شاحب الوجه
عندئذ بدأ كل منا يتهم الآخر، حتى انتهى بنا الأمر إلى استعمال اللكمات،
اتقد كريون غضبا، وتميز غيظا وظل عابس الأسارير، ثم انفجر كالبركان
أنتيجوني وكريون
عرف كريون أنها ابنة أخته أنتيجوني، فصاح فيها قائلا: «أيتها الفتاة
فقالت الفتاة وقد رفعت رأسها عاليا في كبرياء وعظمة: «أعترف.» فقال كريون:
فاتقد كريون غضبا وقال: «أتعتقدين أنك صلبة العود، فلا تقهر روحك
فأجابت أنتيجوني: «لن تستطيع أكثر من أن تقتلني، فدونك وما ترى! فلن يموت
Haemon
أيضا، فبقتلها يحرم وريث عرشه من الزواج بمن يحب.
لم يكلف كريون نفسه عناء الإجابة على قولها، بل أمر خدمه أن يسوقوا
هايمون وأنتيجوني
أسرع هايمون، عندما بلغه الحكم القاسي الذي أصدره والده ضد أنتيجوني
أعطيت ملكا فلم أحسن سياسته
كذاك من لا يسوس الملك يخلعه
ومن غدا لابسا النعيم بلا
شكر الإله فعنه الرب ينزعه
كن كأشجار الغابة الكثيفة، القائمة على مجاري المياه، إنها تنحني أمام قوة
فقال كريون بتهكم وسخرية: «أتقترح أيها الصبي الغر، أن تلقنني درسا
فأجاب هايمون بسرعة ولهفة: «نعم! إذا كنت أنت امرأة، فما نطقت بحديثي ذلك
فأجاب أبوه بازدراء واحتقار: «إنني ألمس جيدا أن حبك الأعمى لتلك الآثمة
وفي الوقت نفسه، كانت جثة بولونيكيس لا تزال بغير دفن، وقد نال منها التعفن
استسلم للميت وكف عن القتل، فأي مجد هناك في قتل المقتول؟ أبعد عنك هذه
ولكن كريون ظن أن النصح غش، ورفض الاستماع إليه كما فعل أوديبوس من قبل،
إنك تقترف جريمة مزدوجة بحرمانك العالم السفلي من حقوقه، وحرمانك العالم العلوي
معاقبة كريون
استولى على الملك كريون صمت رهيب، وسكون مهيب، فيهما الكثير من الذعر
لم يكن من السهل على كريون أن يرضخ لمشورة أولئك الرجال الذين عركهم
بينما كانت يوروديكي مستسلمة إلى أفكارها وتصوراتها، إذ سمعت صراخا
كانت يوروديكي تصغي باهتمام إلى كلام الرسول، فلما انتهى من حديثه ظلت
دفن أبطال طيبة
لم يبق من أسرة أوديبوس غير إسميني، فقد قتل الابنان، كل بيد الآخر ،
نرجع إلى الأبطال السبعة الذين قدموا من أرجوس، للهجوم على طيبة، فلم ينج
Arion ، ذلك الجواد العجيب الذي أنجبته ديميتر من بوسايدون. فقد طار به بعيدا حتى وصل إلى أثينا بسلام، حيث قصد إلى المعبد وجثا متضرعا
صنع أدراستوس سبع كومات حطب تكريما لجثث الأبطال الذين سقطوا في حومة
Asopos ، تبجيلا للرب أبولو. فلما اندلعت النيران في كومة
Evadne ، ابنة
I’phis
بنفسها وسط النار المندلعة
فلما تمت الطقوس الجنائزية، شيد أدراستوس معبدا فخما أمام أسوار طيبة،
Nemesis ، ربة
(7) مسرحية «بروميثيوس موثقا»
هذه كذلك إحدى تراجيديات مجموعة ثلاثية لم يستطع أحد ما أن يعيد تكوينها، فيقدم
»، وتمثل قيام
ولقد ورد في هذه المسرحية ذكر عدد كبير من الآلهة وأنصاف الآلهة، كما ورد فيها
Epimetheus
5
وباندورا
6
أي آدم وحواء عند الأغارقة.
ومع ذلك فلا يظفر من كل هؤلاء على خشبة المسرح غير بروميثيوس بصفته البطل الرئيسي
أما الجوقة الغنائية فتتألف من حوريات البحار والمحيطات.
والآن ما هي أسطورة بروميثيوس التي استمد منها أيسخولوس مادته لصياغة مسرحيته
كان بروميثيوس بن إيابيتوس
Iapetus ، أحد جماعة
Titanes ؛ وهم آلهة قديمة في الأساطير
Cronos ، وكانت تنضم إليه ريا
Rhea ،
7
زوجته، وإيابيتوس، وأوقيانوس، وآخرون. وكان يعتقد فيما بعد أن عددهم اثني
تغلب كرونوس
Cronos
بمساعدة أمه جيا
Geia
على أورانوس
Ouranos ، وحكم بدلا منه مع ريا، أخته وملكته. خشي كرونوس أن يتغلب
Tartarus
8
العمالقة ذوي المائة الأيدي، والكوكلوبيس
Cyclopes
9 ، ليكونوا حلفاء له. فصنع الكوكلوبيس الصواعق لزوس، وبهذا السلاح القوي
كان بروميثيوس إذن شقيق إبيميثيوس، يميزه الاسم بروميثيوس كرجل ذي بصيرة، بينما
اشترك بروميثيوس في حرب التيتان ضد الآلهة مؤيدا زوس، ولكن لما وجد فيما بعد أن
بيد أن زوس لم يخدع وانتقم بأن جرد الإنسان من النار. وبعد ذلك سرق بروميثيوس
10
أن يصنع المرأة الأولى باندورا لتكون بلية للبشر، ووهبتها الآلهة
Hermes
إلى إبيميثيوس الذي اتخذها زوجته رغم تحذير
Caucasus ، حيث كان يتعيش نسر على كبده بالنهار،
Atlas
11
وهن ثلاث أو أربع أو سبع، ويسمين الهيسبيريديس
Hesperides .
12 •••
وتبتدئ قصة أيسخولوس هذه إذن بمشهد صلب بروميثيوس على جبال القوقاز في أقاصي
وبينما يعاني بروميثيوس آلام الصلب يترك وحده على المسرح، ويمضي في سرد أوجاعه
بعد ذلك يظهر المحيط نفسه ويعرض على بروميثيوس استعداده للقيام بدور الشفيع
وتأتي بعد المحيط «إيو»،
13
وقصتها مع كل من هيرا وزوس قد سبق الكلام عنها في قصة «الضارعات»، فيحكي
وإذ يكرر بروميثيوس على مسامع الجوقة كلامه عما تخبئه الأيام لزوس وعرشه، حتى
وبعد الرفض تهوي الصواعق على بروميثيوس، وتحطم الصخرة المثبت عليها بروميثيوس،
وهناك من الأدلة ما يشير إلى أن هذه المسرحية قد مثلت عقب قصة «السبعة ضد طيبة»؛
لقد قام بتمثيل هذه الدراما ثلاثة ممثلين عاملين وممثل واحد صامت. وهناك من يرى أن
تختلف هذه القصة عن سابقاتها على أن أشخاصها ليسوا أبطالا، بل آلهة من عالم
وجدير بالذكر فيما نحن بصدده ما كتبه العلامة أندريو
Andrieux ؛ إذ يقول عن هذه القصة: «إن أيسخولوس كان يرمي بقصته هذه إلى
كان أيسخولوس يهدف إذن إلى عدة أفكار هامة، إحداها اجتماعية تتجلى أولا في محاولته
(8) مسرحية «الأوريستيا»
إن مجموعة الأوريستيا تعتبر آخر مؤلفات أيسخولوس، وهي الدليل على بلوغه الذروة في
كان أيسخولوس يقول إن الآلهة حكماء، والبشر الذين لا يخافونهم، أولئك المقترفون لأعظم
Hubris )، يتعلمون
Cassandra ،
14
تلك الأميرة الطروادية ذات موهبة التنبؤ، التي صارت أمة الملك، فتشم
إن مسرحية «أجاممنون» هي الأولى في المجموعة الثلاثية. وهناك من يعتقد أن هذه
وفي هذه المسرحية يقتل ملك موكيناي
Mycenae ، وهو
Clytemnestra ، وبمساعدة عاشقها أيجيسثوس بحجة الانتقام منه لابنتها
Tauris
حيث صارت كاهنة
ولقد مثلت مأساة أجاممنون في سنة 458ق.م. ويستهلها أيسخولوس بأن يصعد أحد
يلي ذلك ظهور رسول يعلن وصول أجاممنون، ترافقه أسيرته الحلوة «كاساندرا» ابنة
، ملك طروادة وشقيقة البطل العظيم
Hector ، الذي لا يبذه في البطولة إلا
Achilles .
فتتظاهر كلوتايمنسترا باستقبال زوجها بالبشاشة والسرور، بينما قلبها مشحون بالنفاق
وما إن تهم كاساندرا بدخول القصر، حتى تسمع بعد لحظات قصيرة صيحات عالية يتبين
وقبل أن ينسدل الستار تعلن جوقة الشيوخ أمام المشاهدين أن أوريستيس بن أجاممنون
وإلى هنا تنتهي مسرحية أجاممنون. أما المسرحيتان الأخريان فهما «خويفوري»
وتقع حوادث المسرحية الثانية بعد ذلك بعشرة أعوام؛ ذلك لأن كلوتايمنسترا لما قتلت
Orestes
لا يزال طفلا، كما
Electra
من بين يديها، وأرسلته سرا إلى ملك فوكيس
زوج شقيقة أجاممنون. فلما أشرف أوريستيس على
Furiae ؛ وهن
كان لا بد لأوريستيس إذن أن يفر من الفورياي، أولئك الربات المتوحشات
•••
وفي المسرحية الثالثة المسماة «يومينيديس» أو «الرحيمات» تحضر الربة أثينا سلسلة
Erinnyes » إلى الربات المحسنات أو الرحيمات؛ أي
وهكذا تنتهي المسرحية الثالثة التي تصور المثلث الدموي المزعج من مسرحيات أيسخولوس
وكانت كل من هذه التراجيديات الثلاث تتطلب ثلاثة ممثلين، وعلى الرغم من تعادل
(9) مبتكرات أيسخولوس وعقيدته الدينية
اهتم أيسخولوس منذ أول عهده بترقية التراجيديا؛ لأنه رغب في أن تكون لها عظمة بالغة
Oceanides
في عربة مجنحة، ويظهر الإله أوقيانوس ممتطيا صهوة
لم يكن كل هذا منظرا خاويا، فإن العظمة الخارجية لتعبر عن عظمة الفكرة. لم يقنع
كانت كل مجموعة ثلاثية، وكل تراجيديا عملا دراميا ناشئا عن العمل العظيم لقضاء
لم يكن أيسخولوس فيلسوفا بالمعنى الصحيح، كما قيل أحيانا في شيء من المبالغة، ولم
إذن فإلى أي شيء يهدف في تلك المملكة الإلهية؟ أهو المصير، أم هو الرغبة الخيرة ؟ من المشكوك فيه أن يستطيع أيسخولوس نفسه الإجابة على هذا السؤال إجابة محددة. وربما كانت معتقداته هي نفس معتقدات معاصريه؛ خليط من آراء يأتي بعضها وراء بعض
وأهم ما تبدو فيه هو بعض قوانين معينة غير قابلة للتغيير، كالوراثة، وانتقال اللغات،
حقيقة، أننا نرى زوس نفسه في مسرحية بروميثيوس، يوضع في مرتبة ثانوية خطرة لا
(10) مبتكرات أيسخولوس الأخرى
أضفى أيسخولوس على التراجيديا صفة جديدة تمام الجدة بتضمينها مثل هذه الآراء
يقوم الكوروس بدور البطل في مسرحية المتضرعين التي يحتمل أن تكون أقدم تراجيدياته
حقا ظلت الأدوار الغنائية طويلة جدا، ولكنها ليست طويلة كما كانت من قبل، والأهم
لا يزال هؤلاء الأشخاص الدراميون عديدين في كل مسرحية، ومع ذلك عددهم يزيد دائما،
تدور مسرحيات أيسخولوس دائما حول حادث واحد، وتسمح بقدر ضئيل من المتناقضات، وبقليل
إذن فما من شيء يكون أقل تعقيدا من هذه المسرحية، ولا شيء خيرا من هذه الطريقة يمكن
ثانيا: بعض الابتكارات في المناظر، التي تبعا لإمكانيات المسرح، كانت ذات أثر بالغ
(11) دور العواطف والأشخاص في مسرحيات أيسخولوس
قلما تعير المسرحيات المكونة بطريقة أيسخولوس، نفسها إلى تصوير عدد كبير من
قلما تسمح لنا هذه الصرامة الشديدة، وأن نهجو النفس هجوا تاما إلى عاطفة واحدة،
ما تلك القوة التي تدفعهم؟ أهي الرغبة الحرة، أم هي قوة عليا تعمل فيهم وتستعيض عن
بمجرد أن تصير هناك عدة شخصيات للتمثيل في المسرح الإغريقي، فإن طريقة موافقتهم أو
فعندما قدم أيسخولوس الممثل الثاني مضاعفا بذلك عدد الأدوار، اضطر إلى إبداء
لا بد أن بطل مسرحية المتضرعات الذي مثل بغير شك دوري داناوس وأيجيبتوس، كان
Atossa ، في مسرحية
وأبولو في «يومينيديس». وربما لم تكن دراسة
(12) فقرات أيسخولوس الغنائية ولغته
يجب إضافة ابتكار آخر نهائي إلى الابتكارات السابقة، لا يقل عنها أهمية، فيقول
الأصل في الأسلوب التراجيدي غنائي في خصائصه الأساسية، ولا يجب أن يغيب عن بالنا أن
على الرغم من روعة أيسخولوس في هذه الفقرات الغنائية، فإن لغة هذه المسرحيات أقل
وتبدي لغته ملاءمتها الدرامية في هذه المواضع بنوع خاص، وتدل على القدر الواجب
(13) ماذا ورثت التراجيديا عن أيسخولوس؟
تلخيصا لما تقدم، نقول إن أيسخولوس تعهد التراجيديا بالتربية منذ طفولتها، حتى
لم يعوز التراجيديا كما تركها أيسخولوس - مدهشة وقوية وبسيطة - شيء آخر من العظمة أو
أمين سلامة
1988
مسرحية الفرس
المقدمة
هذه هي المسرحية الإغريقية الوحيدة، علاوة على الكوميديات، التي لم تؤخذ مادة
Xerxes
كسير القلب مجللا بالعار. وهدف هذه المسرحية تمجيد عزة الأثينيين الطبيعية،
على يد إسبرطة. ويبدو أن القوة الأثينية لم
Darius ، توحي بأنها آخر مغامرة للحملة الفارسية. وإن هذا النصر
Dorians
أي الإسبرطيين. ولا يليق بأيسخولوس أن يقول إنه يقلل من أهمية بلاتايا. وفكرته في هذه المسرحية هي
أقدم رواية وصلتنا عن موقعة سالاميس هي خطبة الرسول. ولما كان من المؤكد أن
Herodotus . وإذا قارن القراء الروايتين، وراعوا
عرف عن أيسخولوس ولعه بالمظاهر، ومن المعقول أن نفرض تفخيم أثر هذه المسرحية
أشخاص المسرحية
كوروس من شيوخ الفرس.
أتوسا
Atossa :
والدة إكسيركسيس.
رسول.
شبح داريوس
Darius :
والد إكسيركسيس.
إكسيركسيس
Xerxes :
ملك فارس.
المنظر:
قصر إكسيركسيس الملكي في صوصة
Susa ،
الزمن:
عام 480ق.م. أو أوائل عام 479. بعد معركة سالاميس ببضعة شهور (سبتمبر
*** (يدخل الكوروس، المستشارون المبجلون لملك فارس.)
الكوروس :
نحن المجلس الفارسي الذي بقي هنا عن ثقة، نيابة عن جميع مواطنينا الذين
Hellas ، لحراسة هذا
ولكن متى سيرجع إكسيركسيس ملكنا وجميع حاشيته المرتدية الذهب؟
إن قلوبنا لتخفق في صدورنا، وتصرخ بمخاوف تتنبأ بها.
إن زهرة الشباب الآسيوي قد غادرت الوطن، وما من
إشاعة أو رسول راكب، يأتينا بكلمة عنهم.
من صوصة، ومن إكتابانا
Ectabana ، ومن
Kissian
العتيقة، ومن كل
تتدفق القوة الفارسية شطر الغرب؛
البحارة في السفن بالألوف،
والفرسان والمشاة يسيرون
في صفوف القتال القاسية.
فالزعماء ذوو الأمجاد الفارسية،
والموظفون الملكيون لذلك الملك العظيم ،
أميستريس
Amistres
وأرتافيرنيس
Artaphernes ،
وميجابازيس
Megabazes ، وأستاسبيس
Astaspes ،
يسيرون قدما إلى وجهتهم البعيدة،
سادة القوس واللجام؛
منظر يبث الرعب في الحواس،
ويصدم العضلات لدرجة الشلل
بقسوة الروح؛
فهذا أرتيمباريس
Artembares ، الذي جرت
عدة مرات مع الموت، وماسيستريس
Masistres ،
ذلك الفارانداقيس
العديم
وسوسثانيس
Sosthanes ، الذي طارت جياده
بعد ذلك اجتمع هناك من النيل (ذلك الماء الشاسع الكثير الثمار)،
وغيرهم: سوسيسكانيس
Susiscanes ،
، وأرساميس
Arsames
حاكم ممفيس المقدسة؛ وأريوماردوس
Ariomardus ، مصدر القوانين لطيبة
وأخيرا أولئك المجذفون الماهرون،
من ساكني المستنقعات الذين لا يحصون عدا،
الذين ملئوا القائمة المصرية.
ثم سارت جماعة من اللوديين
Lydians
الرقيقي
سارت مع الباقين ممثلين
قبائل البلاد الأصلية كلها،
الذين يوحي حماسهم إلى قوادهم
أركتيوس
Arcteus
وميتروجاثيس
Mitrogathes ،
وإلى ذهب سارديس
Sardis ،
بينما يتقدم صف على صف
من العربات ذات الثلاثة والأربعة الخيول،
فيلقي الرعب في كل وجه حتى يمتقع لونه،
ورجال تمولوس
Tmolus
المقدسة،
ثاروبيس
Tharybis
الجريء وماردون
Mardon ،
سندانا الرمح هذان،
مع الرماحين الموسيين
Mysian
الخفاف،
يقسمون بأن يدمروا هيلاس الفخورة،
ويقربون وقت استعبادها.
من بابل الذهبية،
مثل أمواج المياه المختلطة،
يظهر مزيد من الجيوش المتنوعة:
البحارة الذين يثقون في السفن،
والنبالين الذين تشد أصابعهم الباسلة
السهام إلى الأذن.
من كل مملكة في آسيا
يتدفق الشرق إلى الأمام مسلحا.
لقد صدرت كلمة الملك المفزعة،
فسمعها مليون سيف.
هكذا كانت زهرة الرجولة،
فخر الشجاعة الفارسية،
التي أبصرناها تسير؛
ومن أجلهم تحزن الأرض التي ربتهم
بشوق حاد،
وتعد كل يوم يمر بغير عمل
فيزلزل قلوبنا، ويطيل المهلة الطويلة.
من مدة طويلة، منذ أن قاد قواته المدمرة
فوق المضيق إلى أرض أوروبا المجاورة،
وعبر قنال هيلي
Helle
على طريق
يتكون من شريط من السفن المربوطة والألواح المسمرة،
تطوق عنق البحر بجسر من القوارب.
وهكذا ينزل الملك العظيم، في سيل واحد متدفق،
هذا القطيع الكثير الملايين، هذا العجب العجاب
من الجيوش الهاجمة بطريقتين، من البر ومن البحر،
وإن عزيمته لجريئة ضد العالم كله،
يؤيدها الإخلاص الوحشي لقواده،
وهو نفسه نظير الآلهة، الذي زرعت عشيرته في الذهب،
1
في الظلام، تتألق من نظرته
عين تنين دموية.
انظر، مجاذيفه الألف تتقدم!
انظر، سهامه العشرة آلاف تطير!
وتسير العربة الملكية في المقدمة؛
وتتحدى قسي آسيا القاهرة
رماحي هيليني
Hellene
الذائعي الشهرة في
لأنه عندما تقفز الجيوش وتزمجر
في زهوها، كطوفان عظيم.
إذن، فما من شهرة حربية يمكن أن تكون أكيدة
لكي تصد مد المحيط ذاك،
وما من تحصينات قوية تكون مضمونة لذلك.
لا تستطيع أية قوة أن توقف الأسلحة الفارسية،
وما من خوف يمكن أن يؤثر في القلوب الفارسية. احتمال.
ومع ذلك، فعندما تعمل السماء بخطة ملتوية
وتنفذها جيدا، فماذا بوسع الإنسان الفاني
أن يفلت من خداع الآلهة الخالدة؟
أين هو ذلك الذي قفزته السريعة
تزيل الشرك المحدق، في خفة؟
إن ابتسامة التملق لربه الغرور
Delusion
الناعمة
لا تقود إلا إلى حيث يكمن شركها؛
هناك يدفع المرء دينه المميت؛
فيقبض القضاء على من تركه الموت.
منذ زمن بعيد، وضعت القوى السماوية
على الاسم الفارسي
شروطا: أن يذيع شهرتها على الأرض.
أما ضوضاء الفرسان، وتحطم القلاع،
ونهب المدن؛ فهذه لنا.
ولكننا تعلمنا مهارة أخرى،
فأذنبنا على المنظر المحرم،
حيث تزمجر ريح العاصفة بحدة،
فتلهب بالسوط قنوات البحر العريضة حتى تبيض،
وسار ألف سيف بثقة
إلى الحرب على حبال من الكتان.
2
هذه هي صور الظلام
التي تلف قلبي في عباءة من الخوف؛
لأن جميع الرجال الذين ذهبوا إلى هناك،
إن لم تسمع مدينتنا العظيمة
أن الهلاك الذي يبتلع الرجال
قد جرد أرض وطننا؛
وإن لم تردد أحجار صوصة العتيقة
والسور الكيسياني الشاهق
صدى تأوهات ألم الارتباك
الصادرة من النساء على موتاهم،
وهن يضربن الصدر والرأس،
بينما تقع الأصابع الممزقة
على أثواب من أدق الخيوط.
سارت، كسرب من النحل،
جميع قوتنا الفارسية،
واختفى كل من المشاة والفرسان
فوق البحار الضيقة -
وامتدت حدود إمبراطوريتنا
بالسفن من أرض إلى أرض -
حيث يشاء قائدها.
بينما هنا، كل زوجة فارسية،
اشتاقت إليه، أسرعت
مسلحة إلى الحملة الوحشية،
ونثرت فراشها الخاوي
بالدموع الرقيقة عبثا،
تبكي على حياتها المنفردة.
هلموا، أيها الفارسيون، واجتمعوا عند هذا السلم العتيق لقصر
إكسيركسيس؛ فإننا بحاجة إلى المشورة،
وإلى الحكمة، وإلى الشجاعة. ماذا عمل إكسيركسيس؟
أي حظ نال الوارث الملكي
لبرسيوس، مؤسس عشيرتنا الفارسية؟
هل أضعفت القوس المشدودة من قوة هيلاس؟
أو هل سيطرت قوة الرماح البرنزية الرءوس؟ (تدخل أتوسا في عربة، يتبعها الخدم.)
انظروا! ها هي والدة الملك، متألقة كعيون
الآلهة الخالدة؛ الملكة أتوسا، تقف!
ويقع الفارسيون منبطحين أرضا عند قدميها ثم ينهضون
ويحيونها بصوت واحد: تحيا ملكتنا،
أنبل سيدات الأراضي الشرقية!
تحيا زوجة داريوس، ووالدة إكسيركسيس!
إنك والدة إله، وكنت زوجة،
إلا إذا كانت الأقدار قد قلبت أيديها
ضدنا، وفشل معروفها القديم.
أتوسا :
هذا الخوف هو ما أحس به؛ فإن الأفكار المقلقة
تنتابني، أنا أيضا.
لذا تركت المخدع الذهبي الأثاث الذي
كنت أقاسم فيه الملك داريوس، لأبوح بمخاوفي الشخصية،
من أن تنقلب ثروتنا الواسعة، في طريق التهور.
ذلك السلام الجميل الذي بناه داريوس بمساعدة السماء.
تملأ بالي القلق فكرتان ولدتا من هذا الخوف،
ومع ذلك، فإنني لا أجرؤ على الكلام؛ فأولا، دنيا
الثروة هذه عديمة القيمة،
إذا افتقرنا إلى الرجال. ثانيا، لن يبتسم الحظ
للرجال العديمي الثروة حسب ما تستحق قوتهم.
هنا، الثروة تكفينا، بيد أن مخاوفنا تكمن في أعزائنا.
وهل هناك شيء أثمن للبيت من سيده الحي؟
إنكم تعرفون كيف تسير الأمور، في مثل هذا القلق.
زودوني بنصيحتكم، أيها الأصدقاء الفارسيون المسنون
والموثوق بهم؛
إذ كل أملي في النصيحة الأمينة موضوع فيكم.
الكوروس :
كلمتك، أيتها الملكة، أمر لنا، سواء لنفعل
أو لنتكلم، كما يحلو لسلطتك أن ترشدنا.
إليك ولاءنا ومحبتنا، مع نصيحتنا الطيبة.
أتوسا :
منذ أن قاد ابني جيشه، وخرج
ليدمر أيونيا
Ionia ،
3
أخذت الأحلام تنتابني في كل ليلة،
ولكني حتى الآن لم أر حلما واضحا كالذي رأيته
في هذه الليلة الماضية. فأصغوا إلي: ظهرت لي
سيدتان، جميلتا الهندام،
إحداهما ترتدي الزي الفارسي، والأخرى الزي
الدورياني
Dorian ،
وكانتا رائعتي الجمال، وفي قوام
وقد يفوقان مثيليهما في نساء عصرنا.
كانتا شقيقتين من عشيرة واحدة، لكل منهما ميراثها،
إحداهما بلاد الإغريق ، والأخرى آسيا. ويبدو أن هاتين،
السيدتين، كانت كل منهما تثير الأخرى إلى العراك.
فجاء ابني،
ومنعهما وروضهما، وربطهما إلى نير عربته،
وربط الأعنة في عنقيهما. وكانت إحداهما
فخورة بهذه السيور فخضعت للأعنة.
أما الأخرى فناضلت، ونزعت السيور من العربة،
وقذفت باللجام، وكسرت النير الخشبي قطعتين.
فوقع ابني على الأرض، ووقف أبوه إلى جانبه.
وقف أبوه داريوس وأشفق عليه. فرفع إكسيركسيس بصره
فرآه، ومزق ثوبه. هكذا كان حلمي في هذه الليلة.
فاستيقظت، وغمست يدي في الينبوع الرائق المتدفق؛
وبعد أن تطهرت، ذهبت إلى وطيس المذبح، لكي أصلي
من أجل الخلاص من الشر، وأقدم
الضحية لمن يستحقونها. وبينما أنا واقفة، رأيت
نسرا يطير طالبا المأوى في وطيس أبولو،
4
فراقبته فزعة، في سكون؛ ثم جاء عقاب،
وانقض بأجنحة مندفعة، فأمسك بمخالبه
رأس النسر؛ وإذ لم يقاوم هذا، قبع هناك،
مستسلما إلى الجراح.
واجهت عيني هذه العلامات
بخوف لا يقل عنه خوف آذانكم؛ لأنه - تأكدوا من هذا -
إذا تغلب ابني، غدا أعجوبة العالم؛ ولكنه
إذا أخفق، فما من حكومة يمكن أن تسأله،
سواء ربح أو خسر. فطالما هو حي، فهو ملك فارس.
الكوروس :
أيتها السيدة، لن نتكلم لئلا نسبب لك خوفا لا داعي له،
ولئلا نبث فيك الأمل. صلي للآلهة بخشوع،
واطلبي منهم أن يدرءوا عنك أي طالع شؤم رأيته،
وأن يتموا الخير لك ولابنك،
ولفارس أيضا، ولجميع أصدقائكم. بعد ذلك يجب أن تسكبي
السكائب للأرض وللموتى، وتحثي
زوجك المفقود داريوس، الذي رأيته في هذه الليلة،
على أن يرسل لك ولإكسيركسيس، البركة من الأعماق،
وأن يحتفظ بكل ما ليس بركة مكفنا بأكفان سميكة
في ظلام جوف الأرض. تخرج نصيحتنا هذه
من قلوب مخلصة وحكم رزين، وإنا لنتنبأ
بأنه إذا كانت هذه الطوالع طيبة أو رديئة، فإن
كل شيء سيكون خيرا.
أتوسا :
أول الأفكار أصدقها. وأنتم يا أوائل المفسرين لي،
قد قرأتم حلمي بما يناسب كلا من ابني
والبيت الملكي. عسى أن يأتي كل شيء للخير.
سأعود، وسأعمل بنصيحتكم،
وأقدم هذه الطقوس للآلهة، وللموتى المحبوبين .
ولكن نبئوني: أين بنيت أثينا، تبعا لتقارير البشر؟
الكوروس :
على مسافة بعيدة نحو الغرب، حيث ينزل رب الشمس نيرانه الخابية.
أتوسا :
ولكن لماذا يتوق ابني ليجعل من هذه المدينة فريسة له؟
الكوروس :
ما إن يهزم أثينا حتى يصير سيد جميع هيلاس.
أتوسا :
ألديهم إمدادات وافرة من الرجال المحاربين؟
الكوروس :
نعم لديهم؛
جنود أنزلوا، ذات مرة، بالأسلحة الفارسية ضربة مفزعة.
أتوسا :
وفضلا عن رجالهم، هل لديهم مخزون طيب
من الثروة في وطنهم؟
الكوروس :
لديهم ينبوع من الفضة، مكنوز في تربتهم.
أتوسا :
وهل هم ماهرون في قذف السهام؟
الكوروس :
كلا، البتة.
ولكنهم يحملون تروسا قوية، ويحاربون بالرماح يدا ليد.
أتوسا :
ومن راعيهم؟ أي سيد تطيعه قواتهم؟
الكوروس :
سيد؟ ليسوا خدما لأي إنسان.
أتوسا :
وهل بوسعهم، من دون سيد، أن يقاوموا الغزو؟
الكوروس :
نعم!
لقد أبادوا جيش داريوس العرمرم النبيل.
أتوسا :
تجلب ألفاظهم الأفكار المقلقة
لمن كان أبناؤهم في الجيش الآن.
الكوروس :
إذا لم أخطئ، فسرعان ما ستعلمين الحقيقة كلها، هذا الرسول، بغير شك رسول
(يدخل رسول.)
الرسول :
أيا مدن آسيا الواسعة! ويا أرض فارس المحبوبة،
مقر الثروة المناسبة! لقد أطاحت ضربة
بعزتكم السعيدة؛ فسقطت زهرة كل شبابكم.
من القدر السيئ أن آتي بأول أخبار الهزيمة؛
غير أنه يتحتم علي أن أفضي إليكم، الآن، بكل حقيقة الكارثة؛
أيها الفرس، ما عاد لأسطول مملكتكم ولا لجيشها وجود.
الكوروس :
وا حزناه! ويا للحزن ثانية!
فليبك كل قلب يسمع،
هذا الألم غير المرغوب فيه.
الرسول :
نعم، ضاعت كل تلك الأسلحة القوية،
وأنا لا أزال أرى النور، وراء كل أمل، ورجعت ثانية.
الكوروس :
لماذا عشنا كل هذه المدة الطويلة؟
إن محصول السنين الناضجة
لهو الحزن الجديد، والدموع المفاجئة.
الرسول :
سادتي، كنت هناك، ورأيت بعيني رأسي ما أخبرتكم به،
وفي مقدوري أن أقص عليكم تفاصيل تلك الهزيمة العظمى.
الكوروس :
نوحوا، وابكوا! فعبثا
ذهب جيشنا القوي
في السهام والسيوف والرماح،
إلى أرض هيلاس المقدسة.
الرسول :
إن شواطئ سالاميس، وكل السواحل المجاورة،
تعج بالجثث المتناثرة المقتولة في تعاستها.
الكوروس :
ابكوا، ونوحوا! فقد صار موتانا
غنيمة للمحيط،
مقذوفين على قاعة المائج،
وانتشرت عباءاتهم المطوية على مساحة واسعة
فوق المد المغرق.
الرسول :
لم نجد مساعدة من قسينا أو سهامنا، فإذ أحدقت بنا هناك
الحيازيم المصطفقة، راقبنا أمة تغرق وتموت.
الكوروس :
نوحوا عاليا في يأس،
على القدر القاسي الساحق
لأولئك الذين حكم عليهم مقت الآلهة
بالهلاك هناك.
الرسول :
أي اسم تكرهه آذاننا أكثر من سالاميس؟
أما أثينا، فاسم يولد الألم في ذاكرتنا!
الكوروس :
أبغض الأسماء جميعا
أثينا! من يمكنه أن ينسى
دين سيداتنا الفارسيات،
وتلك الدموع البريئة التي سقطت
من أجل الزوج المفقود، أو الابن،
منذ ذلك الوقت البعيد في ماراثون
Marathon ؟
5
أتوسا :
أيها الناصحون الأخيار، لقد احتفظت بصمتي كل هذه الأثناء،
مبهوتة بسوء الحظ؛ فهذه الأخبار بالغة الفظاعة، سواء في روايتها
أو في الاستعلام عنها. ومع ذلك، فإذ كنا بشرا،
يجب أن نتحمل الحزن عندما ترسله الآلهة. لهذا قف وأخبرنا
بالكارثة كلها، رغم أن صوتك تخنقه العبرات. من منهم لم
يمت؟ ومن يجب علينا أن نحزن عليه
من قوادنا، الذين يترك الموت مكانهم شاغرا؟
الرسول :
الملك إكسيركسيس، حي.
أتوسا :
إذن فإن نور الأمل يسطع
لمنزلي، كالفجر الأبيض بعد الظلام.
الرسول :
أما أرتيمباريس
Artimbares ، قائد العشرة
فيطفوا جريحا بجانب صخور الشاطئ السيليني
Silenian .
وأصاب رمح داداكيس
Dadaces ، الذي كان يقود
فقفز مندفعا إلى الماء من فوق سفينته.
وأما تيناجون
Tenagon
البكتري
Bactrian
المولد،
والأول في صفوفهم،
فيغشى الآن الساحل المتآكل بفعل البحر، لجزيرة
6
موطن أجاكس
Ajax .
7
وثلاثة آخرون، هم: ليلايوس
Lilaeus ،
Arsames ،
وأرجيستيس
Argestes
أصيبوا، وشوهدوا فوق
جزيرة اليمام،
8
ينطحون الصخور الجرانيتية. وأما ميتالوس
Metallus
الخروسياني
Chrysean ،
الذي كان يقود عشرة آلاف جندي من المشاة، وثلاثين
ألف فارس،
كان يطلق عليهم اسم «الفرسان السود»؛ فعندما
قتل، صبغ شعر لحيته الكثة الصفراء، باللون الأحمر الدموي،
وغمس في البحر القرمزي. ومات ماجوس العربي،
وبقي أرتاميس
Artames
البكتري في
مقيما في أرض مقفرة. ومات ثاروبيس
Tharybis ، قائد خمسة
صفوف كل منها من خمسين سفينة، وهو
لوريناني
Lyrnean
المولد؛
لقي وجهه الجميل نهاية غير جميلة،
مسكين هذا البائس؛ لأنه لم يدفن!
ونال سوينيسيس
Syennesis ، أشجع رجل في الجيش
Cilician ، الذي
هذه هي قائمة القواد الذين لقوا حتفهم،
ومع ذلك فلم أذكر للآن سوى القليل من عدة آلاف ميتة.
أتوسا :
وا أسفاه! هذه هي ذروة المحنة نفسها،
التي جلبت على فارس، العار والخسارة وألم الحزن.
ولكن ارجع بقصتك الآن إلى الوراء، وأخبرني بهذا:
كم كان عدد السفن الهيلينية التي
تجاسرت على مهاجمة أسطولنا، حيزوما بحيزوم؟
الرسول :
لو حبا الحظ كثرة العدد لأحرزنا النصر في ذلك اليوم.
كانت كل القوة الهيلينية مكونة من ثلاثمائة سفينة،
غير عشر سفن حربية منتقاة.
وأعرف أنه كان لدى إكسيركسيس
ألف سفينة في القيادة، من بينها مائتان وسبع سفن سريعة بصفة خاصة، هذه هي
ضدنا بأيد محابية، فأهلكتنا جميعا.
إن الآلهة هي التي تحافظ على أن تبقى مدينة أثينا سالمة.
أتوسا :
ماذا؟! سالمة؟! ألم تدمر أثينا بعد كل هذا؟
الرسول :
طالما فيها رجال، فإن تحصينات المدينة تظل قائمة لا تتحرك.
أتوسا :
أخبرني الآن، كيف بدأ الهجوم بين الأسطولين؟
من تقدم أولا وضرب الضربة الأولى؟ أهم الأغارقة،
أو ابني الجريء المبتهج بسفنه التي يخطئها الحصر؟
الرسول :
لا أحد منهما، يا مليكتي، بل هي «فورية»
9
ما، قوة ما، خبيثة، ظهرت فأثارت كل هذه الهزيمة الماحقة.
جاء رجل هيليني من الجيش الأثيني، وأخبر ابنك إكسيركسيس بهذه القصة: بأنه
حتى لا يبقى الهيلينيون، وإنما يقفزون إلى ظهور السفن ويركنون ويركنون إلى
فيجذفون ناجين بحياتهم. فعندما سمع إكسيركسيس هذا، ولم تكن لديه أية فكرة عن
وعلى ذلك كان بحارتنا في نظام جيد، وطاعة لأمره تناولوا طعام العشاء، ثم
واحتفظ القواد طول الليل بكل قواتهم تجوب البحر هنا وهناك خلال
وكان الليل قد أخذ في الرواح، ولم تبدر من الهيلينيين أية بادرة تدل على
حتى أضاءت أخيرا على الأرض خيول النهار البيضاء،
فملأت الجو جمالا. بعد ذلك صدرت من السفن الهيلينية
صيحة الحرب الحادة كأنها أغنية الفرح،
فأجابتها صيحة مدوية من صخرة الجزيرة.
عندئذ عرف الفرس خطأهم، وتملك الذعر كل رجل.
لم يكونوا هاربين أولئك الذين أنشدوا تلك الأنشودة المفزعة
وإنما كانوا الهيلينيين يهجمون بقلوب جريئة
إلى المعركة. ودوى البوق عاليا بين صفوفهم.
وفي الحال تحركت مجاذيفهم المحوطة بالزبد، على وتيرة واحدة،
تضرب الأمواج الملحة على نغمة «أشعة الشمس»،
وسرعان ما لاح كل أسطولهم أمام البصر،
ظهر جناحهم الأيمن في بادئ الأمر،
في نظام دقيق، ثم أقبلت جميع الصفوف،
وفي تلك اللحظة بلغت آذاننا صيحة عظيمة: «إلى الأمام، يا أبناء هيلاس! حرروا مملكتكم!
وحرروا أبناءكم، وزوجاتكم، ومقابر أسلافكم،
ومعابد آلهتكم. فالجميع في خطر: هيا، إلى القتال الآن!»
وردا عليهم، من جانبنا، علت ضجة
كبرى من الأصوات الفارسية، لقد أتت الساعة الحاسمة.
وفي الحال، اصطدمت سفينة بأخرى، بمقدمها النحاسي.
بدأت الهجوم سفينة هيلينية، فقصفت كل مؤخر
سفينة حربية فينيقية. ثم تلا الهجوم هجوم
من كل جانب. فأولا، بكامل عزمه الضخم، قاوم أسطولنا.
ولكن سرعان، في تلك المدة البسيطة،
ما انشقت سفننا بالمئات، ولم تستطع أية واحدة منها
أن تساعد الأخرى.
فأخذت كل منها تضرب الأخرى بمقدمها البرنزي، وبعضها تجرد من كل مجذاف. في
العدو في حلقة وهجم. فانقلبت سفننا،
واختفى سطح البحر مفروشا ببساط من الحطام،
والقتلى، وامتلأت كل الشواطئ والحواجز بالموتى.
بعد ذلك خرجت كل سفينة لدينا من الصف،
وأخذت تجذف لتنجو بحياتها.
فأمسك الهيلينيون بقطع كثيرة من الحطام ومن المجاذيف المكسورة،
وشطروا رجالنا السابحين في البحر، وطعنوهم
كما يقتل الصيادون سمك التونة أو أي صيد في الشبكة.
وكان البحر كله صرخة واحدة من الصياح وأنين الموتى،
حتى جاء الليل والظلام، فأخفيا هذا المنظر، ولو تكلمت لمدة
عشرة أيام وعشر ليال، لما أمكنني أن أخبركم بكل آلام ذلك اليوم، ولكن
أتوسا :
وا أسفاه! ما أعظم ذلك المحيط من الكوارث
الذي حاق ببلاد الفرس وبكل عشيرة شرقية!
الرسول :
هناك ما هو أدهى وأمر، فلم أرو نصف قصتي بعد.
تأكدوا أن ما بقي منها يربو على ضعف ما سبق.
أتوسا :
أي شيء يمكن أن يكون أسوأ من هذا؟
ماذا بوسع أسلحتنا أن تتكبد ليربو على كل الآلام السابقة؟
الرسول :
زهرة أشرافنا والدم النبيل، شباب وشجاعة نبلائنا المختارين،
فأولا، في ولاء ثابت للملك نفسه،
غاصوا في حمأة الموت الزؤام.
أتوسا :
أصدقائي، هذه الأنباء السيئة أكثر مما في مقدوري أن أطيق. كيف ماتوا؟
الرسول :
قبالة سالاميس
جزيرة صغيرة، لا تصلح لرسو السفن؛
حيث يسير بان
10
الراقص على طول شاطئها الملحي،
فأرسلهم إكسيركسيس إلى هناك، حتى إذا ما نزل الأعداء
من سفنهم وناضلوا للوصول إلى شاطئ تلك الجزيرة،
استطاعت القوة الفارسية أن تنقض عليهم في غير ما عناء
وتنقذ البحارة الفرس من الغرق في البحر؛
فيا له من سوء تصرف قاتل! وعندما منحت السماء،
في الموقعة البحرية،
المجد للهيلينيين، في نفس ذلك اليوم،
أتوا مسلحين بتروس ورماح برنزية، وقفزوا من سفنهم،
وضربوا حصارا حول الجزيرة كلها، حتى لا يعرف رجالنا أين يذهبون؛ فنزل عليهم
انطلقت السهام لتقتل، وأخيرا بصرخة وحشية واحدة
انقض عليهم الهيلينيون، فقطعوا وبتروا
أعضاءهم كالجزارين، حتى مات آخر رجل تعيس منهم.
رأى إكسيركسيس مبلغ الفظاعة هذه، بجانب البحر
وهو جالس فوق ذروة تل مرتفع، حيث يستطيع أن يراقب بوضوح
كل قواته في البحر وفي البر. فولول بصوت مرتفع،
ومزق ثيابه وهو يبكي، وفي الحال صرف
جيشه، وحثهم على الفرار بسرعة في غير نظام.
وهكذا يأتيكم هذا بحزن جديد ليختلط مع الأول.
11
أتوسا :
أواه! أية قوة خبيثة تلك التي خدعت آمالنا الفارسية؟
خرج ابني ليذوق حلاوة الانتقام من أثينا،
فوجدها مرة. ألم يكف من ماتوا قبلا في ماراثون؟
لم يربح إكسيركسيس لنا الانتقام،
بل جر علينا عالما من الآلام.
ولكن، خبرني الآن، أية سفن من تلك هربت؟
أين تركتها؟ ألديك أية أخبار معينة؟
الرسول :
نشر ربابنة السفن الباقية الأشرعة، وفروا في عدم نظام سريع مع الريح
وعذبهم الجوع والعطش والتعب. ناضل بعضنا في الوصول أخيرا إلى
والخليج الميلياني
Melian ،
حيث يتجول سبرخيوس
Spercheius
خلال السهل
وبعد ذلك وصلنا إلى أخايا
Achaea ، ثم إلى
نصف أموات من افتقارنا إلى الطعام؛ فماتت هناك أعداد كبيرة
من الظمأ والجوع؛ لأننا قاسينا كليهما. ومن هناك بلغنا ماغنيسيا
Magnesia ، ومقدونيا، ومخاضة نهر أكسيوس
Axius ، ومستنقع بولبي
Bolbe ، الزاخر بعيدان الغاب، وجبل بانجايوس
في إيدونيا
Edonia .
في تلك الليلة، أيقظ أحد الآلهة الشتاء قبل موعده بمدة طويلة؛ فتجمد
Strymon
المقدس. فمن كانوا من
وارتفعت من الجيش كله صلوات عدة.
بعد ذلك ساروا فوق الجليد الصلب؛
فالذين بدءوا يعبرون، منا،
قبل أن ترسل الشمس أشعتها المقدسة،
نجوا. ولكن سرعان ما سطعت أشعتها كاللهب الثاقبة،
فصهرت الجليد في وسط المجرى؛ فزلت أقدامهم مكرهة،
وسقط الرجال فوق الرجال في الماء. فمن مات
بسرعة كان أسعد حظا. والحفنة التي نجت،
كابدت متاعب جمة، فشقت طريقها بصعوبة عبر تراقية
إلى بر الأمان ، وأخيرا وصلت إلى أرض الوطن.
وهكذا يحق لمدن فارس أن تحزن على شبانها المفقودين.
ما قلته هو الصدق، ومع ذلك فجميع ما رويته ليس سوى جزء
يسير من كل البلاء الذي أرسله الله لتحطيم فارس.
الكوروس :
أيا روح الدمار القاتلة، ما أقسى
هجومك ووطأك الأمة الفارسية كلها!
أتوسا :
لقد أبيد جيشنا وراح. يا للحزن المرير!
أيها الحلم الحي الذي أضأت ظلام نومي،
ما أوضح ما حذرتني من قبل بتلك المصيبة!
وأنتم، أيها المستشارون، ما أخف تفسيركم!
ومع ذلك، فبما أنكم نصحتموني بالصلاة، فقد نويت أولا: أن أنادي آلهة
أعلم أن ما حدث، حدث؛ ورغم هذا، فسأقدم ذبيحة أملا في أن يأتي الزمن
وفي تلك الأثناء، يجب عليكم أن تتشاوروا، فيما
يختص بخسارتنا الحالية،
مع مستشارين أمناء آخرين، فإذا رجع ابني وأنا غائبة،
فهونوا عليه الأمر، وأوصلوه إلى البيت بسلام،
لئلا يعمل اليأس على تراكم حزن فوق حزن. (تخرج أتوسا مع الخدم والرسول.)
الكوروس :
يدك، يا زوس، ملكنا، قد مسحت من الوجود
كبرياء الدولة الفارسية الواسعة المتغطرسة،
ولفت شوارع صوصة
12
في ضباب من الحداد الكئيب،
فترى الآن نساء عديدات، مشتركات في حزن واحد،
يشققن الخمار نصفين بأيد رخصة بيضاء،
ويبللن صدورهن المطوية
بدموع دافقة كالأنهار،
وتخرج العرائس الحديثات الزواج من فرشهن الحريرية
من الشباب والمتعة والترف الناعم،
يعولن بتأوهات رقيقة
من أجل سادتهن المنتزعين منهن،
بينما يأكل الألم الشديد القلب كأنه الجوع.
ننضم نحن إلى هؤلاء في الحداد
على مصير أولئك الراحلين.
اسمعوا هذه الأنة المتهمة التي ترتفع الآن
من كل أرض آسيوية تجردت من الرجال:
من قادهم إلى هناك، غير إكسيركسيس؟
من ختم بالموافقة على موتهم، غير إكسيركسيس؟
خطأ من، ذلك الذي أرسل كل رجالنا في السفن بحرا،
وفقدنا الجميع، ما عدا إكسيركسيس؟
ابن داريوس، الذي لا يقهر،
قائد النبالين الفارسيين
المحبوب من جميع شعبه!
وضع رجال البر، ورجال البحر، ثقتهم
في مراكب ذات أجنحة من القماش وعيون في زرقة البحر،
وحملتهم سفن من الوطن،
وأخيرا أهلكتهم سفن؛
سفن يديرها الأيونيون، في مقدمها الموت،
وهرب الملك نفسه
في رحلات شتوية شاقة،
ناجيا بحياته عبر سهول تراقية.
وأولئك الذين كانوا أول من ماتوا،
تركوا هناك، الآن قسرا عاجزين،
وجرفوا على طول الشاطئ الكوخرياني
Cychrean .
13
ارفعوا أحزانكم عالية إلى السماء، وابكوا
بألم مرير، وتأنيب ضمير عديم الجدوى،
إلى أن يكل القلب، ويمرض اللحم.
هناك ترقد تلك الصورة المحبوبة كثيرا،
محصورة بحركة جزر التيارات المائية،
فتولم عليها أسراب عديمة الصوت،
أولاد المحيط الطاهر.
هنا، يبكي كل بيت رجلا،
وينوح الآباء الذين ثكلوا أبناءهم
فالمتاعب التي أرسلتها الآلهة
تنهي بالحزن حياتهم الطويلة المدى.
ما عادت الأمة الآسيوية، من الشرق إلى الغرب،
تابعة لسلطاننا الفارسي؛
ولا عندما يجبرها الملك
أن تدفع الجزية، ولا تضع وجوهها في الأرض
خضوعا؛ لأن القوة الملكية
قد ضاعت واختفت منذ هذه الساعة.
ما عاد الخوف يلجم الكلام،
وسيثرثر اللسان العادي بغير ضابط،
في حرية؛ لأن نير الحكومة
يرقد مكسورا على الشاطئ الدامي،
وفي حقول سالاميس التي تخفي
خرائب عزتنا الفارسية. (تدخل أتوسا وحدها.)
أتوسا :
أيها الأصدقاء الأعزاء، ويا من عرفتم معنى الآلام، اعلموا هذا:
عندما تهجم علينا أمواج المتاعب، فكل حادث جديد
يملؤنا فزعا، ولكن عندما تهب ريح الحظ رقيقة،
نفكر في التمتع بنفس الطقس اللطيف طول حياتنا.
والآن، إذ تنتابني المخاوف، أرى غضب السماء في كل تهديد،
وترن في أذني نغمات لا تحوي أية تعويذات شافية؛
لقد صدمت هذه الأخبار المحزنة عقلي صدمة فظيعة؛
لذا جئت على قدمي وبغير خدم
عائدة من القصر، ومعي الهدايا التكفيرية
لوالد ابني، كي تلطف الأرواح الراحلة.
جئت باللبن، الحلو والأبيض، من بقرة عديمة
البقع، وبإبريق
العسل المحلى برحيق الأزهار، وبالماء الرقراق، المأخوذ
من ينابيع بكر، ومن الحقول، هذه الجرعة غير الممزوجة،
تلك الروح المسرعة لوالدتها الكرمة العتيقة،
وهنا أيضا، الزيت الطيب الرائحة،
المأخوذ من الزيتون الزاهي، الذي
يزدهر في الأشجار الدائمة الخضرة، وأخيرا هذه
الأكاليل، المضفورة بالأزهار،
أطفال الأرض منتجة الجميع.
لذا، ساعدوني يا أصدقائي، في تقديم هذه السكيبة للموتى،
وبتراتيل الخشوع، استدعوا داريوس من قبره،
بينما أقوم أنا، تكريما للآلهة التي تحكم في العالم السفلي،
بسكب هذه الهدايا لتهبط في الأرض الظمأى.
الكوروس :
ليكن واجبك، أيتها السيدة الملكية، مرهوبة فارس،
أن تصبي سكيبة النبيذ في الأرض ذات القصور،
بينما نستدعي نحن بالأناشيد
مرشدي أرواح الموتى، للصالح.
اسمع، يا ملك الظلال، وأنتم يا جميع القوات السفلى،
هيرميس، والأرض: أرسلوا هذه الروح إلى النور؛
لأن داريوس وحده،
قد يعرف، بما فوق حكمتنا،
علاجا ما، يرينا كيف ننقذ أرضنا.
وهل ملكنا المبارك، الشبيه بالآلهة، يسمع الآن
توسلنا القوي المنشود
بنغمات متغيرة من نغمات الألم والخوف
باللغة الفارسية الصعبة؟
أو هل يلزم أن نجعل أحزاننا الصارخة تدوي
لتخترق الأرض غير المكترثة
وتوقظ أذن داريوس؟
اسمعوا، يا جميع القوى السفلى، والأرض:
امنحوا ذلك الرأس الشبيه بالآلهة،
الذي ولدته صوصة،
ذلك الروح العظيم، أن يصعد؛
أرسلوه من الأعماق حيث يرقد الآن،
الذي لا يرقد مثيله بين الموتى الفارسيين.
لقد أحببنا داريوس حبا جما،
14
ونعز قبره أيما إعزاز،
حيث يرقد قلبه الآن مخبأ،
الذي كانت أفكاره عزيزة لدينا.
أطلقوه، أيدرونيوس
Aidreneus !
أرسلوا ملكنا الشبيه بالآلهة!
اسمع، يا أيدرونيوس المرهوب!
لم يحدث قط للملك داريوس
أن تأثر بحماقة الحرب الجشعة،
فأرسل أرواحا لا تحصى إلى الجحيم.
كنا نسميه «حكمة الله»،
وكانت تقوده حكمة الله،
فقاد شعبه بحكمة.
يا ملك الأيام الماضية، يا سلطاننا!
15
تعال، واظهر!
قف فوق أعلى صخرة على قبرك، يا ملك ملكنا،
مرتديا الزي الملكي، الذي اعتدت أن تلبسه،
الحذاء الزعفراني، شعار الملكية!
اسمع يا داريوس، يا أبانا وحافظنا،
قصتنا ذات الآلام غير المنتهية والصعبة التسمية!
ينزل الظلام والفزع بأجنحة ستوجية
Stygian ؛
شبابنا قبض عليهم الموت وازدردهم.
اسمع يا داريوس، يا أبانا وسيدنا وحافظنا!
أيها الملك الذي نبكي على فقده بمحبة وبدموع،
16
سفننا ذات السطوح الثلاثة، لم تعد سفنا، أبدا، أبدا! (يصعد شبح داريوس.)
داريوس :
يا شيوخ فارس، يا من كنتم، فيما مضى، شبانا معي ،
يا أعظم الناصحين إخلاصا، أي عمل يشغل بال حكومتنا؟
لماذا تشققت الأرض المتأوهة وجرحت؟ أرى
زوجتي تزور قبري، ويأمرني الخوف بقبول
سكائبها بسرور. كذلك أراكم على قبري
تبكون بطلبات ملحة وبألم شديد حاد،
تستدعون روحي الراحلة. لذلك رغم أن الصعود
من هاديس
Hades
17
ليس بالرحلة السهلة، وقوات
الأرض على استعداد لتتسلم أكثر منها لتسمح بالذهاب،
إلا أنني لما كنت أحظى بالعظمة بينهم، أتيت.
تكلموا بسرعة، حتى لا أتأخر أكثر من المهلة المحددة لي،
أي عبء مفاجئ من الأزمات يثقل كاهل فارس الآن؟
الكوروس :
يحرم علينا الاحترام أن ننظر إلى وجهك،
كما يمنعنا الاحترام من التكلم في حضرتك؛
إننا نرهب جلالتك الآن كما كنا نرهبك من قبل.
داريوس :
ومع ذلك، فبما أن تضرعاتكم قد استدعتني من تحت الأرض،
اطرحوا عنكم رهبتكم للعظمة، وقصوا حكايتكم غير مطولة،
أوجزوا وأخبروني بما تريدون أن تقولوا.
الكوروس :
من أجل الاحترام لا نجرؤ على تلبية ما تريد،
ومنا أجل الاحترام لا نجرؤ على الكلام أمامك،
ومن أجل الإخلاص لن نتكلم لئلا نحزنك.
داريوس :
إذن، فبما أن الخوف الماضي يمنع مستشاري،
تكلمي، أيتها الملكة أتوسا، يا شريكة فراشي الملكية؛
كفي عن هذا النحيب والعبرات، وكوني بسيطة.
فالحزن من نصيب الرجال،
ويجب عليهم أن يتحملوه. تأتي الأحزان من البحر ومن البر،
وتتضاعف شرور البشر مع تقدم السنين الفانية.
أتوسا :
لا شك في أن سعادتك تفوق سعادة سائر البشر؛
كنت مباركا في حياتك، أنت الذي بينما كنت ترى الشمس،
عشت سنين طويلة لا تشوبها شائبة، كإله فارس المحسود،
وإنك لمحسود الآن في الموت الذي لم يؤلمك
برؤية هاوية الدمار. إذن فاسمع كل شيء باختصار:
لقد وضع اسم فارس العظيم وإمبراطوريتها في التراب.
داريوس :
وكيف كان ذلك؟ هل بضربة وباء، أو بحرب أهلية؟
أتوسا :
كلا، لا بهذا ولا بتلك، وإنما هلك كل جيشنا قرب أثينا.
داريوس :
أخبريني، من من أبنائي ذهب بحملته بعيدا هكذا؟
أتوسا :
إنه إكسيركسيس، الذي خلت آسيا من رجالها بتهوره.
داريوس :
يا له من أحمق مسكين! وهل حاول ذلك في البر، أو في البحر؟
أتوسا :
في كليهما؛ تقدم في جبهتين، ليضاعف من شدة الحرب.
داريوس :
كيف أمكنه عبور البحر بمثل هذه القوات البرية الضخمة؟
أتوسا :
وضع سلسلة من السفن في الهيلليسبونت
Hellespont ، ليصنع طريقا.
داريوس :
هذا عمل ضخم! فهل سد البوسفور العظيم؟
أتوسا :
نعم، فعل هذا. لا شك في أن إلها ما قد ساعده في تنفيذ خطته.
داريوس :
إله ما؟ أخشى أن تكون قوة ذلك الرب سلبت إكسيركسيس عقله.
أتوسا :
من الواضح جدا أن الأمر كذلك، انظر إلى الدمار الذي سببه.
داريوس :
ماذا حدث لجيوشه، التي تبكين عليها؟
أتوسا :
حلت بالأسطول كارثة دمرت قوته البرية.
داريوس :
دمرت؟ هل قتل كل جيشنا لآخر رجل؟
أتوسا :
هذه هي المصيبة التي تحزن بسببها صوصة.
داريوس :
يفقد جيش نبيل، كان ضمان أرضنا!
أتوسا :
وكل بكتري، ذهبت جميع زهرة شبابهم.
داريوس :
أتعس به من ابن، أن يفقد مثل هذه القوة المتحالفة العظيمة!
أتوسا :
سمعنا أن إكسيركسيس وحده، مع قليل من الأتباع.
داريوس :
أي مصير قابل في النهاية؟ أهو حي؟
أتوسا :
وصل أخيرا، فرحان بعد يأس، إلى الجسر الموصل بين القارتين.
داريوس :
هل وصل سالما إلى الأرض الآسيوية؟
أتوسا :
سالما، ما في ذلك شك، فالرسالة تشهد بحياته.
داريوس :
ما أسرع ما تمت النبوءة القديمة!
ضرب زوس، في خلال جيل واحد، فوقعت
على ابني فحوى تلك الإيماءات التي كنت
أثق بأن الآلهة سترجئها عدة سنوات.
ولكن السماء تلعب دورها، سواء بالخير أو بالشر، في حياة الإنسان
إذن، فقد فتح لبيتي كله الآن ينبوع من الأحزان لا ينضب معينه،
وكان ابني، بتهور الشباب،
وبغير أن يعلم طرق الآلهة، السبب في كل هذا.
كان يأمل في أن يوقف ذلك المجرى المقدس، البوسفور،
ويقيد الهيلليسبونت بالأغلال كما يقيد العبد؛
يريد أن يغير مسير الطبيعة، ويحول البحر إلى أرض يابسة، ويقيد
مضيقا بالحديد، ليعد طريقا لجنوده.
ظن في حماقته البشرية أنه سيتغلب
على الآلهة الخالدة، حتى بوسايدون
18
نفسه!
ألم يكن هذا جنونا استولى عليه؟!
والآن، أخشى أن تقع ثروتي التي ربحتها بكل عناء،
فريسة لأول ناهب.
أتوسا :
تعلم إكسيركسيس الطائش الحماقة من صحبة المجانين.
أخبروه بأنك، والده، قد ربحت بسيفك
ذهبا أثرى به أولادك؛ بينما هو كشخص جبان،
لم يربح مزيدا، وقام بدور المحارب في وطنه؛
فوضع خطة هذه الحملة على هيلاس، هذه الأسلحة
الشاسعة الامتداد،
ضاعت بالتقريعات المستمرة لمثل أولئك الرجال الأشرار.
داريوس :
إذن، فهذه الكارثة، التي لا تنسى، والكاملة،
والتي لا تقاس، لم يحدث قط أن جعل مثلها أرضنا الفارسية
بلقعا، منذ أن أصدر زوس هذا الأمر، أولا،
أن رجلا واحدا، قابضا على زمام العرش والصولجان،
يجب أن يكون
سيد كل مراعي آسيا المستوية. فجاء ميدوس
Medus
أولا،
وقاد هذه الأمة، ثم ابنه، الذي سيطرت حكمته على إرادته،
وقام بمنصب الملك. وكان قورش
Cyrus
المحظوظ
ذلك الذي، بينما كان يحكم، بارك الأرض بالسلام؛
فأضاف إلى إمبراطوريته لوديا
Lydia
وفروجيا
،
وأخضع أيونيا بالقوة، ولم يثر
أي غضب للآلهة؛ لأن قلبه كان حكيما.
والرابع بعد ذلك هو ابن قورش، الذي حكم البلاد.
والخامس ماردوس
Mardus ، الذي جلب
على مملكته وعلى العرش القديم.
بيد أن أرتافيرنيس
Artaphernes
الشجاع
وقتلوه في قصره. وأخيرا نلت أنا ذلك المركز
الذي كنت أصبو إليه. وكان لدي كثير من الجيوش،
وقدت عدة حملات،
ولكني لم أنزل ببلدي ضربة كهذه.
إكسيركسيس ابني صغير، وعقله شاب،
نسي جميع تعليماتي. تأكدوا من هذا
يا مستشاري: انظروا تجدوا أن جميعنا،
نحن الملوك الفارسيين مجتمعين،
لم نسبب لبلادنا مثل هذا الضرر.
الكوروس :
إذن، أيها الملك داريوس، أية نتيجة تفيد
من جميع ما قلت؟ كيف، بعد هذه النكسة،
نعمل نحن وفارس، لخير صالحها؟
داريوس :
لا تتخذوا أي عمل، حتى ولو كانت قوة فارس ضعف
ما كانت عليه،
لا تستخدموا أية أسلحة ضد أرض هيلينية.
لن تستطيعوا النصر، والأرض نفسها ستقاتل إلى جانبهم.
الكوروس :
تقاتل إلى جانبهم؟! وكيف؟
داريوس :
إنها أرض جرداء وتقتل
بالقحط أية قوة تربو على الحجم المتوسط.
الكوروس :
ولكننا سنرسل قوة مختارة، مزودة بسهولة.
داريوس :
ولا حتى تلك القوات التي بقيت في هيلاس
ستعود سالمة إلى الوطن.
الكوروس :
ماذا؟! ألا يعبر كل جيشنا الهيلليسبونت؟!
داريوس :
سيرجع قليل من الكثير،
إذا كنا نعلم من دليل هذا اليوم، أن نصدق
النبوءة الإلهية، التي ستتم بكل تأكيد
لآخر حرف فيها. لذلك، كانت الآمال عبثا، التي
بها ترك إكسيركسيس الآن خيرة رجاله
حيث ينشر الأسوبوس
Asopus
تياره الثمين
السهل البيوتي الجاف، الذي ينتظرونه. وهناك أيضا
ينتظر الدمار والألم غير المعروف الذي يجب أن يقاسوه؛
الجزاء الوفاق للزهو والوقاحة في حق الآلهة؛
فقد ساروا خلال هيلاس، وبغير وازع، حطموا
تماثيل الآلهة، وأحرقوا المعابد، وسووا بالأرض المذابح والمباني
المقدسة، حتى صارت الآن كوما واحدا من الأنقاض؛
لذلك سيتعادل تدنيسهم لمحارم الآلهة، مع آلامهم.
وسيأتي أكثر من هذا؛ لأن ينبوع ألمهم
لم يجف بعد، وسرعان ما سيتدفق بلاء جديد.
فوق السهل البلاتاياني
،
الرمح الدورياني
الدم في تضحيات لا حدود لها، وسيتراكم الموتى فوق الموتى
ليشهدوا لمدة ثلاثة أجيال من الآن
على أن الإنسان فان، ويجب أن يتعلم كبح جماح كبريائه؛
لأن الكبرياء ستزهر، وسرعان ما ستغدو ثمرتها الناضجة
إغراء، ومحصولها المرير الدموع.
انظروا إلى حماقتهم وإلى جزائها، وتذكروا
أثينا وهيلاس. ولا يحتقرن أي رجل
ما لديه من ثروة، طمعا في المزيد،
فيضيع ثروته بدون ثمرة؛ لأن زوس، المتوج في الأعالي،
يكبح بقسوة جماح البشر المزهوين والمتغطرسين.
أما بخصوص ابني، فبما أن السماء حذرته، كي يكون حكيما،
فعلموه بعقل سليم، وانصحوه
ليكف عن إهانة الرب بالصلف والمحاولات التهورية.
وأنت، يا زوجتي العزيزة، عودي إلى البيت، وأحضري ملابس جميلة، واذهبي
تمزقت إبان ألمه الشديد، هي كل ما ترك الحزن له.
تحدثي إليه في رفق؛ لأنني أعرف أن صوتك وحده،
سيمتلكه ويهدئ من روعه.
والآن يجب أن أعود إلى الظلام السفلي.
وداعا، أيها المستشارون!
ولتتذوق روحكم مسرات كل يوم، على الرغم من الأحزان؛
فلا فائدة للموتى من كل كثرة. (يخرج شبح داريوس.)
الكوروس :
ما أمر أن نسمع عن الآلام الكثيرة
التي أصابت الآن الجيش الفارسي، والتي لا تزال تنتظره!
أتوسا :
أيا يد الله! إن قلبي مريض بعدة الأحزان،
بيد أنه ما من حزن أشد من هذا؛
أن أسمع مبلغ تعاسة ابني في ثيابه، مما يخل بشرفه.
سأذهب
وأحضر ثيابا من القصر وأعد قلبي
لمقابلته، ولن أتخلى عنه في ساعة الحاجة. (تخرج أتوسا.)
الكوروس :
عندما كان ملكنا الطيب داريوس، المسن والعظيم القوة،
والذي لا يقهر، يحكم على فارس كإله،
زينت العظمة والثروة مدينتنا،
وكسبت لنا جيوشنا شهرة في عيون العالم،
فكانت قوانيننا حصنا يحمي الحكومة ويرشدها،
وعاد رجالنا من القتال بدون خسائر، وبغير تعب،
منتصرين لأوطانهم.
فكم من مدينة استولى عليها دون أن يعبر
نهر هالوس
Halys
أو يغادر أرض
فالمناطق القريبة من مصب نهر سترومون، والمساكن التراقية،
وكثير من ولايات الجزر، والمدن البرية
المحوطة بالأحجار، تعترف به سيدا؛
وكانت المدن المطلة على الهيلليسبونت بفخر،
وبروبونتيس
القصية، ومصب النهر
والجزر المحاذية للأرض التي يبللها البحر
على شاطئنا الغربي ساموس، بستان الزيتون،
ولسبوس
Lesbos
وخيوس
Chios
وباروس
،
وموكونوس
Myconos ؛ من ممتلكاته،
وكذلك ناكسوس
Naxos
وأندروس
Andros
الواقعة بقرب
تينوس
Tenos .
كما حكم داريوس، فضلا عن هذه، على الجزر الداخلة في البحر الواقعة في منتصف
Icaros ، ورودس
Rhodes ،
Cnidos ، والمدن الكوبرية
، وصولي
Soli
وسالاميس اللعينة ذات الاسم المرهوب، سبب كل
وله في أيونيا أيضا، تلك المدن الهيلينية الغنية والآهلة بالسكان.
فقد حكم داريوس بحسب رغبته،
وكانت تتحرك بكلمته قوة من المحاربين لا تعرف الكلال،
هي خليط من كل جنس.
أما الآن، فقد أعلن الرب مشيئته، وعكس حظنا؛
فحطمنا البحر والحرب وهزمانا. (يدخل إكسيركسيس، ممزق الثياب، يتبعه جنديان أو ثلاثة
إكسيركسيس :
ابكوا من أجل المصير المميت الذي ألقاه القدر
علي دون أن أراه. كم هي مريرة لعشيرتي
ضربات مقت السماء الوحشي!
إلى أين أذهب لأخفي رأسي ؟
لقد فقدت أعضائي المرتجفة فائدتها
عند رؤية أولئك الرجال الحازمين. أواه، يا زوس!
ها قد لفني الموت مع الموتى!
الكوروس :
وا أسفاه ، على اسم فارس المبجل!
وا أسفاه، على كل ذلك الجيش النبيل!
زهرة الرجولة، وفخر آسيا،
الذي حكمت عليه الآلهة بالعار المميت!
إن أرضنا لتنوح على الرجال الذين ولدتهم،
الذين قتلهم إكسيركسيس، الذي أطعم
فكي الجحيم الجائعين بموتى فارسيين؛
سادة القوم، وفخر مملكتهم،
ساروا في الطريق القاتم وماتوا،
غاب ألف ألف من الوجود.
وا أسفاه، وا أسفاه، يا سيد مملكتنا!
تلك القوة التي وضعنا فيها ثقتنا،
تضعضعت أمام السيف الهيليني،
فأحنت الركبة وعضت الثرى.
إكسيركسيس :
انظروا إلي، أنا موضوع الحزن،
الطريد المقيت والمأسوف عليه،
المولود لأحطم عشيرتي.
الكوروس :
إنا لنرحب بعودتك
بموسيقى غير محبوبة،
وبحداد شرقي،
وبوجه مقنع دامع.
إكسيركسيس :
أنشدوا عاليا أناشيد النحيب
ذات النغمات المحزنة غير المنسجمة؛
فقد هجرني الحظ والسرور،
وحل محلهما الحزن.
الكوروس :
احتراما لألمك الممض
ولتحطيم أسطولنا،
ننشد أنشودة حزننا
حتى يكل القلب ويبح الصوت،
بدموع وأنين يردد صدى
حداد الوطن الأم
على أبنائه الذين ذهبوا إلى الحرب.
إكسيركسيس :
حطمتنا أيونيا،
القوية في سفنها الحربية المعدنية؛
غير أن أريس
Ares
19
ساعدها أكثر من السفن
في حصد المحصول الدموي
لذلك الشاطئ المنكود الحظ.
الكوروس :
تعال نسألك عن القصة كلها:
أين المحاربون الشجعان
الذين كانوا يقفون إلى يمينك؛
صوصاس
Susas ، وفارانداكيس
،
وأجداباتيس
Agdabates
وبساميس
،
ودوتاميس
Dotames
وسوسيسكانيس
Susiscanes ؛
سادة أرضنا العزيزة؟
إكسيركسيس :
هناك بجانب شاطئ سالاميس
تركتهم حيث سقطوا
قتلى من سفنهم، وطفوا
محطمين على الصخور المسننة
بقوة البحر الرقيقة.
الكوروس :
وا أسفاه! أين فارنوخوس
،
Seualkes
وأريوماردوس
Ariomardus ؛ وكلهم أمراء
وليلايوس
Lilaeus
وممفيس وثاروبيس،
وهوستايخماس
Hystaechmas
وأرتيمباريس؟
لماذا تترك حزنا واحدا دون أن تخبرنا به؟
إكسيركسيس :
وا أسفاه! قرب أثينا المقيتة
رفعوا عيونهم
ورأوا أسوارها العتيقة؛
فكل رجل أبصرها ارتعد،
ونزل إلى الموت يائسا،
وهناك يرقد إلى الأبد.
الكوروس :
وخادمك الموثوق به أعظم ثقة،
الذي عد كل جيوشك،
ابن باتانوخوس
Batanochus ،
20
ألبيستوس
Alpistus ،
هل هو من المفقودين؟
أهناك مزيد من الأحزان لفارس؟
أين بارثوس
وأويباريس
Oebares
العظيم؟
هل تركتهما هناك، تركتهما
وقد حطمتهما الصخور وتقاذفتهما الأمواج؟
إكسيركسيس :
كفى أسئلة معذبة؛
إنكم تمزقون قلبي شوقا
إلى كل صديق نبيل .
الكوروس :
لا يزال هناك آخرون سنسأل عنهم:
إكسانثيس
Xanthis
الذي قاد
ودياكسيس
Diaexis
وأنخاريس
Anchares ،
لماذا لم يتبع أحدهما
عربة سيده الملكية؟
إكسيركسيس :
كانوا جميعا قادة فارس،
ولقوا جميعا حتفهم.
الكوروس :
حتفهم القاسي، غير المسمى!
إكسيركسيس :
انكسر يا قلب، وتدفقي يا دموع، إلى الأبد.
الكوروس :
أيا ضربة السماء غير المطلوبة،
الواضحة وضوح الغضب القاسي،
المشيرة إلى لمحة إحدى الفوريات!
إكسيركسيس :
لن يحل دهر
سلاسل هذا البلاء.
الكوروس :
لقد هزمنا حقا.
من كان بوسعه أن يتنبأ بمثل هذا الألم؟ فبحارة الهيلينيين
في يوم نحس فارس،
أحضروا سفنهم للقتال،
وانتزعوا منا عزتنا.
إكسيركسيس :
أن نفقد مثل هذا الجيش اللجب!
الكوروس :
ماتت قوة فارس.
إكسيركسيس :
انظروا، هذه الأسمال، بقايا الثياب الملكية التي كنت أرتديها،
وجعبة سهامي هذه.
الكوروس :
أهذا كنزك الملكي
المنقذ من ذلك العتاد الضخم؟
إكسيركسيس :
مات جميع مدافعينا.
الكوروس :
ورجال أثينا محاربون،
ووحشية هي الأعمال التي قاموا بها.
إكسيركسيس :
راقبت المعركة في صمت.
الكوروس :
عندما حطمت كل سفننا؟
إكسيركسيس :
رأيت تلك الفظاعة القاتلة،
وشققت ثوبي نصفين.
الكوروس :
ماذا بوسعنا أن نقول للتعزية؟
إكسيركسيس :
ما من لفظ يمكن أن يعادل ألمي.
الكوروس :
إنه حزن مزدوج، بل ومثلث.
إكسيركسيس :
بينما يبتهج من نكرههم!
الكوروس :
لقد شلت قوة رجولتنا.
إكسيركسيس :
اختفى حرسي المختارون.
الكوروس :
غرقوا في البحر قاتلهم.
إكسيركسيس :
فلتغرق الدموع كل صوت!
انصرفوا، انصرفوا، إلى بيوتكم.
الكوروس :
سننصرف باكين.
إكسيركسيس :
ابكوا عاليا،
واقرعوا صدوركم من أجلي.
الكوروس :
إنه معروف محزن، وطلب مسبب للألم.
إكسيركسيس :
انضموا إلى ترنيمتي المحزنة.
الكوروس :
أوكتوتوتوتوي
Octotototoi !
يا يد القضاء المبكية!
أيها الملك، إننا نبكي من أجلك.
إكسيركسيس :
اقرعوا صدوركم،
ونوحوا عاليا من أجلي.
الكوروس :
انظر إلى دموعي، أيها الملك.
إكسيركسيس :
ابكوا عاليا، واقرعوا صدوركم من أجلي.
الكوروس :
إنني أفعل هذا برغبة خالصة، يا سيدي.
إكسيركسيس :
ابكوا عاليا ونوحوا.
الكوروس :
أوكتوتوتوتوي!
تختلط الضربات الجارحة بعويل الحزن.
إكسيركسيس :
تعالوا، اقرعوا صدوركم ، وأنشدوا ترتيلة حزن موسيانية
Mysian .
الكوروس :
يا للألم! يا للألم!
إكسيركسيس :
انزعوا الشعر الأبيض من لحاكم، من أجل خاطري.
الكوروس :
ها نحن ننزع الشعر الأبيض من لحانا،
بأصابع ممتدة وبكاء مرير.
إكسيركسيس :
ابكوا وولولوا.
الكوروس :
إننا نبكي ونولول.
إكسيركسيس :
شقوا ثيابكم، مزقوها على أجسادكم.
الكوروس :
يا للألم! يا للألم!
إكسيركسيس :
وانزعوا شعوركم حزنا على جميع الجيش الميت.
الكوروس :
ها نحن ننزع الشعر الأبيض من رءوسنا،
بأصابع ممتدة وبكاء مرير.
إكسيركسيس :
املئوا عيونكم بالعبرات.
الكوروس :
عيوننا مليئة بالدموع.
إكسيركسيس :
اقرعوا صدوركم ونوحوا عاليا من أجلي.
الكوروس :
وا أسفاه! وا أسفاه!
إكسيركسيس :
انصرفوا إلى بيوتكم وأنتم تبكون.
الكوروس :
وا أسفاه! وا أسفاه!
إكسيركسيس :
ليملأ البكاء المدينة.
الكوروس :
وا أسفاه! وا أسفاه!
إكسيركسيس :
ابكوا وأنتم ذاهبون بخطوات رزينة.
الكوروس :
كل خطوة تتذكر
الأرض الفارسية التي جللت بالعار.
إكسيركسيس :
وا أسفاه على الرجال الذين هلكوا
في سفننا الحربية ذات السطوح الثلاثة!
الكوروس :
هيا، الآن، يا مليكنا وسيدنا،
سنرافقك بالدموع
إلى بيتك، إلى قصرك الزاخر بالأحزان.
مسرحية بروميثيوس المقيد
مقدمة «تضم رحمة الآلهة المتوجين عنصرا من عناصر القوة.» هذه العبارة هي أبرز عبارة في
الفكرة في كل من مسرحيتي «بروميثيوس» و«المتضرعات» واحدة، وكل من هاتين
Danaids ». وعادة ما يطلق على هذه المجموعة الثلاثية اسم
توضح «يومينيديس» النزاع بين العنف والعقل كما يتمثلان في أبطال وآلهة العصر
لا شك في أن الانتقال من ذلك العالم البدائي إلى العالم المتمدين، ومن حياة القبائل
كان كرونوس، في الحقبة البدائية، سيد جميع الآلهة. وقد خلق الجنس البشري إبان
كان التيتان
Titans ،
1
الذين هم أبناء الأرض المنحدرون من الآلهة، قوما ضخام الأحجام والقوة،
أما بروميثيوس فلم يكن خالدا فحسب، بل وكان ابن الأرض أيضا، ولذلك أحس بعطف
كان من الواجب أن يحدث هذا في مسرحية «تحطيم قيود بروميثيوس» (والحقيقة أنه يندر أن
Thetis ،
2
حتى إن هرقل أطلق سراح بروميثيوس بأمر من زوس. وربما كان ذلك بأن قتل
Centaur Chiron
3
أن يموت في آلام الجرح الذي أصابه به هرقل (انظر الحاشية المذكورة بآخر
أطول منظر في هذه المسرحية هو المنظر الذي تقوم فيه إيو
Io ، الفتاة العذراء ابنة إناخوس
Inachus ، ملك
Argos ، بزيارة بروميثيوس
هنا أخيرا سيعيد زوس إليك عقلك ويأتي
إليك بلمسة رقيقة، وليس بفزع.
ولسنا نعرف بصفة أكيدة ما إذا كانت نهاية آلام إيو قد تناولها
غير أنه من الجلي أن بطل مسرحية «تحطيم قيود بروميثيوس» هو هرقل، كما أنها تضم نزول
لما كان أساس جميع الفعل الدرامي في مسرحية «المتضرعات»، هو قصة إيو ، صار لزاما
Argus (ومعناه «الحاد العين»)
Epaphos ، ومعنى اسمه «لمسة».
من الواضح أن لهذه القصة أهمية عظمى في علم وصف الإنسان، وذات علاقة بالآراء الدينية
Aegyptus
وداناوس
Danaus . كان
فهربت بنات داناوس (أي الداناييد أو الدانائيات) بإرشاد والدهن إلى أرجوس، الموطن
يتضح من مجمل الأحداث كما ترويها الأسطورة، أن داناوس أوعز إلى بناته، أخيرا،
Hypermnestra ، وجدت مطالب الحب
Lynceus . نرى نحن أن هذه هي أعظم نقطة في المسرحية
Orestes ، فجاءت هذه المسألة
السماء المقدسة مفعمة بالرغبة في أن تضطجع مع الأرض، وتستبد بالأرض رغبة
Demeter . ومن نفس طقوس الزواج المرطبة، تنضج ثمار الأشجار. وأنا السبب في هذه الأشياء.
نستنتج من هذه الخطبة التي تمجد الحب تمجيدا واضحا، أن الحب هو العنصر الجوهري
كيف تناول أيسخولوس هذه المادة المثيرة المتمردة؟
4
فنجده أولا قد أعطى صفة بارزة في وضوح تام لبطلته الجماعية التي
تسهل لنا دراسة نص «المتضرعات» مع كسرة خطبة أفروديتي التي سبق ذكرها،
Zeus Hikesios )
Zeus
).
لا بد أن تكون المسرحية الثالثة قد بدأت باكتشاف جرائم القتل التسع والأربعين، وإعلان
قبل أن نترك مسرحية «المتضرعات» نرى لزاما علينا أن نذكر بضع نقط بسيطة: «أولا:
لا بد أن جاء
ومهما كان عدد أعضاء الكوروس، فعندما تتكلم رئيسته عن نفسها وعن زميلاتها، فإنها
يحتاج اسم أيجوبتوس إلى تعليق موجز؛ فمن الجلي أنه «بطل أطلق اسمه على بلده». وقد استعملنا الهجاء اللاتيني لاسمه، والاسم الإنجليزي لأرض مصر.»
أشخاص المسرحية
القوة.
العنف.
هيفايستوس
Hephaestus :
إله النار.
بروميثيوس
.
كوروس من بنات أوقيانوس.
أوقيانوس
Oceanus :
رب البحر.
إيو
IO :
أميرة من أرجوس.
هيرميس
Hermes :
رسول زوس. *** (قمة جبل صخرية تطل على
(تدخل القوة والعنف يجران بروميثيوس.)
5 (يتبعهم هيفايستوس.)
القوة :
لقد بلغنا أقصى بقاع الأرض هنا،
التي يؤمها السكوثيون
Scythians ، إنها
قم بواجبك يا هيفايستوس. تذكر أي أمر
كلفك به الأب. ها هو ذا بروميثيوس المتمرد؛
سمره إلى الصخرة، ثبته في هذه القمة الشاهقة
بإحكام في قبضة السلاسل الشديدة الصلابة.
كان كنزك هو الذي سرقه، تلك العظمة الزاهرة
للنار التي تشكل كل شيء، وأعطاها للبشر. إنها جريمة
لا تسكت عليها الآلهة، ويجب أن يقاسي من أجلها الآن،
حتى يتعلم أن يقبل سيادة زوس
ويكف عن أن يعمل بطلا للجنس البشري.
هيفايستوس :
أما أنتما أيها العنف والقوة، فإن أمر زوس لكما قد نفذ. لقد انتهت
ومع ذلك فيجب، سواء وجدت قلبا أو لم أجد، يجب
أن أفعل هذا؛
فإن التراخي في طاعة ما قاله زوس شيء مخيف. (إلى بروميثيوس)
يا ابن ثيميس
Themis
6
الراجح العقل،
رب الأفكار الجبلية،
بقلب مكلوم كقلبك سأثبتك الآن
في قيود من البرنز، بحيث لا تستطيع الحركة في هذه القمة المنعزلة،
حيث لن تسمع صوتا، ولا ترى شكلا بشريا، وإنما تلفح أشعة الشمس الملتهبة
كل ساعة متغيرة ستجلب ألما متعاقبا يعذب جسمك،
ولا يستطيع أي رجل مولود حتى الآن، إطلاق سراحك.
لقد جر عليك هذا إحسانك إلى الجنس البشري.
إنك إله لا ينحني أمام غضب الآلهة. أنت، الذي أخطأت حقا، وأعطيت البشر
واقفا منتصبا، لا تنام، ولا تنحني في وضع الراحة.
وتصدر منك أنات كثيرة وصرخات ألم عديدة،
لا فائدة من أي شيء؛ لأن قلب زوس صعب الإرضاء؛
فالسلطة المكتسبة حديثا دائما ما تكون قاسية.
القوة :
ما فائدة
ضياع الوقت في الشفقة؟ لماذا لا تمقت
إلها عدوا لجميع الآلهة،
وأعطى ميزتك للجنس البشري؟
هيفايستوس :
إن روابط الميلاد والزمالة قوية بدرجة غريبة.
القوة :
هذا حقيقي، ولكن كيف يمكن عصيان كلام الأب؟
أليس هذا شيئا تخافه أكثر؟
هيفايستوس :
لقد كنت دائما قاسية، ميالة إلى الاعتداء.
القوة :
لا فائدة من تمزيق قلبك من أجله، هيا الآن،
لا يمكنك مساعدته، لا تضيع وقتا في الاهتمام به.
هيفايستوس :
إنني أمقت مهنتي، أمقت مهارة يدي.
القوة :
ولم تمقتها؟ انظر إليها النظرة البسيطة؛ مهنتك
لا ذنب لها فيما يجب توقيعه الآن.
هيفايستوس :
هذا صحيح.
ولكني أود أن تكون مهارتي قد أعطيت لشخص آخر.
القوة :
كل الأعمال شاقة، خلا أن تحكم أنت الآلهة.
لا أحد مرتاح من العمل غير زوس.
هيفايستوس :
أعلم هذا. كل ذلك (مشيرا إلى بروميثيوس)
دليل
فوق كل نزاع.
القوة :
أسرع إذن، كبله بالأصفاد
قبل أن يراك الأب تتلكأ.
هيفايستوس :
إذن، فانظري هنا!
ها هي أصفاد المعصم الحديدية معدة (يبدأ في
القوة :
خذها، كبله،
اطرق بكل قوتك، برشمها في الصخرة.
هيفايستوس :
حسنا، إنني أثبتها! لن ينحل هذا الحديد.
القوة :
زده تثبيتا، كبله بإحكام، لا تترك شيئا مرتخيا.
هيفايستوس :
هذه الذراع ثابتة، وعلى الأقل لن يستطيع الإفلات منها.
القوة :
والآن سمر ذراعه الأخرى بإحكام. دعه يعلم
أن كل حكمته ليست سوى حماقة بجانب زوس.
هيفايستوس :
انظري ! لا أحد - سواه - يستطيع أن يجد خطأ في عملي.
القوة :
والآن، ادفع المسامير خلال صدره مباشرة بكل ما أوتيت من قوة.
ذلك الناب العنيد، ناب الأسفين الشديد الصلابة.
هيفايستوس :
وا أسفاه! إنني يا بروميثيوس أبكي من أجل آلامك.
القوة :
ألا تزال محجما؟ تبكي من أجل عدو زوس؟
خذ حذرك وإلا احتجت لأسفك من أجل نفسك. (هيفايستوس يدفع الوتد.)
هيفايستوس :
انظري! ها أنت ترين منظرا يؤلم عينيك.
القوة :
إنني أرى.
بروميثيوس ينال جزاءه الوفاق. هيا، ثبت الأطواق حول ضلوعه.
هيفايستوس :
يجب أن أفعل هذا، لا تسوقيني بالأمر.
القوة :
أقسم بأنني سآمرك، نعم، وأدفعك إلى العمل قدما.
هيا، اهبط الآن، أدخل رجليه بقوة في هذه الحلقة.
هيفايستوس :
ها قد نفذ هذا بسرعة.
القوة :
والآن سمر تلك الأصفاد بإحكام.
اطرق شديدا. لعملنا قاض قاس.
هيفايستوس :
إن كلامك ليلائم ملامحك.
القوة (ساخرة) :
كن رقيقا إذن. أما إذا كنت أنا صعبة وعديمة الرحمة،
فلا توجه ذلك إلي.
هيفايستوس :
ها رجلاه قد ثبتتا؛ هيا بنا ننصرف. (يخرج هيفايستوس.)
القوة (لبروميثيوس) :
امكث هنا، واملأ نفسك غرورا حديثا،
واسرق ميزات الآلهة وأعطها للبشر.
كيف يستطيع بشرك أن يقطعوا لك هذه العقدة؟
لقد سميت خطأ، يا بروميثيوس، العاقل - قبل الحادث!
فالحكمة هي عين ما تحتاجه، ليت لك عقلا
لتشق طريقك وتتحرر من قيود الحداد العظيمة هذه! (تخرج القوة والعنف.)
بروميثيوس :
أي آلهة السماء، ويا أيتها الرياح السريعة الأجنحة، والمجاري القافزة،
ويا ضحك أمواج البحر الذي لا يحصى،
ويا أيتها الأرض، أم كل الحياة،
إنني أناديكم وأنادي دائرة الشمس التي تبصر كل شيء؛
انظروا ما فعلته الآلهة بي، أنا الإله!
انظروا بأي غضب
عوقبت وعذبت،
علي أن أتألم
لمدة ألف سنة!
انظروا إلى هذا السجن المخجل
الذي اخترعه من أجلي
سيد الآلهة الجديد!
ها أنا ذا أئن من شدة الألم،
من الألم الحاضر والألم المستقبل.
متى أرى شروق
نجم خلاصي؟
ماذا أقول؟ إنني أعرف كل شيء حق المعرفة،
هذا ما سوف يكون؛ لا عذاب يأتي دون التنبؤ به من قبل .
يتحتم علي أن أقاسي قدري المحدد على خير ما يمكنني،
عالما بأنني لا أستطيع مقاومة قوة الحاجة.
في مثل هذه الآلام يستوي الكلام والسكوت عندي.
فبسبب أنني منحت البشر هدايا،
سمرت في وتد التعذيب هذا؛ لأنني أنا الذي بحثت عن مصدر
النار، وسرقتها، ولففتها في نخاع ساق شمر جاف. فأثبتت النار
أنها معلم للبشر في كل فن، وموردهم العظيم.
هذا هو الذنب الذي أدفع ثمنه الآن كاملا،
عاريا أمام الرياح والسماء، مقيدا ومصلوبا.
آه! من هناك؟
أي صوت، وأي نسيم عطر
يهب إلى جانبي، حيث لا يمكنني أن أراه؟
أمن عند إله، أو إنسان، أو نصف إله؟
أتيت إلى هذه القمة القائمة في طرف العالم
لتبصر عذابي، أو لأي شيء؟
تراني أسيرا تعيسا،
أنا الإله، عدو زوس،
أنا الذي اكتسبت عداوة جميع الآلهة،
التي تؤم بلاط زوس
لأنني كنت صديقا مخلصا للبشر.
آه! آه! إنني أسمعه ثانية، قريبا مني!
إنه يخشخش، أهو صوت طير؟
والهواء يهمس برفرفة الأجنحة الخفيفة!
فأيا كان هذا القادم، فهو يجلب الخوف. (يدخل الكوروس في سفينة ذات أجنحة، أو في عربة
الكوروس :
لا تخف شيئا؛ كلنا أصدقاؤك.
لقد طرنا إلى هذا الجبل بأجنحة السباق،
بعد أن حظينا بموافقة أبينا بعد تردد،
وحملتنا الريح بسرعة إلى هنا؛
لأن صدى الفولاذ الرنان
قد جلجل خلال أعماق كهفنا،
طاردا الخجل الهادئ من أفكارنا،
وكما كنا بأقدام حافية
أتينا من فورنا في عربتنا المجنحة.
بروميثيوس :
وا حزناه، وا كمداه! يا أطفال تيثوس
Tethys
الخصبة،
يا بنات أوقيانوس، يا ذوات المد الدائم السهر
الذي يلف الدنيا كلها، تطلعن إلي.
أبصرن في أية قبضة قاسية
سمرت في هذه القمة الصخرية لهذا الوادي.
يجب أن أحتمل سهري المخيف.
الكوروس :
ها أنا ذا أنظر يا بروميثيوس، فيملأ الخوف المفاجئ عيني
وأنا أرى جسمك يذوي فوق هذه الصخرة،
معذبا بأصفاد من الفولاذ الشديد الصلابة.
هناك سيد جديد يمسك بدقة أوليمبوس.
حقا إن هذه لقوانين جديدة،
تلك التي يحكم بها زوس في طغيان،
ويحطم الآن قوات الماضي العظيمة.
بروميثيوس :
لو زج بي هذا الزوس تحت الأرض،
أسفل هاديس، مأوى الموتى،
داخل فلوات تارتاروس،
مقيدا إياي بالأصفاد القاسية التي لا أستطيع منها فكاكا،
حتى لا يشعر أي إله أو أي مخلوق آخر
بالغبطة وهو يراني أتألم،
لكان هذا أهون على نفسي من أن أصير ألعوبة بائسة
لكل ريح، ويجلب عذابي السرور لأعدائي.
الكوروس :
أي إله يكون هكذا قاسي القلب حتى
يجد سرورا في رؤية مثل هذا المنظر؟
من ذا الذي لا يتألم معك في آلامك
سوى زوس؟ المتشبث بغضبه العنيد،
فيطأ تحت قدميه عشيرة أورانوس
Uranus ،
7
ولا يلين
إلى أن يشفي غليله، أو إلى أن تقوم مؤامرة بارعة،
فتنزع الإمبراطورية المنيعة من يده.
بروميثيوس :
أقسم لك أنني، وأنا أعذب هكذا، مقيد اليد والقدم بهذه السيور
القوية، سيحتاج إلي سيد الخالدين،
لكي أضع الخطة الجديدة، وأخبره عمن سيسلبه سلطته ومجده.
ولن تسحرني بعد ذلك تعويذاته المعسولة الصادرة
من لسانه المغري،
ولن أخضع بتأثير تهديداته الوحشية، أو أبوح بهذا السر،
حتى يطلق سراحي من هذه القيود الجهنمية،
ويوافق على أن يعوضني عن هذا الألم.
الكوروس :
إنك تتحدى، يا بروميثيوس، وروحك،
رغم جميع آلامك، لا تتزحزح قيد أنملة،
بيد أن في ألفاظك حرية بالغة، وإن قلبي
ليرتجف من الفزع النافذ.
إنني أضطرب لمصيرك؛ كيف يمكنك الوصول إلى
نهاية هذه المتاعب والاستراحة في ميناء آمن؟
لأن طباع ابن كرونوس لا تلين،
وليس لأية ألفاظ أن تؤثر على قلبه فيرق.
بروميثيوس :
إنني أعرف أن زوس لا يرحم،
ويوجه القانون كما تشاء رغبته.
ومع ذلك، فسيصير طبعه معتدلا في الوقت المناسب،
عندما يتحقق كلامي ويتحطم؛
عندئذ سيهدئ أخيرا من سورة غضبه القاسي،
ويطلب عقد معاهدة صداقة معي، وسأرحب به.
الكوروس :
هيا الآن وأفض إلينا بكل شيء وفسره لنا.
عن أية تهمة قبض عليك زوس
وعاملك بمثل هذه الفظاعة والوحشية؟
أخبرنا، إن كان هذا لا يضيرك.
بروميثيوس :
إني ليؤلمني أن أتحدث عن هذا، كما أن السكوت عليه
ليس بأقل ألما؛ فهناك الألم في كل جانب .
فعندما وقع الخلاف ودب النزاع بين الآلهة لأول مرة،
وجعلهم ينقسمون حزبين، أحدهما
اعتزم نزع السلطة من كرونوس
Cronos ،
8
وجعل زوس
الملك المطلق السلطة - تذكروا هذا - بينما الحزب المعارض لذلك
قد اعتزم ألا يحكم زوس الآلهة قط،
في ذلك الوقت عرضت خير النصائح جميعا،
وحاولت إقناع التيتان أبناء السماء والأرض،
فأخفقت. كانوا يحقرون المكر،
ففي غمرة زهوهم بقوتهم العظيمة
اعتقدوا أنهم سينتصرون بسهولة ويحكمون بالقوة.
وكنت أعرف المصير المحدد لما سيأتي من أمور؛ لأن والدتي،
ثيميس أو الأرض (هما شخص واحد رغم اختلاف الاسمين)،
أخبرتني عدة مرات، أن ليس للقوة الغاشمة،
ولا للعنف، بل للدهاء، أن يحقق النصر
لحكام المستقبل. وشرحت لهم هذا،
ذاكرا الأسباب التي وجدتها لا تستحق الاهتمام لمدة لحظة واحدة.
بعد ذلك فتحت الطرق أمامي، وظهر لي أنه من الخير
أن أتخذ موقفي - ومعي أمي - إلى جانب
زوس، راغبا ومرحبا. كنت أنا الذي
أشرت بتلك النصيحة التي بواسطتها رقد كرونوس وأتباعه
مدفونين الآن في هوة تارتاروس.
هذه هي المساعدة التي قدمتها لملك الآلهة، وهذه هي مكافأتي،
هذا هو نكرانه الأسود للجميل.
أن ينظر بعين الريبة إلى جميع أصدقائه، فهذا المرض
يبدو طبيعيا في نفس الطاغية.
والآن ردا على سؤالك: عن أية تهمة يعذبني زوس، أخبرك.
عندما جلس على عرش والده،
عين في الحال عدة حقوق لمختلف الآلهة،
محددا لكل منهم مكانه المحدد وسلطته.
أما البشر البؤساء فلم يهتم بهم، واعتزم
أن يبيدهم ويخلق جنسا آخر.
فلم يعترض أحد سواي على هذا الغرض؛
فتجاسرت، وأنقذت الجنس البشري من أن يطحن ويحول
إلى تراب، أنقذته من الموت الزؤام؛
ومن أجل هذا أوقع بي هذه الآلام المريرة،
9
وها أنا ذا أتحمل الآلام الشديدة، التي يحطم النظر إليها
لقد عطفت على البشر الفانين، ولكن لما كنت أنا نفسي لا أعتبر جديرا
وهذا منظر يصم اسم زوس بعدم الشرف.
الكوروس :
إن القلب المصنوع من الحديد، والخلق المنحوت من الصخر، يا بروميثيوس، هما
ولو علمت هذا من قبل، لما رغبت قط في أن أرى هذا المنظر، وبما أنني
بروميثيوس :
الحقيقة أن أصدقائي يشعرون بالعطف عند رؤيتي.
الكوروس :
ألم يزد ذنبك على ما قلت؟
بروميثيوس :
بلى، جعلت الناس لا يعرفون موعد موتهم.
الكوروس :
وأي علاج اكتشفت لمحنتهم؟
بروميثيوس :
غرست الأمل الأعمى عميقا في قلوبهم.
الكوروس :
لقد جلبت هديتك لهم نعمة عظمى.
بروميثيوس :
فعلت أكثر من هذا؛
أعطيتهم النار.
الكوروس :
ماذا؟! الناس الذين ليست حياتهم إلا يوما،
يمتلكون إشعاع النار الساخن؟!
بروميثيوس :
نعم، إنهم يمتلكونه، وسيسيطرون على عدة صناعات.
الكوروس :
إذن، فهذا هو الذنب الذي تقاسي عليه العذاب هنا.
بروميثيوس :
أقاسي وحشية زوس التي لا تلين.
الكوروس :
ألم تحدد نهاية لعذابك هذا؟
بروميثيوس :
كلا، لم يحدد شيء، إلا إذا مضى الوقت الذي يختاره.
الكوروس :
لن يختار وقتا قط. فأي أمل هناك؟ لقد كنت مخطئا بحق.
ألا ترى ذلك؟ إني ليحزنني أن أقول إنك مخطئ، ويعذبك قولي
هذا. إذن فلنكف عن الكلام في هذا الموضوع،
وبدلا من هذا، حاول أن تفكر الآن في أية حيلة للخلاص.
بروميثيوس :
من السهل لمن يقف خارج
حائط سجن الألم أن ينصح ويعلم من
يتعذب. كنت أعرف دائما كل ما قلته لي.
مخطئ؟ إنني أقبل هذه الكلمة. لقد رغبت،
رغبت في أن أكون مخطئا!
وبمساعدتي البشر أوجدت المتاعب لنفسي.
ومع ذلك فلم أكن أتوقع عذابا كهذا؛
أن أبقى فوق قمة مهجورة غير مسكونة،
موثقا في وسط الهواء إلى هذه الصخرة،
وأترك عندها حتى أتعفن!
استمعي، كفي عن البكاء من أجل الألم الذي أقاسيه الآن.
انزلي إلى الأرض، سأخبرك بما يخبئه المستقبل لي، ستعرفين
كل شيء من البداية إلى النهاية. اصنعي ما أطلبه منك، اصنعيه!
اشتركي في ألم من كان دوره الآن. فالحزن جواب
يزور الكثيرين، ويحضر معه دائما نفس الهدية.
الكوروس :
إن طلبك لينزل على آذان راغبة في إجابته، يا بروميثيوس.
أقبلن أيتها الشقيقات، اتركن مقاعدكن
في السفينة التي تطير في فضاء الطيور المقدس ،
انزلن بخفة إلى الأرض الصخرية.
إنا نتوق إلى الإصغاء حتى نهاية
قصة كل ما حدث لك، يا بروميثيوس. (تنزل فتيات الكوروس من سفينتهن. وبينما هن يتجمعن على
أوقيانوس :
ها قد بلغت هنا أخيرا!
جئت من مسافة بعيدة لأزورك، يا بروميثيوس،
قائدا هذا المخلوق السريع الأجنحة،
بالرغبة وحدها دون أي لجام.
صدقني، إنني لحزين على سوء حظك؛
فإنني قريب لك، على ما أعتقد،
فجعلتني قرابتي أعطف عليك.
ولكن فضلا عن القرابة، لا أحد
أحترمه أكثر منك.
هذا حقيقي، وسأبرهن لك عليه؛
لأنني لست أهلا للتملق.
هيا، أخبرني الآن ماذا بوسعي أن أفعل لمساعدتك.
لن تقول يا بروميثيوس
إن لك صديقا أوفى من أوقيانوس.
بروميثيوس :
ما هذا؟ من هذا؟ آه! إذن فهل حضرت
لترى عذابي؟ كيف تجرأت على مغادرة
نهرك الأوقياني وكهوفك الطبيعية ذات السقوف الصخرية
لتزور الأرض، أم الحديد؟ أأنت هنا
لتشاهد ما أقاسيه، وتضيف حزنك إلى حزني؟
تطلع إلى هذا المنظر. أنا هنا، صديق زوس،
الذي بمساعدته وطد سيادته المطلقة،
انظر بأية آلام يخضعني الآن.
أوقيانوس :
فهمت يا بروميثيوس، ورغم خبث ضميرك،
أريد على الأقل أن أنصحك بخير ما في مكنتي:
يحكم بين الآلهة ملك جديد. إذن فلتعرف نفسك،
وتتخذ لنفسك طرقا جديدة تلائم الزمن.
فإن تفوهت بألفاظ منحرفة أو غاضبة،
فقد يكون زوس - المتوج، رغم كونه بعيدا في الأعالي - يسمعك،
وتكون النتيجة أن عبء متاعبك الحالية يبدو شيئا تافها
آه يا صديقي البائس! اخلع عنك حالة غضبك، وابحث عن
الخلاص من جميع آلامك. قد يبدو ما أقوله
كلاما عتيقا باليا، غير أن حالتك هي الجزاء المحتم،
يا بروميثيوس، من لسان متغطرس الألفاظ.
إنك لا تزال غير خاضع لم يروضك الألم،
تريد أن تضيف آلاما جديدة إلى ما تعانيه الآن.
هيا الآن، واقبل إرشادي؛ إذ يحكمنا سيد
لا أحد يقدر على مقاومة سلطانه المطلق الفظ.
اعلم هذا، وكف عن رفس المنخس.
والآن سأذهب وأحاول، عسى أن أجد سبيلا في حدود سلطاني،
لإطلاق سراحك. وفي أثناء ذلك، الزم الصمت،
لا تثر ولا تتوعد. إنك ذكي، وتعرف جيدا
أن العقاب يقع على اللسان غير السهل الانقياد.
بروميثيوس :
إنني أحسدك على حظك، إذ لم توضع تحت الرقابة؛
فحتى في وقت الإرهاب، تجاسرت على العطف علي.
والآن اترك هذا الشيء، ولا تفكر فيه بعد ذلك.
اصنع كل ما في وسعك،
فلن تستطيع حثه على الصفح؛ إنه صعب الزحزحة.
خذ حذرك لنفسك؛ لئلا تلتقي بالمتاعب في طريقك.
أوقيانوس :
إنك أكثر حزما عندما تنصح غيرك،
منك عندما تنصح نفسك،
فإن تجاربي لتوضح لي ذلك.
بيد أنني مصمم على الذهاب، ولن أتكلم بعد ذلك ضد هذا الأمر.
إنني على يقين، نعم، متأكد من أن زوس سيمنحني ما أطلب،
ومن أجل خاطري سيفك قيودك ويطلق سراحك.
بروميثيوس :
أشكرك، وسأظل دائما أشكرك. إن معروفك هو كل ما أطلبه،
ولكن لا تفعل شيئا من أجلي؛
فسيذهب تعبك هباء منثورا، ولا يجلب علي أي نفع،
مهما قصدت أن تجرب. لا تفعل شيئا،
وابتعد عن طريق الخطر. فإن كنت أتألم، فلا أرغب إذن
أن يتألم معي عدد كبير،
ابتعد عن هذا الشيء. إن مصير أطلس يحزنني، مصير أخي،
الذي يقف في المغرب الأقصى بحمله الذي لا يطاق،
يضغط على ظهره عمود السماء والأرض.
كما أنني أرثي لحال تيفون
Typhon ،
10
ذلك العملاق المدمر، المولود من الأرض، ذو المائة رأس، والذي
رأيته وقد أخضعت كل قوته النارية بالقوة.
لقد وقف ضد الآلهة المتحدين، وفكاه المخيفان
تصدران الفزع، وينبعث من عينيه وهج فظيع
يومض، ويهدد بإبادة عرش زوس.
ولكن وقع عليه سلاح زوس الساهر،
فأحس بالبخار الناري لتلك الصاعقة الساحقة،
التي نسفته من زهوه الشامخ، وأصابت
نفس قلبه، وأحرقت قوته وحولتها إلى رماد كبريتي.
والآن، إذ سحق تحت جذور جبل إتنا، قرب مضيق البحر،
يرقد كتلة منبطحة عاجزة، بينما فوق القمة
يطرق هيفايستوس الحديد المحمى إلى درجة الاحمرار،
ومن هناك، في يوم ما
ستنطلق أنهار من اللهب، وبفكوك متوحشة تبتلع الحقول المستوية المتألقة في
سيرسله يغلي في صورة تيارات من الزبد المتأجج النيران،
غير القابل للإخماد. ولكنك لست مجردا من التجارب،
ولا حاجة بك إلى تعليماتي. انج بنفسك
بالطريقة التي تعرفها. وفي أثناء ذلك سأشرب كأسي المؤلمة
حتى الثمالة، إلى أن تخف حدة غضب زوس.
أوقيانوس :
ألا تعلم يا بروميثيوس أن الغضب مرض تستطيع الألفاظ شفاءه؟
بروميثيوس :
نعم، إذا لطفت الروح
عندما تكون اللحظة مناسبة، وليس بأن تكبح بفظاظة
جماح غضب مستشيط.
أوقيانوس :
أخبرني يا بروميثيوس، هل ترى خطرا قادما
حتى في جرأتي بالعطف عليك؟
بروميثيوس :
إنه جهد سطحي، وحماقة ناتجة عن خفة العقل.
أوقيانوس :
إذن، فلتكن تهمتي الحماقة. فأحيانا يحصل الرجل العاقل على بغيته عندما
بروميثيوس :
في هذه الحالة أكون أنا الذي يظنه الناس غير عاقل.
أوقيانوس :
يتضح من طريقة كلامك أنه من الخير لي أن أعود ثانية إلى وطني.
بروميثيوس :
لماذا؟ نعم. فإني أخاف أن تخلق لنفسك عدوا بالعطف علي.
أوقيانوس :
ومن هو؟ أهو السيد القوي الحديث التتويج؟
بروميثيوس :
حذار، فقد ينقلب غاضبا.
أوقيانوس :
إن حتفك درس لي، يا بروميثيوس.
بروميثيوس :
انصرف! اخرج! وكن كما أنت!
أوقيانوس :
إني أتوق إلى الانصراف، فلا حاجة لأن تصرخ.
فهذا الحيوان ذو القوائم الأربع، يضرب بجناحيه طريق الهواء
الأملس. نعم، سيسره جدا أن يرقد مرتاحا في حظيرته بالوطن. (يخرج أوقيانوس.)
الكوروس :
إنني أبكي يا بروميثيوس، حزنا على حالتك المميتة.
تنهمر الدموع من عيني،
هابطة في تيار رقيق،
وتغسل خدي كأنها ينبوع ماء.
بهذا المنظر المحزن
يعطينا زوس، الذي يحكم بقوانين من وضعه،
مثالا لسلطته المتغطرسة، على آلهة الماضي.
والآن يصرخ كل قرن من الزمان، حزينا، بصوت عال،
وتحزن أقوام أوروبا
11
عليك وعلى جنس التيتان.
إن حكمك القديم الماجد، وشرفك
وجميع القبائل المستقرة
التي ترعى حقول آسيا المقدسة،
تنتحب عاليا من أجلك وتقاسمك آلامك،
والأمازونات
Amazons
12
المقيمات بأرض كولخيس
Colchis ،
العذراوات الجريئات في القتال،
والجموع السكوثية الساكنة في نهاية الدنيا
على سواحل بحيرة ماكوتيس
Macotis ،
وأمراء بلاد العرب المحاربون،
المتحصنون بقلعتهم الصخرية قرب جبل القوقاز،
13
الذين يلقون الفزع بصرختهم الحربية
في صفوف الرماح المشحوذة؛ يبكون من أجلك.
مرة واحدة من قبل، رأيت
إلها من التيتان يعذب هكذا،
مغلوبا على أمره بقيود منيعة،
إنه أطلس الممتاز وحده في القوة،
الذي يحمل قبة السماء فوق ظهره، ويئن،
14
وأمواج المحيط الواسع
تزمجر معه بصوت واحد،
وتبكي أعماق المياه،
ويتمتم ظلام عالم الموتى الدامس أسفل،
والنافورات المقدسة للأنهار المتدفقة
تبكي حزنا على ألمه.
بروميثيوس :
لا يجب أن تحسبي أني صامت بسب كبريائي أو عنادي،
فإن التفكير والغضب يقضمان قلبي؛
إذ أرى نفسي أعامل هكذا بقسوة. ولماذا؟ من سواي
أحرز لهؤلاء الآلهة الجدد أمجادهم، أولا وأخيرا؟
كل ما تعرفينه، ولن أتحدث به، مما فعلته
للبشر في محنتهم، اسمعيه الآن. فأولا
كانوا بغير عقل، فأعطيتهم عقلا وتفكيرا، وما أقوله
ليس انتقادا.
إن جميع هداياي لهم، كانت بدافع حسن النية.
كانت لهم في تلك الأيام عيون، ولكن لا بصر لها،
وكانوا يسمعون أصواتا دون أن يستطيعوا الإصغاء إليها،
وكانوا يقضون حياتهم كلها
كالأشباح في الأحلام، مضطربين ولا هدف لهم.
والبيوت المبنية بالطوب المجفف بحرارة الشمس، أو بالنجارة،
لم تكن لهم أية فكرة عنها، بل كانوا يعيشون في الجحور،
كأسراب النمل،
أو في أعماق الكهوف البعيدة عن ضوء الشمس،
ولم يعرفوا طريقة أكيدة
لتحديد الشتاء، أو الربيع المزهر، أو الصيف المثمر؛ كانت كل أعمالهم بغير
والمهارة في تذكر كل شيء؛ أم كثير من الفنون.
وكنت أول من أخضع الحيوانات ووضعها تحت النير كعبد للإنسان بالسيور أو
عربة الملاح؛ تلك المركبة ذات الأجنحة الكتانية التي تجوب
أوجدت مثل هذه الأدوات والمهارات للبشر، أما أنا نفسي ففقير بائس،
أفتقر حتى إلى حيلة تخلصني من هذا الألم الممض.
الكوروس :
يعقب الذل الألم، فإذا كنت مشتت الفكر ضللت طريقك، كالطبيب الفاشل
بروميثيوس :
والآن، اسمعي بقية ما سأخبرك به؛ أية صناعات،
وأية طرق ابتكرتها، وستدهشين أكثر من ذلك.
أول شيء من حيث الأهمية: إذا مرض الإنسان، لم يكن لديه
أي علاج، من الدواء الصلب أو السائل،
أو المرهم، بل كان يموت لافتقاره إلى العقاقير،
إلى أن علمتهم كيف يخلطون الأعشاب الشافية المسكنة،
وبذا يحافظون على أنفسهم من جميع الأمراض.
بعد ذلك وضعت طرقا شتى للتنبؤ،
فكنت أول من استخدم الأحلام في معرفة ما يخبئه القدر
ليحدث بعد ذلك، وفسرت المعنى الخفي
لأصوات الإنسان، وأصوات الأشياء، والمناظر التي يلتقى
بها صدفة في الطريق.
وحددت طيران الطيور الجارحة المعقوفة المخالب تحديدا دقيقا،
وما كان منها طالع سعد بطبيعته، وما كان منها شؤما، وكيفية معيشة
كل نوع منها،
والأحقاد، والصداقات، والمخالطات نوعا بنوع
وكيف يحتفظ بها، وكيفية تفسير العلامات في الضحية،
كرقة القلب، وأضواء النار، وأية ألوان منها تسر الآلهة
في كل من أشكال فصوص الكبد الأرقط،
وعظام الفخذ الملفوف بالدهن. وأحرقت السلسلة الفقرية،
قائدا الناس في سبل ذلك الفن الغامض.
وعلامات اللهب التي كانت غامضة من قبل، أوضحتها الآن.
هذا كثير في شأن التنبؤ. تأتي بعد ذلك كنور الأرض؛ البرنز
والحديد والفضة والذهب، المخبأة عميقا في باطن الأرض،
من غيري
يستطيع أن يفخر بأنه كان أول من وجدها؟ لا أحد، إلا من يتكلم
كالمجنون. وبالاختصار، هاك الحقيقة في كلمة واحدة:
كل مهارة البشر وعلومهم كانت هدية بروميثيوس.
الكوروس :
إذن، أبعد أن ساعدت البشر على حساب ضرر نفسك، تهمل في
تخليص نفسك من العذاب؟ إن عندي آمالا، في أن يطلق
سراحك وتنافس زوس في سلطانه.
بروميثيوس :
القدر كفيل بتنفيذ كل شيء في الوقت المناسب، ولكن ليس مقدرا
أن تصل هذه الأحداث إلى مثل هذه النهاية. مقدر لي
ألا أحصل على الحرية إلا بعد آلام لا تحصى.
فالدهاء شيء تافه جدا بجانب الحاجة.
الكوروس :
ومن الذي يضع يده على الدفة ليقود الحاجة؟
بروميثيوس :
الأقدار الثلاث، والفوريات
Furies ،
15
اللواتي لا ينسين شيئا.
الكوروس :
وهل تقل سلطة زوس عن سلطة هؤلاء؟
بروميثيوس :
إنه لا يستطيع الفرار من القدر.
الكوروس :
وأي شيء أعطاه القدر لزوس، غير السلطة الخالدة؟
بروميثيوس :
هذا شيء قد لا تعرفينه؛ ولذا لا تسألي عنه.
الكوروس :
إنه حقيقة ما، مقدسة، تلك التي تلفها بالغموض.
بروميثيوس :
حولي أفكارك في أي اتجاه آخر، فليس هذا وقت الكلام
في ذلك، إنه سر يجب بكل وسيلة
كتمانه، فبالمحافظة عليه يمكنني الهروب
من هذا السجن المقيت، وهذه الآلام المخيفة.
الكوروس :
عسى زوس، الذي يصرف كل أمر،
ألا يستخدم قوته في سحق إرادتي،
وعسى ألا أمل أبدا
عبادة الآلهة بتقدمات نقية من الثيران،
بجانب مجرى أبي أوقيانوس الذي لا ينضب معينه.
لعلي لا أخطئ بالكلام، بل لعل هذه العزيمة
تظل على أشدها في قلبي.
من الممتع أن يقضي المرء طوال حياته
في ثقة واطمئنان وأمل،
ويغذي النفس بالنور والمرح.
بيد أنني أرتعد عندما أراك، يا بروميثيوس،
معذبا بآلام لا نهائية
لأنك لا تخاف زوس،
وإنما تتبع أهواءك.
إنك تحترم جنس البشر الفانين احتراما بالغا!
انظر، يا صديقي، كيف ذهبت جميع المنافع التي قدمتها،
دون أن تشكر عليها.
أخبرني: أية قوة موجودة؟ وأين هي؟
وأية مساعدة توجد في البشر الذين يعيشون لمدة
يوم واحد فحسب؟
ألم تلاحظ العجز الذريع،
الضعيف كالحلم،
الذي يكبل قبائل البشر العمياء؟
فلن تخطئ أغراض البشر إطلاقا
خارج نطاق حكومة زوس.
هذه هي الحقيقة التي تعلمتها من سقوطك، يا بروميثيوس.
وما يرن في أذني هو الاختلاف
بين أصوات حزن اليوم
والأغاني التي أنشدناها لمباركة زواجك،
أغنية الحمام، وأغنية الفراش،
عندما غازلت ونلت بالهدايا
شقيقتي هيسيوني
Hesione ، وصارت عروسك
(تدخل إيو.)
إيو :
أية أرض هذه ؟ وأي جنس يعيش هنا؟
من هذا الذي أراه مكبلا بقيود الصخر
تحت رحمة الريح والعاصفة؟ (تصرخ فجأة من الألم والفزع.)
إن ذبابة المواشي تلدغني من جديد. أواه! أواه!
إنني أرى شبح أرجوس،
الراعي ذي المائة عين، المولود من الأرض.
أيتها الآلهة! أبعديه عني!
لقد قتل، غير أنه ما من أرض تخفيه،
إنه يلاحقني بنظرته الماكرة،
لقد هرب من قبره ليطاردني بغير رحمة،
ويسوقني جائعة فوق الشواطئ الرملية،
بينما الموسيقى الواضحة للمزامير
16
المكسوة بالشمع
تملأ أذني بنغمة تتلهف إلى النوم.
إلى أين، إلى أين، إلى أين
تقودني في رحلتي غير المنتهية، غير المنتهية؟
ماذا جنيت، يا ابن كرونوس؟
أي ذنب وجدته في،
لتضع فوقي مثل نير العذاب هذا،
وتسوقني إلى البؤس والجنون
بذلك الفزع المثير اللاذع؟
أحرقني بالنار، دع الأرض تبتلعني،
ارمني طعاما لحيات البحر.
أيها السيد الرب، أترفض لي هذا التوسل؟
لقد طال ترحالي حتى امتد إلى مسافات بعيدة،
وعوقبت بهذا الترحال بما فيه الكفاية،
لست أعرف كيف أهرب من الألم.
أتسمع صوتي؟ إنني إيو؛ الفتاة ذات القرون!
بروميثوس :
حقا إنني أسمع صوت ابنة إناخوس المخبولة التي ألهبت قلب زوس بالحب، وتقاسي
17
عذاب مطاردة طويلة قاسية.
إيو :
إنك نطقت باسم والدي، فكيف عرفته؟
أخبرني، من أنت، أنت الذي يرثى لحالك مثلي؟
إنك تعرف من أنا، ونطقت صوابا باسم
المعذب المرسل من السماء،
الذي يهاجمني ويطاردني بلدغاته.
كنت أجري بغير راحة
بقفزات جنونية من الألم والجوع،
ضحية لحقد هيرا الفظيع.
هل هناك أحد في كل عالم الآلام هذا يعاني ما أعانيه؟
أخبرني بوضوح، ماذا بقي لي لأقاسيه؟
وأية وسيلة، وأي علاج يمكنه إنقاذي؟
تكلم إذا كنت تعرف، أعط المساعدة والإرشاد
للعذراء المعذبة المنفية.
بروميثيوس :
سأخبرك ببساطة عن كل شيء ترغبين في معرفته، لن أحيك غموضا، وإنما
إيو :
أيها المحسن العام للجنس البشري،
يا بروميثيوس المنحوس الطالع، لم صلبت هكذا؟
بروميثيوس :
كنت أندب جميع آلامي، ولكنني كففت الآن.
إيو :
ألا تريد أن تخبرني؟
بروميثيوس :
اسألي، سأجيب على كل شيء.
إيو :
إذن فمن الذي سمرك بإحكام في هذا الوادي؟
بروميثيوس :
قررت إرادة زوس، فأطاعت يد هيفايستوس.
إيو :
وما الذنوب التي تنال عنها هذا العقاب؟
بروميثيوس :
كفى ما أخبرتك به.
إيو :
إذن، فأجبني على هذا السؤال: أين ينتهي تجوالي الملعون؟ ومتى؟
بروميثيوس :
لن أخبرك الآن. هذا خير لك من أن تعرفي.
إيو :
لا تخف عني ما قدر لي أن أقاسيه.
بروميثيوس :
لن أجيبك، بغير رضاي، على ما سألتني عنه.
إيو :
إذن فلماذا تتردد في إخباري بالحقيقة كلها؟
بروميثيوس :
ليس هذا عن سوء قصد. إنني أتحاشى أن أكسر قلبك.
إيو :
هيا، لا تهتم بي أكثر مما أريد.
بروميثيوس :
حيث إنك مصممة على هذا، فلأخبرنك إذن، استمعي.
الكوروس :
لم يحن الوقت بعد. هيا بنا نشترك في هذه المتعة.
ولنسأل إيو لتخبرنا أولا عن قصة عذابها،
ونسمع من شفتيها كيفية تحطيم حياتها.
وبعد ذلك، تعلم هي منك ماذا يجب عليها أن تقاسيه.
بروميثيوس :
جاء وقتك، يا إيو، أن تجيبي طلبهن،
ولا سيما وهن أخوات والدك.
يجد الحزن والدموع الجزاء الحق عندما
يكون السامعون أيضا مستعدين بدموع العطف.
إيو :
لا يمكنني أن أرفض، ستسمعون كل شيء تريدون معرفته، بألفاظ بسيطة، حتى ولو
كانت الرؤى تزورني في حجرتي ليلا،
وتكرر ألفاظ الغزل، قائلة: «يا أعظم الفتيات المباركات،
لماذا تعيشين عذراء طوال هذه المدة؟ إن الحب ينتظرك،
الأعظم زوس، تلهبه سهام الرغبة،
فيتوق إلى الاتحاد معك في حب. لا ترفضي،
يا طفلتي، فراش زوس. اخرجي إلى حشائش ليرنا
Lerna
العميقة، حيث ترعى أغنام والدك وماشيته،
لكي ترتاح عين زوس من الشوق، ويشفي غليله.»
كانت مثل هذه الأحلام تأتيني في كل ليلة متعبة،
إلى أن تجاسرت على إخبار والدي، فأرسل الرسل مرات عديدة إلى بوثو
وإلى دودونا
Dodona
ليعرف ماذا يجب عليه أن يفعل أو يقول، لكي يرضي
فكانوا يعودون بتقارير محيرة،
غامضة الألفاظ، وصعبة التفسير. ولكن أخيرا جاءه قول واضح لا غموض
يأمر إناخوس
Inachus
18
بأن يطردني من بيته
ومدينته كي أرتحل كفتاة شريدة
19
إلى أطراف الدنيا،
فإذا رفض، فإن صاعقة زوس النارية
تسقط وتبيد عشيرته إلى آخر رجل.
هكذا كان وحي لوكسياس
Loxias ، فانصاع أبي
وفي الحال تغير شكلي، واختل عقلي، وصرت ذات قرون،
كما ترون، ويلدغني منخس ذبابة الماشية الثاقب،
فاندفعت أتشنج مجنونة إلى المجرى البلوري
لكرخنيا
Cerchnea
وإلى ينبوع ليرنا،
أرجوس، الراعي العملاق الشديد الغضب
الذي كان يراقب كل خطوة أخطوها بعيونه المائة ألف.
وفجأة نزلت ضربة غير متوقعة سلبته حياته.
أما أنا، التي جننت بلدغة ذبابة الماشية، فلا أزال
مطاردة من أرض إلى أرض،
يلهبني ذلك السوط الذي عينته الآلهة.
هذه هي قصتي،
فإذا كان بوسعك أن تخبرني بما لا يزال باقيا لأعانيه، فأخبرني، ولا
الكوروس :
يا له من قضاء فظيع محزن!
لم أحلم قط بأن مثل هذه القصة الغريبة
تصل إلى أذني،
ذلك الألم الشديد، والقسوة، والفزع،
المريرة جميعا سواء في النظر إليها أو في احتمالها،
لن تجمد روحي بجرح حاد كهذا.
وا أسفاه، أيها القدر، القدر!
إنني أرى حظ إيو فأرتجف.
بروميثيوس :
إنك تذرفين دموعك قلب الأوان، كسيدة مذعورة.
احتفظي بها حتى تسمعي ما سيأتي الآن بعد ذلك.
الكوروس :
تكلم إذن، وأخبرها بكل شيء. فمما يريح المتألمين أن يعرفوا مقدما كل
بروميثيوس :
لقد حصلت على طلبك الأول بسهولة، كنت ترغبين في سماع قصة إيو من شفتيها. والآن هيا، اسمعي البقية؛ أية آلام على يد هيرا لا تزال تنتظر هذه الفتاة
جميع ترحالاتك.
اتجهي أولا، من هذا المكان، نحو الشمس المشرقة، واجتازي السهول غير
الذين يعيشون في مكان مرتفع فوق سطح الأرض،
في بيوت يقيمونها على عربات متينة العجلات،
ذات سقوف من الأغصان المضفورة.
إنهم يتسلحون بقسي قوية، ابتعدي عنهم تماما، وسيري في الطريق القريب
Chalybes ، الذين
بعد ذلك تصلين إلى نهر هوبريستيس
Hybristes ،
لا تحاولي عبوره، فهو بالغ الخطر.
استمري في سيرك حتى تصلي إلى جبال القوقاز نفسها، إلى قمة
جميع سلسلة الجبال تلك، حيث ينبع من جوانبها نهر يتدفق في عنف. عندئذ
سوف تؤسس هذه العشيرة في المستقبل مدينة ثيميسكورا
Themiscyra
على نهر ثيرمودون
Thermodon ، حيث يواجه فك جبل سالموديسوس
Salmydessus
البحر، وهذا عدو للملاحين،
ستقودك الأمازونات في طريقك مسرورات أبلغ السرور.
بعد ذلك، عند موضع اتصال نهر ضيق ببحيرة،
ستصلين إلى البرزخ الكيميرياني
Cimmerian .
إذن يجب عليك أن تغادري
الأرض بجرأة وتعبري المضيق المايوتيكي
Maeotic .
ستتحدث العصور القادمة
بقصة عبورك هذه، وسيسمى
ذلك المكان البوسفور
Bosporus
تخليدا
ألا يبدو لك أن ملك الآلهة هذا
يستخدم العنف في جميع الأمور سواء بسواء؟
إن إلها يتوق إلى الزواج بهذه الفتاة البشرية، فيحكم عليها بمثل هذه
إيو (وهي تبكي) :
أواه! أواه! ليس بوسعي أن أحتمل هذا!
بروميثيوس :
أتعودين إلى البكاء والأنين؟
وعندما تسمعين البقية، ماذا يحدث إذن؟
الكوروس :
هل لديك ما تخبرنا به من المتاعب والآلام، غير هذا؟
بروميثيوس :
نعم، لدي بحر عاصف قاتل النكبات.
إيو :
ولماذا أستمر في الحياة إذن ؟ لماذا لا ألقي بنفسي في الحال إلى أسفل، من فوق
فأجد الراحة من جميع آلامي؟ خير لي أن أموت مرة واحدة، من أن أقاسي العذاب
بروميثيوس :
إذن سيشق عليك احتمال آلامي المبرحة؛ إذ مقدر لي ألا أموت.
فلو مت لكان في الموت خلاصي، أما الآن فلا تلوح في الأفق أية نهاية
إيو :
ماذا؟ وهل من الممكن أن يخلع زوس؟
بروميثيوس :
أعتقد أنه يسرك أن تري ذلك يتحقق.
إيو :
وكيف لا، بعد كل ما سببه لي من عذاب؟
بروميثيوس :
خذيها حقيقة، واقعة: سيحدث هذا.
إيو :
وبواسطة من
سيجرد زوس من سلطته؟
بروميثيوس :
نفس أغراضه الحمقاء.
إيو :
وكيف يحدث هذا؟ أخبرني، إن لم يكن فيه ضرر.
بروميثيوس :
يفكر في زواج ينتهي إلى سقوطه.
إيو :
أيريد الزواج بربة خالدة، أو بفتاة من البشر؟
أخبرني، إن كان بوسعك.
بروميثيوس :
ولماذا تسألين عمن سيتزوجها؟ هذا شيء
لا أستطيع أن أفضي به إلى أحد.
إيو :
إذن، فهل هي التي ستخلفه على عرشه؟
بروميثيوس :
ستلد ابنا أقوى من أبيه.
إيو :
أما من طريقة يفلت بها زوس من هذا القدر؟
بروميثيوس :
كلا، إلا بمساعدتي. أنا وحدي الذي يستطيع
إنقاذه، إن أطلق سراحي.
إيو :
ولكن إذا كان زوس غير راغب في إخلاء سبيلك،
فمن يستطيع إطلاق سراحك؟
بروميثيوس :
يستطيع ذلك ابن لك يطلق عليه اسم «مخلصي».
إيو :
ماذا تقول؟ سيخلصك ابني من هذه السلاسل؟
بروميثيوس :
نعم، في الجيل الثالث عشر بعدك.
إيو :
يتعذر علي تفسير هذه النبوءة الأخيرة.
بروميثيوس :
إذن فلا تسعي إلى معرفة حظك المقدر لك.
إيو :
لقد منحتني هذا المعروف، فلا ترفض الآن.
بروميثيوس :
سأمنحك واحدة فقط من نبوءتين.
إيو :
وما هما؟ امنحني ما أختاره.
بروميثيوس :
إذن، فاختاري بين بقية رحلتك، وبين مخلصي.
الكوروس :
من هذين المعروفين، أرجوك أن تمنحها واحدا،
وتمنحني الآخر، يا بروميثيوس. لا تكن مكرها في إخبارنا.
أظهر لإيو جميع ترحالاتها المستقبلة.
وأخبرني بذلك الذي سيطلق سراحك،
فإني أتلهف إلى معرفة ذلك.
بروميثيوس :
بما أنك متلهفة، فلن أرفض إخباركما، بكل ما تطلبانه. فأولا: سأذكر لك يا
بعد أن تعبري المضيق الفاصل بين قارتين،
استمري في تجوالك فوق لجة البحر نحو الشرق؛ حيث تبدو الشمس ملتهبة عند
Cisthene ، التي
في صورة بجعات، ولهن عين واحدة وسن واحدة بين
20
ذوات الشعور الثعبانية، اللائي لا يراهن إنسان، ولا يعيش
ليس هذا سوى البداية. والآن، اسمعي عن منظر بشع آخر يجب أن تلتقي به. احذري كلاب زوس الساكنة، الجريفينات
21
الحادة المناقير. واحذري قبيلة الفرسان الأريماسبيين
Arimaspian ، ذوي العين الواحدة،
، الذي تقذف مياهه بالذهب. لا تقتربي من
بعد ذلك ستصلين إلى منطقة نائية،
حيث يعيش قوم سمر البشرة، بقرب
Bybline
نهر النيل الذي يتدفق مجراه المقدس ليطفئ
حيث تؤسسون أخيرا، أنت ونسلك يا إيو
مستعمرتكم القصية بأمر القضاء.
إذا وجدت نقطة غير واضحة أو صعبة الفهم،
فاسألي عنها ثانية، وتأكدي من أنك فهمتها.
لدي متسع من الوقت أريد إنفاقه أكثر مما أريد أن أحتفظ به.
الكوروس :
إذا بقي شيء ستخبرنا به
من رحلات إيو الحافلة بالآلام،
فهات ما عندك، وإلا فامنحنا الآن
المعروف، الذي - كما تتذكر - طلبناه منك.
بروميثيوس :
لقد سمعت إيو كل طريق تجوالاتها،
وإذا كانت تعتقد أنني أفضيت إليها بكلام غير حقيقي،
فسأخبركن بما قاسته قبل مجيئها إلى هنا،
لأبرهن على صحة أقوالي. سأهمل ذكر معظم التفاصيل،
وأتعرض مباشرة إلى تجوالاتك الحديثة.
عند وصولك إلى السهول المولوسية
Molossian
والسور الصخري
المرتفع فوق دودونا،
حيث مقر وحي زوس الثيسبروتي
Thesprotian ،
حيث تنمو أشجار البلوط الناطقة،
التي هي أعجوبة تتحدى التصديق، والتي خاطبتك بوضوح وبغير غموض، على أنك
22
ومنه رجعت ثانية،
وقد ساقتك عاصفة الاضطراب إلى مجيئك الوحشي إلى هنا. ولسوف يدل خليج
Ionian ، كي يخلد لجميع البشر قصة
يرى أكثر مما تلتقي به العين.
أما الآن فسأخبركن جميعا
بالبقية، مستأنفا حديثي من النقطة التي توقفت عندها.
حيث يرسب فيضان النيل شاطئه
Canopus ، وهناك سيعيد زوس عقلك إليك أخيرا، ويأتيك ليس
فبمجرد أن يضع يده عليك، فإنها تضع الحياة في رحمك،
وستلدين لزوس ابنا أسمر البشرة، وتطلقين عليه اسما مشتقا من طريقة
Epaphos » أي «طفل
سيمتلك ثروة محاصيل جميع تلك الأراضي التي يرويها النيل العريض المجرى. وبعد
23
بيد أن الرب سيضن عليهم بالتمتع بعرائسهم،
وسترحب بهم أرض أرجوس عندما يأتي الليل وتقوم العزيمة الجريئة بنوبة
الحرب والذبح، وتقهر كرامة الذكور؛
لأن كل واحدة ستغمد سيفها الحاد في رقبة زوجها وتقتله.
عسى مثل هذا الحب يصيب أعدائي!
إلا أن الرغبة الحلوة ستغري فتاة
ومن أولاد أولادها يولد في الوقت المناسب (إن تبعنا كل خطوة
استغرقنا وقتا طويلا) بطل لا يعرف معنى الخوف،
ويشتهر بدقة إطلاق السهام، ينقذني من هذه القيود.
هذا هو الوحي الذي أخبرتني به أمي،
ثيميس التيتانية، المولودة في العصر القديم. ولكن كيف يحدث
كل هذا ، يستغرق تفسيره وقتا طويلا مني، ولا تجنين شيئا من وراء
(تقاطعه إيو بصرخة ألم وحشية.)
إيو :
لقد عاودتني نوبة الجنون،
وإن مخي ليتشنج، وذبابة الماشية
تلدغني بسهمها الخالد،
ويخفق قلبي بشدة داخل جسمي،
وتضطرب مقلتاي وتدوران،
وينزل علي الجنون كعاصفة غاضبة،
فيدفعني بعيدا عن طريقي؛
فلا أستطيع التحكم في لساني؛ فتندفع الألفاظ منه كيفما اتفق،
وتصطدم بأمواج من الدمار القاتل!
24 (تخرج إيو.)
الكوروس :
لقد كان رجلا حكيما حقا
يزن أفكاره في ذهنه أولا ثم يعبر عنها بالألفاظ،
حتى يكون خير حكم
هو أن تتزوج من درجتك،
وأن الرجل الذي يشتغل بيديه يجب ألا
ولا بامرأة تزهو بأسرتها النبيلة.
أيتها الأقدار، المنفذات لكل أمر،
لعلكن لا ترينني أقاسم زوس فراشه؛
وألا أتزوج إلها قط!
لأنني أرتعد إذ أرى عذراوية إيو،
محرومة من حب إنسان،
ومعذبة في منفى لا يستقر لها فيه قرار بقسوة هيرا.
عندما يكون الزواج متعادلا
في حالتي، فإنه لن ينطوي على خوف أو خطر.
ولكن عسى حب الآلهة الأعظم مني
ألا يلقي علي نظرة صعبة المقاومة؛
إذ عندها تكون حربا لا يمكن القتال فيها،
وطريقا مباشرا لليأس.
لا يمكنني التنبؤ بما سيكون عليه مصيري؛
لأنني لا أرى طريقا للفرار من رغبة زوس.
بروميثيوس :
أقسم على أن زوس، رغم كل عناده، يمكن
إخضاعه. ستكون هذه الزيجة كارثة،
تلك التي ينوي عليها، زيجة تطيح به
من العرش ومن الملك إلى حيز النسيان.
وعندئذ، تتحقق اللعنة التي صبها عليه أبوه كرونوس،
يوم أن فقد عرشه القديم.
ما من إله غيري بوسعه أن يظهر له
طريقة اجتناب هذه النائبة؛ فأنا أعرف كل شيء.
فلندعه الآن جالسا، في اطمئنان هادئ
وسط رعوده السماوية، ملوحا في يده
بصاعقته التي تنفث النار التي لن تنقذه؛
سيكون سقوطه أكيدا، ومخجلا، وغير ممكن الاحتمال!
مثل هذا الخصم يعده الآن بنفسه
ضد نفسه، أعجوبة غير قابلة للمقاومة،
إنه خصم سيجد لهبا أشد حرارة من صواعق البرق،
ضربة قاضية تشل الرعد ، ضربة قوتها ستشق رمح بوسايدون
الثلاثي الشعاب، ذلك السوط المرهوب،
الذي يهز كلا من البحر والبر. هذا هو الحاجز
الصخري، الذي فوقه
تصطدم قوته وتغرق، حتى يعلم عظم
الهوة التي تفصل بين أن يحكم المرء وأن يحكم.
الكوروس :
لا شك في أن هذه التهديدات ضد زوس،
لا تمثل سوى رغبتك أنت وحدك.
بروميثيوس :
إني أتكلم بما سوف يحدث حقيقة، وبرغبتي أنا أيضا.
الكوروس :
هل لنا إذن أن نتوقع مجيء من يجبر
زوس على أن يجثو على ركبتيه؟
بروميثيوس :
نعم، ستنحني رقبة زوس تحت وطأة آلام أسوأ من آلامي.
الكوروس :
ولماذا لا تخاف الإفضاء بمثل هذه الألفاظ المنطوية على إهانات
بروميثيوس :
ولماذا أخاف؟ ليس مقدرا لي أن أموت.
الكوروس :
قد يبتكر لك زوس ألما أشد عذابا.
بروميثيوس :
إذن فليفعل! أنا مستعد لكل شيء.
الكوروس :
يجب على الرجل الحكيم أن يتكلم بتواضع، وأن يخشى نيميسيس
Nemesis .
25
بروميثيوس :
الانحناء! والتوسل! كما هي العادة دائما يشقان على اليد القوية!
فأنا لا أكترث لزوس قط، وليعمل
ويحكم كيفما شاء لتلك المدة القصيرة التي له.
لن يحكم طويلا بين الآلهة. لماذا؟! انظري!
ها هو ذا رسوله قادم، ذلك اللاعق الجديد لبصاق الطاغية.
لا شك في أنه يحمل رسالة ما. (يدخل هيرميس.)
هيرميس :
إنني أخاطبك، أنت يا ذا العقل الراجح والقلب المريض أكثر من المرض نفسه،
يأمرك الأب بأن تخبره عن تلك الزيجة،
التي تفخر بأنه سيسقط بواسطتها عن سلطانه. تكلم الآن، لا تتحدث بألغاز
بروميثيوس :
أيتكلم هذا الإله الوضيع بين الآلهة، بعبارات طنانة مليئة بالأهمية؟! إنك وكل حاشيتك صغار، وكذلك سلطتك،
وتحسب أنك تحتل
قلعة منيعة، بيد أنني شاهدت
أسرتين أطيح بهما من نفس هذا العلو،
وسأرى الثالثة، الملك الحالي، يسقط إلى الأرض
في عار أكثر من عار طليعته، وأسرع منها.
أتظنني أرتعد وأنكمش أمام هؤلاء الآلهة الحديثي العهد بالسلطان؟!
لا أهتم بهم في كثير أو قليل، ولا أعيرهم أقل انتباه!
والآن، ارجع أدراجك في نفس الطريق التي جئت منها، فلن تعلم أي شيء من
هيرميس :
مثل هذا السلوك العنيد والوقح،
هو الذي جر عليك هذا العذاب المؤلم.
بروميثيوس :
أفهم هذا، لن أغير عذابي المؤلم،
بأية شروط، من أجل ذلتك وعبوديتك.
هيرميس :
لا شك في أنك تفضل أن تظل عبدا مقيدا إلى هذه الصخرة،
على أن تكون الرسول الموثوق به للأب زوس.
بروميثيوس :
إنك تستعمل اللغة المناسبة للوقح.
هيرميس :
يلوح لي أنك تجد حالتك الحاضرة ترفا.
بروميثيوس :
أتعتقد هكذا؟ عسى ذات يوم أن أرى أعدائي وأنت من بينهم،
في مثل هذا الترف!
هيرميس :
ماذا؟! أنا؟! أتلومني على آلامك؟!
بروميثيوس :
موجز القول أنني أمقت جميع الآلهة الذي يجازون على معروفي بمثل هذا الغضب
هيرميس :
من الجلي أن جنونك قد امتد إلى شوط بعيد.
بروميثيوس :
ربما، إذا سميت كراهية الأعداء جنونا.
هيرميس :
إذا أطلق سراحك واستعدت قوتك، غدوت شيئا لا يطاق.
بروميثيوس :
وا أسفاه!
هيرميس :
وا أسفاه! هذه كلمة لم يعرفها زوس قط.
بروميثيوس :
ولكن الزمن، عندما يشيخ، سيعلم كل شيء.
هيرميس :
لم يعلمك الزمن ضبط النفس أو الحزم، حتى الآن.
بروميثيوس :
كلا، وإلا لما جادلت إلها وضيعا.
هيرميس :
يظهر أنك لن تقول شيئا مما يريد زوس أن يعرفه.
بروميثيوس :
ومع ذلك، فأنا مدين له بالشيء الكثير، إلى أن أرده له مسرورا.
هيرميس :
أتمزح معي؟ أتظنني طفلا؟
بروميثيوس :
ألا تكون عندئذ طفلا، أو أسوأ من طفل، إذا كنت لا تزال تأمل في أن تحصل
ما من عذاب، أو عنف، بواسطته
يستطيع زوس أن يحملني على الإفضاء بسري، إلى أن تزال عني
أضرار هذه القيود. إذن
فلتنزل اللهب الحارقة من السماء. دع الدنيا كلها بعواصف الثلج
البيض الأجنحة، والرعود تحت الأرضية تنهال وترتج؛ لا شيء
يجبرني على إظهار بيد من سيطيح القدر بزوس من طغيانه.
هيرميس :
فكر الآن فيما إذا كانت هذه الطريقة تجدي.
بروميثيوس :
فكرت في كل هذا منذ زمن طويل مضى، وأنا الآن مصمم.
هيرميس :
هيا، وهات ما عندك، أيها الأحمق، بينما لا يزال هناك وقت
تزن فيه موقفك وتعود إلى صوابك.
بروميثيوس :
إنك تضيع أنفاسك سدى. وبوسعك أن تحث الأمواج أيضا.
لا يتسربن إلى نفسك أنني بالخوف مما ينوي زوس، سأكشف عن
عقل امرأة، أو أركع أمام عدوي الممقوت بأيد نسوية
مبسوطة للتوسل من أجل إخلاء سبيلي. كلا، كلا على الإطلاق!
هيرميس :
أرى كلامي يجر كلاما آخر، وبغير ما فائدة، فمهما رجوت، فلا شيء يجعلك
لأن العناد خلق أحمق، ليس له
قوة في نفسه. فكر الآن في أية عقوبات
ستنهال عليك، دون ريب، كعاصفة
الأمواج الشاهقة، إذا رفضت سماع كلامي.
فأولا، سيشق زوس هذه الهوة الصخرية بالزلزال ولهب البرق، ويدفنك تحت
وأنت لا تزال مسمرا إلى هذه الصخرة المعانقة. وبعد مرور زمن طويل، ستعود
من مثل هذا العذاب، حتى يعثر
26
على إله
ليحل محلك في العذاب، وينزل باختياره إلى هاديس التي لا تصل إليها الشمس،
فكر من جديد إذن، فليس هذا مجرد كلام مختلق، ولكنه الحقيقة كما تحدث
تبصر في كل طريقة، وفكر، وتأكد من هذا؛
فدائما ما كانت الموعظة الحسنة خيرا من العناد.
الكوروس :
يبدو لنا أن كلام هيرميس معقول؛
إنه يأمرك بنبذ المقاومة وسماع النصيحة الخالصة.
أطعه، فإن حمق العاقل هدار للكرامة.
بروميثيوس :
كنت أعرف ما يريد هيرميس أن يقول
قبل أن يثرثر به. لن يخل بشرف
العدو أن يقاسي الآلام على يدي عدوه.
إذن، فلتنزل علي حلقات البرق ذات الشعاب،
وليثر الهواء بالرعد واضطراب الرياح العاتية،
ولتخرج الزوابع قاع الأرض من جذوره، ولتقلب أمواج البحر
المزمجرة بوحشية طريق النجوم في السماء.
دعه يرفعني إلى فوق، ثم يقذف بي إلى تارتاروس المظلم،
فوق التيارات الوحشية للمصير الحتمي؛
إنني كائن لا يستطيع زوس أن يقتلني.
هيرميس :
مثل هذه الأفكار والألفاظ
هي ما يتوقع المرء سماعه من المجانين.
فإن طلباته هذه لتدل على أعراض الاضطراب،
ولا أرى أية علامة للتحسن. (إلى الكوروس)
أما أنتن، يا من تعطفن
فابتعدن عن هذا المكان بسرعة،
لئلا يشل قصف الرعد العاتي حواسكن.
الكوروس :
إذا أردت أن تحثه، فاستعمل نغمة غير هذه، وانصحه بمشورة أخرى. إنك تتكلم
سنبقى مع بروميثيوس، وليأت ما يأتي.
لقد تعلمنا أن نمقت من يتخلون عن أصدقائهم؟
وما من منقصة نحتقرها أكثر من هذه.
هيرمس :
إذن، فلتتذكرن تحذيري،
وعندما تدهمكن الكارثة
فلا تلقين اللوم على الحظ، أو تقلن إن زوس قد أغرقكن في آلام غير
حينئذ لا تلومن إلا أنفسكن وليس زوس.
فإنكن على علم بما سيأتي، ولن يأتي على حين غرة،
أو يحدث سرا.
إن حماقتكن وحدها هي التي ستوقعكن
في شرك الهلاك الذي لا فكاك منه. (يخرج هيرميس.)
بروميثيوس :
سيحدث الآن، ينتقل التهديد إلى حيز التنفيذ، فالأرض تضطرب، والرعد يرسل
ويرقص التراب داخل دوامة ترتفع كالنافورة،
وتتقاتل تيارات الرياح الأربع معا،
وترتب أنفسها في صفوف استعدادا للمعركة،
ويقعقع الجو والبحر في أصوات مختلطة غير متميزة.
وأرى الطوفان يتقدم نحوي،
وقد أرسله زوس ليخيفني.
أيتها الأرض، يا أمي المقدسة ،
ويا أيتها السماء، حيث الشمس والقمر
يعطيان الضوء للجميع، كل منهما بدوره،
إنكما تريان كيف أظلم! (تتحطم الصخرة وتختفي، بينما يتفرق الكوروس في جميع
مسرحية السبعة ضد طيبة
مقدمة
تتعلق قصة أوديبوس
1
وأسرته، المعروفة جيدا من بين القصص الطيبية لسوفوكليس، بالجيل السابق
عندما بدأت المسرحية كان أوديبوس قد مات منذ مدة، وتعارك ولداه إتيوكليس
Eteocles
وبولونيكيس
. ويمكننا أن نستنتج أنه كان بينهما اتفاق على اقتسام الحكم
Adrastes ،
2
ملك أرجوس وستة ملوك آخرين؛ وبذا جلب قوات ضخمة مختلطة ليهاجم بها
غير أن الأخوين كانا قد تنازعا أيضا مع أوديب قبل موته. وسبب هذا النزاع غير
(بونطوس لفظ
ترجع تلك اللعنة إلى زمن سابق، فقد صبها لايوس
Laius
3
والد أوديب؛ إذ حذره أبولو من أن أحد أبنائه سيقتله، وأمره بأن يعيش
وفي مسرحية «السبعة ضد طيبة»، يكون إتيوكليس عالما بتلك اللعنة التي نزلت بأسرته،
وعندما لم يبق غيره، أخبره الرسول بأن شقيقه بولونيكيس يقود الهجوم بنفسه على
هكذا نظر إتيوكليس إلى الموقف. أما الكوروس فنظر إليه من جانب آخر. فلو ركن
ولما كان هو رجلا بتلك الصفة وابن أوديب، فإنه سينصرف من تلقاء نفسه ويختار الطريقة
غير أن أيسخولوس لا يعرض هذه في نتيجة الآراء الحرة، ولكنه يعرضها في النص كما
Agamemnon .
الفعل الدرامي قليل جدا في هذه المسرحية، ويتكون حوالي ثلثه من المنظر الذي يصف
Amphiaraus ، البطل السادس، ففي
Lasthenes
لكي يواجه أخاه، وترك النتيجة للآلهة. بعد ذلك تأتي
ظهرت هذه التمثيلية سنة 467ق.م. أي بعد أن دمر الفرس أثينا تدميرا شاملا باثنتي
مسرحية «السبعة ضد طيبة» ثالث مسرحية في مجموعة ثلاثية؛ الأولى منها «لايوس»،
Antigone
لسوفوكليس من أشهر المسرحيات في القائمة الأثينية، كتبت
Ismene
4
والإعلان الذي يحرم دفن بولونيكيس، وتحدي أنتيجوني. وأسلوب هذه
أشخاص المسرحية
إتيوكليس
Eteocles :
ملك طيبة.
جندي.
كوروس من النساء الطيبيات.
أنتيجوني
Antigone ، إسميني
Ismene :
شقيقتا إتيوكليس.
رسول.
ستة أبطال طيبيين مسلحين، وجنود آخرون، ومواطنون وخدم.
المنظر:
ميدان فسيح في مدينة طيبة. بعض التماثيل البدائية للآلهة، قائمة فوق
*** (يدخل عدد من المواطنين وهم يتكلمون بحدة، ثم يسكتون فجأة عندما
إتيوكليس :
أيها المواطنون، يا أبناء كادموس
Cadmus ،
5
إن الرجل الممسك بدفة الدولة، ويدير من مقصورته، بعينين
عسى زوس الحافظ، أن يحفظ منه المدينة التي أسسها كادموس! ولكنكم كذلك، يجب
الشاب الذي لا يزال تنقصه الرجولة، والرجل العجوز المسن،
الذي مضى خير جزء من حياته، ليستخدم كل منهما قوته الحيوية إلى أقصى ما
إن كفة الحظ راجحة في جانبنا حتى الآن، فشكرا للآلهة التي أعطتنا خلال مدة
الميزة في الحرب. أما الآن، فإن عرافنا،
6
الذي يحتفظ بطيور العرافة، وبغير مساعدة النار يخبر بمجرد
إذن، فإلى الأسوار! تجمعوا عند الأبراج والأبواب، إلى الأمام، في كامل
واملئوا كل موضع في كل حصن،
واثبتوا في مدخل الباب
بشجاعة. ولا تخافوا قط حشود الأجانب هذه!
فإن الرب سيعطي النصر. (يصيح المواطنون ويهتفون.)
وقد أرسلت الكشافين ليستطلعوا جيش العدو، وأنا واثق من أنهم لن يضيعوا
(يدخل جندي.)
الجندي :
أي إتيوكليس العظيم النبل، يا ملك الكادميين، ها أنا ذا آتيك بأنباء موثوق
أخذ الأبطال السبعة، قواد الجيوش، ثورا وقطعوا رقبته، وجمعوا الدم في
ويختلط دمهم بتربتنا. وجاءوا بتذكارات خاصة بهم لتعلق على عربة
Adrastus ،
7
وتؤخذ إلى والديهم في الوطن، وبكوا بالدموع، ولكن ما من واحد
لم أتوان في المجيء بهذه الأخبار، رغم سوئها، وتركتهم يسحبون الأزلام،
إذن، فانتق في الحال أقدر محاربي المدينة وضعهم عند الأبواب المفتوحة؛
فإن أمواج المحاربين المسلحين تزمجر فوق اليابسة، ولكي تلاقيهم
كل وسيلة تبدو أتم استعدادا. سأراقب بعين يقظة، بالنهار، بما لا يقل
(يخرج الجندي.)
إتيوكليس :
أي زوس، أيتها الأرض، أيها الآلهة الذين يحرسون هذه المدينة! أي لعنة والدي أوديب،
8
القوية في الانتقام! انظروا إلى هذه المدينة، التي تتدفق منها
لا تسلموها إلى أعدائها
مدمرة، محطمة، وبيتها ومذابحها مهدمة وسط التراب! لا تسمحوا قط
(يخرج إتيوكليس،
9
يتبعه المواطنون. بعد لحظة يدخل كوروس من النساء، من جميع الأعمار، في
الكوروس :
أواه! إنني أبكي ألم الفزع المريع! لقد انطلق جيشهم، وغادر المعسكر.
انظروا! ها هم قادمون، يتدفقون قدما، يتقدمهم الفرسان،
أعرف ذلك من النقع المثار في الجو،
الذي رغم كونه عديم الصوت، فإنه يروي القصة الحقيقية في وضوح. (يسمع ضجيج وصخب من بعيد.)
إن وقع حوافر الخيل فوق الأرض قد أربك حواسي.
وإن الصوت ليقترب، إنه يطير،
إنه يقعقع برعد سيل الجبل غير المقاوم!
اسمعونا، اسمعونا، اسمعونا، أيها الآلهة والربات!
إن الموت ينقض علينا،
هلموا إلى نجدة أسوارنا، واحمونا!
فالجيش ذو التروس البيضاء والأسلحة المشحوذة،
يهجم على مدينتنا.
أي آلهة، أو أية ربات، ستنقذنا أو تشد أزرنا؟
لماذا لا أخر متوسلة في الحال
وأمسك بالتماثيل المقدسة؟
اسمعونا، يا من تجلسون على عروش المباركين!
هذا وقت التعلق بالتماثيل، لماذا ننتظر مرتبكات؟
أتسمعون صليل التروس، أو لا تسمعونها؟
فإذا كنتم لم تسمعوها، فلماذا نلجأ إلى الصلاة،
ونتوسل بهدايانا من الأثواب والأكاليل؟
إني لأرهب ذلك الصليل، إن ذلك الصوت ناشئ عن عشرة آلاف رمح.
أي أريس، ماذا أنت فاعل؟
هل ستهجر هذه الأرض التي هي أرضك منذ البداية؟
أيها الرب ذو الخوذة الذهبية، تطلع وانظر إلى مدينتنا، التي أطلقت
إذن، فيا زوس، أي أبتاه زوس، السيد الملك،
أرجع أعداءنا على أعقابهم، واسلبهم فريستهم!
إن الأرجوسيين ليحاصرون قلعة كادموس،
وقد روعنا بآلات الحرب.
إن قطع اللجم التي بين أسنان الخيول، لتنشد أغنية للقتل، هناك سبعة
وأنت، أيتها المولودة من زوس،
أي إلاس
10
القوية، الممجدة في القتال،
كوني مخلصتنا!
وأنت، يا خالق الخيول، يا ملك البحار،
يا برسايدون، اضرب برمحك الثلاثي الشعاب، رمح صيادي السمك،
اجلب علينا خلاصا من الفزع.
وأنت يا أريس، يا أريس،
احرس المدينة التي سماها كادموس،
احمنا بحضورك البراق.
وأنت أيضا، أيتها الربة الكوبرية، أم عشيرتنا،
ساعدينا، فرغم أننا مولودون من دمك،
فإننا بالصلوات التي نقدمها للآلهة،
نتقرب إليك وندعوك.
وأنت أيضا يا أبولو، أيها الإله الذئب، تحول ذئبا واهجم على قطيع رجال
وأنت أيضا، أيتها العذراء، ابنة ليتو
11
أحضري قوسك. (فترة توقف، يصغي خلالها الجميع بانتباه، ثم يقطعن
لقد سمعت قعقعة العربات!
إنها تطوف حول المدينة، أيتها الملكة هيرا.
هذا الصوت ناشئ عن خشخشة محاور عجلات العربات الثقيلة الأحمال. أشفقي علينا
إن الجو ليضطرب من اهتزاز الرماح.
ماذا سيحدث لمدينتنا؟
ماذا سيتمخض عنه هذا الحادث؟
ما هو الغرض الذي يأمر به الرب؟ (يسمع صوت ارتطام بالخارج، فتصرخ النسوة من
صه! إن الأحجار لتنهال على قمة أسوارنا! أي أبولو المحبوب!
وتصلصل التروس ذوات الإطار البرنزي، عند الأبواب.
وأنت أيتها الملكة أثينا،
12
المباركة في المعارك، التي أعطاك زوس السلطة المقدسة
اسمعونا، أيها الآلهة الكاملو القوة،
اسمعونا، أيها الآلهة الملوك، والربات،
يا حافظي حصون مملكتنا:
لا تخونوا مدينتنا
من جهاد القتال هكذا
إلى أعداء ذوي عقول أجنبية.
استمعوا إلينا، نحن الفتيات، كونوا عادلين وأنصتوا
إلينا ونحن نبسط أيدينا إليكم بالصلاة.
اسمعونا، يا آلهتنا، وخلصونا،
قفوا بمحاذاة مدينتنا، وأظهروا لها محبتكم.
تذكروا تقدميات هذا الشعب،
وعندما تتذكرونها، خلصونا!
فلتتركز أفكاركم على الطقوس المقدسة لمدينتنا
وضحاياها المخلصة. (يدخل إتيوكليس.)
إتيوكليس :
أيتها المخلوقات التي لا تطاق، إنني أسألكن،
هل هذه هي طريقة إنقاذنا؟
هل هذا مما يشجع مقاتلينا الواقفين على الأسوار؛
أن ترتمين على تماثيل آلهتنا الحارسة
وتعولن وتصرخن، الأمر الذي يمتعض منه كل ذي لب؟
النساء! أرجو أن أجنب مئونة الحياة بينهن،
سواء في وقت الحرب، أو خلال نعمة السلام!
أعط النساء حريتهن،
تجدهن جريئات فوق ما يطاق، ولكن ما إن يشعرن بالخطر حتى يضاعفن
كل صعوبة، في المدينة وفي البيت.
انظرن الآن، إنكن بالاندفاع مذعورات هنا وهناك،
تغمرن قلوب مواطنينا بالخوف والجبن؛
وبذا ينال العدو كل ميزة يرغب فيها،
بينما نحن في داخل الأسوار، نقطع رقابنا بأنفسنا.
هذا ما يتأتى من الحياة وسط حشد من النساء.
والآن، كل من لا يخضع لسلطتي،
سواء أكان رجلا أو امرأة، أو أي شيء بين هذا وتلك،
سيحكم عليه بحجر الموت.
13
نعم، سيموت
دون استئناف الحكم، سترجمه أيدي الشعب بالأحجار، حتى يموت.
الحرب من شئون الرجال، ولسنا بحاجة إلى كلام النساء.
ليس لكن مكان هنا، ادخلن إلى بيوتكن حيث لا تحدثن ضررا.
أسمعتن هذا، أو لم تسمعن؟ أو هل أنتن صم الآذان؟
الكوروس :
يا ابن أوديبوس العزيز،
إن ما خوفني هو صوت قعقعة وخشخشة العربات،
صراخ المحاور والعجلات الدوارة،
ونغمة الدفة الخشنة
التي تمسك الخيول من أفوهها،
القطع الحديدية المشكلة بالنار، التي تضبطها.
14
إتيوكليس :
إذن، فهل يهجر قائد الدفة الذي يعمل في بحر هائج
عجلة الدفة ويهرع إلى مقدم السفينة؟
الكوروس :
كلا، ولكني أثق في الآلهة؛ ولذا جريت إليها، إلى هذه
التماثيل العتيقة، مباشرة
عندما سمعت صوت ذلك الارتطام القاتل على أبوابنا.
نعم، ساقني الفزع عندئذ
إلى الصلاة للآلهة المباركة
لتضع يدا حامية فوق مدينتنا.
إتيوكليس :
صلين لكي تظل أسوارنا ثابتة أمام رمح العدو.
15
أليس هذا من صالح الآلهة؟ لأنهم يقولون
عندما يستولي العدو على مدينة، ترحل عنها جميع آلهتها.
الكوروس :
أتمنى ألا أعيش لأرى
مجلس الآلهة الكامل هذا يهجرنا،
والجنود الأجانب تملأ الطرقات في مدينتنا،
يهدمون، ويحرقون، ويحطمون.
إتيوكليس :
صلين إذا شئتن، ولكن لماذا تبتعدن عن المعقول؟
لماذا يقول المثل السائر يجب البحث عن الأمان؟
إن «الطاعة» هي أم «الأمان»، وهي كذلك زوجة «المخلص».
الكوروس :
هذا صحيح! ولكن قوة الآلهة لا تزال أعلى،
وغالبا عندما يكون الناس عاجزين إزاء الكارثة،
عندما تغشى عيونهم سحب قاتمة.
حتى في أشد الأحزان عنادا،
فإن عون الآلهة يدلهم على الطريق.
إتيوكليس :
إن خدمة الآلهة، والتقدمات الدموية، والتضحية
من أجل الآلهة، هي كل ما يهتم به الرجال، عندما يجربون قوتهم مع العدو. أما مهمتكن، فهي أن تمكثن في البيوت.
الكوروس :
سنعيش بعون الآلهة، في مدينة غير مقهورة، وتبتعد عن أسوارنا جموع
ليست الآلهة غاضبة؛ لأننا نصلي لهم.
إتيوكليس :
لا أمانع في تمجيدكن للآلهة،
على أن يكون هذا في هدوء وعدم خوف،
إنكن تنشرن اليأس بين مواطنينا.
الكوروس :
لقد أرعبتني أصوات الحرب المفاجئة المختلطة، فجريت من هنا مذعورة إلى
بيت الآلهة المقدس.
إتيوكليس :
أصغين إلي، إذا بلغ مسامعكن أن الرجال يموتون ويجرحون، فلا تستقبلن
الكوروس :
هناك! إنني أسمع صهيل خيول!
إتيوكليس :
لا تهتمي بالسمع إلى هذا الحد.
الكوروس :
إن قلعتنا تئن من أساسها!
ها هم قد التفوا حولنا.
إتيوكليس :
لا شك في أنني سأهتم بهذا الأمر، اتركي كل شيء لي.
الكوروس :
إنني خائفة، إن صوت الطرق على الباب يعلو.
إتيوكليس :
صه! لا يجب أن نتحدث هكذا عن المدينة.
الكوروس :
أيها الآلهة الذين تقاسموننا حياتنا! لا تهجروا هذه الأسوار.
إتيوكليس :
فليأخذكن الطاعون! ألا تتذرعن بالصبر وتمسكن ألسنتكن عن
الكوروس :
أيها الآلهة، نحن شعبكم، احفظونا من الاستعباد.
إتيوكليس :
إنكن اللواتي تجعلن مني عبدا، ومنا جميعا.
الكوروس :
أي زوس، القادر على كل شيء، سدد ضرباتك ضد أعدائنا.
إتيوكليس :
أي زوس، أية هدية منحتنا عندما خلقت النساء!
الكوروس :
تتألم النساء كما يتألم الرجال إذا ما سقطت مدينتهم.
إتيوكليس :
أتنطقن بمثل هذه الألفاظ،
16
وأيديكن على التماثيل المقدسة؟!
الكوروس :
لقد فقدت شجاعتي، وذهب الذعر بلساني.
إتيوكليس :
أتوسل إليكن! لا تجبرنني على اتخاذ إجراءات أكثر خشونة.
الكوروس :
لسنا نعلم ماذا تريد منا، أوضحه لنا.
إتيوكليس :
أريد أن تمسكن ألسنتكن التعيسة، ولا تخوفن أصدقاءكن.
الكوروس :
سمعا وطاعة، فالقدر واحد للجميع، سنتحمله.
إتيوكليس :
تسرني هذه النغمة أكثر من السابقة. والآن اعملن أكثر من ذلك.
لا تتشبثن بهذه التماثيل، وصلين صلاة أحسن من الأولى، أن تقاتل
وأنا من ناحيتي، أنذر لآلهة مملكتنا الحارسين، الذين يسهرون على حقولنا وعلى
وإلى نافورة ديركي
Dirce ، وإلى نهر إسمينوس،
وأذبح لها الثيران، وأكرس التذكارات،
من أثواب أعدائنا. استمعوا إلى صلاتي، أيها الآلهة: «أثواب أعدائنا، ومغانم المعارك المشقوقة بالسيوف،
سأعلقها كأكاليل في معابدكم المقدسة.»
هذا ما يجب أن تكون عليه صلاتكن، وليس بهذا النحيب المرتفع،
وليس بالنطق بتلك الألفاظ البربرية الحمقاء أمام الآلهة، الذين، بكل تأكيد،
وتملؤها بحمى الخوف الباطل. (يخرج إتيوكليس.)
الكوروس :
ها أنا ذا أطيعك، غير أن عقلي متيقظ بالخوف.
والقلق المجاور لقلبي،
يشعل نار الخوف من الجموع التي تحاصرنا،
فأكون أشبه بيمامة ترهب،
من أجل سلامة صغارها في عشها،
الأفعى الزاحفة بقسوة إلى فراش تلك الصغار.
انظر إلى حيث يتقدم نحو أسوارنا
أولئك المحاربون، الذين من كل نوع، إنهم أمة تحمل السلاح!
ماذا سيكون مصيرنا؟
وانظر ثانية، ها هم يقذفون وابلا من الأحجار الحادة الأطراف،
على الرجال المعتدين بالسيف والمقلاع.
أيها الآلهة السماوية المولد،
ضعوا كل قوة
لإنقاذ المدينة والعشيرة التي أسسها كادموس.
أية مملكة صالحة للسكنى ستجدونها خيرا من هذه،
إذا سلمتم إلى أعدائنا أرضنا العميقة،
وينبوع ديركي، أكثر الأمواه تغذية
التي يصبها بوسايدون، مطوق الأرض،
وأولاد تيثيس، ليشربها رجالنا؟!
ولهذا، أيها الآلهة الحارسون،
أنزلوا الفوضى بالجيش الواقف عند أبوابنا،
واقتلوا رجاله وهم يقذفون بتروسهم،
واربحوا المجد لأنفسكم بين شعبنا.
هلموا إلى إنقاذ مدينتنا،
ثبتوا عروشكم بيننا،
استجابة لنحيبنا المرتفع وصلواتنا.
كم يكون مؤسفا أن يحكم هكذا
على مدينة عريقة بالفناء،
ويستولى عليها بالسيف، وتستعبد،
وتصبح أكواما من الرماد المنهار،
وتترك وحيدة يجللها العار،
بأيدي الآخيين
Achaians
ومشيئة
الذين يرملون النساء، صغيرات وكبيرات،
ويجرونهن من شعورهن كما تجر الخيول،
وقد غدت ثيابهن أسمالا على أجسادهن،
وعند الجلاء عن الخرائب، ترتفع صرخة
الأصوات المختلطة الصادرة من أولئك الأسرى
الذاهبين إلى حتفهم.
إنه لمستقبل مفزع، ذلك الذي أرهبه.
يجب أن تذرف الدموع من أجل الفتيات الرقيقات التربية،
اللواتي قطفن زهرة عذريتهن قبل طقوس الزواج،
ويسرن في الطريق المقيت إلى بيوت جديدة.
ماذا سيكون مصيرهن؟ أقول إن الموتى يتمتعون بحظ أعظم سعادة.
عندما تنهزم مدينة
يلاقي أهلها كثيرا من الآلام والمحن،
فيقبض رجل على رجل آخر، أو يقتله،
ويجلبون النار، ويغدو المكان كله فاسد الجو بالدخان.
ويسيطر جنود أريس على الناس زرافات زرافات،
ويتنفس القنوط فوق المشاعر الموقرة.
يملأ الطرقات ضجيج الصياح،
ويسقط سور الأبراج،
ويواجه الرجل الرجل فيسقط أمام الرمح،
مضرجا بالدم، وتصيح أمهات الأطفال الحديثي الولادة
باكيات على أطفالهن المذبوحين على صدورهن،
وتشتت العصابات الجوالة أفراد الأسرة الواحدة.
ويلتقي الناهب بالسالب، وكلاهما محمل،
وخالي اليد ينادي خالي اليد
ليجرب حظه معه غير قانع
بنصيب أقل أو معادل لنصيب زميله،
فيقول كل منهما: «إنك لا تستطيع أن تسعى لنفسك،
فإذا تخلفت، فمن كان ينتظرك؟»
هناك مخزون من الطعام مبعثر فوق الأرض بغير نظام،
وهذا منظر تحزن له ربة البيت،
وهدايا الأرض الجميلة ملقاة، بعضها مع بعض بدون اعتناء،
أسفل بقايا الأطعمة المتروكة بغير اهتمام.
أما الفتيات الصغيرات، وقد غدون إماء، وجديدات على الأحزان،
وصرن جوائز حرب، فينتظرهن فراش مؤسف،
فراش رجل كل حظه أنه هزم عدوه،
هناك يلتقين ليلا مع فض بكارتهن،
ويستبدلن بالراحة ألما، ودموعا لا تنقطع.
الكوروس الأول :
صديقاتي العزيزات، انظرن! لا شك في أن هذا هو الجندي العائد
ليخبرنا بشيء جديد من ميدان القتال،
إنه يجري بسرعة كما لو كانت قدماه عجلتي عربة.
17
الكوروس الثاني :
وها هو الملك نفسه، ابن أوديب،
يصل في الوقت المناسب، ليسمع الأخبار التي يحملها الرسول،
وهو كذلك، يسرع خطوه في عجلة ظاهرة. (يدخل الجندي من جانب، وإتيوكليس من الجانب الآخر، يتبعه ستة
الجندي :
لقد عرفت تماما تنظيم الأعداء،
يمكنني أن أخبرك بمن يقف عند كل باب تبعا للأزلام.
وقف توديوس
Tydeus
عند الباب البرويتيدي
، مزمجرا،
ولكنه، رغم هذا لا يستطيع أن يعبر نهر إسمينوس؛
إذ حرم عليه ذلك
العراف؛ لأن الذبائح لم تكن مقبولة،
وإذ جن جنود تورديوس هذا بتعطشه للقتال، غدا كالأفعى
تفح ظهرا، فأخذ يهذي ويكيل الشتائم
قائلا إن العراف ابن أويكليس
Oecles
18
ماهر في الروغان والابتعاد
عن طريق الموت، وجبان القلب حتى في القتال.
وبينما هو يصيح ملء شدقيه، يقذف
بينما من داخل ترسه، ترسل الأجراس المصنوعة من البرنز رنينا
وقد نقش على صفحة هذه الأداة الوقحة، سماء
تتألق بالنجوم، وفي وسطها
يضيء البدر المجيد وضاحا بين النجوم،
فيبدو كأنه عين الليل ذاتها.
وهكذا يفخر بجنون، متبخترا في حلته الحربية؛
فأخذ يصيح بجانب شاطئ النهر،
متلهفا إلى القتال،
كحصان عربة متوحش ،
19
يعض على قطعة اللجام،
قلقا من انتظار صوت البوق،
فمن ذلك الذي سترسله لمواجهته؟ من هو الجدير بالثقة
ليحافظ على باب بروميثيوس عندما يسقط الحاجز؟
إتيوكليس :
لا يخيفني ما يلبسه الرجل،
فليس في مقدور الصور أن تحدث جراحا،
كما أنه ليس بوسع دروعه ولأجراسه أن تؤذي بغير رحمة.
أما ذلك الليل الذي تخبرنا به،
وبريق النجوم السماوية المنبعث من ترسه،
فهي خزعبلات يمكن التنبؤ بها عن ذلك الرجل.
ماذا يحدث لو سقطت ليلة الموت على عينيه؟ أعتقد أن رمز الغرور هذا يبرر بعدل
لدينا هنا، ابن أستاكوس
Astacus
الشجاع،
إنني أعينه بطلا لذلك الباب، فإن مولده
نبيل، ويحترم عرش «الاحتشام»،
ويمقت ألفاظ الزهو، ولا يسعى إلى أي فعل يجلب العار،
اللهم إلا في أعمال القتال.
لدينا فرع صغير نشأ من أولئك الذين أبقاهم أريس من الرجال المزروعين،
20
وهو ميلانيبوس
Melanippus ، ابن
سيرسل أريس، ربة «واجب القرابة»، بحظ الضربة، هذا أكيد وعدل، يرسلها
لحماية الأرض التي ولدته، من سيف العدو. (يخرج ميلانيبوس.)
الكوروس :
إذن، فعسى بطلنا، الذاهب إلى هناك، أن يقاتل من أجل مدينتنا باسم
وأن تمنحه الآلهة النصر،
غير أنني أرتعد وجلا عندما أرى
الموت الأسود لأولئك الرجال
الذين يموتون وهم يقاتلون من أجل أعزائهم.
الجندي :
كذلك، عسى الآلهة أن تمنح ميلانيبوس، النصر!
أما الباب الإلكتراني
Electran ، فذهب
كابانيوس
Capaneus .
21
وهو شخص متغطرس، أشبه بالعملاق، وأسوأ من ذلك
السالف الذكر.
يبدو الصلف في ثرثرته، أكثر مما تتصف ألفاظه بالناحية
وإنه ليرسل
تهديدات غريبة مخيفة ضد أسوارنا،
تهديدات لا بد أن تحبطها الآلهة.
فيقول: سواء أراد الرب أو لم يرد، فسينهب هذه المدينة،
وليس بمقدور صاعقة زوس نفسه،
لو قذفت عند قدميه، أن توقفه. أما البروق والصواعق، فهو يعتقد أنها لا
ويتخذ مستشارا له، حامل نار غير مسلح،
كل سلاحه مشعل متأجج النار يقبض عليه بكلتا يديه،
ألفاظه بالحروف الذهبية، هي: «سأحرق هذه المدينة.»
إذن، فأرسل لمنازلته بطلا. من سيذهب إليه؟
من ذلك الذي يقف أمامه غير هائب لجميع زهوه ؟
إتيوكليس :
ميزتنا على هذا أيضا، تزيدنا ربحا على ربح؛
فعندما تنتفخ كبرياء الناس بالحماقة، يغدو لسانهم أداة اتهامهم.
ليست تهديدات كابانيوس مجرد ألفاظ، وإنما هو على استعداد لأن يعمل متحديا
فإنه يرسل تحديه القاتل إلى السماء، فتتضخم
ألفاظه كما ترعد الأمواج في أذن زوس.
وإنني لعلى يقين من أن حامل ناره سيوافيه
بما يستحق؛ الصاعقة، غير المشابهة لحرارة أشعة الشمس في وقت الظهيرة. لقد
حاقد الألفاظ، ملتهب الشجاعة؛ إنه بولوفونتيس
، الذي ستكون قوته درعا أكيدة، تقينا بنعمة أرتيميس،
22
بطلتنا، وبنعمة الآلهة الآخرين. (يخرج بولوفونتيس.)
والآن، اذكر اسم بطل آخر، والباب الذي عهد إليه به.
الكوروس :
الموت لمن يزهو عاليا ضد مدينتنا!
لتكن الصاعقة هي السلاح الموقف له،
قبل أن يقتحم بيتي.
وليكن أول تقهقر لرمحه الوقح
خرابا على نفسه!
الجندي :
والتالي بعد ذلك في سحب أزلام الأبواب، ليعرف
الباب الذي سيهاجمه.
قفز الزلم الثالث من الخوذة البرنزية المقلوبة، فأرسل إتيوكلوس
Eteoclus
منقضا بجنوده على الباب
Neistan ،
وقد تلهفت أفراسه القلقة، إلى اقتحام المدخل، فأخذت تدفع جباهها وهو
أما خياشيمها الأنبوبية فمليئة بالأنفاس الحيوانية المزهوة،
وترسل موسيقى وحشية. وفوق ترسه شارة
غير متواضعة، وإنما هي: رجل في حلة حربية يتسلق سور العدو بواسطة
كذلك يصيح هذا الرجل، وكلامه مكتوب هناك: «لن يصدني أريس نفسه عن أسوارهم!»
أرسل ضده رجلا نثق في قدرته
على درء أغلال الرق عن مملكتنا.
إتيوكليس :
هاك الرجل في الحال؛ سأرسل ميجاريوس
Megareus ، أحد أفراد العشيرة المزروعة، وابن كريون
Creon ؛
23
إنه رجل تقوم يداه له بتنفيذ ما يفخر به. فليقع عليه
أن تزحزحه مرتجفا عن ذلك الباب. فإما بالموت سيدفع دينه الطبيعي لأرض
سيحمل مغانمه إلى وطنه ليشرف بيت أبيه.
هيا، واذكر لنا ثرثرة البطل التالي، ولا تترك شيئا.
الكوروس :
أيها المدافعون عن أوطاننا!
إننا نصلي طالبات النجاح لقضيتنا،
والموت لأعدائنا.
فكما أنهم في زهوهم الجنوني
يهددون مدينتنا في صلف،
فلينظر زوس المنتقم إليهم بغضب.
الجندي :
وأما رابع بطل سحب زلم الباب التالي لأثينا أونكا
24
فأقبل يصيح ليتخذ مكانه؛ إنه هيبوميدون
Hippomedon ، الفارع الطول، العظيم الجثة. صدقني عندما أقول،
ترسه الضخم المستدير، الشبيه بالجرن، ولاحظته وهو يطوح به،
ارتعدت؛ إذ لم يكن هذا من العمال الخاملين، الذين ينقشون
مثل تلك الصنعة على تروسهم، بل نقش شارته رسم توفون
Typhon ، وفمه يتنفس النار فيخرج الدخان الأسود متألقا، حتى
25
وعليه لفات أجسام الأفاعي
تجري حول الحافة لتضم الغلاف الخارجي،
وتثبته في هيكل الدائرة المنبعج التجويف.
فصاح صيحة الحرب، إذ تقمصه أريس، وغدا كأتباع باخوص
Bacchus ،
26
نشوان بشهوة الحرب، تقدح عيناه بالفزع.
فكر مليا فيمن يحاول منازلة مثل هذا الرجل،
وقد زها عند أبوابنا بالهزيمة المصحوبة بالذعر والفزع.
27
إتيوكليس :
لدينا أولا، أونكا بالاس، المجاورة لباب مدينتنا، والتي تمقت غطرسة
وهي تسعى إلى جحرها وصغارها. وثانيا هوبربيوس
Hyperbius
المقدام ابن أرينوبس
Oenops ؛ وهذا رجل كفء لمواجهة ذلك الرجل.
إنه راغب، منذ لحظة اختياره، في الوقوف على مدى
دوره إزاء ما يتطلبه الموقف،
أما جسمه وروحه وأسلحته، فكلها مؤهلة لمثل هذه المنازلة. وقد فعل
فهذا الرجل عدو لمن سيواجهه،
وترى منقوشا على ترسيهما صور الآلهة التي
سيضعان كلا منها في مواجهة الآخر،
وهي كذلك متعادية، فعلى ترس أحدهما توفون يتنفس اللهب،
بينما يجلس الأب زوس لا يتحرك فوق ترس هوبربيوس، وقد التهبت صاعقة النار في
سيتجاوب مع رمزيهما، إذن فسيعرف هوبربيوس
يد زوس المنقذة؛ زوس الذي يحمل هوبربيوس ترسه.
الكوروس :
أومن بأن خصم زوس - ذلك الذي يحمل صورة توفون فوق ترسه؛ توفون المولود من
وهذه صورة يمقتها كل من: القوى غير المنظورة،
والجنس البشري، والآلهة الخالدين -
سيضرب رأسه التراب أمام أبوابنا.
الجندي :
عسى أن يتحقق هذا! وبعد ذلك سأتحدث عن الرجل الخامس،
الواقف عند الباب البوراياني
Borraean ،
Amphion
28
بن زوس. إنه يقسم بالرمح الذي في يده،
الذي يقدره حسب اعتقاده أكثر من الإله أو من عينيه، إنه سيدمر مدينة
إنه رجل نصف غلام. ولماذا؟ فإنه الآن فقط، يرسل فوق خديه خصلات غضة
29
ولكنه، مع ذلك متوحش ذو عينين مخيفتين. إنه يقف عند بابنا،
ليس بغير ثرثرة، وترسه ذو الإطار البرنزي، مستدير الشكل، يحمي كل جسمه،
Sphinx ،
30
آكلة لحوم البشر، مثبتة بمهارة على الترس،
بحيث تتحرك حول محور، وتحمل أسفلها رجلا من شعبنا الكادمي؛ وهذا مما
المأوى والتنشئة النبيلة، والآن لكي يسدد دينه يقذف على هذه الأسوار
إتيوكليس :
عسى أن ينالوا، هم وتجديفاتهم، وشارات غرورهم جميعا،
عنف غضبهم، على يد السماء!
وأن تكون نهايتهم مثلهم، مدمرة وشريرة.
أما لمواجهة هذا أيضا، ذلك الأركادي الذي تصفه، فلدينا رجل غير مزهو،
Actor ،
31
شقيق البطل الذي اخترناه قبله. لن يدع أكتور هذا الفيض من
ليروي الأعشاب الضارة، ولن يدع عدوا على ترسه صورة ذلك الوحش المقيت، يمر
32
لعل كل لفظ من كلامي يتحقق بعطف السماء.
الكوروس :
لقد ضربت إلى وسط قلبي في الصميم، وتصلب شعري رعبا،
عندما سمعت عبارات الزهو
التي تفوه بها هؤلاء الرجال المتشدقون الزنادقة. عسى الآلهة، إذا كانت
الجندي :
أما السادس فهو جندي يتحاشى الفخر،
إنه عراف يقاتل بشجاعة. إنه أمفياراوس
33
القوي.
يقف عند الباب الهومولوياني
Homoloean ، يكيل
علم أرجوس طرق الشر، أكثر من جميع من عداه؛
إنه أعظم كاهن في سفك الدماء، وموقظ لأرواح الانتقام،
ومستشار أدراستوس في هذه الحرب الشعواء.»
بعد ذلك يرفع بصره إلى السماء، وينادي عاليا على من جعله مولده شقيقك،
34
ويتكلم هكذا: «لا شك في أن مثل هذا العمل يسر الآلهة، وهو
مدينة آبائك، ويضع في التراب آلهة مملكتك!
هل من الصواب أن تردم الينبوع الذي غذى حياتك؟
عندما تجعل أرضك أسيرة سيفك
لأنك غيور، فكيف يعمل ذلك على نجاح قضيتك؟
أما عني، فإن أرض هذه المملكة هي التي سأغنيها،
سيقوم قبري ووحيي على أرض أجنبية.
إذن، هيا بنا نقاتل؛ لأنني أرى الموت وليس العار.»
هكذا تكلم العراف، وأمسك ترسه بغير حراك؛ ذلك الترس البرنزي الذي لم
لأنه لا يهتم بأن يبدو أشجع شخص، بل ليحصد هكذا أخاديد عقله الخصبة، التي
فالرجل الذي يحترم الآلهة، هو من يخشى جانبه.
إتيوكليس :
حسنا، عسى المرء أن يلعن الفرصة التي تجمع رجلا برجل،
التقي بغير التقي، والطيب بالشرير. لا شيء أسوأ في أي مشروع من صحبة
وليس محصولها نعمة؛ لأنه عندما تحرث الحماقة، فلن يكون محصولها غير الموت. قد ينضم الربان الطيب إلى سفينة،
حيث ينوي بحارتها المجرمون الشر،
فينال نفس مصير أولئك الرجال الذين يمقت الرب نوعهم،
أو في المدينة، يقع رجل طيب وسط الأشرار الذين يظلمون الأغراب، وينسون
هكذا الحال مع أمفياراوس؛ ذلك الرجل المحتشم الشجاع،
المستقيم والورع، والعراف القوي، المتحالف
ضد رأيه مع المجدفين المتغطرسين،
في رحلة بعيدة سيثبت أنها أطول من أن يعود منها أي إنسان،
فإنه إذا شاء زوس، سيجر معهم إلى أسفل الأرض.
الحقيقة أنني أعتقد أنه لن يستطيع أن يهاجم الأبواب، ليس بسبب اليأس أو
Lasthenes
القوي، ذلك البواب
المتصف بحكمة الشيوخ وعضلات الشباب، وعين يقظة كقدمه الخفيفة الحركة،
ومع ذلك، فالنصر بين البشر هدية السماء.
الكوروس :
أيها الآلهة، اسمعوا صلاتنا،
وامنحونا ما نطلبه بعدل:
امنحوا مدينتنا النصر،
وحولوا خطر السيف
إلى أولئك الذين يغزون أرضنا،
وهم لا يزالون خارج تحصيناتنا،
عسى زوس أن يضربهم
بصاعقة ويقتلهم!
الجندي :
وسأخبرك الآن بالرجل السابع، الذي عهد إليه بالباب السابع، إنه شقيقك
وهو واقف على الأسوار، بصفته القاهر،
وينشد على أرضنا صيحات النصر الوحشية،
أن يتمكن من قتالك، وبعد أن يجندلك، يموت إلى جانبك،
أو إذا عشت (يصيح هكذا) وهو الأمر الذي يجلب العار عليه،
أن ينتقم منك انتقاما مماثلا بالمنفى
فينفيك، كما نفي هو. هكذا يصيح،
مناديا الآلهة الخاصة بالأقارب والوطن؛
لكي تشهد عليه وتبجل صلاته هذه،
الزاخرة بالنزاع والعنف المناسبين لاسمه!
والترس الذي صنعه جديدا، كامل الاستدارة،
نقشت عليه شارة مزدوجة ، مصممة ببراعة:
محارب كامل التسلح، من الذهب المطروق،
وتقوده سيدة تمشي أمامه في تواضع.
يقول إن اسمها «العدالة» كما يستدل من الكتابة؛ «سأرجع هذا الرجل من المنفى،
سيمتلك مدينة، وفي بيت أبيه
يروح ويجيء كما يشاء.»
هذه هي الأدوات التي يحملونها معهم. ولك الآن أن تقرر من سترسل. وسأحمل
إتيوكليس :
أيها البيت الذي تسوقه الآلهة إلى الجنون، الذي تمقته الآلهة إلى هذه
أيا بيت الدموع غير المنتهية، بيتنا، بيت أوديب!
إنها لعنته تلك التي تثمر فينا نحن أبناءه.
ومع ذلك، فليس هناك متسع من الوقت للدموع أو للأنين، خوفا
من أن يأتي هذا الألم بميزة أكثر سحقا لنا؛
فسرعان ما سنعرف، عن بولونيكيس، الذي هو اسم على مسمى،
عن الحقيقة الكامنة في حلته الحربية،
وعما إذا كان سيستطيع أن ينتصر
ويحضر من المنفى بحروف من الذهب المشغول
تتألق فوق ترسه، متصلة بالجنون.
إذا كانت ابنة زوس العذراء، العدالة، سبق أن
ابتسمت لأعماله وأفكاره، فقد ينال العودة.
ولكن ليس عندما أفلت من ظلمة الرحم،
ولا وهو طفل، ولا عندما بلغ طور الرجولة لأول مرة، ولا عندما صار شعر لحيته
يمكن أن تعلن عنه «العدالة» الآن، وهذا مؤكد، على الأقل
أكثر من جميع ما عداه،
عندما تقاسي مدينته العنف على يده،
أن تقف العدالة إلى جانبه، فهل ستنضم هي إلى شخص متلهف إلى العنف بهذه
سأذهب بهذه الثقة لمواجهته، أنا نفسي.
ومن له حق أقوى مني؟ رئيس ضد رئيس،
سأكون ندا له، أخا في مواجهة أخ، وعدوا أمام عدو. (إلى أحد الخدم)
اجر وأحضر لي دروع
35
الركبة والساق،
لتحميني من الرماح والحجارة.
الجندي :
كلا، أيها السيد المحبوب، ابن أوديب!
لماذا تقارن خلقك المحمود بتجديفات أخيك؟
يكفي أن يحارب الكادميون يدا بيد
مع رجال أرجوس، فالدم المسفوك هكذا يمكن ترضيته
ولكن دمكما واحد، فمثل قتل الأخ هذا، لن يستطيع
الزمن أن يطهر من التلوث به.
وإذا لم يكن هناك مفر من تحمل ذلك المصير،
فلنتحمله خاليا من العار،
فماذا غير هذا يمكن تمجيده بين الموتى؟!
غير أن المصير المقرون بعدم الشرف، يهدم آخر
آمالك ويمنعه من الكلام.
الكوروس :
علام عولت يا بني؟
لا تجعل العاطفة المتأججة
والتلهف إلى القتال يذهبان بك بعيدا.
هذه الضرورة التي تشعر بها، شر من الشرور،
اتركه قبل أن يستفحل أمره.
إتيوكليس :
على هذه الصورة يريد الرب هذا العمل
المنتقل بسرعة إلى الرأس هكذا،
إذن، فلندع ريح المصير، ومد الجحيم، وكراهية فويبوس،
36
تذهب بعشيرة لايوس إلى الدمار، إلى آخر رجل فيهم.
الكوروس :
إنك مسوق بتأثير لهفة وحشية
إلى وصمة دم دينية، ستكون ثمرتها مرة؛
لأن اللحم الذي تمزقه، لحم رجل،
وليس الدم شرعيا.
إتيوكليس :
نعم، لقد اختارتني لعنة أبي الشريرة، لهذه الوصمة الدينية،
وتطاردني بعينين جافتين عديمتي الرحمة،
مؤكدة لي أنه من الخير التعجيل بالموت وليس إرجاؤه.
الكوروس :
امتنع عن الإصغاء إليها! فما إن يستقر رخاؤك،
حتى لا يمكن أن توصف بعد ذلك بالجبن، ألا ينزاح طيف ذلك البيت، ذو
إتيوكليس :
إنني لعلى يقين من أن الآلهة، قد كفت عن التفكير فينا.
والتقدمة التي تريدها منا هي أن نموت.
إذن، فلماذا نهرب من نهايتنا المحددة لنا؟
الكوروس :
تنازل عن رأيك الآن، بينما الوقت لا يزال متسعا. فحتى الآن قد تتغير روح
وتحبوك بمصير أكثر اعتدالا،
رغم ثورانها الآن، كما كانت من قبل.
إتيوكليس :
أشعلت ثورة أوديب غضب الآلهة هذا، ما أصدق شبح أحلامي في
ذلك الشبح الذي يأتي كل ليلة لتوزيع ميراثنا.
الكوروس :
فليحثك كلام امرأة على التنازل عن رأيك، حتى ولو كان على الرغم
إتيوكليس :
قولي ما تشائين، وأتمي قولك، فلا أريد خطبة طويلة.
الكوروس :
اذهب حيثما شئت، إلا إلى الباب السابع، أرجوك.
إتيوكليس :
لقد عقدت النية على هذا، وليس بوسع جميع كلامك أن يثبط الآن من
الكوروس :
يحظى الانتصار المنطوي على عدم الشجاعة، برضا الآلهة.
37
إتيوكليس :
ليس هذا شعارا يقبله رجل مسلح.
الكوروس :
هل أنت على استعداد لسلب دم أخيك؟
إتيوكليس :
لا مفر من الهلاك إذا ما أرسلته الآلهة. (يخرج إتيوكليس.)
الكوروس :
إنني لأرتجف من تلك الثورة التي تجلب الدمار على عشيرة بأكملها،
واها، واها لذلك الإله المخالف لغيره من الآلهة،
المعصوم من التنبؤ بالشر،
أما وقد أثارت لعنة الأب الإيرينوس
Erinyes ،
38
فإني أراها الآن تنفذ صلاة الغضب،
التي نطق بها أوديب في أثناء محنته،
إنها هذه الكراهية التي نراها
تسوق ابني أوديب إلى أن يهلك كل منهما الآخر.
ويقسم الغريب ميراثهما،
فإن خالوبوس
Chalybus
القادم من سكوثيا
غير أنه لا نصيب لهم في هذه السهول الممتدة.
عندما يموت الناس بأيدي أقاربهم،
عندما يقتل الأخ أخاه،
ويشرب تراب الأرض
الدم القرمزي الذي يسود ويجف،
فمن ذا الذي يستطيع وقتئذ أن يقوم بالتطهير؟
من ذا الذي يمكنه أن يغسل ذلك الدم؟
واها لك، أيها البيت ذو الآلام المذنبة،
قديمها وحديثها، مختلطة معا!
إنني أشير إلى خطيئة اقترفت منذ زمن بعيد،
فجلبت العقاب السريع وقتذاك،
ولكنها رغم هذا لا تزال قائمة حتى الجيل الثالث،
عندما عصى لايوس أبولو،
الذي حذره ثلاث مرات بالوحي الكثير،
من محرابه البوثي القائم في سرة الدنيا،
أنه إذا أنقذ مدينته،
فسيموت بغير ذرية.
فلما سيطر عليه نزق الحب
أنجب لنفسه، ولهلاكه،
أوديب قاتل الأب،
الذي بذر الحبوب في الحقل المحرم،
رحم أمه الذي نما فيه،
فقاسى المحصول الدموي لفعلته؛
إذ جاء بهما روح الجنون معا،
وسلب كل منهما إدراكه.
فأقبلت المتاعب تترى كالبحر يرسل أمواجه إلى الأمام متلاحقة،
فتتكسر لجة، وترفع التالية لها، فتتكوم ثلاث لجات معا،
وتثور أمواجه حول هيكل مدينتنا،
ولا يزيد سمك حاجزنا، الفاصل بين الحياة والموت عن سمك حائط،
لذا أخشى على طيبة وعلى أسرة ملوكها،
لئلا تطحن معا جميعا.
عندما تصدر لعنة من وحي قديم
وتقع تماما، فإنها تستقر ثقيلة الوطء؛
لأن قوى الدمار نشيطة، ولن تمر دون أثر.
وعندما يزدهر الناس ، الذين يعيشون بالخبز،
ويصيرون عظماء،
عندئذ لكي يخففوا حمل السفينة،
يدفعون الغرامة من أعماق مخزنها.
أي رجل نال تكريما
من الآلهة أو من مواطنيه في الميدان الزاخر،
كما كرموا أوديب
يوم خلص مملكتنا
من ذلك الشيطان الذي كان يأكل لحوم البشر؟
ولكن ذلك الرجل التعيس، عندما أدرك زواجه المشئوم،
تعذب وثار، في جنون قلبه،
وباليد التي قتلت أباه، ضاعف آلامه فأتلف عينيه
اللتين لم تطيقا النظر إلى أولاده.
وعندما ضن عليه ولداه بمكانه في وطنه،
صب عليهما في ساعة هياجه، وبلسان مرير،
وا أسفاه! صب عليهما اللعنات؛
أنهما يقتسمان ميراثهما في الوقت المناسب
بالعنف وبالسيف المقسم.
إنني لأرتجف خوفا من أن تكون،
الإيرينوس السريعة الأقدام تنفذ لعنته في هذه اللحظة. (يدخل رسول.)
الرسول :
الشجاعة، الشجاعة، أيها الأطفال المرتجفون عند ركب أمهاتكم!
إن مدينتنا طيبة بمأمن من الرق! لقد تمخض زهو أولئك الرجال
عن لا شيء. لقد وصلت طيبة إلى الهدوء بعد العاصفة.
لم يحدث تسرب في الموجات الهادمة، وأسوارنا سليمة؛
إذ صد رجالنا الموثوق بهم الأعداء. فوقفوا كالمتاريس أمام الأبواب، وكل
39
المرهوب، قد وقف بنفسه، ونقل خطيئة لايوس القديمة إلى حيز التنفيذ
الكوروس :
ماذا حدث؟ أتنتظر مدينتنا فزعا جديدا؟
الرسول :
المدينة آمنة. أما ابنا أوديب ...
الكوروس :
ماذا عنهما؟ لقد حيرتني. أخشى أن أسمع ...
الرسول :
هيا الآن، والتزمي الهدوء وأصغي إلي. ابنا أوديب ...
الكوروس :
يا للشقاء! لا أستطيع التخمين بما هو أسوأ.
الرسول :
كلاهما متعادلان تماما.
الكوروس :
هل في النهاية المريرة؟ إنك لتخبرني بما يحزن.
الرسول :
مات الأخوان كلاهما. قتل كل منهما الآخر.
الكوروس :
كان كل منهما مثل أخيه في اللهفة على القتل.
الرسول :
يشبه كل منهما الآخر في المصير الذي قادهما كليهما،
ذلك المصير الذي يبيد عشيرتهما المنكودة الطالع.
إذن، تمدنا هذه الحادثة، بمادة لكل من الفرح والدموع؛
تزدهر مدينتنا، ولكن زعيميها وقائديها
قد اقتسما هكذا بالصلب السكوثي المطروق، مبلغ ميراثهما.
والأرض التي يمتلكانها هي ما يحصل عليه كل منهما لقبره
أينما ذهبا.
تحملهما الريح المشئومة؛ ريح لعنة والدهما الحزين. وهكذا أنقذت طيبة،
(يخرج الرسول.)
الكوروس :
أيا زوس القوي، ويا أيها الآلهة الحارسون لمدينتنا،
والمنقذون الحقيقيون لأسوار كادموس هذه!
هل لي أن أبتهج وأصيح فرحا
بأن طيبة قد أفلتت دون أذى؟
أو هل أبكي من أجل قائدينا في الحرب -
مأسوفا عليهما، ومشئومين، وبغير ولد -
اللذين كاسميهما،
40
والمفعمين بالحقد والعداوة،
قد هلكا بواسطة هدفهما الآثم؟
الكوروس :
أيا لعنة العشيرة، أي لعنة أوديب، القاتمة العنيدة!
إن بردا مخيفا ينزل على قلبي،
والأغنية التي أنشدتها في نظرتي المرتبكة،
عندما سمعت عن أناس ينزفون الدم، ويموتون ميتة تعيسة،
أكانت أنشودة الدفن - بغير شك طالع نحس - أن ننشد مثل هذه الأنشودة في وقت
الكوروس الثاني :
ليس الأمر هكذا، بل هي اللعنة التي نطق بها والدهما
أصابت هدفها بغير تأجيل،
والسبب في كل هذا هو عصيان لايوس.
وما من قلق على المدينة
يستطيع درء ما تنبأ به العرافون.
أيهذا الذي ينبغي لنا أن نبكيه،
هل فعلت ذلك الشيء العسير التصديق؟
أهذه هي الحقيقة الواقعة، وليست شائعة؟ (يرى موكب قادم ومعه جثتا إتيوكليس وبولونيكيس.)
انظروا! هذا المنظر يتكلم بوضوح، ولسنا بحاجة إلى رسول.
بوسعنا أن نرى النهايتين القاتلتين المتبادلتين
لشخصين انضما إلى مصير واحد يكسر قلوبنا.
ماذا هناك غير الحزن، وها هو ابن الحزن،
يعود أخيرا إلى بيته الشرعي؟
هيا يا صديقاتي، أحضرن تأوهاتكن لريح مواتية، لضربة باليد على الرأس
41
ذات الأشرعة السوداء، إلى أخيرون، ولا يرسل أكاليل من
عسى أبولو ألا يطأ الأرض،
التي ترحب بالجميع على حد سواء،
حيث لا تضيء شمس الظلام . (توضع الجثتان على الأرض. تدخل أنتيجوني وإيسميني.)
انظروا! ها هما أنتيجوني وإيسميني
42
هنا،
أمامهما واجب مرير؛ أن تحزنا على شقيقيهما.
أعرف أن أحزان صدريهما الجميلين،
ستخرج بكل إخلاص،
كاملة ومعها النحيب الملائم.
ولكن قبل أن تنطقا به، يقضي علينا واجبنا بأن نبكي بصوت مرتفع، بترتيلة
آه يا هاتان الأكثر تعاسة من شقيقيكما
من بين كل من يربطن أثوابهن على صدورهن!
43
إنني أبكي وأنتحب، ليس بالتظاهر
وإنما بإخلاص، ومن القلب يخرج بكائي الحاد.
الكوروس الأول :
وا أسفاه، أيها الرجلان الضالان!
يا من لم تستطع عزيزتاكما أن تحثكما،
واللذين لم تتعبكما الشرور!
وبكل شجاعتكما المؤسفة،
ظهر أن ما خربتماه هو بيت أبيكما.
الكوروس الثاني :
يؤسفنا حقا، أن اللذين خربا بيتهما
حظيا لنفسيهما بموت مؤسف.
الكوروس الأول :
وا أسفاه! (إلى بولونيكيس)
أنت، يا من
أسوار نفس وطنك! وأنت يا من (إلى
حصلت على تاج ملك
لضرر نفسك. (إلى كليهما)
والآن قد سويتما نزاعكما
الكوروس الثاني :
لقد قامت إيرينوس بتنفيذ لعنة أبيكما أوديب بدقة.
الكوروس الأول :
انظروا، أين ضربا كلاهما على الجانب الأيسر.
الكوروس الثاني :
مضروبتان حقيقة، هاتان الجثتان اللتان نمتا من لحم واحد!
الكوروس الأول :
لم يكونا في وعيهما!
الكوروس الثاني :
للأسف كانا ملعونين،
مقدرا لهما الموت المتبادل!
الكوروس الأول :
كانت ضربة القضاء التي قاسياها قاتلة لكل من البيت والحياة، يعضدها
الكوروس الثاني :
وبقضاء عديم المحاباة،
نزلت عليهما لعنة أبيهما.
الكوروس الأول :
ينتشر صوت النحيب في كافة أنحاء أرضنا، فأبراج المدينة حزينة، والتربة
وتنتظر جميع طيبة، غير المطالب بها، ورثة جددا؛
طيبة التي ماتا من أجلها!
الكوروس الثاني :
من أجلها ذهب نزاعهما إلى غايته القاتلة.
الكوروس الأول :
لقد اقتسما ميراثهما بقلوب تواقة، غيورين من نصيبهما العادل، ولا لوم
44
من جانب أولئك الذين يحبونهما.
الكوروس الثاني :
ما من شكر قدم لأريس.
الكوروس الأول :
جاءت بهما النصال الحديدية إلى حيث يرقدان،
وسرعان ما ستقسم لهما النصال الحديدية أرض أبيهما.
وقد يتساءل المرء: أية أرض - وكيف قسمت؟ - ستكون نصيب كل منهما لقبره؟
الكوروس الثاني :
بينما نودعهما
يمزق النحيب العالي قلوبنا،
فإن بكاءنا تلقائي، وأحزاننا خاصة بنا.
لا فرح في آلام أفكارنا،
وتنهمر دموعنا من قلوب تذوي
عند البكاء على هذين الأميرين.
الكوروس الأول :
يا لهما من رجلين تعيسين! بوسعنا أن نسجل لهما أنهما زودا
بوليمة موت فخمة مدمرة.
الكوروس الثاني :
كان مصيرا شاقا ذلك الذي لاقته أمهما، أكثر مما لاقت جميع النساء
اليدان اللتان نمتا من نفس البذرة
حطمت حياة كل منهما.
الكوروس الأول :
هذان اللذان نموا من نفس البذرة زرعا الآن معا على الأرض، ومعهما
اقتسما حياتهما بحد العداوة،
وبلغ نزاعهما غايته بالغيرة الجنونية.
الكوروس الثاني :
لقد انتهى عداؤهما الآن، واختلطت حياتهما حيث تتشرب الأرض بركة من
وهما الآن بحق من دم واحد.
كان حاسما وجافا في المنازعات،
ذلك الغريب القادم من البحر، الذي يقفز من داخل النار، الحديد المشحوذ من
ومقسما فظا وقاسيا للممتلكات.
أهو أريس الذي يحقق لعنة الأب؟
الكوروس الأول :
يا لهما من نفسين مسكينتين، نالتا نصيبهما -
مقياس الإنسان - الذي يمنحه الرب،
ولكن سيكون تحت جسميهما كمية من الثرى عديمة القرار.
الكوروس الثاني :
آه! لقد توجتما عشيرتكما بأكاليل عديدة الأحزان!
وفي آخر النهار يكون النصر للعنات، التي تصرخ بانتصارها الحاد على الخراب
هناك تذكار الدمار عند الباب الذي اقتتلا أمامه،
فجندلهما كليهما، مصيرهما
قبل أن يكف كل منهما يده. (تنتقل أنتيجوني وإسميني الآن إلى وسط منصة المسرح لتبكيا على
أنتيجوني :
كما أعطيت جراحا أصبت بجراح أيضا.
إسميني :
وكما قتلت قتلت أيضا.
أنتيجوني :
بالرمح قتلت.
إسميني :
وبالرمح مت.
أنتيجوني :
مؤسف في هجومك.
إسميني :
ومؤسف في آلامك.
أنتيجوني :
فليرتفع البكاء ...
إسميني :
ولتسقط الدموع ...
أنتيجوني :
عليك يا من مت.
إسميني :
عليك يا من قتلت.
أنتيجوني :
قلبي هائج بالتنهدات.
إسميني :
روحي تئن داخل جسمي.
أنتيجوني :
وا شقيقاه، الذي أبكيه!
إسميني :
وا شقيقاه، المأسوف عليه غاية الأسف!
أنتيجوني :
قتلك أخوك.
إسميني :
قتلت أخاك.
أنتيجوني :
هذا حزن مزدوج، أعبر عنه.
إسميني :
هذا حزن مزدوج، أراه.
أنتيجوني :
حزن إلى جانب حزن!
إسميني :
حزن أخ لحزن!
الكوروس :
أيها القدر، ذو الهبات القاسية، والمحزنة،
أيها الظل العظيم لأوديب،
أيتها الإيرينوس القاتمة، ما أشد قوتك!
أنتيجوني :
هذا منظر محزن وفظيع.
إسميني :
هكذا أرحب به من منفاه.
أنتيجوني :
وعندما قتل عجز عن نيل وطنه.
إسميني :
وعندما أنقذ وطنه، فقد حياته.
أنتيجوني :
فقد حياته.
إسميني :
وأخذ حياة أخيه.
أنتيجوني :
واها لكما، أيها الابنان المتهوران!
إسميني :
واها لك أيتها النهاية الميئوس منها!
أنتيجوني :
نفس الاسم المحزن لكليهما.
إسميني :
نفس الدموع لألم مثلث الوقع.
الكوروس :
أيها القدر، ذو الهبات القاسية، والمحزنة،
أيها الظل العظيم لأوديب،
أيتها الإيرينوس القاتمة، ما أشد قوتك!
أنتيجوني :
تعرف الآن أنك أذنبت.
إسميني :
علمت في نفس اللحظة ...
أنتيجوني :
عندما رجعت إلى طيبة.
إسميني :
عندما اخترت أن تقاتل أخاك.
أنتيجوني :
أفظع بها قصة!
إسميني :
أفظع به منظر!
أنتيجوني :
وا أسفاه، لهذه الآلام!
إسميني :
وا أسفاه، للظلم الذي وقع ...
أنتيجوني :
على البيت الملكي وعلى طيبة.
إسميني :
وعلي أكثر منهما.
أنتيجوني :
وا أسفاه، لوقوع هذه الحماقات والمحن!
إسميني :
وا أسفاه، لمن عذبا أكثر من جميع البشر!
أنتيجوني :
اللذان في حماقتهما ...
إسميني :
كانا كمن به مس من الجن.
أنتيجوني :
أي مكان نجد لندفنهما فيه؟
إسميني :
حيث ينالان أعظم التمجيد.
أنتيجوني :
وا أسفاه! وا أسفاه!
فإذا رقدا بجانب أبيهما أتعباه. (يدخل رسول.)
الرسول :
كلفت بأن أعلن آراء وقرارات من هم نواب الشعب في هذه المدينة
في تربة وطنه؛ لأنه من أجل قضيته اختار أن يتحدى الأعداء، مضحيا في ذلك
الذين أهانهم - هذا الرجل - هاجما بقوة أجنبية على مدينتنا ليدمرها. فجزاؤه
الخزي، ويكون قبره الوحيد بطون الطيور الشريدة، ولن تكوم فرقة من
ولن تنشد أية تراتيل جنائزية تكريما له، ولن يقيم أقرب أقربائه أية طقوس
هذا مصيره الذي قررته له السلطة.
أنتيجوني :
وأنا أرد على سلطتك القائمة في طيبة:
إذا لم ينضم إلي أي فرد آخر في دفنه، فسأدفنه أنا، وأتحمل أية أخطار
هناك نداء آخر، من اللحم الواحد، الذي صنعنا كلينا - لحم الأم الحزينة، ولحم
لن يمزق ذئب خاوي البطن لحم أخي،
ولن أدع إنسانا يقرر ذلك! ورغم أنني امرأة، فسأدبر له قبرا، وأحفر
الرسول :
أحذرك، لا يتطرقن إلى ذهنك أن بمقدورك أن تتحدي الحكومة.
أنتيجوني :
أحذرك ألا تعلنني، إنك تضيع وقتك سدى.
الرسول :
يبدي الشعب الحديث التحرر، معاملة قبيحة.
أنتيجوني :
إذن، فلتكن قبيحة. لن يحرم أخي قبره.
الرسول :
أتكرمين بالدفن عدوا للشعب؟!
أنتيجوني :
لقد حددت الآلهة منذ زمن بعيد أية أمجاد تكون من حقه.
الرسول :
هذا إذا لم يكن قد أغرق بلاده، منذ ذلك الوقت، في ذعر قاتل.
أنتيجوني :
لقد ظلم. لم يفعل أكثر من أن رد على ظلم بظلم.
الرسول :
وقد هاجمنا جميعا لأن رجلا واحدا ظلمه!
أنتيجوني :
النزاع، من بين سائر الآلهة، أطولها جدالا.
كفى خطابات طويلة. سأدفنه.
الرسول :
افعلي ما يحلو لك، ولكنني حذرتك. (يخرج الرسول.)
الكوروس :
يا للأسف، يا للأسف!
أيتها الإيرينوس الفخورة الظافرة، يا أرواح الشر،
محطمات الأسر، اللاتي قطعن
جذور وأغصان أسرة أوديب!
ماذا سيحدث؟ إلى أي جانب أنحاز؟
أي حل يمكنني العثور عليه؟ كيف أطيق ألا أبكيك،
وألا أتبعك حتى قبرك؟
ولكنني خائفة،
إنني أبتعد عن غضب المواطنين.
ستجد كثيرا من النائحين، يا إتيوكليس،
فهل سيرحل هو، هذا الروح المسكين، من غير نواح،
ولن يرتل عليه أحد سوى شقيقته؟ من ذا الذي يوافق على هذا؟
الكوروس الأول :
فلتفعل الحكومة، أو لا تفعل، كما تشاء. سنتبع نحن
بولونيكيس إلى قبره، ونشترك في دفنه.
فهذا الحزن يخص كل عشيرة كادموس،
وما تعتبره الحكومة صوابا
يتغير بتغير الزمن.
الكوروس الثاني :
وسنذهب نحن مع إتيوكليس؛ حيث إن العدالة والحكومة تتكلمان هنا بصوت واحد؛
الذي بعد الآلهة المباركين وزوس القوي،
بصفته مرشدا لمدينتنا الكادمية، قد أنقذنا من الانقلاب،
ومن أن تبتلعنا موجة الغزاة الأجانب. (تحمل الجثتان، واحدة إلى اليسار، والأخرى إلى اليمين. يتبع
مسرحية المتضرعات أو الضارعات أو المستجيرات 1
مقدمة
كانت إيو هي ابنة إناخوس، ملك أرجوس، كاهنة هيرا، وإذ أكلت الغيرة قلب هيرا بسبب
كان تردد الملك في تأييد المستجيرات في حق اللجوء، ثم انتصار ذلك الحق بعد أخذ
وتنتهي أحداث المسرحية على أيدي المصريين والدانائيات. وإذ وجد داناوس نفسه مجبرا
وتاريخ هذه المسرحية لا يمكن تحديده بدقة، ولما كانت أحداثها تدور كلها قبل ظهور
أشخاص المسرحية
كوروس من بنات داناوس الخمسين.
داناوس
Danaus :
أحد نسل زوس وإيو.
بيلاسجوس
:
ملك أرجوس.
رسول المصريين.
كوروس ثان من الخادمات القائمات على خدمة بنات داناوس.
جنود وخدم آخرون.
المنظر:
قرب شاطئ البيلوبونيز
، مرعى به كومة معشوشبة يقوم عليها عدد
2
وأبولو،
3
وبوسايديون،
4
وهرميس.
5
وترى في الخلفية البعيدة أسوار وقلاع أرجوس
Argos . تتجمع بنات داناوس
Danaus
6
قرب التماثيل.
الزمن:
قبل التاريخ. *** (تدخل مجموعة من العذارى بعد أن
الكوروس :
عسى زوس، إله المتضرعين جميعا، أن ينظر
إلينا بعين العطف.
جئنا بالسفينة من كثبان الغبار
القائمة عند المصب الخارجي لنهر النيل،
وإن تلك الأرض التي غادرناها لعزيزة على زوس،
مشتركة مع المراعي السورية، ومع ذلك فقد أتينا
غير موصومات بلعنة جريمة دم،
وغير مطرودات بحكم مدينة، بل منفيات باختيارنا،
أملا في الهروب من شهوة الرجال،
من الزواج البشع المحرم بأبناء أيجوبتوس
Aegyptos .
7
يقود والدنا داناوس قضيتنا،
ويقودنا في كل حركة نعتزمها.
رأى بتخيره بين الشرور، أن من الخير
أن نطلب النجاة بطريق البحر
إلى أرض أرجوس؛ فهنا
بدأت عشيرتنا التي اكتمل نموها الآن،
وتنسب منشأها من ذلك الحيوان المعذب،
وعمل نفس زوس ذاته ولمسته على مجيئنا.
إلى أي أرض أكثر رحمة من أرجوس يمكننا أن نذهب، متسلحين
بهذه - وهي أسلحة المتضرعين - الأغصان الملفوفة بالصوف؟
أيتها المدينة! ويا تربة هذه الأرض، والمياه المتألقة! أيا آلهة الهواء،
والثالث في صلاتي، هو زوس المخلص،
الذي تقود يده دفة الاستقامة،
استقبلوا جماعة النساء المتضرعات هؤلاء، دعوا الشفقة ترحب بنا من أرجوس
أما الكبرياء الذكرية لأبناء أيجوبتوس العنيفين،
فقبل أن يطئوا هذا الشاطئ الكثير المستنقعات،
اقذفهم، ومعهم سفينتهم المطاردة،
إلى البحر الشاسع! حيث تلتقي
بالعاصفة الصرصر العاتية،
وبالرعد، والبرق، والريح، ومطر المحيط الوحشي،
فليموتوا، قبل أن يضعوا أيديهم علينا،
نحن بنات عمهم، ليدخلوا فراشنا رغما منا،
الذي يحرمه عليهم الحق!
والآن، من وراء البحر
أتضرع إلى حامينا؛
الطفل الذي رعى وسط الأزهار،
العجل الذي خلفه
8
زوس،
من البقرة، أم عشيرتنا،
التي صارت حبلى بتنفس زوس وعناقه،
ومن ثم أعطي اسمه الحقيقي،
وتمت حياته كما تنبئ،
عندما ولدت أمه إبافوس
Epaphus
9 (طفل اللمسة)،
الذي أتوسل إليه الآن،
هنا في الحقول التي رعتها
إيو،
10
أمنا الأولى،
والآن، إذ أروي ما قاسته وقتذاك،
أقدم دليلا على ما نطالب به اليوم،
وسرعان ما ستتبعه أدلة أخرى،
ستظهر رغم عدم البحث عنها؛
لأن الحقيقة ستعرف عندما يطول الزمن.
إذا تصادف وجود أي فرد من مواطني هذا الشاطئ
قريبا منا، واستمع إلى بكاء الطيور؛
ظن، عندما تقع أنشودة تضرعنا الحزينة،
على أذنه، أنه يسمع
صوت زوجة تيريوس
Tereus ،
11
دوليان
Daulian
الباكية،
تلك العندليب التي صادها الصقر،
والتي تبكي تحت أوراق الشجر الخضراء،
حزنا على حياتها منفية من وطنها.
وتروي بالأناشيد قصة موت ابنها؛
كيف هلك بيدها هي نفسها،
فريسة العاطفة الوحشية التي اجتاحت أمه.
لذا تأثرت وبكيت بالمراثي الأيونية،
وأتلفت بالحزن نعومة
الخدود التي أنضجها
12
النيل،
وقلبا غير ماهر في الدموع.
أقطف أزهار الألم المرير،
وأرعى قطيع أهوالي.
فهلا يهب أحد لنجدتنا،
نحن اللاجئات من أرض نائية؟
اسمعونا، يا آلهة الزواج، ودعوا العدل ينتصر،
ولا تمكنوا الشباب الوحشي من أن ينال
شهوته الشريرة، ولتقمع
الكبرياء بواسطة كراهيتكم لها،
أتموا لنا الزيجات الصحيحة.
فحتى من يفرون من القتال في المعارك
لهم مذبح يلجئون إليه من الهلاك،
حيث احترام الآلهة يجعلهم في أمان.
قيل بحق: «إن رغبة زوس القوية عسيرة الصيد»
13
تضيء جميع الأشياء أمامه بوضوح،
ولو أنه يخفيها في ظلام دامس
عن عيون البشر الهالكين.
وبإيماءة من زوس
يتقرر تنفيذ كل شيء،
فيتم الحادث «منتصبا على قدميه»؛
لأن طريق قلبه الراغب
يمتد مظلما ومعقدا، ويحير البصر والفكر.
يقذف زوس بالبشر من آمالهم العالية
إلى هلاكهم،
ولا يوجد إله خالد
يستطيع أن يشهر في وجهه قوة الألوهية غير المتطلبة جهدا؛
إذ إن زوس يعاقب غروره في لحظة،
رغم أنه متوج في عبادة البشر.
وهكذا فلينظر زوس إلى غطرسة البشر، ويلاحظ كيف أن اشتهاء لحمنا يجعل الرجل
ويزهر برغبة منحرفة،
بينما تحثه الرغبة الجامحة بغير هوادة،
وعندما يتبع الشر الغرور، يتبعه الألم بدوره.
كنت أنشد مثل هذه الأناشيد، غير المنظومة ببراعة
وغير المتناسقة النغمات،
وصوتي الذي حبسته العبرات، تارة حاد وطورا عميق،
هي أناشيد مليئة بالنحيب كأنها المراثي الطقسية،
فأحتفل بموتي بالأنات الحية،
أصرخ طالبة الرحمة من هذه المرتفعات الآبية
14 (عفوا، أرض هيلاس عن لغتي الفظة)،
ثم أعود فأمزق من جديد
خماري التورياني
Tyrian
15
إلى أسمال تمج العين رؤيتها.
وعندما يسير كل شيء على ما يرام، عندما يكف الموت عن التهديد،
يتدفق الوفاء بالنذور للآلهة.
غير أنني مرتبكة بالخطر والضائقة.
إلى أين تقودني هذه العاصفة؟
أصرخ طالبة الرحمة من هذه المرتفعات الآبية (عفوا، أرض هيلاس عن لغتي الفظة)،
ثم أعود فأمزق من جديد
خماري التورياني إلى أسمال تمج العين رؤيتها.
بعيدا ذهبت مجاذيف سفينتنا،
وهيكلها المسدود بالشمع لكي يمنع تسرب البحر إليها،
فجاءت بنا بريح مواتية،
ولم تؤذنا أية عاصفة، وإني لشاكرة؛
إذ انتهت رحلتي إلى اليابسة،
عسى زوس، الذي يبصر كل شيء أن يقودها حسبما نرغب
ويمنحنا، نحن ذرية عروسه المقدسة إيو،
أن نفلت من عناق الرجال،
ونحتفظ بعذراويتنا مصونة غير مقهورة.
وعسى أرتيميس،
16
ابنة زوس، المحبة للعفة،
التي أحبطت شهوة أوريون
Orion
17
إلى أوبيس
Opis ،
أن ترغب في عفافي بتقدير رحيم،
فلتأت بكل قوتها ،
عذراء لنجدة عذراء،
وتدحر هذه الشهوة التي تلاحقنا،
حتى إننا، نحن ذرية عروسه المقدسة إيو،
نفلت من عناق الرجال،
ونحتفظ بعذراويتنا مصونة غير مقهورة.
وإلا، فإلى البيت الذي تمقته الشمس،
إلى زوس العالم السفلي، ملك الموتى،
الذي يرحب بضيوف لا يحصون عدا،
سنأتي بأغصان تضرعنا؛
لأننا سنشنق ونموت بأنشوطة المشنقة،
إذا لم تستمع إلى تضرع آلهة أوليمبوس.
18
للأسف، إن غضب الآلهة،
يبحث عنك، يا إيو، ليعاقبك،
فإني أعرف غيرة ساكني السماء في شئون الزواج؛
فمن الريح التي تهب غاضبة تخرج العاصفة.
ثم إن زوس يجلس دون القيام بدفاع عادل،
عندما يرى لأول مرة
ابن البقرة، الذي ولد منه هو نفسه،
فيحول عينيه بعيدا عن ابنه،
عندما نتضرع إليه،
فهو يسمع صراخنا بقربه، مهما كان يجلس بعيدا.
للأسف، إن غضب الآلهة،
يبحث عنك، يا إيو، ليعاقبك،
فإني أعرف غيرة ساكني السماء في شئون الزواج؛
فمن الريح التي تهب غاضبة تخرج العاصفة. (في تلك الأثناء يكون داناوس قد دخل آتيا من جهة
داناوس :
أي بناتي، يجب أن نتذرع بالحكمة، فبينما كنا نبحر إلى هنا،
وجدتن أباكن ربانا حكيما،
وعجوزا وموضع ثقة،
والآن سأعنى بأمركن فوق اليابسة
وأتولى حراستكن، على شرط أن تحتفظن بما أقوله مكتوبا
في قلوبكن. (ينظر نحو الأفق ويشير ناحية أرجوس.)
أرى الغبار يرتفع، معلنا في صمت عن قدوم جيش لم تسمع بعد قعقعة
وعرباتهم المقوسة. لا شك في أن حكام هذه المملكة،
قد علموا بمجيئنا، فأقبلوا ليرونا بأنفسهم.
وليروا ما إذا كان هذا المجيء الوحشي ينطوي على نية سيئة،
أو أنه بسبب غضب وحشي. وفي كلتا الحالين، يا بناتي،
من الخير أن تجلسن متضرعات لهذه الآلهة ذات الأعياد،
19
هنا فوق هذه الرابية. فالمذبح أقوى من الحصن، وإنه لترس
منيع. هيا بسرعة أحضرن أغصانكن الملفوفة بالصوف
الأبيض؛ رموز زوس الرحيم،
أمسكن بها في أيديكن اليسرى، في وضع الاحتفال،
وأجبن على أسئلة رجال أرجوس هؤلاء بالطريقة
التي يخاطب بها الأغراب الحديثو المجيء،
بألفاظ تستدر الدموع والشفقة من أجل حاجتكن،
قلن بصراحة إنكن أتيتن إلى هنا هاربات، وإن أيديكن
بريئة من الدم. وتذكرن قبل كل شيء:
ألا تستخدمن أية جرأة أو تفكك في كلامكن أو ملامحكن،
فلتكن الملامح متواضعة ومحتشمة، والعين ثابتة.
لا تتلعثمن أو تترددن في كلامكن.
فإن هؤلاء قوم ذوو طباع حادة. فتذكرن إذن
أن تظهرن بالخضوع! فكلكن غريبات، ولاجئات عاجزات،
ولا محل للألفاظ الجريئة لدى الجانب الأضعف.
الكوروس :
أبتاه! إننا حكيمات جدا، لدرجة الترحيب بتحذيرك الحكيم.
وليكن زوس شاهدا علينا؛ زوس أبو عشيرتنا!
داناوس :
إذن فلا تضيعن الوقت، واجعلن تضرعكن إلى
الآلهة أمرا أكيدا.
الكوروس :
ها أنا ذا على استعداد، ولأتخذ مجلسي هنا إلى جانبك.
أي زوس، اعطف على حالتنا، لا تسمح بموتنا!
داناوس :
عسى أن ينظر زوس إلينا بعين الصداقة حقا.
فإذا كان زوس في جانبنا، غدت عاقبة كل شيء سعيدة.
هنا أبولو، نجل زوس، نادينه.
الكوروس :
إننا ننادي أشعة الشمس المنقذة، وننادي أبولو
المقدس والطاهر، فإذا نفي مرة من السماء، وهو إله،
فإنه سيحترم في البشر تلك المحنة التي عرفها.
داناوس :
آمين! عساه يقف إلى جانبنا، مدافعا عن قضيتنا!
الكوروس :
ومن غيره من هذه الآلهة أناديه الآن؟!
داناوس :
انظرن، ها أنا ذا أرى رمح إله البرزخ،
20
الثلاثي الشعاب.
الكوروس :
لقد بارك رحلتنا بحرا، والآن عساه يرحب بمجيئنا فوق اليابسة.
داناوس :
كذلك هنا هرميس، في صورته الجريكيانية
Grecian .
الكوروس :
إنه يستقبل استقبالا حسنا، عسى أن يقود إلينا الحظ السعيد.
داناوس :
بالاختصار، نادين جميع الآلهة الذين يكرمهم هذا المذبح الفرد،
وكسرب من اليمامات المستكينات خوفا من الصقور،
اطلبن الحماية من أقاربكن الأعداء،
الذين يلوثون عشيرتنا. فهل يأكل الطائر لحم الطائر
ويظل طاهرا؟ وهل يضاجع رجل امرأة
رغما منها ورغما من رغبة أبيها، ويكون طاهرا؟
فحتى بعد الموت، لن يفلت مثل هذا العمل، في هاديس
Hades ،
21
من العقاب، فيقولون إن هناك أيضا، بين الموتى زوسا آخر يصدر الحكم
كن حازمات إذن، وجاوبن قائد أولئك القوم،
حتى تكلل مسألتكن بالنجاح اليوم. (في أثناء ذلك، يكون الملك بيلاسجوس قد دخل مع بعض
الملك :
إننا نحييكن. من أية مملكة جئتن؟ فملابسكن غريبة علينا؛ إنها ثياب
وكيف تجاسرتن على المجيء هكذا إلى شواطئنا غير خائفات،
بغير استدعاء ولا ضمان، وبدون صديق ولا مرشد؟
إن هذا مدعاة للعجب. حقا، إن الأغصان التي هي شارة المتضرع،
موضوعة إلى جوانبكن أمام هذه الآلهة ذات الأعياد.
يمكننا تفسير هذه العلامة وحدها، أما ما بقي،
فالتخمين يولد تخمينا آخر، وهكذا إلى ما لا نهاية،
إن لم يكن هناك صوت يجيبنا بالحقيقة المؤكدة.
الكوروس :
سيدي، إن حدسك فيما يختص بملابسنا لهو عين الحقيقة. وأنت، هل أنت أحد
22
مبعوث، أو كملك هذا البلد؟
الملك :
تحدثي إلي بكل ثقة. أنا بيلاسجوس،
23
ابن بالايخثون
المولود من
وحاكم هذه البقاع،
والعشيرة التي تزرع هذه الأرض، تسمى بعدل عشيرة البيلاسجيين، نسبة لي أنا
الممتدة غربا، والتي يجري خلالها نهر هالياكمون
Haliacmon . وأحدد من ممتلكاتي جميع المنطقة البيرهايبية
، وهي الأرض الممتدة وراء جبل
، قرب خاءونيس
Chaones ، وسلسلة الجبال الدودونية، حيث تلتقي
الممتدة من هناك إلى هنا.
وإن الأرض الآبية نفسها، هذا السهل المستوي، سمي باسم آبيس
Apis ، الذي اشتهر في العصور القديمة بمهارته في
إنه ابن أبولو، أستاذ العلاجات والتنبؤات،
الذي عبر الماء من ناوباكتوس
Naupactus ،
من الوحوش التي تفترس البشر؛ تلك المخلوقات التي
لما كانت الأرض قد تدنست
بجرائم القتل القديمة، قد قامت بتربيتها، كما تفعل زوجة الأب القاسية،
عالج آبيس هذه الأوبئة بالعقاقير الشافية وبالطقوس المطهرة، فرضيت أرضنا كل
لقد تكلمت. والآن فلتقرر إحداكن عشيرتها،
بوضوح، وبإيجاز؛ إذ تمقت أرجوس الحديث المطول.
الكوروس :
إذن، باختصار وبوضوح، إننا من الدم الأرجوسي.
البقرة التي أخصبها زوس نحن من نسلها.
أصغ إلي: سيحمل كلامي برهانا على كل ما قلته.
الملك :
أيتها السيدات، إنني أجد قصتكن هذه بعيدة
على التصديق. كيف يكون
قوم مثلكن من أهل أرجوس؟
24
إنكن أكثر شبها
بالليبيات، وبكل تأكيد لستن من نساء مملكتنا.
قد ينبت النيل مثل هذا النبات، وفي وجوهكن،
حيث يشكل الصانع الذكر ملامح السيدات، يوجد
طابع قبرص الحي. كما أسمع أن هناك
نساء مثلكن، من البدو، يمتطين ظهور الإبل
كما نركب نحن صهوات الخيول، ونسير بها في
سهولة وسط الأراضي
المجاورة لإثيوبيا. ولو تسلحتن بالقسي
لخمنت بأنكن أولئك الأمازونات
Amazones
25
الذائعات الشهرة،
اللواتي يعشن بغير رجال ويأكلن لحوم البشر.
ولكن أخبرنني بجلاء
كيف تنحدرن من أرجوس، نشأة ودما؟
الكوروس :
أيروي القوم هنا قصة تقول إن إيو كانت هنا، ذات مرة،
أمينة مفاتيح معبد هيرا
Hera ؟
26
الملك :
كانت كذلك، ما في هذا شك، هذه قصة معروفة تماما.
الكوروس :
وهل يضيفون إليها أن زوس أصيب بحبها؟
الملك :
نعم، وعلمت هيرا بذلك الحب فأكلتها الغيرة.
الكوروس :
وماذا كانت نتيجة ذلك الحب الملكي؟
الملك :
بقرة، كانت امرأة حولتها الربة الأرجوسية.
الكوروس :
وزوس، ألم ينزل ليبحث عنها؟
الملك :
هكذا يقولون، متخذا صورة ثور ليناسبها.
الكوروس :
وماذا فعلت هيرا إذن، هل كانت مصممة كعادتها؟
الملك :
وضعت حارسا يرى كل شيء ليراقب تلك البقرة.
الكوروس :
ومن كان ذلك الراعي لحيوان واحد، والمبصر كل شيء؟
الملك :
إنه أرجوس، المولود من الأرض، والذي قتله هرميس.
الكوروس :
وماذا غير هذا
فعلته هيرا ضد تلك البقرة المنحوسة الطالع؟
الملك :
أرسلت إليها ذبابة مما يعذب الماشية ويحرمها الراحة.
الكوروس :
نعم، وسيعرفها سكان منطقة النيل باسم أويستروس
Oestrus .
الملك :
ماذا؟ وهل ساقتها مسافة بعيدة حتى نهر النيل؟
الكوروس :
نعم، وكل إجاباتك تتفق وما أهدف إليه في الأسئلة.
الملك :
إذن فقد وصلت إلى كانوبوس
Canopus ، وحتى
Memphis ؟
الكوروس :
نعم، وهناك لمسها زوس بيده، فأنجبت طفلا.
الملك :
وأي رجل هذا الذي يفخر بنسبه على أنه العجل ابن بقرة زوس؟
الكوروس :
هو إبافوس، الذي سمي بهذا الاسم المناسب للمسة زوس.
الملك :
وأية أطفال ولدت لإبافوس؟
الكوروس :
ابنة، اسمها ليبيا، تحصد المحاصيل في أضخم الأراضي.
الملك :
وأي طفل ستذكرين اسمه بعد ذلك؟
الكوروس :
بيلوس
Belus ،
27
الذي كان له ولدان، وكان والد أبي الواقف هنا.
الملك :
أخبريني، وماذا تطلقين على حكمته؟
الكوروس :
داناوس،
وله أخ له خمسون ابنا.
الملك :
إذن، فلا تضني علي بذكر اسم هذا أيضا.
الكوروس :
أيجوبتوس.
وبما أنك الآن تعرف قصة عشيرتنا الطويلة،
أرجوك أن تعمل كبطل لهذه الجماعة الأرجوسية.
الملك :
بكل تأكيد، يبدو أنكن منذ أقدم الأيام تنتمين إلى أرجوس.
ولكن كيف كانت لكن الجرأة والإرادة على أن تتركن
وطن أبيكن؟ أية ضربة للقدر نزلت بكن؟
الكوروس :
يا ملك البيلاسجيين، إن مساوئ البشر تتزيا بعدة ألوان،
لن تجد في جناح متاعبنا ريشتين متماثلتين.
من كان يفكر في أننا نلجأ إلى هذا الفرار المفاجئ، ونتجه إلى أرجوس،
مسوقات باستنكارنا للاعتداء غير المقدس في مصر؟
الملك :
وإذ كنتن متضرعات إلى هذه الآلهة، وتحملن أغصانا مقطوعة حديثا،
وملفوفة بالصوف الأبيض، فأي معروف تطلبن مني؟
الكوروس :
ألا نكون زوجات أبناء أيجوبتوس.
الملك :
ولماذا؟ أتمقتنهم، أم تعتبرن من الخطأ الزواج بهم؟
الكوروس :
وهل تشتري أية فتاة سيدا
28
لها من بين أسرتها؟
الملك :
الزواج بين الأسرة الواحدة يمدها بمزيد من القوة.
الكوروس :
نعم، وإذا حدثت مشاكل، غدا الطلاق في غاية السهولة.
الملك :
وكيف لي إذن، أن أبجل حق تضرعكن علي؟
الكوروس :
إذا ما أتوا يطلبوننا، فلا تسلمنا إليهم.
الملك :
وهل أخوض من أجل ذلك حربا خطرة؟
إنكن تطلبن مني شيئا فوق طاقتي.
الكوروس :
ستنصر العدالة من يحاربون من أجلها.
الملك :
نعم، حقيقة،
لو كنت طرفا في هذه القضية منذ البداية.
الكوروس :
بجل هذه الآلهة، الذين هم دفة مدينتك المتوجون هكذا.
الملك :
أرى هذا المكان ظليلا بالأغصان، ويهتز.
الكوروس :
إن زوس إله المتضرعين، فظيع في غضبه.
يا ابن بالايخثون، يا ملك البيلاسجيين،
أصغ إلي بقلب ودود،
انظر نحوي، أنا المنفية المتضرعة،
أجري في هذا الاتجاه وذاك،
كعجلة يطاردها ذئب فوق الصخور الشديدة الانحدار،
وبينما تثق في مساعدة الراعي، تخور لتعلن له عما يؤلمها.
الملك :
أرى جميع آلهة الأعياد هؤلاء
تومئ بالموافقة من تحت ظلال هذه الأوراق المقطوفة حديثا.
وبما أن الدم يربطكن بمدينتنا، فعسى ألا تسبب قضيتكن هذه
لنا أي ضرر، ولا تجر علينا حربا من أي مصدر خفي.
فتفاجئنا على غير استعداد. فهذا ما لا نسعى إليه.
الكوروس :
عسى ثيميس
Themis ،
29
صديقة المتضرعين، وابنة زوس،
الذي يعطي كل فرد ما يستحقه،
أن تجعل هروبنا عديم الضرر، فالقديم في المعرفة، يتعلم من الحديث
إذا احترمت المتضرع كانت الضحية التي تقدمها خير ما يقدمه المرء
على مذابح الآلهة المجيدة.
30
الملك :
إنكن لم تجلسن عند وطيس بيتي، وإذا وقفت حكومة أرجوس عرضة للجريمة هنا،
31
فلا بد أن يعالج هذا الأمر شعب أرجوس مجتمعا. لذا، لن أتعهد
الكوروس :
أنت الحكومة،
32
وأنت الشعب.
أنت الحاكم المطلق السلطة، إنك تدير
شئون المذبح الذي هو وطيس مملكتك،
دون أن تخشى صوت أي فرد. وبمجرد إشارة منك أنت، يا ملك العرش الواحد،
الملك :
تقع المؤاخذة على أعدائي، ومع ذلك فلست أعرف كيف يتسنى لي مساعدتكن دون
ماذا بوسعي أن أفعل؟ أين أسير؟ أخاف أن أعمل، أو لا أعمل.
إذن فلأترك الأمور تجري في أعنتها.
الكوروس :
احذر عين السماء الساهرة،
التي تتطلع إلى أحزان البشر، وتبصرهم
عندما يجلسون بغير ما فائدة عند وطيس جارهم،
وقد رفض أن يسدي إليهم الترضية الشرعية.
وإن غضب زوس من أجل احتقار المتضرع
سيظل باقيا ولا يلين
بدموع من يقع عليه ذلك الغضب.
الملك :
إذا كانت قوانين مملكتكن تجعل من أبناء أيجوبتوس سادة، لكن عندما يطالبون
فمن ذلك الذي يستطيع أن يعترضن على طلبهم هذا؟
وبحسب نفس قوانينكن تجب محاكمتكن،
طالما لم يثبت أن ليس لأولئك الرجال حق عليكن.
الكوروس :
حق أو لا حق، لن أكون زوجة لرجل ما، بالعنف.
سأواصل فراري من هذا الاعتداء القاسي المتعجرف،
وأمد فراري إلى حيث تمتد النجوم فوق الأرض.
إذن، فلتختر العدل لحليفك، وأعط
الحكم المقدس الذي ترضاه الآلهة.
الملك :
ليس الحكم بالأمر الهين، لا تختاريني قاضيا.
سبق أن قلت لك على الرغم من أنني الملك المطلق السلطة،
إنني لا أستطيع التصرف في قضيتك بغير شعبي،
حتى إذا باءت بمكروه، لا يقول لي الشعب قط: «لقد خربت أرجوس من أجل خاطر الغرباء.»
الكوروس :
إن زوس العظيم، الذي هو جدهم وجدنا،
يقيم ميزانه الدقيق الاتزان،
وينظر إلى كلا الجانبين، ويعطي بحق،
الشر نظير الشر، والبركات للصالحين.
وبما أن الجميع متزنون الآن بغير محاباة،
فلماذا تخاف إقامة العدل في قضيتي؟
الملك :
من أجل سلامتنا جميعا، لا بد لي من التفكير العميق، ومن عين فاحصة تبحث كما
ببصيرة واضحة غير شاردة، حتى تنال هذه المعضلة نهاية سعيدة
غير ضارة، أولا لأرجوس ولنفسي، حتى لا تقوم الحرب والنهب،
ونصاب بضربتهما جزاء عملنا، وحتى لا نسلمكن
أيتها المتضرعات عند مذابح آلهتنا،
وحتى لا نثير الانتقام، تلك الروح المدمرة، إلى هلاك أنفسنا؛
تلك الروح التي لا تطلق فريستها حتى في الموت.
الكوروس :
فكر! وصادقنا
بعدل، وبحسب الدين،
لا تخن اللاجئات
اللواتي طردهن الرجال الذين لا إله لهم، من وطنهن!
لا تسمح بأن أجر أمام عينيك
من محراب الآلهة الكثيرة هذا،
أيها الملك، المطلق السلطة في أرجوس!
اعرف نية هؤلاء الرجال
نحو الغرور الشرير،
واحذر غضب زوس.
لا تجعل المتضرع إليك
يساق كما يساق الحصان باللجام
تحديا للعدالة،
من أمام التماثيل المقدسة.
والأيدي الممسكة بنعومة ردائي، الثمينة.
واعلم أن قرارك، سواء أكان في صالحنا أو ضدنا،
سيبقى لأولادك ولبيتك،
مهما كان تصرفك إزاءنا طيبا أو سيئا،
فهكذا سيقدر لهم.
فكر جيدا؛ هذه هي عدالة زوس،
ولا بد أن تسري.
الملك :
لقد فكرت جيدا، وهذه هي الصخرة التي تواجهني الآن:
فسواء أكانت على هذا النحو أو ذاك، فلا بد أن تقودني إلى الحرب.
تشبه هذه الحقيقة هيكل سفينة أمسكت بها حبال
الروافع
33
فثبتت في مكانها تماما،
لست أرى الرسو في الميناء، في أي مكان.
وعندما تلقى البضائع الثمينة في البحر خلال العاصفة،
فقد تأتي بضائع أكثر بفضل زوس، الواهب زيادة الثروة،
وعوضا عن تلك، يملأ بالبضائع سفينة أخرى أكبر من السابقة.
وهكذا، عندما تنطلق سهام اللسان في الوقت غير المناسب، فإن كلمة قد تشفي
النفس المهانة.
أما إذا منحت إراقة الدم بسفك دماء الأقارب، وجبت التضحية
بالصلاة وسقوط الكثير من الضحايا لكثير من الآلهة، درءا لنزول
الحقيقة، أنني دخلت في هذا النزاع من أجل خرابي،
ولكن عند التنبؤ بالخراب، أختار الجهل بالشيء
بدلا من معرفته، عسى أن يثبت الحظ السعيد أنني مخطئ!
الكوروس :
لقد قلت الكثير لأستدر عطفك، دون جدوى، فاسمع مني كلمة أخيرة.
الملك :
تكلمي إذا شئت، ها أنا ذا أصغي باهتمام.
الكوروس :
لدينا أشرطة وأحزمة نربطها حول ثيابنا.
الملك :
وماذا عن هذه؟ أليست كلها من ملابس النساء المناسبة؟
الكوروس :
أقول لك، إنها تزودنا بوسيلة رائعة.
الملك :
هيا، الآن، وافصحي، ماذا تقصدين؟
الكوروس :
إن لم تتعهد لنا جميعا بإخلاص ...
الملك :
حسنا، وماذا عن أحزمتكن؟ هي وسيلة رائعة في أي غرض؟
الكوروس :
لتملأ هذه التماثيل بالزينات
34
البشعة.
الملك :
إنك تتكلمين بالألغاز. أخبريني بوضوح عما تقصدين.
الكوروس :
أن نشنق أنفسنا في الحال فوق هذه المحاريب المقدسة.
الملك :
تشنقن ...! إن هذه الكلمة لتقع على قلبي
موقع السوط الملهب.
35
الكوروس :
لقد فتحت عينيك الآن؛ إذ جعلتك ترى الحقيقة.
الملك :
نعم، أرى المتاعب المحيرة في كل مكان،
تتراكم علي المصائب كنهر وقت الفيضان.
لقد زج بي في بحر عميق خطر،
حيث يقبع الدمار، ولا أبصر أمامي مرفأ آمنا.
فإذا لم أضمن لكن المساعدة التي تطلبنها،
فإنكن تهددنني بتدنيس أرضي، فوق ما أتصور،
وإذا تحديت أبناء عمكن أيجوبتوس، واتخذت
موقفي أمام أسوارنا وحاربت في هذا الأمر،
ألا تكون النهاية ثمنا مريرا أدفعه؛
أن يبلل الرجال الأرض بدمائهم من أجل النساء؟
ومع ذلك، فإن زوس يحمي المتضرع، وينبغي لي أن أخاف غضبه، الذي يجب أن يخشاه
اذهب بسرعة، أيها العجوز داناوس، واحمل في ذراعيك أغصان التضرع، كتلك
وضعها على مذابح آلهة أرجوس،
حتى يرى جميع مواطنينا الدليل على هذا التضرع،
واحذر أن تتفوه عني بأي كلام؛
إذ يحب جميع المواطنين أن يجدوا عيبا في الحكومة.
فقد يرى بعضهم هذه الأدلة ويتحرك
عطفا، وسخطا على أولئك الرجال المتغطرسين،
ويزيد إقبال أرجوس على منح المساعدة لقضيتك.
وإذ إن الضعف يوقظ الكرم في كل قلب.
داناوس :
إن ما نقدره أعظم من كل شيء، هو أننا وجدنا صديقا يعطف علينا ويخاف
أرسل معي بعض رجالك الأرجوسيين كي يرافقوني ويرشدوني، حتى أجد مذابح
بجانب المعابد في المدينة، أو على حصون أسواركم،
وحتى أستطيع المرور في شوارعكم آمنا؛ لأن ثيابي
وشخصي كليهما يشيان بي ويدلان على أني أجنبي؛
إذ يخرج النيل قوما يختلفون عن قوم إناخوس
Inachos ،
36
فالحذر خير شيء، وربما جر التهور السريع إلى الخوف، وكثيرا
الملك :
هذه نصيحة سليمة. اذهبوا معه أيها الرجال وقودوه إلى محاريب المدينة ومعابد
وحذار أن تتلكئوا في جوانب الطرقات لتتحدثوا عن هذا البحار، الذي
(ينصرف داناوس متجها نحو أرجوس، يرافقه بعض من حرس
الكوروس :
لقد انصرف والدنا حسب أمرك. وماذا نفعل نحن؟ بم تأمرنا وتشجعنا
الملك :
اتركن أغصانكن هنا، تعبيرا عن حاجتكن أمام الآلهة.
37
الكوروس :
انظر، ها نحن نطيع أمرك.
38
الملك :
اذهبن الآن إلى هذه الغابة المستوية.
الكوروس :
وكيف نجد الحماية في غابة مفتوحة أمام الجميع؟
الملك :
لن أطرحكن فريسة للطيور الجارحة.
الكوروس :
وماذا إذن؟ أنترك فريسة لرجال أشد قسوة من الأفاعي القاتلة؟
الملك :
لقد أبديت لكن ألفاظا رقيقة، فيجب أن تنطوي ألفاظكن على
الكوروس :
أيدهشك أن يولد الفزع عدم اللياقة؟
الملك :
يجب أن يتغلب احترام الملك، على الهلع.
الكوروس :
إذن، فلتبتهج أيها الملك، وساعدنا بكل من الأقوال والأفعال.
الملك :
تأكدن من أن أباكن لن يهجركن مدة طويلة.
وفي أثناء ذلك، سأذهب وأجمع كل شعبي،
حتى أجعل أرجوس صديقة لكن، كما أخبر
والدكن بخير ما يقوله. انتظرن هنا، وتوسلن
إلى آلهة مملكتنا أن تمنحكن جميع ما تصبو إليه قلوبكن.
سأذهب إذن لأصرف الأمور كما قلت،
فعسى أن يصحب الإغراء والنجاح ألفاظي! (يخرج بيلاسجوس وحرسه.)
الكوروس :
أي زوس، يا ملك الملوك، والأعظم بركة بين المباركين،
وصاحب السلطة العليا بين ذوي السلطات الملكية،
الكائن في المسكن الخالد المبارك،
اسمعنا، وامنح الإغراء والنجاح.
استأصل غطرسة الرجال التي تمقتها بعدل،
أغرق الفورية
Fury
39
المطاردة،
مع جميع مجذفيها ذوي البشرة السمراء،
عميقا في الحوض العاصف للبحر الأرجواني.
وانظر بعين العطف على عشيرتنا القديمة،
وعلى جنسنا، متذكرا
القصة القديمة الرقيقة؛
قصة محبوبتك؛ أمنا جميعا.
كن حافلا بالذاكرة، أنت يا من وضعت يدك
على إيو! أي زوس، إننا ندعي بك
موجدا لنا، ووالدنا كما ندعي بأن أرجوس وطن قديم لنا.
تركت مصر وأتيت
إلى هذه المراعي التي كانت تقف فيها أمنا منذ زمن بعيد،
وحيث كانت ترعى بين الأزهار تحت عين مراقبة.
لقد هربت إيو من هنا،
معذبة بلدغة ذبابة الماشية حتى درجة الجنون،
وارتحلت بين كثير من قبائل الرجال
حتى شقت طريقا عبر أمواج البحر
بين أوروبا وآسيا،
فرأت القارتين المتجاورتين على كلتا يديها.
ثم هربت من هناك خلال أرض آسيا،
واجتازت مراعي الأغنام الفروجية، من أحد طرفيها إلى طرفها الآخر،
حتى بلغت مدينة تيوثراس
Teuthras
بين
Mysians ، وصعدت أودية
Lydia ،
ثم بين التلال الكيليكية
Cilician
والبامفولية
،
وظلت تعدو قدما إلى أرض أفروديتي،
40
الزاخرة بالقمح، والشهيرة
بالأنهار الدائمة، والتربة الخصبة العميقة.
ظلت إيو تطوف هائجة
أمام لدغة تلك المطاردة المجنحة،
حتى وصلت إلى مصر الخصبة، حديقة زوس،
إلى أراضي المراعي التي يغذيها الثلج الذائب،
وتجتاحها دوامات الرياح،
إلى مياه النيل التي لا تمسها أية أمراض،
وهي لا تزال مصابة بالتعب والعار،
معذبة بالألم المدمر من منخس هيرا.
أما رجال ذلك العصر، سكان مصر،
فكانت قلوبهم ترتجف ذعرا، ويمتقع لونهم
عند رؤية ذلك المنظر غير الطبيعي، الذي لم يسمع به.
رأوا مخلوقا، بشريا ووحشيا في نفس الوقت،
جزء منه بقرة، وجزء آخر امرأة،
ففقدوا النطق عند رؤية هذه العجيبة،
ثم ... ثم ... من ذلك الذي عزاها،
وأشفق على محنة ترحالها الطويل
المعذبة بلدغة تلك الذبابة الدوارة، التي عذبت إيو؟
كان هو زوس، الحاكم بسلطة مطلقة لا نهائية.
فتنفس زوس بقوة رقيقة،
وأطلق عيها نفسه الإلهي، فجلب لها الراحة،
وإذ شعرت بتلك الراحة، انهمرت دموعها
تعبر عن كامل حزنها وعارها.
وتسلمت في جسدها «حمل زوس».
41 (ما أصدق قوله!) فولدت
طفلا خاليا من العيوب.
كان ابنها طويل العمر وافر الرخاء؛
ولذلك فإن أرض مصر واهبة الحياة
تصرخ قائلة: «إن هذا لهو بحق ابن زوس.»
فمن غير زوس يستطيع شفاء
الجنون الذي سببه مكر هيرا؟
إن هذا الشفاء لهو من عمل يد زوس،
وما هذا الطفل إلا بذرة زوس.
قل هكذا، يصل هدفك إلى عين الحقيقة.
أي واحد من الآلهة يمكنني أن أناديه بعقل
لكي يقوم، بحق واضح، بعمل
42
خاص به؟
يا ملك الآلهة، إنك أبونا،
لقد زرعت يدك أصلنا؛
فليلجأ قلبك إلى الذاكرة، أيها الصانع الأعظم،
يا زوس الكلي البركة، يا مانح السعادة.
إنك لا تطيع أمرا أعلى وأنت متربع فوق عرشك،
فليست سلطتك بالسلطة المتواضعة
التي يمنحها سيد أعلى،
إنك لا تنحني
لمشيئة أي إله متوج فوقك.
فمهما كان الغرض الذي يقصده عقلك الضخم،
فإن قوتك تسارع إلى نقله لحيز التنفيذ والميلاد؛
أنت تتكلم، فينفذ كل شيء. (يعود داناوس.)
داناوس :
إنني لأحمل أخبارا مفرحة، يا بناتي! فإن أرجوس
بكامل مجلسها
قد أصدرت قرارا باتا، في صالحنا.
الكوروس :
مرحبا بك يا أبي، يا أعز الرسل جميعا!
أخبرنا بهذا الشيء فقط؛ ما نص قرارهم؟
أي عمل قررت الأصوات السائدة؟
داناوس :
قرر أهل أرجوس، وبغير نزاع ،
وإنما بصوت واحد جلي، بعث الشباب من جديد في قلبي العجوز،
فقد كان الجو مليئا بالأيدي اليمنى للمدينة كلها؛
وهذا قرارهم: أن نقيم في أرجوس
كضيوف أحرار بمنأى عن الاعتداء، مضمونة سلامتنا
ضد الحقد البشري، فلا يحق لأي أجنبي أو أرجوسي
أن يمسنا. وإذا استخدم أعداؤنا القوة، فإن الرجل
الذي يكون مواطنا ولا يهرع إلى مساعدتنا
يفقد حقوقه المدنية وينفى.
حقا، لقد تكلم الملك بيلاسجوس بفصاحة رائعة من أجلنا،
محذرا شعبه بقوله: «حذار في المستقبل
أن تثيروا كامل انتقام إله المتضرعين.
أمامكم حق مزدوج، لضيوف ومواطنين،
فإذا نبذناهم، هددنا
دنس مزدوج، أشبه بشيطان لا يشبع،
متعطش دائما إلى الخراب.»
عند ذلك لم يستطع الشعب الأرجوسي الانتظار،
فرفعوا أيديهم وأعطوا أصواتهم كما ذكرت.
أما الملك، فاستخدم كل وسائل الإغراء
لفن الخطابة؛ فكلل زوس النتيجة بالنجاح.
الكوروس :
هيا الآن لنتلوا
صلاة من أجل شعب أرجوس،
حتى يكون الخير جزاء الإحسان الذي فعلوه من أجلنا.
عسى زوس، صديق الغرباء،
أن يتطلع ويتم نذور الشكر
التي يقدمها الغرباء لمضيفيهم،
كي تنال ألفاظنا النهاية المرجوة.
أيها الآلهة السماوية المولد، استمعوا الآن إلى صلاتي،
بينما أسكب تقدمات الصلاة هذه:
لا تسمحوا قط للهب بأن تقفز وتلتهم
في هذه المدينة البيلاسجية،
ولا لأريس الشهواني، بأن يرفع صوته المحزن الصاخب،
الذي يحصد حقول الإنسان التي زرعها الآخرون؛
لأن أهل أرجوس أشفقوا علينا،
وأعطوا أصواتهم عطفا؛
لأنهم يحترمون متضرعي زوس،
هذا القطيع الحزين المستحق للعطف.
لم يعطوا أصواتهم مع الرجال،
محتقرين قضية النساء،
وذلك بدافع خشيتهم لغضب زوس
الذي ينتقم وينفذ،
الذي ليس بوسع أي شخص أن يحاربه
والذي لا يجرؤ أي بيت أن يستقبل
زائرا محملا بالمصائب،
كطائر الشر المدنس للسقف.
أما أرجوس، فتحترم رباط الدم
والمتضرع الواقف أمام محراب زوس الطاهر؛
ولذا ستظل مذابحهم نظيفة،
وتقدماتهم مقبولة لدى الآلهة.
وهكذا من شفتي المقدستين بهذه الأكاليل،
فلتتخذ الصلاة المتلهفة جناحا،
لعل الطاعون لا يجرد أرجوس من رجالها،
ولا الحرب الأهلية أن تدنس أرضها
بالدم الأرجوسي المسفوك بيد مواطنيها ،
ولتظل زهرة شبابها يانعة لا تقطف.
ولعل أريس، عاشق أفروديتي،
ومحطم الرجال، ألا يهلك خيرة شبابها.
ولتبارك مقاعد مجلس شيوخهم
ذوي اللحى الموقرة،
ولتحكم مدينتهم خير حكم،
بينما يقدمون التبجيل اللائق لزوس،
وقبل كل شيء، لزوس إله الغرباء،
الذي يقيم الحق بالقانون الأزلي.
نرجو لمحاصيل الأرض
أن تنبت وتعطي غلتها،
وأن تبارك أرتيميس ذات السهام
43
نساءهم عندما يلدن الأطفال.
عسى القتل والإبادة
ألا يأتيا قط لتمزيق أوصال هذه المدينة،
وألا يضعا سيفا في يد أريس، والد الدموع،
ليطرد الرقص والموسيقى
بصرخة الحرب الأهلية.
وعسى المرض، ذلك الكابوس المحزن،
أن يستقر بعيدا عن بيوت أرجوس،
وأن ينظر أبولو بعين العطف إلى جميع شبابها.
عسى زوس أن يخصب تربتها
لتخرج ثمرتها المناسبة
وكل محصول في موسمه،
وعسى القطعان التي ترعى في حقولها
تنتج صغارها بكثرة،
ويزدهر الشعب في كل شيء
ببركة الآلهة.
وعسى المغنون ينشدون أناشيد الصلاح عند مذابحهم،
بينما يرتفع من الشفاه الطاهرة،
صوت الأفراح على أنغام الأوتار.
وعسى مجلسهم، الدائم طول الحياة،
أن يراقب ببصيرة ثاقبة ومداولة حكيمة،
مصالح الشعب، الذي تحكم قوته الدولة،
وليمنحوا الأجانب في مدينتهم
التوسل الشرعي، ويحترموا المواثيق،
قبل استخدام السيف أو وقوع الضرر.
وعسى أن يحترموا دائما
الآلهة المحافظة على دولتهم
بالطقوس التي تعلموها من آبائهم فوق أرضهم،
وهم يحملون أغصان الغار ويقدمون ذبائح الثيران.
هذا ثالث بند مكتوب،
بعد بند احترام الوالدين،
في قوانين العدالة التي يتحتم على الجميع احترامها.
داناوس :
بناتي العزيزات، إنني أمجد صلاتكن الحكيمة الورعة.
والآن، أصغين إلي، ولا ترتعدن عندما تسمعن مني أنباء مفاجئة
وحبال الشراع، والحواجز الواقية
44
وهي دون جدال سفينة مصرية،
وإن حيزومها المزود بعيون لاستطلاع الطريق أمامها،
ليطيع الدفة القائدة المثبتة في كوثلها؛ إنها تجد في السير
نحن ضحاياها. أواه ! أرى الآن رجالا فوق ظهرها،
وأرى أطرافهم
سمراء تحت ملابسهم البيضاء. أما السفن الأخرى، فقد لاحت كلها أمام
من اليابسة، طوت الشراع وسارت بالمجاذيف.
هيا إذن، يجب أن تعملن في هدوء وبحكمة،
واجهن ما يواجهكن، وثبتن عقولكن على هذه الآلهة.
سأذهب لأطلب النجدة بحثا عن رجال يدافعون عن قضيتنا، ويحققون
غرضنا. فقد يحاول بعض رسل أولئك الرجال أو سفرائهم
القبض عليكن على أنكن ملكا لهم.
ولكن، كلا! لن يحدث هذا، لا تخشينهم.
ومع ذلك، فخير شيء - في حالة تأخر نجدتنا -
أن تتذكرن الحماية الممنوحة هنا.
تشجعن! فسيقيم الزمن ويوم الحساب
العدل، ويجازيان كل مذنب يتحدى الآلهة.
الكوروس :
أبتاه، إنني خائفة! بأية سرعة طارت سفنهم لتلحق بنا!
فلم تمض، بيننا وبينهم، غير لحظة.
إنني مذعورة وأرتعد،
هل هناك ميزة حقيقية
في الهروب هكذا من الوطن؟
أبتاه، لقد أغمي علي من الهلع.
داناوس :
ابنتي، لقد أصدر الأرجوسيون قرارهم الأكيد.
تشجعي، إذن، سيحاربون من أجلكن، إنني واثق من هذا.
الكوروس :
إن أبناء أيجوبتوس مجانين بفعل الشهوة والتهور.
إنهم متعطشون للقتال، وإنك لتعلم حق العلم أنني أقول الحقيقة.
وإن سفنهم لمتينة الأخشاب،
ومقدماتها المصنوعة من المعدن اللامع،
مسددة نحونا وأبصرتنا، وخلفهم آلاف من الرجال ذوي البشرة
داناوس :
وسيلتقون بألوف تواجههم، من الرجال الأقوياء المسلحين،
النحاف الأبدان، ذوي العضلات المقساة في حرارة الظهيرة.
الكوروس :
لا تتركني وحدي، يا أبتاه، إنني أجثو أمامك.
فليس للمرأة جرأة، وماذا بوسعها أن تصنع وحدها؟
وإن أولئك الرجال لا يعرفون العقل،
إنهم مجانين ومجدفون،
وما عادوا يهتمون بالمذابح
أكثر من اهتمامهم بالطيور التي تتغذى على فضلات الذبائح.
داناوس :
من صالحكن، يا بناتي، إذا رحب أولئك الرجال بعداوة الآلهة،
كما يرحبون بعداوتكن.
الكوروس :
أتظن أن الخوف من الآلهة، أو من الرماح الثلاثية الشعاب، أو من الصواعق،
إنهم متغطرسون ومحبون للشهوة،
وسريعو استخدام قوة الجنون،
وعديمو الخوف ككلاب الصيد، وعلى استعداد
للسخرية من الآلهة حتى يصيبهم البكم.
داناوس :
يقول المثل، قوة الذئاب ثلاثة أضعاف قوة كلاب الصيد،
وما من ثمرة شوفان تضارع سنابل القمح.
الكوروس :
إنهم في طباع الوحوش الضارية التي لا تعرف قانونا،
يجب أن ندافع عن أنفسنا، ليس أمامنا متسع من الوقت.
داناوس :
يستغرق الأسطول وقتا في الخروج إلى البحر،
كما يستغرق وقتا آخر
في الرسو على اليابسة. فما من ربان، حتى ولو أنزل المرساة،
يجرؤ على الإسراع في ربط حبال الرسو على الشاطئ، كما تحتاج السفينة إلى
ما من قوة تستطيع تسهيل النزول إلى البر إلا بعد أن تستقر السفينة
(يخرج داناوس.)
الكوروس :
أيتها الأرض الجبلية، التي يحمينا ملكها، ماذا سيحل بنا؟ إلى أين نهرب؟ أي
أو نصعد إلى أعلى كالدخان الأسود،
قريبا من سحب زوس اللامعة،
أو نطير بغير جناح، غير منظورات،
ونختفي، ونضيع كالغبار!
بيد أن الفرار عديم الجدوى، ولن نستطيعه بعد الآن،
وقد أظلم قلبي وارتجف.
إنني الفريسة التي وقعت في يد مراقبة والدي،
45
إنني لأموت ذعرا،
وأوثر أن ألقى حتفي في أنشوطة حبل المشنقة على أن أعطي
لحمي لزوج أمقته،
فليمتلكني الموت بسرعة!
أتمنى لو أجد مقعدا في الجو الأزرق،
حيث تحولني سحب المطر الجارفة، إلى ثلج.
إلى قمة ملساء لا تستطيع المعيز أنفسها أن تتسلقها،
مكان وراء مدى البصر، إلى أعلى
صخرة غير واضحة تؤمها الكواسر،
لتشاهدني وأنا أقفز إلى الهوة السحيقة،
فرارا من زواج بالإكراه يرفضه قلبي!
عندئذ يصير لحمي الميت طعمة للكلاب المفترسة،
ولتسمين كواسر الوادي. بهذا أكون راضية!
إذ يخلصني الموت من الآلام والدموع.
فليسدد الموت سهامه جيدا،
وليطالب بي قبل الفراش وقبل العناق.
إلى أين أهرب لأكون حرة
في الإفلات من رباط اللحم ؟
أصرخ بنداء يصل إلى عنان السماء، تقدمات تسمعها الآلهة
وتستجيب،
إلى صلوات الخلاص!
أي أبتاه زوس، انظر إلى هذا النضال،
فالعدل في عينيك.
لا تبتسم للعنف،
أي سيد الأرض، الكلي القوة،
كن رحيما بنا، نحن المتضرعات.
إن أبناء أيجوبتوس يريدون صيدنا،
وينقضون علينا بصرخات الحرب،
بكل الغطرسة الوحشية التي يعرفها الذكور المطاردون،
ليأخذونا بالقوة!
أي زوس! أنت وحدك الممسك بقب الميزان،
وبغيرك لا يحصل أي شيء على هدفه.
انظرن، انظرن، ها هو ذا قرصان البحر آت!
لم نزلت إلى الشاطئ؟ لماذا جئت؟ (يقبل الرسول المصري بصحبة عدد من الرجال
النجدة، النجدة! اهرعن إلى الآلهة للنجدة!
إنهم فاسقون متوحشون.
أيها الملك بيلاسجوس، عاقبهم وأهلكهم! (عندما يرى المصريون التماثيل، يترددون في بادئ
الرسول :
إلى ظهر السفينة، إلى ظهر السفينة، هيا الآن إلى السفينة،
بأسرع ما تستطيع أقدامكن أن تحملكن ... وإذا لم تأتين،
فسننزع شعوركن، ونغمد الخناجر في أجسامكن، حتى تجرين
مضرجات بالدماء، الدماء، الدماء، ثم نقطع رءوسكن.
هيا، عسى الطاعون أن يأخذكن، أسرعن إلى السفينة!
الكوروس :
أتمنى لو كان الطوفان الضخم لذلك البحر الملح قد أغرقكم أثناء مجيئكم، أنتم
اترك العنف، أقول لك، واهجر طباع الجنون هذه، اخرج من هذا المعبد! عد إلى
عسى ألا أرى النيل ثانية،
ذلك النهر المخصب، المغذي
الدم الذي يقفز داخل العروق الداعرة لمصر!
إننا من الجنس الأرجوسي، من سلالة قديمة،
من أسرة ملكية منحدرة من ملكة.
الرسول :
مهما تكلمت! فإنكن آتيات إلى ظهر السفينة، سواء رغبتن هذا أو لم
الكوروس :
أيها الأرجوسيون! هبوا إلى نجدتنا، تعالوا بسرعة!
الرسول :
هيا، أنتن أنفسكن، هيا، وإلا فستندمن
عندما أضع يدي عليكن وأجركن بالقوة.
الكوروس :
عسى أن تجر، أنت ويدا الوغد هاتان، فوق البحر الدائم التغير، وتجرفك
ساربيدون
Sarpedon .
46
الرسول :
نعم، اصرخن وولولن، وصحن إلى الآلهة، لن تلعبن لعبة البطة وذكور
املأن الجو نباحا، واصرخن بصوت أعلى،
ألا يمكنكن الصراخ بطريقة أكثر استدرارا للشفقة؟!
الكوروس (وسط البكاء) :
عسى البحر أن يبتلعك وأنت تدور حول رأس قبرص الحافل بالغابات!
وعسى النيل القوي، الذي بعث بك إلى الشرور،
أن يسجل شرورك على أنها تضيع سدى!
الرسول :
إن حيزوم سفينتنا متجه شطر البحر، فأعود أقول لكن هيا إلى ظهرها،
فالجر من الشعر ليس بالأمر اللطيف.
الكوروس :
أبتاه، أي أبتاه! إن ذلك الشيطان البشري،
أشبه بعنكبوت تراقب فريستها،
وتحيك نسيجها لتضعني بداخله.
إنه حلم، أي أمي الأرض، أيتها الأم الأرض،
ساعديني، وأبعدي عني هذا الحلم المزعج!
أيتها الأم الأرض، أيها الأب زوس!
الرسول :
إني لا أخاف آلهتك هذه،
لست مدينا لها بشيء، سواء في الميلاد أو في الحياة.
الكوروس :
النجدة! قد جاء هذا الدودة البشرية يطلبنا،
ولما كان أفعى، فقد جرني من قدمي.
أواه، أيها الوحش!
أغيثينا، أدركينا، أيتها الأم الأرض، الأم الأرض،
ساعديني، وأبعدي هذا الوحش المريع!
أيتها الأم الأرض، أيها الأب زوس!
الرسول :
افعلن كما تؤمرن، إذن. اذهبن إلى ظهر السفينة، وإلا ...
وإلا لوثت ومزقت ثيابكن الرقيقة فوق أبدانكن.
الكوروس :
أي حكام أرجوس ورؤساءها! هيا إلى نجدتنا، إنهم يحملوننا معهم!
الرسول :
سرعان ما سيكون لديكن ما يكفي من الحكام. سيحكمكن أبناء أيجوبتوس!
لن تصرخن بعد ذلك كي تطلبن الحكام، لا تخفن!
الكوروس :
لقد هزمنا! (يمسك المصريون بالدانائيات ويبدءون في جرهن نحو
أيها الملك! إنهم يجروننا من أمام المذابح!
الرسول :
يلوح لي أنني سأضطر بعد كل هذا إلى جذبكن من شعوركن؛ حيث إنكن لا
(يدخل الملك بيلاسجوس.)
الملك :
ماذا تفعل، يا هذا؟ أي نوع من الصلف هذا الذي يتحدى البيلاسجيين في
أتظنون أنكم قد أتيتم إلى أرض نساء؟ إننا أغارقة،
ويجب على الأجانب أن يظهروا لنا احتراما أعظم من هذا.
ستجدون أن مثل هذه الأخطاء لن تجديكم نفعا.
الرسول :
أخطاء؟! أي شيء فعلت دون أن يكون له ما يبرره؟!
الملك :
أولا، لم تتعلم مسلك الأجانب.
الرسول :
ألم أسلك سلوكا حسنا؟ كيف ذلك؟
ألأني وجدت هنا ما ضاع مني؟
الملك :
أتبحث عن محامين أرجوسيين ليقدموا قضيتك؟
الرسول :
إن محامي هو هرميس العظيم؛ إله اللقيا السعيدة.
الملك :
أتطلب مساعدة الآلهة، وتنتهك حرمة معبدها؟!
الرسول :
الآلهة التي أعبدها تقيم بجوار نهر النيل.
الملك :
وآلهتنا لا شيء! ألا تقصد ذلك؟
الرسول :
أحب أن أرى إذا كان أي فرد سيسلبني هؤلاء النسوة.
الملك :
حذار أن تمسهن، وإلا ندمت في الحال.
الرسول :
إن ألفاظك لا تعرف الترحيب بالغريب.
الملك :
لا ترحيب لمن ينتهكون مذابح الآلهة.
الرسول :
سأنقل هذا الكلام لأبناء أيجوبتوس.
الملك :
لن يضيرني هذا.
الرسول :
ولكن - لكي أقدم حسابا أكثر دقة، وواضحا في جميع تفاصيله،
كما يجب على الرسول أن يفعل - أخبرني:
أرسلني سادتي لأحضر هؤلاء النسوة، بنات عمهم، فمن أقول لهم إنه
لن تتطلب هذه المسألة محاكم أو شهودا،
فالقاضي هو أريس، الذي يصدر حكمه في مثل هذه القضايا،
ليس بالغرامات المالية، وإنما بخسائر فادحة
من الرجال الصرعى، والأعضاء المتشنجة في الموت الدموي.
الملك :
ولماذا أخبرك باسمي؟ ستسمعه في الوقت المناسب
وتعرفه، أنت وكل جماعتك. أما هؤلاء النسوة، فإذا أبدين إرادتهن،
قررت بإجماع الأصوات، في مجلس كامل، وبرأي واحد ثابت ألا يسلموهن
سيسري إلى الأبد، ويظل ثابتا لا يتزعزع.
ليس ما قلته منقوشا على الشمع، ولا مكتوبا
على لفات من الرق، لقد سمعت اللسان الحر يتكلم
الحقيقة الواضحة. والآن هيا اغرب من أمام وجهي في الحال.
الرسول :
يبدو أننا سنخوض حربا شعواء.
إذا فعسى أن تنال قضية الذكور النصر والحكم.
الملك :
ستجد رجال هذه البلاد ذكورا أيضا، ونشئوا على شراب أقوى من مشروب
(ينصرف الرسول ورجاله.)
تشجعن أيتها النسوة،
واذهبن الآن مع رفيقاتكن، كلكن،
إلى مدينتنا القوية الأسوار، المحكمة الإقفال بالقلاع ووسائل الدفاع
(في أثناء الحديث، تجتمع الخادمات المرافقات للدانائيات،
لدينا بيوت محجوزة
لإكرام الضيوف عموما، وأنا نفسي لا أسكن
في مستوى وضيع. بوسعكن اختيار الحياة في أرجوس
مع آخرين في بيوت ضخمة، أو إذا وجدتن من الأفضل
الحياة في بيوت فردية، فأقمن بها بغير أجر، كما يناسبكن ويحلو لكن. أما
الذين رأيهم بهذه الصورة، مع كامل آثاره، حماة لكن.
فمن له الحق بعد ذلك في التعرض لكن؟!
الكوروس :
أي ملك بيلاسجيا، نطلب من الآلهة أن تجعل كل خير ينهمر عليك، جزاء
ونرجو التكرم بأن تحضر إلينا هنا
أبانا داناوس، ذلك الروح الموثوق به،
ليفكر لنا ويقودنا بمشورته.
إنه هو، ولسنا نحن، الذي يقرر أولا
أين يجب علينا أن نقيم، وأي مكان يستقبلنا بحنان،
فإن الناس سريعو الانتقاد
لمن يتكلمون بلهجة أجنبية.
عسى أن يتم كل شيء على ما يرام،
وأن تكون شهرتنا بين أهل أرجوس
خالية من كل لوم ووشاية. (يخرج الملك بيلاسجوس وحرسه.)
أيتها الخادمات، اتخذن أماكنكن؛ كل واحدة مع سيدتها التي خصصها لها
كجزء من بائنتها، لتقوم بما يلزمها. (تنتقل فتيات الكوروس ثانية من منصة المسرح إلى مكان الموسيقى
داناوس :
أي بناتي، قدمن صلاتكن، بالذبيحة والسكيبة، إلى مواطني أرجوس، كما
إنهم، هم الذين أحرزوا النصر المبين في قضيتنا.
فقد استجاب أصدقاؤنا الذين يحكمون هذه المدينة، إلى ندائي
بحنق ضد أبناء عمكم. وعينوا لي
هذا الحرس ذا الرماح، لضمان سلامتي وشرفي،
والمحافظة على حياتي من أية ضربة قاتلة خفية
47
قد تلوث هذه الأرض بلعنة دائمة.
فبعد مثل هذا المعروف يحق للشكر
أن يتبوأ مكان الشرف في قلوبنا.
48
واكتبن هذا في الذاكرة، أضفن درسا آخر إلى الدروس الكثيرة:
يظهر الزمن طباع الرفيق غير المعروف،
فكل رجل يحمل وشاية ضد الأجنبي،
على طرف لسانه، وقد تنشأ عن كلمة بسيطة واحدة، وصمة ثابتة.
لذا أوصيكن، وإنكن تتمتعن بنضرة الشباب وجماله اللذين يضطران الرجال إلى
ليس من السهل حراسة البستان الكامل النضج.
وما موضع العجب في هذا؟ فإنه يثير حيل الرجال،
ويحولهم إلى نهمين جشعين،
ويغري اللصوص من ذوات الأجنحة وذوات الأربع،
بما لا يقل عن اللصوص البشرية.
فما يحدث هو أنه عندما تجد أفروديتي
49
باب البستان مفتوحا على مصراعيه، وبه أجسام حلوة ناضجة، فإنها
حتى إن كل من يمر من الرجال المشتاقين، يلقي نظرات تذيب القلب إلى مثل
تذكرن هذا إذن، ولا تجعلننا نقع فريسة لذلك
الذي جاهدنا في درئه حتى الآن برا وبحرا،
يلزمنا ألا نجلب العار على أنفسنا فنشمت بنا أعداءنا.
قدم إليكن بيتان، أحدهما قدمه بيلاسجوس، والآخر قدمته
المدينة، مجانا بغير أجر، وأنتن لمحظوظات في هذا.
ما عليكن إلا أن تتمسكن بالنصيحة التي أسديتها إليكن،
وتقدرن العفة أكثر من تقديركن للحياة.
الكوروس :
عسى الآلهة الأوليمبية أن تمنحنا الحظ السعيد فيما تبقى،
أما عن جمال عذراويتي، فلا تخف يا والدي.
فإذا كانت الآلهة لم تصمم خطة أخرى،
فإن عقلي ثابت، لن أغير طريقي السابق.
هيا إذن إلى أبواب أرجوس،
وننشد أناشيد المديح لآلهة الملك المباركة،
التي تملك المدينة، وتقيم
بجوار مجرى إراسينوس
Erasinus
القديم.
وأنتن، أيتها الخادمات، أنشدن معنا.
لتكن أنشودتنا عن أرجوس وعن البيلاسجيين،
ولنكف بعد ذلك عن أناشيد مصبات النيل المتدفقة،
وإنما عن الأنهار التي تصب مياهها الرقيقة
لتمنح هدية الأطفال إلى هذه الأرض العطشى،
وتجعل تربتها معتدلة بالرطوبة المخصبة.
فلتنظر أرتيميس العفيفة إلينا بعين العطف،
ولا يأتينا الزواج بإكراه أفروديتي،
وليذهب مثل هذا الجزاء لأعدائي!
الخادمات :
ولكننا نمجد أفروديتي في أنشودتنا الطقسية،
ولم ننسها. إنها وهيرا،
أقرب في قوتهما إلى عرش زوس.
بيد أن هذه الربة المتنوعة الوظائف والرزينة،
لا تمجد إلا بأعظم الطقوس خشوعا،
حيث تنضمان إلى أمهما العزيزة،
فتأتي أولا ربة الرغبة، ثم ربة الإغراء الرقيق،
التي لا يضن على سحرها بشيء قط،
ولربة الموسيقى وربات الحب، اللواتي يعملن بالهمس،
أدوارهن التي حددتها لهن أفروديتي.
الكوروس :
ورغم هذا، فلا بد من خشية الثورة العنيدة لأولئك الرجال،
وقسوتهم المريرة، والحروب الطاحنة التي يهددون بها.
ولماذا ينجحون هكذا في المطاردة،
فتهب عليهم ريح مواتية تعمل على إسراع رحلتهم؟
الخادمات :
لا بد مما ليس منه بد. إن غرض زوس هو تكوين جبهة قوية لا يستطيع أحد أن
سينال هذا الزواج غرضه
في سعادة تفوق ما عرفته النساء.
الكوروس :
من الزواج بأبناء أيجوبتوس
عسى زوس القوي أن يحميني.
الخادمات :
قد يكون هذا خيرا، في الحقيقة،
ولكن يبدو أنك تريدين تغيير ما لا يتغير.
الكوروس :
ولماذا لا يتغير؟ إنك لا تعرفين المستقبل.
الخادمات :
حقيقة، من أنا حتى أبصر
ما في عقل زوس البالغ العمق؟
ومع ذلك، فاكبتي عاطفتك في صلاتك.
الكوروس :
أية حدود تقولين إنه يجب علي أن أراعيها؟
الخادمات :
نحو الآلهة، لا تكوني غير راغبة في الصلح.
الكوروس :
عسى زوس، الذي يحكم العالم،
أن يحفظني من الخضوع القاسي لرجل أمقته،
زوس، الذي خلص إيو من عذابها،
وأعادتها يده الشافية، بالقوة الرحيمة، إلى حالتها الأولى،
لعله يمنح قضية النساء النصر!
إنني لأقبل الجزء الأحسن من شطري الشر،
أكون راضية لو رجحت كفة الخير على كفة الشر،
إذا استطعت عن طريق صلاتي، إيجاد وسيلة للخلاص،
والحكم بالعدل،
بمشيئة السماء.
مسرحية أجاممنون
(عن النص اللاتيني واليوناني)
تأليف: سنيكا الروماني وأيسخولوس الإغريقي
الجزء الأول: مأساة أجاممنون لأيسخولوس
ملخص المسرحية
عندما هربت هيلينا
Helena
مع باريس
إلى طروادة، أراد زوجها مينيلاوس
Menelaus
وأخوه أجاممنون، ولدا أتريوس
Atreus ، والملكان المتوجان في أرجوس
Argos ، أن ينتقما منه لإغضابه زوس، حارس حقوق إكرام
Calchas ، بقوله: هذان النسران هما الملكان
وهيلين وثروتها. غير أن
Artemis (إلهة الصيد التي تحب
Aulis
للإبحار بسفنهما الألف،
تحدث العراف إلى أجاممنون بعبارات غامضة، قائلا: «إذا رغبت في مصالحة تلك
Iphigenia .» ففعل أجاممنون ما أشار به العراف،
عندما غادر أجاممنون أرجوس، ترك خلفه في الوطن ملكته كلوتايمنسترا
Clytaemnestra ، ابنة ليدا
Leda ، وأخت هيلينا (رغم أن والد هيلينا هو تونداريوس
Tyndareus ). وإذ تركت وحيدة وذبحت ابنتها،
Aegisthus
بن ثويستيس
Thyestes ،
لما أقبل العام العاشر للحرب، تآمرت الملكة كلوتايمنسترا مع أيجيسثوس على حياة
وإذ رحبت الملكة بزوجها أجاممنون، طلب منها أن تحسن استقبال أسيرته كاساندرا
Cassandra ، ابنة برياموس. وبناء على طلب
Orestes
سيعود للانتقام
أشخاص المسرحية
حارس
.
كوروس من شيوخ أرجوس
Choros
.
كلوتايمنسترا (زوجة أجاممنون)
Clyaemnestra .
رسول
Kerux (herald) .
أجاممنون (ملك أرجوس)
Agamemnon .
كاساندرا (ابنة برياموس وأمة أجاممنون)
Cassandra .
أيجيسثوس (ابن ثوستيس وابن عم أجاممنون)
Aegisthus .
خدم وحشم وجنود.
المنظر:
أرجوس.
الزمن:
عصر الأبطال.
التاريخ:
سنة 458ق.م. بمدينة ديونيسيا
Dionysia . *** (فوق سقف قصر أجاممنون في أرجوس.)
الحارس :
طالما صحت إلى الآلهة أن تخلصني من عملي الشاق هذا طوال مراقبتي في
Atreidae ، متكئا على ذراعي المثنية، كأنني كلب صيد. فتعلمت معرفة مجموعات نجوم الليل، نعم، تلك القوى المسيطرة المتألقة
(مجموعات النجوم
Asteras ، في أي وقت تخبو وفي أي وقت
.
وهكذا، لا أزال إلى الآن أترقب ظهور لهب إشارة النار المتألقة الآتية
(تومض إشارات النار فجأة.)
مرحبا، أيها اللهب الذي تبدي في الليل ضوءا كأنه ضوء النهار، يا
انتبه يا هذا! انتبه يا هذا!
هكذا أصيح عاليا بالإشارة لملكة أجاممنون، كي تنهض من فراشها وتسرع
Ilium
قد أخذت حقا، كما
1
الجمة على قلبي، أيتها الإشارة النارية.
عسى أن يعود سيد البيت إلى وطنه. وعسى أن أمسك في يدي، يده المرحب
2
ومع ذلك فالبيت نفسه عساه يتكلم؛ فبوسعه أن يروي قصة واضحة. وأما من ناحيتي، فلدي، باختياري، كلام لمن يعلمون. أما لمن لا يعلمون،
(ينزل من سلم داخلي. ويوقد الخدم النار في المذابح
الكوروس :
هذه الآن هي السنة العاشرة، منذ أن رحل خصم برياموس العتيد، الملك
Argives ؛ قوة محاربة
دوت صيحة القتال عالية، تلك التي أطلقاها في حمأة غضبهما، كما تصرخ
غير أن واحدا من القوى العليا - ربما كان هو أبولو
Apollo
أو بان
أو
3
معارك عديدة، عنيفة وشاقة (عندما تغرس الركبة في الثرى،
Danaans
وعلى الطرواديين سواء بسواء.
تقف القضية الآن حيث تقف، وتنتقل إلى حيز الإنجاز في نهايتها المقررة. ليس بالتقدمات المحروقة في السر، وليس بالسكائب السرية، ولا بالدموع،
4
العنيد.
أما نحن، العاجزين عن تقديم أية معونة بسبب أبداننا المسنة، نحن
كذلك الشيخوخة وقد ذبلت أوراقها، تسير في طريقها على أقدام ثلاثة، وتجول
ماذا حدث يا ابنة تونداريوس، أيتها الملكة كلوتايمنسترا؟ أية أخبار
أخبرينا عن كل هذا، فربما استطعت وكان بمقدورك أن تظهري. اشف نفوسنا
لي القوة على إعلان نبوءة النصر المرسلة للملكين، وهما في طريقهما -
5
الموهوب من لدن الآلهة، ينفث في اليقين، قوة الأغاني - كيف
Achaeans ، رؤساء شباب هيلاس المتحدين. فسار ذلك الشباب
Teucrian ، بالعلامة المشجعة التي ظهرت لملوك السفن؛
6
في موضع ظاهر، يلتهمان أرنبا حبلى بصغار لم تولد بعد،
7
أنشدوا أغنية الويلات، أغنية الويلات، ولكن عسى أن يسود الخير!
ثم إن عراف الجيش الطيب، لما رأى أن ابني أتريوس المحاربين، قد
لأن أرتيميس المقدسة، غاضبة، بدافع شفقتها على كلاب سيدها المجنحة، أن
أنشدوا أغنية الويلات، أغنية الويلات، ولكن عسى أن يسود الخير!
رغم أنك، أيتها الجميلة، تعطفين على الأشبال الغضة، صغار الأسود
،
8
الشافي، كيلا تثير العواصف المضادة التي تعوق أسطول الدانيين
ذكر كالخاس مثل أقوال المصير هذه المقتبسة من علامات التنبؤ التي كانت
أنشدوا أغنية الويلات، أغنية الويلات، ولكن عسى أن يسود الخير!
زوس، مهما كان، إذا سره أن أتوسل إليه بهذا الاسم، فأنا أدعوه به،
9
الذي كان قويا في غابر الزمان، ومنتفخا بالوقاحة عند كل
10
الذي ظهر بعده، التقى مع من أسقطه، وذهب ومضى. ولكن الذي يفكر
لذا، فإن قائد سفن الآخيين، الذي هو أكبر الاثنين، لا يعتبر أي
Achaea ، وهم عند الساحل المواجه
Strymon ، فيجلب لهم الخمول
عند ذلك تكلم الملك الأكبر وقال: «ما أشق قضائي، ولا أستطيع له
إنهم لذلك يطلبون بإلحاح ضحية لتهدئة الرياح - دم عذراء - وهذا من حقهم. عسى أن يكون كل شيء لخير نفع.»
غير أنه عندما حمل نير الضرورة، بانحراف روح عديمة التقوى والقداسة
لم يبد القادة شفقة إزاء توسلاتها أو صراخها، وهي تقول: «أبتاه!»
بعد ذلك، بينما تسقط ثوبها الزعفراني على الأرض، ألقت على كل من
11
لم أشاهد ما حدث بعد ذلك، ولا أستطيع روايته؛ فقد أنجز ما أمر به فن
غير أن ما بقي لتعرفه عندما يحدث، فاتركه حتى ذلك الوقت؛ إنه حدث يصحبه
(تدخل كلوتايمنسترا)
ففيما يختص بما سيأتي
Apian ،
أتيت يا كلوتايمنسترا، طاعة لسلطانك الملكي، إذ يليق بي أن أقدم
كلوتايمنسترا :
أما عن بشير الفرح، فكما يقول المثل: عسى أن يولد «الصباح» من أمه
الكوروس :
ماذا تقولين يا هذه؟ لقد فاتني معنى ألفاظك، فتبدو لا يصدقها
كلوتايمنسترا :
قلت إن طروادة في أيدي الآخيين. فهل معنى كلامي واضح؟
الكوروس :
يتسلل الفرح فوق بدني، فيعطي إنذارا بتحدي دموعي.
كلوتايمنسترا :
نعم، إذ من القلب الوفي أن تناقشك عينك.
الكوروس :
وما الدليل إذن؟ هل لديك برهان على هذا؟
كلوتايمنسترا :
الحقيقة أن لدي البرهان، إلا إذا كان إله ما قد خدعني.
الكوروس :
هل اهتممت برؤيا الأحلام المغرية؟
كلوتايمنسترا :
لن أهتم بخيالات المخ النائم.
الكوروس :
ولكن أيمكن أن تكون إشاعة سارة قد أثارت آمالك؟
كلوتايمنسترا :
حقيقة، إنك لتعبث بفهمي كما لو كان فهم طفل.
الكوروس :
ولكن في أي وقت دمرت المدينة؟
كلوتايمنسترا :
أقول في الليلة التي ولدت تلك الشمس.
الكوروس :
وأي رسول استطاع الوصول إلى هنا بمثل هذه السرعة؟
كلوتايمنسترا :
أسرع هيفايستوس
Hephaestus
بإرسال لهبه الساطع من
Ida ، فتبعت الإشارة النارية
Hermaean
12
في لمنوس
Lemnos ، وتبعث
Athos
المقدسة لزوس، وطار اللهب عاليا حتى خيم فوق أرض
13
ثانية، حاملا الرسالة إلى أبراج المراقبة في ماكيستوس
Macistus . وإذ لم يتأخر، ولم يغلبه
Euripus ، فأعطى
Messapion ، فردوا عليه بدورهم بإشعال النار في كوم من
Asopus
إلى قمة كيثايرون
Cithaeron
الصخرية، مثيرا رسالة أخرى
Gorgopus ، وبلغ جبل أيجيبلانكتوس
Aegiplanctus ، وحث قاعدة النار
Saronic ، منطلقا
Arachnaeus ، وقفز فوق سقف بيت أبناء
14
هذا هو الدليل الأكيد والعلامة المقنعة، اللذان أعطيكهما،
الكوروس :
سيدتي، سأسرع بتقديم صلاة الشكر للسماء، ولكني أتوق إلى سماع التفاصيل،
كلوتايمنسترا :
طروادة اليوم في أيدي الآخيين. وأعتقد أن صخبا من الأصوات يدوي في داخل المدينة، ولا تخفت
يبكي كل هؤلاء بشفاه لم تعد حرة، موت أعزائهم، بينما هؤلاء تجعلهم
والآن إذا ابتعد الظافرون عن اقتراف أي إثم حيال آلهة المدينة - آلهة
هذه هي أقوالي النسائية. ومع ذلك، فعسى أن يسود الخير، ويعلو الحق
الكوروس :
سيدتي، إنك لتتكلمين بمنطق الرجل الحازم، أما من ناحيتي، وقد
مرحى أيها الملك زوس، وأنت أيها الليل الرحيم، الذي وهبتنا مجدا عظيما
إنهم يسمونها «ضربة زوس»، إنها يده التي يمكن اقتفاء أثرها هناك. فكما يقرر يفعل. وقد قال شخص ما، إن الآلهة لا تتنازل بالاهتمام بالبشر
الآن حصحص الحق، بأن الدمار عقوبة جريمة الاستهتار، عندما يزهو
كلا، بل يسوقه قدما، ذلك الإغراء المضلل وليد «الدمار» المدبر،
هكذا كان باريس، الذي جاء إلى بيت أبناء أتريوس، وجلب العار على مائدة
أما هي فتركت لقومها قعقعة التروس والرماح وأسلحة الأساطيل، وجلبت
تأتي إليه الأحلام بخيالات محزنة
يقايض آريس
Ares
على أجسام البشر
15
من الرجال، يرسل إليهم قدورا مليئة بالرماد. وهكذا ينتحبون
يا لخطر صوت الشعب المفعم بالغضب! فله نفس وظيفة لعنة الحتف العام. أنتظر في خوف وقلق لأسمع شيئا يلفه الظلام، فلن تنسى السماء رجال
أحد الشيوخ :
ما أسرع ما ذاع في جميع أنحاء المدينة خبر سار، انتقل إليها بالإشارة
شيخ ثان :
من ذلك المتصف بصفات الأطفال، أو المجرد من العقل، الذي يثير قلبه
شيخ ثالث :
إنه لأشبه بطبيعة المرأة التواقة أن نصغي إلى الأخبار السارة قبل
شيخ رابع :
لعقل المرأة في التصديق، حدود تنفتح أمام الاعتداء السريع على الحقوق،
قائد الكوروس :
سرعان ما سنعرف ما إذا كانت تلك الأضواء الملتهبة، وتلك الإشارات
16
أنه لن يأمرنا بالمزيد من الفرح، أو على عكس ذلك، بالحزن، ليس
شيخ آخر :
إن كان هناك من يصلي بنية
(يدخل رسول.)
الرسول :
مرحبا بك، يا أرض أرجوس، يا أرض آبائي، أتيت إليك في هذا اليوم
لهذه الأرض،
Scamander ، أما الآن، أيها
Hermes
رسولي المحبوب، وأكثر الرسل جميعا
17
الذين ساعدونا في طريقنا، وأرجو أن يتفضلوا بإرجاع بقية
18
وإذا كنتم في أي يوم من الأيام الماضية قد رحبتم بملككم،
قدموا له الترحيب الطيب، كما هو لائق وحق؛ لأنه استأصل طروادة من جذورها
الكوروس :
فليأتك الفرح يا رسول الجيش الآخي.
الرسول :
ابتهج. ما عدت أرفض أن أموت، إذا سر موتي الآلهة.
الكوروس :
أكان الشوق إلى أرض آبائك هذه هو الذي أتعبك؟
الرسول :
نعم، ولذا تمتلئ عيناي بدموع الفرح.
الكوروس :
إذن فقد كان مرضا سارا ذلك الذي مرضت به.
الرسول :
وكيف ذلك؟ فسره لي، وأنا أفهم ما تقول.
الكوروس :
أصابتك الرغبة إلى من يبادلونك الحب.
الرسول :
أتقصد أن أرضنا كانت تتوق إلى الجيش المشتاق؟
الكوروس :
اشتاقت بدرجة عظيمة، حتى إنني كثيرا ما تأوهت من روح دائمة التفكير
الرسول :
ومن أين أتى ظلام الكآبة إلى روحك؟
الكوروس :
منذ أن وجدت الصمت ترياقا للأذى.
الرسول :
وكيف ذلك؟ هل كنت خائفا من أي إنسان في غياب ملوكنا؟
الكوروس :
كنت في خوف عظيم، حتى إنني الآن، كما قلت، أجد لذة بالغة في
الرسول :
نعم، خير كل ما تم بخير. ومع ذلك،
وأما فضل زوس، الذي ساعد في إنجازها، فينال جزاءه المناسب من الشكر. ها
الكوروس :
لقد برهن كلامك على خطئي. لست أنكر هذا، إذ صار للشيوخ شباب أن يتعلموا
(تدخل كلوتايمنسترا.)
كلوتايمنسترا :
أطلقت صيحة النصر في فرحي قبل ذلك عندما جاء أول رسول من اللهب بالليل،
إذن، فما حاجتك الآن أن تعيد على مسامعي تلك القصة بالتفصيل؟ سأسمع
(تخرج.)
الرسول :
إن مثل هذا الفخر المليء حتى آخره بالصدق، ليناسب كلام الزوجة
الكوروس :
هكذا تكلمت لتعليمك، بيد أن كلامها هذا يغر أولئك الذين بوسعهم أن
الرسول :
يستحيل أن أنقل أخبارا كاذبة، وأضفي عليها مسحة البهجة، كي أسر من
الكوروس :
عسى أن يكون بمقدورك أن تقول أخبارا حقيقية وسارة! ليس إخفاء الحقيقة
الرسول :
اكتسح ذلك الأمير من أمام بصر الجيش الآخي؛ هو نفسه، وسفينته أيضا. لست أنقل أخبارا غير حقيقية.
الكوروس :
هل اختفى من إيليوم أمام بصر الجميع، أم هل اختطفته عاصفة عامة، من وسط
الرسول :
لقد أصبت الهدف كالقواس الماهر، ورويت بهذا قصة طويلة في
الكوروس :
هل أخبر عنه صوت المسافرين الآخرين عموما على أنه حي أو ميت؟
الرسول :
لا أحد يعرف شيئا فيخبرنا عن هذا بوضوح، ما خلا الشمس وحدها، التي توجد
الكوروس :
إذن، فكيف تقول إن غضب السماء قد أثار عاصفة على الجيش البحري، ثم
الرسول :
لا يليق أن نشوه يوما ذا طالع سعد برواية المكاره - فالتكريم الواجب
19
فعندما يروي رسول عابس الأسارير، لشعب أنباء كوارث هزيمة
أما إذا أتى المرء بأخبار الخلاص المفرحة، لمدينة تبتهج بسعادتها، فكيف
20
وما إن انبثق ضوء الشمس الساطع حتى رأينا بحر إيجة مزهرا بجثث
Tuchē Swtēr
أن يجلس على ظهر سفينتنا حتى لا تدخلها الموجة العاتية عند المرسى، ولا
وإذ سمعت كل هذا، فتأكد من أنك سمعت الحقيقة. (يخرج.)
الكوروس :
من ذا الذي استطاع أن يطلق اسما صحيحا تماما - فهل كانت قوة ما غير
Zephyrus
وليد الأرض، وتبعها جيش عرمرم من
Siomïs
ذات الأشجار
أنجز «الغضب» هدفه في إيليوم، فأتى إليها بزواج سمي بحق «حدادا»،
21
وجازى فيما بعد عن إهانة لحقت بكرم الضيافة إلى زوس، شريك
أما مدينة برياموس، فقد تعلمت في شيخوختها نغمة مغايرة، وأظنها
هكذا ربى رجل في بيته شبل أسد، حرم من لبن أمه وهو لا يزال محتاجا
وكثيرا ما كانوا يحملونه في أيديهم كالطفل الرضيع، وعينه البراقة متجهة
حتى إذا ما كبر وترعرع في كامل نموه، بمرور الزمن، أبدى طبيعته التي
أعتقد أن روح الهدوء، غير المعكر الصفو، جاءت أولا إلى إيليوم، زينة
ثم انحرفت عن طريقها، فجعلت زواجها ينتهي بالعطف. فأسرعت إلى أبناء
صيغ قول مبجل، منذ القدم، وذاع بين البشر: عندما يصل رغد العيش إلى
ولكني أتمسك بآرائي وأفكر على خلاف ما يفكر به غيري. إن فعلة
بيد أن الصلف
Hubris
القديم خليق
أما الاستقامة
Dicta
فتضيء في المساكن
(يدخل أجاممنون وكاساندرا في عربة، مع كثير من
مرحبا بك يا مليكي، يا فاتح طروادة، وسليل أتريوس! كيف أرحب بك؟ كيف
22
عندما نظمت في الماضي الجيوش في قضية هيلينا، صورتك في عيني (ولا
أما الآن، فمن أعماق قلبي، وبغير افتقار إلى محبة ... فإن كدح من فازوا
أجاممنون :
أحيي أرجوس أولا، كما هو حق وواجب، والآلهة الساكنين فيها الذين
23
ودون اختلاف الآراء، وضعوا أزلامهم في طاس الدم، مقررين
24
عبارة عن جماعة مسلحة بالتروس، ثبت في وقت اختفاء
، خيم الأسد
أتقدم بهذه المقدمة المطولة للآلهة، أما فيما يختص بعواطفك - التي
25
ف «أوديسيوس»
Odysseus
وحده،
أقرر هذا عنه، سواء أكان على قيد الحياة أم في عداد الأموات .
أما عن الباقي، فيما يختص بالدولة والعبادة العامة، فسنعين مجالس
والآن! سأحضر إلى أبهاء قصري، وإلى وطيس أسرتي، وأقدم التحية أولا
(ينزل من عربته، تدخل
كلوتايمنسترا :
يا أعضاء مجلس أرجوس، أيها الشيوخ الحاضرون هنا، لن أخجل من الاعتراف في
يمكنني أن أحكي لكم، دون أن أتعلم من غيري، ما لقيته في حياتي الشاقة
Geryon
ثان
26 - ويفخر بأنه حمل فوقه ثلاثة أغطية من الثرى [الغطاء
Orestes
هنا بجانبي، كما كان ينبغي له؛ ذلك الذي ينحصر
Strophius of Phocis ، الذي حذرني بالأخطار مرتين ؛ الخطر المحدق بك
أما عن نفسي، فقد جف تماما ينبوع دموعي المتدفق، ولم يبق فيه
وكثيرا ما أيقظني طنين البعوض الخافت، من أحلام رأيت فيها مكاره
أما الآن، وقد لاقيت كل هذا، تخلص قلبي من قلقه، وإني لأرحب
27
إذ كثيرة هي المكاره التي تحملناها من قبل.
والآن أرجوك يا سيدي العزيز أن تنزل من عربتك هذه، ولكن لا تضع قدمك
(إلى خادماتها)
لماذا هذا التلكؤ، أيتها
أجاممنون :
أي بنت ليدا، يا حارسة بيتي، إن قولك ليتفق تماما مع طول غيبتي؛ إذ
28
ولا تنزلي الحسد إلى طريقي عندما تفرشينه بالطنافس؛ فالآلهة
كلوتايمنسترا :
كلا، لا تقل هذا القول؛ لئلا تحبط مسعاي.
أجاممنون :
مسعاك! كوني على يقين من أنني لن أضعف مسعاي، أنا نفسي.
كلوتايمنسترا :
لا بد أنك نذرت إلى السماء، أثناء خوفك، أن تفعل هكذا.
أجاممنون :
قررت أن يكون هذا كلامي الأخير، إذا كان للمرء أن يتكلم، وأنا مقدر
كلوتايمنسترا :
ماذا تظن أن يفعل برياموس لو أحرز النصر الذي أحرزته؟
أجاممنون :
كان يضع قدمه فوق الطنافس الموشاة، أعتقد هذا حقيقة.
كلوتايمنسترا :
إذن فلا تخف من الشرور التي قد تصيب البشر.
أجاممنون :
ومع ذلك، فإن صوت الشعب قوة عاتية.
كلوتايمنسترا :
هذا حقيقي، ولكن من لا يحسد فهو غير قابل للحسد.
أجاممنون :
لا شك في أنه ليس من واجبات المرأة أن تولع بالمباريات.
كلوتايمنسترا :
نعم، ولكن يليق بالظافر السعيد أن يخضع النصر نفسه.
أجاممنون :
ماذا؟! أهذا نوع النصر في القتال، الذي تقدرينه هذا التقدير؟
كلوتايمنسترا :
يجب أن تخضع! ومع ذلك، فينبغي لك أن ترضى عن طيب خاطر، بأن تترك هذا
أجاممنون :
حسنا، طالما أنك تصرين على أن تفعلي ما اعتزمت عليه، فأسرعي
يكفي هذا من أجل ذلك. استقبلي هذه الفتاة الغريبة برفق في البيت. ينظر
وبما أنه يتحتم علي أن أطيعك في هذا، فسأدوس على ممر من الأرجوان
كلوتايمنسترا :
لدينا البحر (ومن ذا الذي يمكنه أن ينزحه حتى يجف؟) ينتج صبغة من
Dogstar
اللافح، وبما أنك قد أتيت
29
ستكون في البيت عندئذ برودة عندما يخطو سيده الشرعي خلال
(بينما يدخل أجاممنون القصر)
أي
(تخرج.)
الكوروس :
لماذا يخلق هذا الرعب باستمرار عند أبواب نفسي المتنبئة؟ لماذا تنشد
30
لقد تأكدت من عودتهم إلى الوطن، بعيني رأسي، ولا حاجة إلى شاهد
الواقع أن الصحة لا تستقر راضية داخل حدودها المعينة؛ إذ يضغط المرض
31
وهكذا الحظ البشري، إذا استمر في مسيره في طريق مستقيم، اصطدم
32
حقيقة، إن هدية سخية وعظيمة من زوس، ومن الحظوظ التي تنهال
غير أن دم الإنسان، إذا ما سفك وأريق على الأرض بالقتل، في تيار
33
الذي يملك براعة الإنهاض من بين الموتى، ألم ينه زوس حياته
34
ولكن الواقع أنه يتمتم في الظلام فقط، عاجزا ومكتوف الأيدي
(تدخل كلوتايمنسترا.)
كلوتايمنسترا :
ادخلي، أنت أيضا يا كاساندرا،
35
إذ عطف عليك زوس، فعينك شريكة في الماء المقدس لبيت
Alcmenc ،
36
كما يقول الناس، احتمل في قديم الزمان،
الكوروس :
إنك أنت التي كانت تتحدث إليها، وتحدثت في وضوح. وبما أنك تحت
كلوتايمنسترا :
حسنا، إذا لم يكن كلامها غريبا ولا مستهجنا، مثل كلام طائر الخطاف،
الكوروس :
اذهبي معها. فقد تركت لك أن تختاري خير ما هو متروك لك. افعلي ما
كلوتايمنسترا :
ليس لدي متسع من الوقت - لاحظوا هذا - لأتلكأ في الخارج هنا مع
الكوروس :
يلوح أن هذه الغريبة في حاجة إلى مترجم، على أن يكون مترجما
كلوتايمنسترا :
كلا، بل هي مجنونة وتصغي إلى حالتها الوحشية؛ لأنها قدمت إلى هنا من
(تخرج.)
الكوروس :
وبما أنني أشفق عليها، فلن أغضب. أرجوك أيتها البائسة أن تتركي
كاساندرا :
يا ويلتي، ويلتي، ويلتي! وا أبولو! وا أبولو!
الكوروس :
بحق اسم لوكسياس
Loxias ، لماذا هذا
كاساندرا :
يا ويلتي، ويلتي، ويلتي! وا أبولو، وا أبولو!
الكوروس :
ها هي تصيح مرة ثانية بألفاظ طالع النحس، تنادي الإله الذي يبدو أنه لا
كاساندرا :
أي أبولو، أي أبولو! يا إله الطرق،
37
ويا مهلكي! لأنك أهلكتني - وأهلكتني تماما - هذه المرة الثانية.
38
الكوروس :
يخيل إلي أنها تكاد تتنبأ بما يختص بمحنتها. لا تزال روح
كاساندرا :
أي أبولو، أي أبولو! يا إله الطرق، ويا مهلكي! أي طريق هذا الذي
الكوروس :
إلى بيت أبناء أتريوس. فإن كنت لا تعلمين هذا، فسأخبرك به. ولن تقولي
كاساندرا :
كلا، كلا، بل إلى بيت تمقته السماء، بيت يعرف مقتل كثير من
الكوروس :
يخيل إلي أن هذه الغريبة حادة حاسة الشم كأنها كلب صيد،
كاساندرا :
نعم، هنا الدليل الذي أثق به! انظروا إلى أولئك الأطفال الذين يبكون
الكوروس :
لقد بلغت شهرتك في قراءة المستقبل، آذاننا، ولكننا لا نطلب
كاساندرا :
أيها الإله، ما عساه يكون ذلك الذي تنوي هي فعله؟
39
ما هذه الكارثة الغريبة التي تنوي أن تفعلها هذه المرأة داخل
40
الكوروس :
تفوق هذه التنبؤات فهمي، ولكنني أفهم تلك، فالمدينة كلها تدوي
كاساندرا :
واها لك يا امرأة الصيد، إذن فستنفذين هذه الفعلة؟ زوجك، وشريك
الكوروس :
لم أفهم بعد، إذ بعد هذه الألغاز، تولتني الحيرة في هذا الوحي
كاساندرا :
ها! ها! ما هذا الشبح؟ هل هي شرك الموت؟ كلا، إنها الشرك الذي
41
الكوروس :
أي روح انتقام هذه التي تأمرينها بأن ترفع صوتها عاليا فوق هذا
كاساندرا :
هيا، هيا، انظروا إلى هناك انظروا إلى هناك! أبعدوا الثور عن
الكوروس :
لا أستطيع أن أفخر بأنني قاض ماهر في التنبؤات، غير أنني أعتقد أن هذه
كاساندرا :
وا أسفاه! وا أسفاه! يا لحزن مصيري المنحوس الطالع! إنني أبكي من أجل
الكوروس :
إنك لمضطربة النفس، وقد سيطر عليك إله ما، وتبكين قضاءك بنغمات
Itys .» وتقضي طيلة أيامها في الحزن.
كاساندرا :
يا لمصير العندليب المغردة! كستها الآلهة في صورة مجنحة، ومنحتها
42
بيد أنه ينتظرني هلاك بسيف ذي حدين.
الكوروس :
من أين تأتي آلام الحزن التنبئية هذه، العديمة الجدوى، التي
كاساندرا :
يا للعروس، عروس باريس، المصحوبة بهلاك أقاربه! لهفي عليك يا سكاماندر،
Cocytus
وضفاف أخيرون
Acheron .
الكوروس :
ما هذه الألفاظ التي تقولين، الألفاظ الواضحة كل الوضوح؟ التي لو سمعها
كاساندرا :
يا للمحنة، محنة مدينتي المدمرة تماما! وا أسفاه على الضحايا التي
الكوروس :
يرن حديثك الحالي بنغمات الآلام السابقة. من المؤكد أن روحا خبيثة
كاساندرا :
انظروا، ما عادت تنبؤاتي الآن تظهر خلسة من وراء قناع، كما لو كانت
وانظروا، بما أن الإرينويس الساهرات قد شربن من دم البشر لكي تقسو
43
هل أخطأت المرمى، أو أنني كبناء ماهر، قد أصبت هدفي؟ أو هل
اشهدوا، وأقسموا يمينا على أنني أعرف أعمال الإثم القديمة، في القصص،
الكوروس :
كيف يمكن لقسم، مهما أقسم بشرف، أن يجدي نفعا في العلاج؟ ولكن
كاساندرا :
إنه العراف أبولو، الذي عينني لأقوم بهذه الوظيفة.
الكوروس :
أيمكن، وهو إله، أن يصاب بالرغبة؟
كاساندرا :
خجلت قبل الآن، من أن أتكلم عن هذا.
الكوروس :
نعم، ننمو كلنا في الرخاء نموا طيبا.
كاساندرا :
ولكنه جاهد ليحظى بي، معبرا عن حبه الشديد لي.
الكوروس :
وهل أتيت في الطريق القويم لطقوس رباط الزواج؟
كاساندرا :
وعدت لوكسياس بالقبول، ولكني خلفت وعدي.
الكوروس :
وهل كنت عندئذ موهوبة ذلك الفن الذي أوحى إليك به هذا
كاساندرا :
تنبأت لقومي، في ذلك الوقت، عن جميع نوائبهم.
الكوروس :
وكيف حدث إذن، أن نالك غضب لوكسياس؟
كاساندرا :
منذ ذلك الخطأ، لم أستطع أن أحث أي شخص بشيء ما.
الكوروس :
ومع ذلك، فعلى الأقل، تبدو لنا التنبؤات التي تتكلمين بها حقيقة
كاساندرا :
أواه، أواه! يا للألم الممض! عادت نوبات التنبؤ الحقيقي المفزعة
Ate
الخائنة. إن لها مثل هذه الجرأة؛ أن تقتل
باسم أي وحش مقيت أسميها كما تستحق؟ هل أسميها «أمفيسباينا
Amphisbaena »؟
44
أو سكولا
Scylla ، ساكنة
الكوروس :
عرفت وليمة ثويستيس على لحم أولاده وأرتعد لها. إن الرعب ليتملكني
كاساندرا :
أقول إنك سترى أجاممنون ميتا.
الكوروس :
خففي من حدة ألفاظك، أيتها الفتاة التعيسة، واستعملي ألفاظا مناسبة
كاساندرا :
كلا، فليس بوسع أي إله شاف أن يسيطر على ما أخبر به.
الكوروس :
كلا، إن كان لا بد من حدوثه، ولكن عسى ألا يسمح الإله!
كاساندرا :
إنك إنما ترجو، ولكن عملهم القتل.
الكوروس :
أي رجل هذا الذي دبر هذه الشرور؟
كاساندرا :
لا شك في أنك لم تفهم معنى تنبؤاتي.
الكوروس :
نعم، طالما أنا لا أفهم خطة من سيقوم بهذه الفعلة.
كاساندرا :
ومع ذلك، أعرف جيدا كلام هيلاس.
الكوروس :
وهكذا أيضا تنبؤات الوحي البوثي
، ورغم هذا فهي عسيرة الفهم.
كاساندرا :
رحماك، رحماك! ما هذه النار! إنها تقبل علي! ويحي! ويحي! يا أبولو اللوكي،
45
ويلي، ويلي! ستقتلني هذه اللبؤة ذات القدمين، التي تضطجع مع
(تكسر عصاها وتقذف بها، كما تقذف بأدوات التنبؤ
لا أقل من أن أحطم هذه قبل أن أموت أنا نفسي. إلى الدمار، يا هذه! وإذ تسقطين هكذا، فأنا أنتقم لنفسي منك. زيني بالهلاك شخصا آخر بدلا
الكوروس :
لهفي عليك، أيتها المرأة البالغة البؤس، والبالغة الحكمة! ما أطول
كاساندرا :
لا مفر، يا أصدقائي، لا لا، لا مفر إطلاقا بعد ذلك.
46
الكوروس :
ومع ذلك، فإن للأخير ميزة فيما يختص بالزمن.
كاساندرا :
حان اليوم المحدد، لن أفيد من النضال كثيرا.
الكوروس :
حسنا، كوني مطمئنة من أنك تواجهين الآلام بروح باسلة.
كاساندرا :
ما من شخص سعيد، يمدح هكذا.
الكوروس :
ومع ذلك، فمن المؤكد أن الموت بنبل منحة للبشر.
كاساندرا :
أسفي عليك، يا أبتاه، وعلى أولادك النبلاء! (تتراجع إلى الخلف مذعورة.)
الكوروس :
ماذا يؤلمك؟ أي فزع يجعلك تتراجعين إلى الخلف؟
كاساندرا :
خسئا، خسئا!
الكوروس :
لماذا تصيحين قائلة «خسئا»؟ إلا إذا كان هناك فزع ما في روحك.
كاساندرا :
تتصاعد من ذلك البيت أبخرة القتل، وتتقاطر منه الدماء.
الكوروس :
ماذا تعنين؟ ليست هذه سوى رائحة الذبائح عند الوطيس.
كاساندرا :
إنها أشبه بأبخرة المقابر.
الكوروس :
ما من بخور سوري جيد لذلك المنزل الذي تتكلمين عنه.
كاساندرا :
كلا، بل سأدخل لأبكي، أيضا في داخل القصر، على مصيري ومصير أجاممنون،
الكوروس :
أرثي لك، أيتها المرأة المسكينة، من أجل موتك المتنبأ به.
كاساندرا :
ومع هذا، فلا أزال أتوق إلى الكلام مرة أخرى، ولكن ليس عن نفسي. أتوسل إلى الشمس، في حضور آخر أشعتها أن ينال أعدائي
47
على يد المنتقمين لي عقوبة الدم جزاء قتل عبدة وهي فريسة
48
فإن كان ذا كوارث، فإن مرور إسفنجة مبتلة يمسح الرسم. وإني
(تدخل القصر.)
الكوروس :
جرت سنة الجنس البشري كله ألا يقنع بالرخاء. فلا أحد من الأبهاء
49
فأي رجل من البشر، إذا ما سمع هذا، يمكنه أن يفخر بأنه مولود
(تسمع صرخة من الداخل.)
أجاممنون :
يا ويلتي! ضربت عميقا بضربة قاتلة!
الكوروس :
الزموا الصمت! من هذا الذي يصرخ جريحا بضربة قاتلة؟
أجاممنون :
ومرة أخرى، وا مصيبتاه! ضربت ضربة ثانية.
الكوروس :
أعتقد أن الجريمة تمت إذا كان لي أن أحكم من صراخ الملك. ولكن هيا
(يتداول أعضاء
(1) ها أنا ذا أخبركم برأيي: نادوا أهل المدينة ليحضروا نجدة إلى
(2) في اعتقادي، أنه يجب علينا أن نقتحم القصر، ونتهمهما بالجريمة
(3) وأنا أوصي بأن نقوم بمثل هذا العمل، ونجمع الأصوات لاتخاذ خطة ما. ليس هذا وقت التواني. (4) الأمر واضح جلي، تدل فاتحة عملهما على أنهما يزمعان إقامة حكم
(5) نعم؛ لأننا نضيع الوقت بينما هما ينتفعان من ذلك الاسم الممجد
(6) لست أعرف أية خطة أقترح، فإن من دور الفاعل أيضا أن يقترح
(7) وأنا من هذا الرأي أيضا، إذ لا أعرف طريقة ترجع الميت إلى
(8) ما هذا! ألكي نطيل حياتنا، هل لنا أن نخضع لحكم مدنسي البيت
(9) كلا، لن نحتمله. فالموت خير منه؛ إذ إنه أخف احتمالا من
(10) وهل يصح لنا أن نتكهن بموت مليكنا من مجرد دليل صراخه؟ (11) يجب أن نتحقق من الوقائع قبل أن نتمادى في حنقنا؛ فالحدس شيء
(12) إنني مؤيد من كل جانب بأن نتخذ ونوافق على هذه الخطة؛ أن نحصل
(تظهر جثتا أجاممنون وكاساندرا، والملكة واقفة إلى
كلوتايمنسترا :
سبق أن تكلمت قبل الآن بالشيء الكثير لخدمة غرضي، ولن أخجل الآن من أن
وبينما هو يخرج دفعات سريعة من الدم، ضربني بقطرات قاتمة من السائل
وبما أن الأمر على هذا النحو، فافرحوا معي، يا شيوخ أرجوس، إذا لذ لكم
الكوروس :
إنا لنعجب من لسانك! ما أجرأك على الكلام! إذ تسنى لك أن
كلوتايمنسترا :
إنكم لتنظرون إلي كما لو كنت امرأة عديمة العقل، بيد أن قلبي لن
الكوروس :
أيتها المرأة، أي عشب سام غذته الأرض قد ذقت، وأية جرعة من
كلوتايمنسترا :
ستحكم علي الآن بالنفي من البلاد، وبكراهية شعبي لي، وبأنه صوت الرأي
حسنا، إنني أحذرك بهذا: هددني كذا، واعلم بأنني على استعداد، مع
الكوروس :
إنك لمتغطرسة الروح، وتتجلى الأنانية والاهتمام بالنفس في كلامك. ولقد أصابت جريمة الدم عقلك بلوثة، وعلى وجهك بقعة دم واضحة
كلوتايمنسترا :
ستسمع هذا أيضا، ويؤيده قسمي بحق: أقسم بالعدالة التي أقمتها من
Ate ، وبالروح
Chryseis
في إيليوم،
الكوروس :
يا للأسف! عسى أن يأتي قضاؤها، خال من الآلام الزائدة، ومن فراش الألم
أي هيلين العاشقة، يا من تسببت وحدك في هلاك هذه الأرواح الكثيرة،
كلوتايمنسترا :
لا تتعب نفسك بمثل هذه الأفكار، ولا تطلب لنفسك قضاء الموت. كما أنه
الكوروس :
أيها الشيطان النازل على هذا البيت، وعلى ولدي تانتالوس كليهما،
50
الذي سلطت حكما، بأيدي النساء، يتفق وطبائعهم، حكما
أي هيلين العاشقة، يا من تسببت وحدك في هلاك هذه الأرواح الكثيرة،
كلوتايمنسترا :
ها أنت ذا الآن نعدل بحق حكم شفتيك، بأن ذكرت اسم ذلك الشيطان
الكوروس :
الحق إنك تخبرين عن شيطان عات مقيم في هذا البيت، وإنه لغاضب أشد
إذ ماذا يحل بالبشر بغير مشيئة زوس؟ ماذا هنا يتم ولم تفعله
وا حسرتاه، وا حسرتاه، يا مليكي، يا مليكي، كيف أبكيك؟ كيف أعبر عما
كلوتايمنسترا :
أتؤكد الآن أن هذه الفعلة فعلتي؟ كلا، بل تخيل الآن أنني لست
الكوروس :
من هذا الذي يشهد لك، بأنك بريئة من جريمة القتل هذه؟ لا أحد! ومع
وا حسرتاه، وا حسرتاه، يا مليكي، يا مليكي، كيف أبكيك؟ كيف أعبر عما
كلوتايمنسترا : [كلا، لا أظنه قد لقي ميتة غير شريفة]. ألم يجلب هو نفسه الخراب
الكوروس :
وإذ تجردت من أية بديهة حاضرة، فإنني أقف الآن حائرا مبهوتا، لا
أيتها الأرض، أيتها الأرض، ليتك أخذتني إليك قبل أن أعيش لأرى مليكي
كلوتايمنسترا :
ليس من شأنك أن تهتم بهذا الأمر. لقد سقط بأيدينا، وسقط ميتا، وسندفنه
ستقابل إيفيجينيا ابنته أباها، كما ينبغي لها عند مخاضة الأحزان،
الكوروس :
يناسب التقريع بدوره التقريع، ومن الصعب تقرير نتيجة النضال؛ فقد غنم
أيتها الأرض، أيتها الأرض، ليتك أخذتني إليك قبل أن أعيش لأرى مليكي
ومن سيبكيه؟ هل سيقسو قلبك فتفعلي هذا - أنت، يا من قتلت زوجك - أن
كلوتايمنسترا :
لقد تكلمت بالصواب عن هذا التصريف الإلهي. ورغم هذا، فإنني راغبة في
51
أن أقنع بما تم من أفعال حتى الآن، وأن أتحمل عاقبة تلك
(يدخل أيجيسثوس مع حرس مسلح.)
أيجيسثوس :
مرحبا بنور يوم الجزاء! لقد حانت أخيرا هذه الساعة التي يمكنني أن أقول
فلما نوزع أتريوس، ملك هذا البلد، ووالد هذا الرجل، في عرشه، طرد
وجلس بعيدا.
52
ولما كان والدي خالي الذهن تماما من حقيقة الأمر، أكل تلك
وما إن اكتشف تلك الفعلة الدنسة، حتى أطلق صرخة عظمى، وانسحب إلى
الكوروس :
يا أيجيسثوس، إني لأعتبر الإهانة وسط عوادي الدهر غير مشرفة. تقول
أيجيسثوس :
أتتكلم هكذا، أنت يا من تجلس عند المجاذيف السفلى، بينما يدير
53
وبما أنك عجوز، فستعلم مرارة التعلم في هذه السن، عندما
الكوروس :
يا لك من امرأة! تختفي داخل البيت وتنتظر عودة الرجال من الحرب، فبينما
أيجيسثوس :
ستبرهن ألفاظك هذه أيضا على أنها مصدر دموع. إن لسان أورفيوس لعلى
الكوروس :
إنك لتتكلم كما لو كنت حقا سيدي هنا في أرجوس، دبرت موت
أيجيسثوس :
سبب هذا أن خداعه إلى الشرك لهو صراحة دور المرأة، وكان يشتبه
54
حسن التغذية! كلا ! وإنما سيراه الجوع المقيت مع
الكوروس :
إذن، ولماذا لم تقتله أنت نفسك، في دناءة روحك، بل تركت تنفيذ مقتله
أيجيسثوس :
هذا حسن، طالما أنك مصر على أن تفعل وتتكلم هكذا، فسرعان ما
الكوروس :
هيا، يا رفاق، ليستعد كل واحد منكم بسيفه، وليضع يده على
أيجيسثوس :
كذلك يدي موضوعة على نصاب سيفي، ولن أتقهقر أمام الموت.
الكوروس :
قلت «الموت لنفسك». إننا لنرحب بهذا الفأل، نرحب باختبار
كلوتايمنسترا :
كلا، يا حبيبي، دعنا لا نفعل شرورا بعد ذلك. فحتى هؤلاء كثيرون فلا
أما إذا ظهرت أية متاعب، فسنواجهها رغم أن يد القضاء نزلت علينا ثقيلة،
أيجيسثوس :
ولكني لا أطيق أن يسلط هؤلاء الرجال ألسنتهم بالكلام ضدي، ويسخرون
الكوروس :
ليس من عادة رجال أرجوس أن يجبنوا في مواجهة رجل نذل خسيس.
أيجيسثوس :
رويدكم! سأنتقم منكم في الأيام المقبلة.
الكوروس :
لن يتم هذا إذا أرشد القضاء أوريستيس في العودة إلى وطنه.
أيجيسثوس :
أعرف، من تلقاء نفسي، أن المنفيين يعللون نفوسهم بالآمال.
الكوروس :
استمر في صلفك وتدنيسك للعدالة، طالما كان في مقدورك أن تفعل
أيجيسثوس :
أعرف أنك سوف تكفر لي عن جنونك الوقح.
الكوروس :
ثرثر بشجاعتك كما يفعل الديك بجانب دجاجته.
كلوتايمنسترا :
لا تهتم بنباحهم عديم الجدوى. سأكون أنا وأنت سادة هذا البيت، ونحكم
(يخرج الجميع.)
الجزء الثاني: مأساة أجاممنون لسنيكا(عن النص اللاتيني)
ملخص المسرحية
لم ينته ثأر الدم بين أتريوس وثويستيس بالانتقام الفظيع الذي أنزله أتريوس
Atrides
العظيم.
انتهت الحرب الطروادية، وأعلن اقتراب
Clytemnestra
على أجاممنون؛ لأنه ذبح ابنتها إيفيجينيا ضحية، في
أشخاص المسرحية
أجاممنون
Agamemnon :
ملك أرجوس وقائد جميع الإغريق في الحرب ضد طروادة.
شبح ثويستيس
Thyestes :
عاد إلى الأرض ليحث ابنه على الانتقام الذي ولد ليقوم
أيجيسثوس
Aegisthus :
ابن ثويستيس بزواج محرم بابنته، وعاشق كلوتايمنسترا.
كلوتايمنسترا
Clytemnestra :
زوجة أجاممنون. تآمرت مع أيجيسثوس على قتل زوجها أثناء غيابه في
كوروس من سيدات أرجوس.
يوروباتيس
Eurybates :
رسول أجاممنون.
كاساندرا
Cassandra :
ابنة بريام، أسيرة أجاممنون.
إلكترا
Electra :
ابنة أجاممنون وكلوتايمنسترا.
ستروفيوس
Strophius :
ملك فوكيس.
أوريستيس
Orestes :
ابن أجاممنون (شخصية
).
بولاديس
:
ابن ستروفيوس (شخصية صامتة).
جماعة من الأسيرات الطرواديات.
المنظر:
جزء منه داخل قصر أجاممنون في أرجوس، أو موكيناي
Mycenae ، وجزء آخر خارج القصر،
***
شبح ثويستيس :
تركت مناطق ديس
Dis
الجهنمي
انظروا، إن روحي ترتجف، وأعضائي تضطرب خوفا، أرى بيت أبي. كلا، بل وأكثر
. اعتاد البيلاسجيون
أن يتوجوا ملوكهم هنا، تبوأ هذا العرش
55
كم أتوق إلى أن أدير ظهري. أليس من الأفضل أن أذهب، حتى إلى البرك
Styx
وهو يهز رقبته الثلاثية الجذوع، ذات العرف
56
ربط جسمه إلى عجلة سريعة الدوران، فيلف حول نفسه، حيث
57
إلى قمة التل، عندما تتدحرج الصخرة هابطة إلى أسفل، حيث ينهش
58
الدائم التجدد، حيث الرجل العجوز،
59
الذي برح به الظمأ وسط المياه، يحاول الإمساك بالأمواج
60
الآلهة. ولكن، ما أصغر ذنبه بالنسبة إلى ذنبي! هيا نأخذ في
61
ذو وعاء الأزلام الدائم
لم يدنس الحظ
Fortuna
الأب
62
بهذا فقط، بل تجاسر على جريمة أعظم من التي اقترفت،
وعلى ذلك، فحتى يمتد سلطان الأب على كل ذريته، أجبر القدر
Fata
63
ابنتي على أن تلد لي ابنا جديرا بأن يسميني أبا. اختلطت الطبيعة، والتبس علي الأمر بين الأب والجد، فيا له من عمل
غير أن وعد النبوءة الغامضة تم لي في النهاية، رغم مجيئه متأخرا، وبعد
، فاقترب ذلك الملك الآن، ليسلم رقبته إلى قوة
64
أرى السيوف والفئوس والرماح، ورأس ملك يفصل بضربة فأس
65
لماذا تستمد النصيحة من نفسك، لماذا تقلب الأمر مرات
ولكن، لماذا يمتد ليل الصيف إلى مدى الشتاء؟ أو ماذا يمسك النجوم
(يتأهب للانصراف.)
أعد النهار إلى العالم الآن. (يختفي الشبح.)
الكوروس :
أيها الحظ، يا من تمنح عطية العرش
Euxine
من أدنى أعماقها قوية على القطب الثلجي؛ حيث
Boötes
عربته المضيئة دون
66
كما يتقلب الحظ على أقدار الملوك المقلوبة. يتوق الملوك
أي قصر لم يحدث فيه جريمة إثر جريمة
67
في تتابع سريع؟ أي قصر لم تكدر صفوه الأسلحة غير
Bellona
في
فرغم عدم نشاط الأسلحة، وخمول الخيانة، تتداعى الممالك العظمى تحت
Auster
المطير القلعة الشامخة برأسها وسط الغيوم. والغابة التي تنشر الظل الكثيف حولها، ترى أشجار البلوط العتيقة
مهما رفع الحظ عاليا، فلن يرفع إلا ليخفض إلى الحضيض. تنعم المملكة
كلوتايمنسترا :
لماذا تسعين إلى النصيحة الآمنة
68
المتأججة القلب بالحب المحرم، التي هربت من المملكة
)
في تلك السفينة التسالية؛ يجرؤ
69
مثل هذه الأمور، أما أنت فتناسبك جريمة أعظم.
المربية :
يا ملكة الإغريق وابنة ليدا الشهيرة، فيم تفكرين في صمت؟ وأية فكرة
كلوتايمنسترا :
إن العاطفة الجامحة لتعذبني بقوة لا تحتمل التأخير. تحرق اللهب
70
الممزوج بالألم يوخز بالمنخس، وينبض صدري غيرة،
71
ويدفع الحب الوضيع نيره على عقلي ويأمرني بالتداعي. ووسط مثل
72
وهو متعب حقا ومهزوم ومنهوك تماما. يسوقني طوفان جارف،
المربية :
من يتبع الحظ فهو أعمى ومتهور.
كلوتايمنسترا :
وإذا كان الحظ في أسوأ أدواره، فلماذا تخافين الأخطار؟
المربية :
جريمتك آمنة وخفية ، لو تركتها هكذا.
كلوتايمنسترا :
كل جريمة للبيت الملكي ظاهرة أمام الأنظار.
المربية :
أتندمين على جريمتك القديمة، وتدبرين الجديدة؟
كلوتايمنسترا :
لا شك في أنه من الحماقة أن أقف وسط الطريق في الجريمة.
المربية :
من يكدس الجريمة فوق الجريمة هكذا، يعمل على زيادة ضخامة ما يرهبه.
73
كلوتايمنسترا :
غالبا ما تحل السكين والنصال محل العقاقير.
المربية :
لا يبدأ المرء بتجربة العقاقير المتهورة.
كلوتايمنسترا :
وسط الشرور، يجب الإمساك بالطرق المباشرة.
المربية :
ولكن فليرجعك رباط الزواج المقدس.
كلوتايمنسترا :
هل أظل أفكر في الزواج بعد أن ترملت عشر سنوات؟
المربية :
يجب أن تتذكري أولادك منه.
كلوتايمنسترا :
أتذكر نيران زواج ابنتي،
74
وزوج ابنتي، أخيل؛ لقد أبدى
75
للأم ثقة خالصة.
المربية :
خلصت أسطولنا الساكن من التأخر، وأيقظت البحر الخامل من سباته
كلوتايمنسترا :
يا للعار! ويا للألم! أنا ابنة
Tyndarus ، ذات سلسلة النسب
، عندما وقف الأب أمام المذابح
اشترينا الرياح بالدم، والحرب بالقتل! ولكن أخبريني، هل نشرت ألف سفينة
76
كاهن أبولو
Smynthean Apollo ، ثم ها هو الآن مجنون بالعاطفة المتأججة نحو
77
لم يستطع أخيل، غير المتأثر بالتهديدات، أن يثنيه عن عزمه،
78
الذي يرى وحده أسرار الكون (عني وعن عرافي الأكيد
79
ولا الشعب المصاب بالطاعون، ولا كومات الحريق المشتعلة. يضعف
Lyrnessian ،
80
غنيمة أخيل، ولم يخجل من أن يأخذها، وينتزعها من حضن سيدها، هو
81
ذات الوحي، وبعد غزو طروادة، وبعد سقوط إيليوم، يعود إلى بيته
82
وإذ تتلكئين، فأي يوم تنتظرين؟ أحتى تمسك الزوجات
المربية :
اكبحي جماح نفسك أيتها الملكة، وأوقفي غضبك المتهور، وفكري فيما
الأسيرة
ها أنت ذا تحاولين الآن أن تقاتليه بالخداع وبالتسلل، ذلك الذي لم
83
ثائرا يعتزم القتل، ولا هكتور، المتراس الوحيد ضد الأغارقة
Memnon
الأسمر البشرة، ولا
Xanthus
الذي يدحرج الجثث والأسلحة مختلطة معا إلى أسفل،
Simoïs
الذي تجري أمواجه
Cycnus ،
84
لرب المحيط، ولا ريسوس
Rhesus
المقدام مع جيشه التراقي، ولا الأمازونة
Amazon
بجعبتها الملونة، تلك التي تمسك ببلطة
Dardanus
المهزوم والمستولى
85
اضبطي عواطفك الثائرة، وأعدي بنفسك سبل الطمأنينة
(تخرج.) (يدخل أيجيسثوس.)
أيجيسثوس (في مناجاة) :
هذه حقا هي الساعة التي طالما كنت أرهبها في قلبي وفي روحي؛ ساعة
(إلى كلوتايمنسترا) أيا شريكتي في خطري، يا ابنة ليدا، سيجازيك عن
كلوتايمنسترا :
إن حبي زوجي ليهزمني، ويجعلني أحجم. فلنعد إلى حيث كان من الخير
أيجيسثوس :
أين ولدت أيتها المجنونة؟ أتعتقدين أو تأملين في أن يكون أجاممنون لا
86
قد أضافت إلى روح شرسة بطبيعتها؟ كان ملك موكيناي، وسيعود
87
الإله كاشف المصائر.
88
أترضين وتحتملين شريكة في فراش زوجك؟ لكنها سترفض، إن أعظم
كلوتايمنسترا :
لماذا تسوقني قدما يا أيجيسثوس، وتلهب غضبي بعد أن خمد؟ هب أن
أيسمح قلبي الشاعر بجريمته بأن أصدر حكما قاسيا على زوجي؟ فليصفح
أيجيسثوس :
أتقولين هكذا؟ أتستطيعين المساومة على الصفح المتبادل؟ وهل حقوق
كلوتايمنسترا :
عفا عن هيلين، وضم إليها مينيلاوس، وتعود تلك التي صارت من أجلها
أيجيسثوس :
نعم، ولكن ما من امرأة قد سرقت أتريديس بحب مختلس، أو أسرت قلبه
89
يبحث سيدك عن تهمة يدينك بها، وينوي إيجاد سبب للنزاع. هبي أنك لم تفعلي أية وضاعة، فماذا تجدي حياة الأمانة والبراءة؟ من
Eurotas
الخاص
كلوتايمنسترا :
لا يعرف ذنبي غير صديق وفي واحد.
أيجيسثوس :
لا يعبر الوفاء قط عتبة ملك.
كلوتايمنسترا :
سأشتري الوفاء بالثروة، وسأربط هذا الوفاء بالرشوة.
أيجيسثوس :
وفاء ينال بالرشوة، يتغلب عليه بالرشوة.
كلوتايمنسترا :
تعود بقية عفافي السابق إلى الحياة، فلم تصيح ضدها؟ لماذا تقدم لي
أيجيسثوس :
ولماذا أبدو لك أقل من ابن أتريوس، أنا ابن ثويستيس؟
كلوتايمسنترا :
إذا لم يكن هذا كافيا، فقل حفيده أيضا.
أيجيسثوس :
كان فويبوس مصدر ولادتي، فلن أجد عارا قط في مولدي.
كلوتايمسنترا :
أتدعو فويبوس مصدر ولادة نشأت عن زنى محرم، ذلك الذي قاد خيوله
90
من السماء؟ لماذا تدنس الآلهة؟ أيها المدرب على سرقة
أيجيسثوس :
ليس المنفى جديدا علي، وقد تعودت الويلات. فلو أمرت أيتها
كلوتايمسنترا (بصوت منخفض) :
ومع ذلك، فهل أسمح، أنا ابنة تونداريوس القاسية، بحدوث ذلك؟ (إلى أيجيسثوس) من يذنب مع غيره، فهو مدين للجريمة بالوفاء. تعال معي
(يخرجان.)
الكوروس :
أنشدن أيتها الفتيات الذائعات الصيت، متغنيات بفويبوس! لك يا فويبوس
Erasinus
الباردة، ومن
Eurotas ، ومن ترتوي من
Ismenus
الذي ينساب هادئا
Manto
ابنة تايريسياس
Tiresias ، قارئة الأقدار أن يعبد الآلهة بالطقوس
Latona . أرخ
Muse
العالمة على رياضتك. ومن
Titans
وقد هزمهم الرعد،
فوق أوسا
Ossa
الموضوع تحته، واتزن أوليمبوس
Olympus
المكسو بالسحب فوق
كذلك أنت، كوني قريبة، يا من كزوجة وأخت تشتركين في سلطان الصولجان،
Juno
الملكية! نحن فرقتك
لك تمس الفتيات الماهرات الأوتار في أنغام مهدئة، لك تهز الأمهات الإغريقيات
91
مشعل النذور، وتسقط عند محاريبك خليلة الثور البيضاء، التي
وأنت يا ابنة المرعد العظيم بالاس
الماجدة، التي كثيرا ما هاجمت القلاع
Dardanian
برمحك، لك
وأنت أيضا يا تريفيا
Trivia ،
92
نعبدك بقلوب الاهتمام وبصلوات مألوفة. تأمرين مسقط رأسك
Delos
بأن تقف ثابتة يا
Lucina ،
93
كانت عندئذ جزيرة طافية
Cyclada
تتأرجح هنا وهناك حسب رغبة
94
ابنة تانتالوس، التي تقف الآن على قمة سيبولوس
Sipylus
الشامخة، تمثالا باكيا، وإلى
95
في حماس.
وأنت، قبل جميع الآخرين، أيها الأب والحاكم، رب الرعد، يا من يرتجف
Juppiter ، يا مصدر جنسنا، تقبل هدايانا بعطف، وبعناية
ولكن انظرن، ها هو جندي يسرع بخطى واسعة، يقبل بسرعة إلى هنا،
(يدخل يوروباتيس حاملا رمحا متوجا بإكليل من أغصان
يوروباتيس :
أيا محاريب ومذابح الآلهة السماوية، ويا آلهة أسرة آبائي، بعد أن تعبت
(للشعب)
قدموا نذوركم الآن إلى الآلهة
(تدخل كلوتايمنسترا في الوقت المناسب لتسمع آخر ألفاظ
كلوتايمنسترا :
إنها لأنباء مباركة هذه التي طرقت آذاني، ولكن لماذا يتأخر زوجي
يوروباتيس :
وطئ شاطئ وطنه الذي طالما اشتاق إليه، سليما معافى، وأكثر مجدا،
كلوتايمنسترا :
فلنرحب بهذا اليوم بطقوس مقدسة، محظوظين أخيرا، فرغم رحمة الآلهة
96
أخبرني.
يوروباتيس :
أرجو وأتوسل إلى الآلهة أن يكون خيرا مما نأمل لهما؛ إذ يحرم علي
كلوتايمنسترا :
أخبرني، أية مصيبة ابتلعت سفني، أو أي مكروه حدث في البحر فشتت
يوروباتيس :
يا لها من قصة مريرة الرواية، تلك التي تطلبينها، ها أنت ذا تأمرينني
كلوتايمنسترا :
استمر في روايتك، فمن يمتنع عن معرفة مصائبه، فإنما يزيد في مخاوفه. والمتاعب التي يرى نصفها، أكثر عذابا.
يوروباتيس :
عندما سقطت بيرجاموم
كلها تحت
Dorica face ، قسمت
تسلل في أول الرحلة نسيم رقيق إلى أشرعتنا فساق سفننا قدما، وقلما
Sigeum ! امتلأ الشبان سرعة لثني المجاذيف
Hector
الباسل، وأسلمت العربة
97
وجثته المفدية إلى كومة الحريق، وذر جوف الهرقياني
Herceus Iovis
بدم ملكي.
98
وكذلك أخذت السمكة
Tyrrhenus Piscis
99
تلعب في الماء الرقراق جيئة وذهابا، وتقفز فوق البحر
في تلك الأثناء كان الشاطئ كله قد اختفى، وغابت السهول عن الأبصار،
Ida
باهتة. وبعد
وجعلنا غروب الشمس المتعدد الألوان نشك في البحر.
100
أنشأ الليل الحديث يبرقش النجوم، وارتخت الأشرعة إذ هجرتها الريح. ثم إذا
وأرسل أكويلو
Strymonius Aquilo
الثلوج العميقة في نوبات حلزونية، وأثار
Libycus Auster
رمال
Syrtes
الساحلية،
101
فلم تعد تقاوم النضال مع أوستير، وهبت نوتوس
Notus
مثقلة بالغيوم، فملأت الأمواج
Eurus
الفجر
Nabataea regna
والخلجان الشرقية. وماذا فعل كوروس
Corus
المتوحش إذ أخرج رأسه من المحيط؟ مزق السماء كلها من أسسها، حتى
Styx
الفظيع. بيد أن
ساعد الأسطول ذاته على تحطيم نفسه؛ إذ اصطدم الحيزوم بالحيزوم، والجانب
102
وهناك سفينة طافية مضعضعة، جردت من كل زينتها، فما عاد
Icarian . لم يجد العقل ولا المران فتيلا وقتذاك،
Troes
والأغارقة
Danai
يتضرعون طالبين نفس الشيء من الآلهة. ماذا
أباه، وحسد أولوسيس
Ulysses
أجاكس، وحسد أتريديس الأصغر
Atrides minor
هكتور، كما حسد أجاممنون برياموس،
فهل يحمل
103
البحر والموج كل من لم يجرؤ على فعل شيء نبيل؟ وهل يغمر
104
الذين هلكنا من أجلهم؟ هدئ البحر الثائر، يحمل هذا الأسطول
ولكن انظرن! كارثة فوق كارثة! تسلحت بالاس بصاعقة جوف الغاضب، تحاول
Gorgon ،
105
وإنما ببرق والدها وبالزوابع الجديدة التي تهب في كافة أجواز
106
وحده على استمرار النضال غير خائف من العوادي. أما ذلك الذي
فنفذت الصاعقة خلال أجاكس وخلال سفينته، ومعهما جزء من السفينة، وحملت
Mars ، ولم تضطرني سهام فويبوس إلى
، فهل أتخاذل أمامك؟ تقذف سلاحا آخر بيد
107
وعندما تمادى جنونه وكاد يقول أكثر من ذلك، رفع الأب
Neptunus
رمحه الثلاثي
أما نحن البحارة الذين تحطمت سفنهم، فقد تحدانا دمار أشد
Caphereus
الغادر قاعدته
. أما
Isthmus
الممتد خلفه مقوسا
Ionia maria
أن ينضم إلى أمواج فريكسوس
. وهناك أيضا لمنوس
Lemnos
الشهيرة بالجريمة
108
وكالخيدون
Calchedon
وأوليس
Aulis
التي عوقت الأسطول
هذه القمة، ورفع بيده اللعينة إشارة ضوئية من
علقت هناك السفن بعد أن أمسكت بها الصخور المسننة، فانكسر بعضها
كلوتايمنسترا :
هل أحزن أو أفرح لعودة سيدي؟ إنه ليفرحني أن أراه ثانية في بيته،
ولكن انظر، ها هنا جمع حزين من النساء الطرواديات شعورهن غير
(تدخل جماعة من النساء الطرواديات بقيادة كاساندرا.)
كوروس النساء الطرواديات :
يا للأسف ! ما أشد إغراء لعنة خصصت للبشر، ألا وهي حب الحياة
Flamma Tonantis . لا يخاف الهدوء
Acheron
المظلم، وإلى ستوكس المخيف، ومن
شاهدنا سقوط مملكتنا ليلة الموت تلك، عندما دمرت أيتها
Dorici ignes
بيوت
Dardania . لم تهزم في حرب،
وثيتيس
Thetis ،
109
ولا من يعزه بيليديس
الصنديد، عندما أضاء بأسلحة مستعارة، وساق أبناء طروادة هاربين؛ إذ
Achilles Falsus ، ولا
110
بسبب حزنه،
111
والنساء الطرواديات يلاحظنه من فوق الأسوار، خائفات من
112
ليلة واحدة.
رأينا تلك الهدية المرموقة، الهائلة الحجم، وسحبنا هدية الإغريق المميتة
يسقطون بنفس خدعتهم، وكثيرا ما صلصلت تروسهم المحشورة، وطرقت آذاننا
لم يتخوف الشباب الطروادي أن يلمس الحبال القاتلة.
113
قاد أستواناكس
Astyanax
جماعات من نفس سنه. وهناك خطبت هي
114
إلى كومة الحريق التسالية. قادت هي الفتيات وقاد هو الفتيان،
Hecuba
كانت مبتهجة. وعندئذ، أيها الحزن التعيس، علام
كاساندرا :
كفكفن دموعكن التي تطلبنها طول الوقت، أيتها النساء الطرواديات،
الكوروس :
ما أحلى أن نخلط الدموع بالدموع، وإن الأحزان لأشد إيلاما إذا ما
115
الحزينة التي ترسل أناشيدها من فوق غصن الربيع، ولا يستطيع
Itys
بأنغامه الدائمة
116
الجاثمة فوق الحصون
Tectis Bistonis
تكرر قصة آثام سيدها القاسي الخفية؛ لن
Cycnus
117
الناصع البياض بنفسه نشيد احتضاره وسط البجعتين البيضاوين
Ister
وتانايس
Tanais ، ولو بكت الطيور المائية
Alcyones
على فقيدها كيكس
Ceyx
بين ثنيات الأمواج الخفيفة، فرغم عدم
Molles Viros ،
118
أذرعها مع ذراعيك، تلك الجماعة التي أثارت نغمات الناي
119
كي يبكين على أتيس
Attis
الفروجية.
ليس لدموعنا مقياس يا كاساندرا، إذ فاقت آلامنا كل قياس.
ولكن لماذا تنزعين الخصلات المقدسة من رأسك؟ في اعتقادي أنه يجب على
كاساندرا :
وإذا تغلبت محناتها على كل خوف، فلن أصالح آلهة السماء بأية صلاة،
120
والمقابر
121
من دمي. ماذا بقي من جمع الإخوة السعيد ذاك؟ ذهبوا جميعا! لم يترك في القصر الخاوي سوى الشيوخ الحزانى، وفي جميع تلك الغرف
Lacaenam
المترملة. فتلك التي كانت أما لعدد كبير
122
تنبح بجنون حول أسوارها المحطمة، وعاشت بعد طروادة وبعد
الكوروس :
سكنت عروس فويبوس فجأة، فانتشرت
وانتصبت شعورها متوترة، وارتفعت خصلاتها الناعمة فزعا، وعلا وجيب
كاساندرا :
لماذا توخزينني، يا مرتفعات
المقدسة، بمناخس
الآن، وقد سقطت طروادة، ماذا بقي لي، أنا العرافة الزائفة؟
أين أنا؟ هرب النور اللطيف، وأعمت الظلمة الكثيفة عيني، وإذ دفن
123
سيقلب ذلك اللقيط الريفي بيتكم. ماذا تقصد هذه المرأة
124
ولكنها تحمل بلطة أمازونية.
125
وما هذا المنظر الآخر الذي يستخدم عيني؟ هذا ملك الوحوش ذو
126
لحقته عضات قاتلة من لبؤته الجريئة. لماذا تنادونني يا
Troilus ، الذي التقيت في عهد مبكر مع أخيل، ليس وجهك
Deiphobus ،
127
هدية زوجتك الجديدة،
128
ما ألذ السير بجانب البرك
Stygios lacus ! وما أحلى رؤية كلب تارتاروس
Tartarus
المتوحش، وممالك ديس
Regna Ditis
الجشع! اليوم سيحمل قارب فليجيثون
المظلم أرواحا ملكية،
129
مهزومة وهازمة. أيها الأشباح، أتوسل إليكم، كما أن توسلي
Fata
تستدير عائدة على أعقابها.
تجد الشقيقات القذرات، في السير قدما، شاهرات سياطهن الدموية،
130
وانظرن! ذلك الرجل العجوز الفاني،
131
ينسى ظمأه فلا يعود يمد يديه إلى المياه الساخرة، حزنا
132
القادم. أما الأب داردانوس
Dardanus
فيبتهج ويسير قدما بخطى ملكية.
الكوروس :
الآن، قد أنهك جنونها الشارد نفسه، وتسقط كما يسقط الثور أمام المذبح
(يدخل أجاممنون، بعد أن قابلته ورحبت به زوجته التي
أجاممنون :
وأخيرا، عدت سالما إلى بيت أبي. مرحبا بك أيتها الأرض العزيزة! قدمت إليك الغنائم أمم بربرية كثيرة، وإليك خضعت طروادة آسيا
133
هناك فتسقط مترنحة برأس مرتخ؟ ارفعوها، أيها العبيد. ها
(إلى كاساندرا) استيقظي إلى الحياة! ها هو ملاذنا من ويلاتنا، الذي
كاساندرا :
وكذلك كان يوم عيد،
134
في طروادة أيضا.
أجاممنون :
هيا بنا نركع أمام المذبح.
كاساندرا :
أمام المذبح سقط والدي.
أجاممنون :
هيا بنا نصلي معا إلى جوف.
كاساندرا :
جوف الهرقياني؟
135
أجاممنون :
أتظنين أنك تنظرين إلى إيليوم؟
كاساندرا :
وإلى برياموس أيضا.
أجاممنون :
ليس هنا طروادة.
كاساندرا :
أينما توجد هيلين،
136
أظنه طروادة.
أجاممنون :
لا تخافي أية سيدة، رغم كونك عبدة.
كاساندرا :
الحرية قريبة مني.
أجاممنون :
عيشي في أمان.
كاساندرا :
الموت أمان لي.
أجاممنون :
ما من شيء تخافينه.
كاساندرا :
ولكن الكثير لك.
أجاممنون :
ماذا يخاف الظافر؟
كاساندرا :
ما لا يخافه.
أجاممنون :
أسندوها، أيها العبيد الأمناء، حتى تنفض عنها الإله؛
137
لئلا تحدث ضررا ما في جنونها الوحشي. ولكني سأعبدك، أيها
Argolica Iuno . سأعبدكما مبتهجا بقطعان النذور، وبهدايا
138
بلاد العرب، وبتقدمات المتوسل من الأمعاء. (يخرج، ويدخل القصر.)
كوروس نساء أرجوس :
أي أرجوس، المشرفة بمواطنيك النبلاء، أي أرجوس العزيزة لدى زوجة
139
تبينت أبناء دائمي القوة، وجعلت عدد الآلهة الفردي زوجيا.
140
نال بطلك بأعماله الاثني عشر حق اختياره للسماء. إنه هرقل
141
كسر قانون العالم ، فضاعف جوبيتر ساعات الليل الندية،
142
وعجب من أن يطلق على هيسبيروس
Hesperus
اسم «نجم المساء». استيقظت أورورا
Aurora
عند ساعة الفجر المعتادة، ولكنها
143
العجوز. أحس شروق الشمس وغروبها بمولد هرقل، فإن بطلا
أحس بقوتك أسد نيميا
Nemea ، الذي في
Cervaque Parrhasis
المتلف
144
للحقول الأركادية
Arcadiiagri . وخار الثور المتوحش خوارا عاليا، تاركا
Hydra
الخصبة الموت، وأمر بإتلاف كل عنق يولد من جديد من عنق سابق،
145
وكذلك سحق الإخوة الثلاثة الملتصقين؛
146
الثلاثة الوحوش ذوي الجسم الواحد، فقفز فوقهم بهراوته
وساق القطيع التراقي
147
الذي كان يطعمه ذلك الطاغية،
Strymonii gramine ، ولا على ضفاف
Hebrus ،
148
وإنما لقسوته كان يطعم خيوله المتوحشة دماء الأغراب،
149
آخر ما خضب أشداقها باللون الأحمر. أبصرت هيبولوتي
Hippolyte
الغنيمة
150
تخطف من حول صدرها، وسقط الطائر الاستومفالي
Stymphalis
من السحابة الممزقة في
لم يسمع الحارس
151
البارد الذي لا ينام صوت المعدن المصلصل إلا عندما كان
Alcides
المحمل بالأحمال
152
الراقد تحت قيادتك، بيت داردانوس، وقاسى مرة أخرى،
153
فعل السهام المخوفة الجانب، وبقيادتك سقطت طروادة في
كاساندرا (وحدها على منصة المسرح)
154 :
تتم فعلة عظمى بالداخل مساوية لعشر سنوات من الحرب. أواه! ما هذا؟ ارتفعي يا نفسي، وخذي جائزة جنونك، نحن قاهرون، قهرنا الفروجيين! هذا
تمد وليمة داخل البيت الملكي، يجتمع حولها الضيوف، وإنها لأشبه
155
ويحتسي الضيوف خمرهم من كئوس أساراكوس
Assaracus
القديمة الذهبية. انظرن إنه يرقد هو نفسه،
156
مرتديا ثيابا موشاة فوق سرير مرتفع، وقد لبس فوق جسمه
157
ملكا؟ أيقتل الزاني الزوج؟ أتت الساعة الخطرة، سترى
Tyndaris
158
بلطة ذات حدين في ثورة جنونية، وكما يحدد الكاهن بعينه
159
وتمت الفعلة! يتدلى الرأس الذي يكاد يكون مفصولا، معلقا
160 (يبقى بجانب المذبح.) (تدخل إلكترا تقود أخاها الصغير أوريستيس.)
إلكترا :
اهرب، أيها المنتقم الوحيد لموت والدنا، اهرب وانج من أيدي أعدائنا
ولكن من ذلك الغريب القادم هناك يسوق عربته بسرعة؟ تعال يا أخي،
(يدخل ستروفيوس في عربة، يصحبه ابنه بولاديس.)
ستروفيوس :
أنا ستروفيوس، غادرت فوكيس وسأعود الآن إلى وطني بعد أن مجدتني سعفة
Elea palma . وسبب
(يلاحظ اكتئاب إلكترا.)
ولكن من هذه الواقفة هناك تروي وجهها الحزين بالدموع، وترتجف خوفا وقد
إلكترا :
يرقد والدي مقتولا بجريمة أمي، وإنهما ليبحثان عن الابن ليشارك أباه
ستروفيوس :
يا للأسف! ما من سعادة يطول مقامها.
إلكترا :
أستحلفك بذكرى والدي، وبصولجانه المعروف لجميع العالم، وبالآلهة المتقلبة،
161
أن تأخذ هذا الصبي أوريستيس، وأن تخبئ السرقة
ستروفيوس :
رغم أن أجاممنون المقتول يحذرني أن آخذ الحيطة، فسأواجه الخطر، وبكل
(يأخذ أوريستيس في العربة.)
خذ هذا التاج،
162
الذي ربحته في الألعاب، وزين به رأسك، وأمسك غصن الظافر هذا
163
في يدك اليسرى لتقي وجهك بفرعه العظيم، وعسى أن تمنحك هذه
ستارا في الحال، وفألا حسنا. أما أنت يا
والآن، يا خيولي، التي شاهدت سرعتها كل بلاد الإغريق،
164
اهربي من هذا المكان الغادر في فرار مباشر. (يخرجون في سرعة عظيمة.)
إلكترا (تنظر خلفه) :
انصرف، وذهب، واختفت عربته بسرعة طائشة من أمام بصري. والآن سأنتظر
(ترى كلوتايمنسترا مقبلة.)
ها هنا قاهرة سيدها القاتلة، ودلائل القتل على ثوبها الملطخ بالدم، ولا
165
يا كاساندرا؛ إذ أخشى مصيرا مماثلا لمصيرك. (تدخل كلوتايمنسترا.)
كلوتايمنسترا :
يا عدوة أمك، ويا أيتها البنت العاقة المتمردة، بأية عادة تسعين،
إلكترا :
لأنني فتاة، تركت بيت الزناة.
كلوتايمنسترا :
ومن يصدقك أيتها الفتاة؟
إلكترا :
ابنتك!
166
كلوتايمنسترا :
كوني أكثر رقة مع أمك.
إلكترا :
وهل تعلمينني الصلاح؟
كلوتايمنسترا :
إن لك روح الرجال، ذات قلب منتفخ، غير أن المحن روضته،
إلكترا :
إذا قيض لي ألا أخطئ، فالسيف يناسب المرأة.
كلوتايمنسترا :
وهل تظنين، أيتها المجنونة، أنك ند لنا؟
إلكترا :
لكما؟! أي أجاممنون آخر ذلك الذي لك؟ تكلمي بصفتك أرملة، فقد
كلوتايمنسترا :
بصفتي ملكة، سأوقف لسان البنت العاقة غير الخاضع لزمام. وأما
إلكترا :
هو بعيد عن موكيناي.
كلوتايمنسترا :
أعيدي إلي ابني الآن.
إلكترا :
وأعيدي إلي أبي.
كلوتايمنسترا :
أين يختبئ؟
إلكترا :
في أمان وسلام، حيث لا يخاف ملكا حديث الصنع، هذا يكفي لأم
كلوتايمنسترا :
ولكنه قليل جدا لأم غاضبة. ستموتين في هذا اليوم.
إلكترا :
فليكن هكذا بيدك هذه. سأترك المذبح إذا سرك أن تغمدي السيف في
(يدخل أيجيسثوس.)
كلوتايمنسترا :
أنت شريكي بالتساوي في أخطاري وفي عرشي. إن ابنتي تهين أمها في غير
أيجيسثوس :
أيتها البنت المجنونة، أمسكي لسانك الشرير عن الكلام، وكفي عن النطق
إلكترا :
أيصدر تعليمات فاعل الجريمة الشنعاء، ذلك المولود بالإجرام، والذي لا
كلوتايمنسترا :
لماذا تتوانى يا أيجيسثوس في ضرب رأسها الشرير بالسيف؟ دعها تقدم
أيجيسثوس :
ستقضي حياتها محبوسة في جب صخري مظلم، وستذوق كل صنوف التعذيب،
إلكترا :
امنحني الموت.
أيجيسثوس :
لا يجب أن تحتجي ضد ما أمنحه، الطاغية غير الماهر هو الذي يعاقب
إلكترا :
وهل هناك أسوأ من الموت؟
أيجيسثوس :
نعم، الحياة إذا استغرقت مدة طويلة في الموت. أبعدوا هذه الفتاة غير
(تجر إلكترا بعيدا.)
كلوتايمنسترا (تشير إلى كاساندرا) :
أما تلك العروس الأسيرة، معشوقة الفراش الملكي، فستعاقب بالموت. جروها كي تتبع الزوج الذي سلبتني إياه.
كاساندرا :
كلا، لا تجروني، بل سأتقدم مسيركم، أسرع لأكون أول من يحمل
كلوتايمنسترا :
ستموتين أيتها المخلوقة المجنونة.
كاساندرا :
سوف يأتيك جنون، أنت أيضا.
167
ملحق: تحليل مقارن بين أجاممنون أيسخولوس وأجاممنون سنيكا (1) الدراما الإغريقية: أجاممنون أيسخولوس
المقدمة:
يندب حارس واقف على سقف القصر في أرجوس حظه، لما يلاقيه من
نشيد دخول الكوروس:
ينشد كوروس مكون من اثني عشر عجوزا أرجوسيا أنشودة الحرب
الحلقة الأولى:
تظهر كلوتايمنسترا في موكب فخم من حاملي المشاعل، وقد جعلت
«هذه برهان أكيد، وعلامة أخبركم بها الآن؛ إذ أرى سيدي قد أرسلها
حجبت كلوتايمنسترا بهذه الألفاظ، تلك الرغبات الحقيقية التي
تعم الفرحة أفراد الكوروس عندما يسمعون الأخبار التي
أنشودة الكوروس الأولى:
يتغنى الكوروس بمدح زوس
Zeus ،
يصف الكوروس جريمة باريس
المخجلة، وفاجعة مينيلاوس
Menelaus
الذي اعتدي عليه،
الحلقة الثانية:
يصف الرسول للكوروس قصة سقوط طروادة بأكملها، عقابا على
يرد الرسول على أسئلة الكوروس، فيصف العاصفة العاتية التي
أنشودة الكوروس الثانية:
ينشد الكوروس أغنية يصف فيها هيلين بأنها لعنة على
دفعتها طروادة، التي تشبه بالرجل الذي يربي شبل أسد
الحلقة الثالثة:
يرى أجاممنون مقبلا في عربته، يتبعه جيش من جنوده
تدخل كلوتايمنسترا، وتسترسل في كلام طويل، مرحبة بأجاممنون
بعد أن يشير أجاممنون إلى كاساندرا، إشارة موجزة، ويصف
أنشودة الكوروس الثالثة:
على الرغم من أن الكوروس يرى بعينيه أن كل شيء على ما يرام مع
أنشودة الخاتمة:
تعود كلوتايمنسترا فتأمر كاساندرا، التي كانت لا تزال واقفة في
عند ذلك تنزل كاساندرا من عربتها، وتنخرط في نحيب وحشي يقطع
ما هي إلا لحظة، حتى يسمع الكوروس صرخة موت أجاممنون، وأنه
(2) تراجيديات سنيكا: أجاممنون سنيكا
المقدمة:
بينما كان شبح ثويستيس آتيا من المناطق السفلى، أخذ يتلو بواعث
Apollo
بأن ينتقم له ابنه أيجيسثوس الذي أنجبته
نشيد دخول الكوروس:
يشكو كوروس مؤلف من نساء أرجوس، من تقلبات الحظ، ويوصي
الحلقة الأولى:
لما أدركت كلوتايمنسترا عظيم ذنبها، وخافت أن يعاقبها زوجها
إما أن تذعن كلوتايمنسترا لنصيحة مربيتها فترجع عن غرضها،
أنشودة الكوروس الأول:
يتغنى الكوروس بمدح أبولو من أجل النصر في طروادة، كما يتغنى
Juno
ومينيرفا
Minerva
وجوف
Jove . وفي النهاية يرحب الكوروس بقدوم الرسول
Eurybates .
الحلقة الثانية:
يعلن يوروباتيس قدوم أجاممنون إلى كلوتايمنسترا. ويصف
أنشودة الكوروس الثانية:
ينشد كوروس الأسيرات الطرواديات قصة مصير طروادة وسقوطها،
الحلقة الثالثة:
يظهر أجاممنون ويقابل كاساندرا فتحذره من القضاء المعلن فوق
أنشودة الكوروس الثالثة:
يتغنى كوروس نساء أرجوس، بمناسبة سقوط طروادة، بمدح
Hercules ، الذي احتاج
الخاتمة:
إما أن تقف كاساندرا حيث تستطيع أن ترى ما يجري داخل القصر،
تحث إلكترا أوريستيس على الفرار قبل أن يقتله أيجيسثوس
أما هي فتحتمي بالمذبح.
بعد أن تتحدى إلكترا أمها وأيجيسثوس، وتهددهما تجر إلى
مسرحية حاملات القرابين
ملخص المسرحية
بعد أن قتلت الملكة كلوتايمنسترا زوجها أجاممنون، اعتلت هي ومعشوقها أيجيسثوس
Argos . بيد أن روح سيدها المقتول كانت
كانت الأميرة إلكترا تعيش في القصر، ولكنها ما كانت تعامل أكثر من معاملة
Strophius
في مملكة فوكيس
البعيدة، حيث كبر وترعرع وبلغ مبالغ الرجولة. وفي نفس ذلك اليوم الذي أرادت فيه والدته أن تدرأ عنها شر طالع ذلك الحلم، صحب
وضع أوريستيس خصلة من شعره فوق قبر أجاممنون. فلما أبصرتها إلكترا تأكدت بأنها
أعلن أوريستيس أن الآلهة أوفدته لغرض الانتقام؛ فقد أمره الرب أبولو
Apollo
1
نفسه، بعد أن هدده بأنه إذا لم يطع أمره فسيبعث إليه والده ب
Erinyes
2 (ربات الانتقام) لتهاجمه، ويطرد ملعونا من مساكن البشر، ومن مذابح
اجتمع الأخ وأخته عند قبر أبيهما، يساعدهما كوروس صديق يعرض عليهما معونته في
قدم أوريستيس الثوب الملوث بالدماء، الذي «تعثر» فيه والده عند مصرعه،
شخصيات المسرحية
أوريستيس
Orestes .
كوروس من الإماء.
إلكترا
Electra .
خادم.
كلوتايمنسترا
Clytaemnestra .
بولاديس
.
مربية.
أيجيسثوس
Aegisthus .
المنظر:
أرجوس.
الزمن:
عصر الأبطال.
التاريخ:
سنة 458ق.م. بمدينة ديونيسيا. *** (المنظر قبر أجاممنون. يدخل أوريستيس وبولاديس.)
أوريستيس :
أي هيرميس العالم السفلي. أنت يا من تحرس القوى التي لوالدك.
3
كن مخلصي وحليفي، أتوسل إليك الآن إذ أتيت إلى هذه الأرض وأنا
«ها أنا ذا أحضر» خصلة شعر ل «إناخوس»
Inachus ،
4
في مقابل تغذيتي، وها هي خصلة أخرى علامة على حزني.
هذا لأنني لم أكن موجودا يا أبي لأبكي على موتك، كما أنني لم أمد يدي إلى
ما هذا الذي أرى؟ هل لي أن أعزو هذا إلى ما حدث؟ أهو حزن جديد حل ببيتنا؟ أو هل أنا مصيب في حدسي بأنهن يحملن هذه القرابين تكريما لوالدي،
فلنقف مفترقين يا بولاديس، حتى أستطيع أن أعلم يقينا خبر جماعة النساء
(يخرج أوريستيس وبولاديس.) (تدخل إلكترا مع نسوة يحملن القرابين.)
الكوروس :
لما أرسلت من القصر، جئت أحمل القرابين بمصاحبة الضربات النازلة على يدي في
بينا أنا كذلك إذ بصوت مجلجل أوقف
5
وقام مفسرو الأحلام الشبيهو بهذا الحلم، ففسروا مشيئة السماء
ولكي تدرأ شر هذه البركة غير المباركة (وا أماه الأرض!) أرسلتني تلك
أواه، أيها البيت الواقع في الدمار! تلف البيت الآن ظلمة لا تنيرها الشمس
ليس بمكنة أي فرد أن يتخيل رهبة عظمتك، ولا أحد يستطيع مقاومتها،
وإذ شربت الأرض المغذية، كفايتها من الدم، بقيت الدماء المنتقمة متخثرة
لا علاج لمن يعتدي على مخدع العروس. فرغم سريان جميع المجاري في تيار
أما أنا، فبما أن الآلهة أحاطت مدينتي بمصير محتوم (إذ ساقوني بعد بيت أبي
وقد تجمد قلبي من الحزن الدفين، أبكي أفعال سيدي الخبيثة.
إلكترا :
أيتها العذراوات اللواتي تأمرن بعدل بهموم هذه الأسرة، بما أنكن حاضرات
6
أو هل أتقدم في سكون وعدم احترام، بنفس الطريقة التي هلك بها والدي،
هيا يا صديقاتي، وكن الزميلات الناصحات لي، إذ نشترك جميعا في العداوة التي
فإذا كانت لديكن وسيلة أفضل فتكلمن!
الكوروس :
احتراما لقبر والدك، كما لو كان مذبحا، سأنطق بما يساور أفكاري الداخلية،
إلكترا :
تكلمي كما لو كان عندك احترام لقبر والدي.
الكوروس :
تكلمي بألفاظ مليئة بالخير للقلوب المخلصة، وأنت تسكبين.
إلكترا :
وأذكر اسم من من بين هؤلاء القريبين مني؟
الكوروس :
اسمك أولا، ثم اسم كل من يمقت أيجيسثوس.
إلكترا :
إذن فهل أقول هذه الصلاة لنفسي، ثم لك أيضا؟
الكوروس :
الأمر هو موكول إليك. فاستخدمي حكمك. هيا قرري بنفسك.
إلكترا :
من غيرنا إذن لأضيفه إلى جماعتنا؟
الكوروس :
لا تنسي أوريستيس، رغم كونه لا يزال بعيدا عن وطنه.
إلكترا :
حسنا قلت! لقد نصحتني خير نصح.
الكوروس :
والآن من أجل القتلة المذنبين، بفكر منتبه ...
إلكترا :
بم أصلي؟ علميني، اذكري اذكري لي الصيغة.
الكوروس :
أن ينزل عليهما شخص ما، إله أو إنسان.
إلكترا :
أتقصدين أن ينزل حكما أو منتقما ؟
الكوروس :
قولي في عبارات بسيطة: «من يأخذ روحا نظير روح؟»
إلكترا :
وهل هذا شيء عادل يحق لي أن أطلبه من السماء؟
الكوروس :
عادل؟! وكيف لا يكون عادلا أن تجازي العدو شرا بشر؟!
إلكترا :
أيها الرسول الأعظم بين العالم العلوي والعالم السفلي، يا هيرميس العالم
أرجو بهذه التوسلات عن أنفسنا. أما من أجل أعدائنا، أن يظهر من يثأر لك
(تصب السكائب.)
هذه هي صلاتي، وأصب فوقها هذه السكائب. ومن واجبكن أن تتوجنها بزهور
الكوروس :
اذرفي دموعك منتحبة من أجل سيدنا الصريع. ولتصحب هذه الوقاية من الشر،
7
أصغ إلي، أصغ إلي، يا سيدي العظيم! بروحك التي يلفها الظلام.
8
الويل، الويل، الويل! يا لرجل قوي برمح ينقذ هذا البيت، رجل ماهر في فنون
Scythian ، ويستخدم سيفه ذا المقبض في اشتباك قريب! (بعد آخر عبارات الكوروس، تكتشف إلكترا خصلة
إلكترا :
ها قد تسلم والدي السكائب التي شربتها الأرض، ولكن ها هي أخبار
الكوروس :
تكلمي، ومع ذلك فإن قلبي يرقص خوفا.
إلكترا :
أرى خصلة شعر هنا، تقدمة قصت لأجل القبر.
الكوروس :
خصلة من يمكن أن تكون هذه، أهي لرجل ما أو لفتاة مشدودة
إلكترا :
هذا سهل التخمين، فبوسع أي فرد أن يخمن.
الكوروس :
وكيف إذن؟ فلتتعلم شيخوختي من شبابك.
إلكترا :
ما من أحد يمكن أن يقصها غير نفسي.
الكوروس :
نعم، إذ الأعداء هم الأولى بأن يقدموا مثل هذه التقدمة المحزنة من
إلكترا :
وزيادة على ذلك، فلو نظرنا إليها، فهي تشبه تماما ...
الكوروس :
خصلات شعر من؟ هذا ما أرجو معرفته.
إلكترا :
شعرنا نعم، تشبهه جدا، إذا ما نظرنا إليها.
الكوروس :
أيمكن أن يكون أوريستيس هو الذي قدمها هنا سرا؟
إلكترا :
تشبه هذه الخصلة خصلات شعره المتموجة، أكثر من أي شعر
الكوروس :
ولكن كيف تجاسر على المجيء إلى هنا؟
إلكترا :
لا بد أنه أرسل خصلته بعد أن قصها ليكرم بها والده.
الكوروس :
إن في ألفاظك لسببا أعظم للدموع، إذا لم يطأ بقدمه هذه الأرض بعد
إلكترا :
إن موجة من المرارة لتجتاح قلبي أيضا، وقد ضربت كما لو طعنت بسيف
أما من جهتي، فكيف لي أن أرضى بهذا الحق على الفور، فهل كانت تزين رأس ذلك
ويحي! آه لو كانت ذات صوت رقيق كأنها رسول يخبرني، حتى لا تتقاذفني الهواجس،
يبدو أن السماء التي تتوسل إليها تعرف أية تيارات تدفعنا كالرجال في البحر. ومع ذلك، فلو قدر لنا النجاة، فمن بذرة صغيرة قد تنمو مادة عاتية.
انظرن! ما هذا؟ هنا أثر - دليل ثان - أثر أقدام، كل منها مطابق للآخر،
(يدخل أوريستيس.)
أوريستيس :
أعلني إلى السماء استجابة طلباتك وصلواتك، وصلي لكي يحالفك النجاح في
إلكترا :
كيف هذا؟ من أين نلت النجاح بنعمة السماء؟!
أوريستيس :
لقد أبصرت من ظللت مدة طويلة تطلبين رؤيته.
إلكترا :
ومن من الرجال تعرف أنني كنت أطلب؟
أوريستيس :
أعرف أنك تحبين أوريستيس حبا جما.
إلكترا :
وأين إذن وجدت استجابة صلاتي؟
أوريستيس :
ها أنا ذا، لا تبحثي عن صديق أقرب مني.
إلكترا :
كلا، ومن المؤكد يا سيدي أنك تنصب لي شركا ما.
أوريستيس :
إذا كان الأمر كذلك، فأنا أحيك المكائد لنفسي.
إلكترا :
كلا، بل إنك تتوق إلى السخية من مصائبي.
أوريستيس :
لو سخرت من مصائبك حقا، فإنما أنا أسخر من مصائبي أيضا.
إلكترا :
إذن فهل أنا أخاطبك كما لو كنت أوريستيس حقا؟
أوريستيس :
كلا، فحتى إن رأيت في نفس شخصه، فأنت بطيئة المعرفة. ومع ذلك، فمنذ أن رأيت
إلكترا :
أواه، يا أعظم محبوب من بيت والدك، وأمل ذلك البيت في البذرة المنقذة،
9
السامي فوق الجميع، أن يعيروك مساعدتهم!
أوريستيس :
أي زوس، أي زوس، انظر إلى قضيتنا! انظر إلى ذرية يتمت لأب نسر هلك وسط
الكوروس :
أيها الطفلان، يا منقذا وطيس أبيكما، لا تتكلما بصوت عال هكذا، يا هذان
أوريستيس :
من المؤكد أن الوحي العظيم القوة، وحي لوكسياس
Loxias
لن يتخلى عني، إذ كلفني بالمضي في هذا الخطر إلى
10
بأن أقتلهما كما قتلا. وقرر أنني إن لم أفعل ذلك سددت
11
كما ذكر هجمات أخرى للأرواح المنتقمة، على أن تنحدر من دم الأب
12
حتى يغدو جسمه مشوها بفعل السياط النحاسية، ويطارد حتى ولو كان
13
غير مرئي، كما لا يستقبله أي إنسان أو يعيش معه. وأخيرا بعد أن
أيجب ألا أثق في أي وحي من هذا النوع؟ كلا، فحتى إذا كنت لا أثق فيه، فإن
الكوروس :
أيتها الأقدار الجبارة، امنحن عن طريق قوة زوس، إتمام السداد، حتى إذا ما
أوريستيس :
أي أبتاه يا والدي التعيس! بأية كلمة أو بأي فعل يمكنني الطيران إليك من
Atreidae
14
الذين كانوا يملكون هذا البيت من قبل، لأحد الطقوس
الكوروس :
يا بني، لا يرتاح ضمير الموتى بفك النار الجائعة ، ولكنه فيما بعد يتهم من
إلكترا :
إذن، فاسمع يا والدي إذ نبكي بدورنا بدموع غزيرة. إنهما طفلاك كلاهما،
الكوروس :
ومع ذلك، فإذا شاءت السماء حولت بكاءنا إلى أصوات ذات نغمة أكثر
15
أوريستيس :
آه يا والدي، لو كنت قتلت تحت أسوار إيليوم
Illium
مجروحا برمح لوكياني
Lycian ! إذن لتركت شهرة عظيمة لأولادك في أبهائهم،
الكوروس :
ولرحب بك زملاؤك الذين نالوا شرف القتل، بصفتك حاكما بالغ العظمة،
16
إذ كنت في حياتك ملكا عليهم، على أولئك الذين يحكمون بالموت،
17
ويمسكون العصا التي يطيعها الجميع.
إلكترا :
كلا، ما كنت أريدك أن تسقط يا أبي تحت أسوار طروادة، ويكون قبرك بجانب نهر
Scamander ،
18
وسط الأقوام الآخرين الذين ماتوا بالرمح، بل أفضل أن يقتل
الكوروس :
إن أمنيتك يا بنيتي لأفضل من الذهب، من هذه الوجهة؛ لأن هذا يفوق الثروة
19
أيضا، إذ من السهل التمني. ولكن الآن - بما أن صوت هذه الضربة المزدوجة
20
قد وصل إلى الوطن - فإن لقضيتنا أنصارها تحت الأرض، بينما أيدي
أوريستيس :
اخترق هذا الأرض، ووصل إلى أذنك
21
كما لو كان سهما. أي زوس، يا من ترسل من العالم السفلي، للأفعال
22
الكوروس :
عسى أن يكون من نصيبي أن أرفع عقيرتي بصرخة انتصار على ذلك الرجل عندما
إلكترا :
ومتى سينزل زوس الجبار يده عليهما - ويلي! - ويشق رأسيهما إربا؟ ليكن
الكوروس :
كلا، فإنها القاعدة الأبدية التي تجعل الدم المراق على الأرض يطلب دما
أوريستيس :
يا للحسرة! يا قوى العالم السفلي الملكية، إنكم ترون لعنات المقتولين
Atreus
23
في حالتهم العاجزة، ترونهم يطردون من بيت لبيت في عار وخزي. فإلى أي طريق نتجه يا زوس.
الكوروس :
إن قلبي ليخفق ثانية وأنا أسمع هذه الشكوى المحزنة. سرعان ما أخلو من
إلكترا :
عن أي شيء نتوسل بحق أكثر مما نتوسل من أجل المحنات التي قاسيناها، حتى
الكوروس :
ألطم صدري
24
بمرثاة
25
آرية
Arian
تبعا لعادة المرأة
Cissian
26
المنتحبة بضربات من قبضة اليد تنزل متلاحقة ثقيلة وسريعة، وكان
إلكترا :
ويحك، أيتها الأم القاسية البالغة الجرأة! لقد أتتك القوة على أن تدفني
أوريستيس :
ويلي، إن كلامك ليوحي بالاحتقار التام. وعلى ذلك، أفلا يمكن بمساعدة الرب،
الكوروس :
نعم، ومزق
27
بطريقة خبيثة، أود أن تعرف ذلك. وحتى عندما دفنته هكذا، وضعت
إلكترا :
إنها قتلت أبي، كما تذكرين، أما أنا فاحتقرت منذ ذلك الوقت، واعتبرت
الكوروس :
نعم، ولتغص عميقا في أذنيك، ولكن يجب أن تحافظي على هدوئك ورباطة
أوريستيس :
ها أنا ذا أناديك يا أبتاه، قف إلى جانب ابنك!
إلكترا :
وأنا التي أبكي بدموع سواجم، أضم صوتي إلى صوته.
الكوروس :
وكل جماعتنا تدمج صوتها في تلاوة الصلاة مدوية. استمع! هيا إلى الضوء! قف
أوريستيس :
إله الحرب سيواجه إله حرب، والحق سيواجه الحق.
إلكترا :
وأنتم أيها الآلهة، قرروا بحق حجة الحق!
الكوروس :
إن هذه لتسري في جسمي، وأنا أسمع هذه الصلوات. ظل القدر منتظرا مدة
آه، أيتها المتاعب المتأصلة في هذه الأسرة، ويا ضربة الدمار باعثة الشقاق
لدى هذا البيت علاج لتلك الويلات؛ علاج ليس من الخارج، من يد شخص آخر، بل
أيتها القوى السفلى المباركة، أعيروا توسلنا هذا أذنا صاغية، وبإرادة
أوريستيس :
أيا أبتاه، يا من هلكت بميتة غير ملكية، أجب طلبتي وامنحني السيادة على
إلكترا :
وأنا أيضا يا والدي، أطلب منك طلبا مماثلا؛ أن أهرب بعد أن ألحق
أوريستيس :
نعم، إذ عندئذ تمد ولائم الرجال الجنائزية المعتادة تكريما لك، وبغير ذلك
إلكترا :
وأنا كذلك، من كامل وصية ميراثي من بيت والدي أقدم لك سكيبة في ليلة زفافي،
الكوروس :
أيتها الأرض، أرسلي والدي ليراقب معركتي!
إلكترا :
أيا بيرسيفاسا
، امنحينا نصرا
أوريستيس :
تذكر الحمام الذي سرقت فيه روحك، يا أبتاه.
إلكترا :
وتذكر كيف نصبوا لك شبكة صيد غريبة.
أوريستيس :
قبض عليك يا والدي بأغلال لم تصنعها يد حداد.
إلكترا :
وبأغطية صممت بطريقة مخجلة.
أوريستيس :
أبتاه، ألا تقلقك مثل هذه الإهانات؟
إلكترا :
ألا ترفع رأسك العزيز عاليا؟
أوريستيس :
إما أن ترسل العدالة لتحارب من أجل الأعزاء على نفسك، أو تمنحنا أن نقبض عليهما
28
بطريقة مماثلة، إذا كنت ستنال النصر حقا بعد الهزيمة.
إلكترا :
أصغ يا أبتاه إلى آخر توسل لي. كما أنك ترى هذه الأفراخ قابعة عند
29
هذه؛ إذ عندئذ تكون غير ميت، رغم الموت. فإن الأولاد أصوات خلاص
الكوروس :
الحقيقة أنكما تقدمتما بشكواكما هذه بنفس راضية، مظهرين التكريم لهذا
أوريستيس :
وهو كذلك، ولكن ليس من الخطأ أن نسأل لأي غرض أرسلت هذه القرابين بعد أن
الكوروس :
أعرف يا بني؛ لأنني كنت هناك. فعلت ذلك لأنها رأت حلما اضطرب له قلبها
أوريستيس :
وهل علمت بمضمون الحلم فتخبريني به صحيحا؟
الكوروس :
رأت في حلمها أنها ولدت أفعى، هذه هي روايتها هي نفسها.
أوريستيس :
وأين تنتهي القصة؟ وما ملخصها؟
الكوروس :
أرقدتها لتستريح كما لو كانت طفلا ملفوفا بالأقمطة.
أوريستيس :
وأي طعام طلبت هذه المخلوقة الشريرة الحديثة الولادة؟
الكوروس :
قدمت لها ثديها بنفسها، في حلمها.
أوريستيس :
لا شك في أن حلمة ثديها لم تجرح بأسنان ذلك الحيوان المقيت.
الكوروس :
كلا، وقد امتصت مع اللبن دما متخثرا.
أوريستيس :
حقيقة، إن هذا الحلم ليس بغير معنى، فهذه الرؤيا معناها رجل!
الكوروس :
عندئذ أطلقت صرخة في نومها، وصحت مذعورة، وكم من مصباح أضيء في
أوريستيس :
كلا، إذن فأنا أتوسل إلى هذه الأرض، وإلى قبر والدي، أن يتمم الغرض من
الكوروس :
إني لأختار قراءتك لنذير الشؤم ذاك. وليكن كذلك! أما ما بقي بعد هذا،
أوريستيس :
إخبارهن بهذا سهل. يجب أن تدخل شقيقتي القصر، وإني لأكلفها بكتمان
سأذهب إلى الباب الخارجي، كامل التسليح، في زي رجل غريب، ومعي بولاديس
30
محاكين النطق باللغة الفوكية. فإذا لم يرحب بنا أحد من
أما إذا اجتزت العتبة الخارجية للباب ووجدت ذلك الرجل جالسا على عرش
والآن يا إلكترا، لاحظي جيدا ما يدور في البيت، كي تلتئم خطتانا معا
(يخاطب الكوروس)
فمن الخير أن تلزمن جانب الصمت. لا تتكلمن عندما لا تكون هناك حاجة
31
لأن يلقي نظرة هنا ويقود النزاع بالسيف في الطريق الصحيح. (يخرج أوريستيس وبولاديس وإلكترا.)
الكوروس :
كثيرة جدا هي المخاوف المفزعة والمهددة بالخطر، التي ربتها الأرض
32
معلقة عاليا في الهواء، وكائنات مجنحة، وكائنات تمشي، وتستطيع
ولكن من ذا يستطيع التكهن بروح الرجل البالغة الجرأة، وبالعواصف
لو كان هناك أي فرد خفيف العقل في فهمه فليعرف هذا، عندما يعلم بقصة
33
ثيستيوس
Thestius
العديمة
تقول إحدى الأساطير إن امرأة أخرى، هي موضوع يصلح للدعارة. إنها عذراء
34
دبرت هلاك شخص عزيز عليها بإيعاز من أعدائه؛ إذ أغرتها هدية
35
ولكن بما أنني استحضرت إلى الأذهان قصص الآثام المنطوية على عدم الرحمة،
الحقيقة أن قصة نساء ليمنوس
36
تحتل المكان الأول بين قصص الجرائم. وقد ظلت مدة طويلة تروى
غير أن الحسام المرير الحاد، اقترب من الثدي، وضرب ضربته في موضعها
37
لقد ثبت سندان العدالة بإحكام. تشكل ربة المصير أسلحتها، وتصنع سيفها
(يدخل أوريستيس وبولاديس مع خادم أمام القصر.)
أوريستيس :
يا بواب! يا بواب! اسمع طرقاتي على الباب الخارجي! من بالداخل، يا بواب، يا
الخادم :
نعم، نعم، أسمع. من أي أرض هذا الغريب، وإلى أين؟
أوريستيس :
أعلن قدومي لسادة هذا البيت؛ لأنني أحمل لهم أنباء. وأسرع لأن عربة الليل
(ينسحب الخادم. تظهر كلوتايمنسترا عند الباب مع خادمة.)
كلوتايمنسترا :
أيها الغرباء، ما عليكم إلا أن تعلنوا عن حاجتكم، فلدينا كل ما يناسب هذا
أوريستيس :
إنني غريب داولياني
Daulian
من الفوكيين. بينما كنت سائرا في طريقي أحمل أمتعتي لشأن من شئوني الخاصة إلى أرجوس -
38 - إذ قابلني رجل غريب علي، كما كنت غريبا عليه، وسألني عن
Strophius ، أحد الفوكيين (عرفت اسمه من خلال حديثنا)، وقال
كلوتايمنسترا :
الويل لي! إن روايتك هذه لتوحي بتحطيم آمالنا تماما. يا للعنة التي تغشى
39
أوريستيس :
أما عن نفسي، فإني متأكد، بوجودي مع مضيفين بهذا الثراء، أنني أفضل لو
كلوتايمنسترا :
كلا، وإنما يجب أن تطمئن وتتأكد من أنك لن تنال جائزة أقل مما يليق، ولن
(إلى خادم)
اصحبه إلى حجرات استقبال الضيوف من الرجال، هو وخدمه وزميله في السفر،
(ينسحب الجميع ما عدا الكوروس.)
الكوروس :
أيا خادمات هذا البيت المخلصات، كم من الوقت سيمر قبل أن نستخدم أية قوة في
أيتها الأرض المقدسة، والتل العالي المقدس المطل الآن على الحوض الملكي
(تدخل مربية أوريستيس.)
يبدو أن ضيفنا الغريب يفعل الشر الآن؛ لأنني أرى مربية أوريستيس تبكي
Calissa !
40
إلى أين تذهبين؟ كيف حدث أنك وطئت بقدمك باب القصر، حزينة على
المربية :
أمرتني سيدتي أن أنادي أيجيسثوس بغاية السرعة لأجل الغرباء، حتى يحضر ويعلم
فوظيفة الغسالة والمربية واحدة. كنت أنا التي تسلمت أوريستيس من يدي
الكوروس :
وبأية صورة أمرته أن يحضر؟
المربية :
بأية صورة؟! كرري هذه العبارة مرة ثانية كي أفهم المعنى بطريقة
الكوروس :
هل يحضر مع حرسه الخاص، أو بدون حرس؟
المربية :
مع حرسه الخاص.
الكوروس :
كلا، لا تبلغي هذه الرسالة لسيدنا البغيض، ولكن اطلبي منه أن يحضر وحده
41
المربية :
ماذا؟! وهل أنت مسرورة القلب من هذه الأخبار الحالية؟
الكوروس :
ولم لا، إذا كان زوس قد يغير اتجاه ريحنا الخبيثة؟
المربية :
كلا، وكيف يمكن أن يكون هذا؟ فقد ذهب أوريستيس؛ أمل هذا البيت.
الكوروس :
لم يذهب بعد. إنه لعراف غبي، ذلك الذي يفسر الأمر على هذا
المربية :
ماذا تقولين؟ هل تعرفين شيئا أكثر مما قيل!
الكوروس :
اذهبي وبلغي رسالتك! افعلي ما أمرت بفعله. تعنى الآلهة بمن تريد أن
المربية :
حسنا، سأذهب طوعا لأمرك، عسى أن يتحول كل شيء بنعمة الله إلى خير ما
الكوروس :
والآن، استمع إلى توسلي، يا زوس، يا أبا الآلهة الأوليمبية، اسمح بتوطيد
أيا زوس، انصر ذلك الذي بداخل القصر أمام أعدائه؛ لأنك إن أبهجته فسيسره
تذكر أن الأفراح المميتة لرجل عزيز عليك، مربوطة في عربة البلاء. وهل
42
وأنت يا من تقيم في البيت في الحجرة الداخلية المؤثثة في بذخ وأبهة،
وأنت يا من تسكن في المغارة
43
العظمى الجميلة البناء، اسمح بأن يرفع بيت هذا الرجل عينيه
عسى أن يمنح ابن مايا
Maia
44 - كما يجب عليه أن يفعل - مساعدته؛ إذ لا أحد يمكنه أن يقود
45
بيد أنه بكلامه الخفي يجلب الظلام على عيون الناس بالليل،
وأخيرا سننشد بصوت مرتفع أغنية خلاص هذا البيت، تلك الأغنية التي
ولكن عندما يأتي دور العمل، فاصرخ عاليا بشجاعة جيدة، قائلا اسم «أبتاه»،
ارفع روح بيرسيوي
46
في داخل صدرك، ومن أجل الأعزاء عليك تحت الأرض، ومن أجل من فوق،
47 (يدخل أيجيسثوس.)
أيجيسثوس :
لم آت من تلقاء نفسي، بل استدعاني رسول بناء على أخبار مذهلة، كما سمعت،
الكوروس :
سمعنا الحكاية، هذا صحيح، ولكن ادخل واستفهم من الغرباء. فليس تأكيد الرسول
أيجيسثوس :
أريد مقابلة الرسول، وأتحقق منه من جديد، هل حضر الموت بنفسه أو أنه
(يخرج.)
الكوروس :
أي زوس، أي زوس، ماذا بوسعي أن أقول؟ هل أبدأ بهذا صلاتي وتوسلي إلى
(تسمع صرخة من الداخل.)
أيجيسثوس (في الداخل) :
أواه! أواه! الويل لي!
الكوروس :
ها! ها! هكذا أقول. كيف الحال؟ كيف دبر الأمر لهذا البيت؟ هيا بنا نقف
(ينسحب الكوروس إلى أحد الجوانب، وعندئذ يندفع أحد خدم
الخادم :
الويل لي، الويل والوبال لي! قتل سيدي! الويل لي! ومع ذلك، فأنا أصرخ للمرة
(تدخل كلوتايمنسترا مسرعة، وحدها دون خدم.)
كلوتايمنسترا :
ما هذا؟ أية صرخة لطلب الغوث تطلقها في البيت؟
الخادم :
أقول إن الميت يقتل الحي.
48
كلوتايمنسترا :
ويلي! ها أنا ذا أدركت معنى اللغز. سنهلك بالخداع كما قتلنا. فليعطني
(يخرج الخادم. يفتح الباب فتظهر جثة أيجيسثوس، وأوريستيس واقف
أوريستيس :
إنك نفس الشخص الذي أبحث عنه. أما ذلك، فقد نال كفايته.
كلوتايمنسترا :
ويلي! أأنت ميت أيها الشجاع أيجيسثوس، يا محبوبي!
أوريستيس :
أتحبين ذلك الرجل؟ إذن فسترقدين معه في نفس القبر، ولن تفارقيه قط في
كلوتايمنسترا :
كف يدك، يا بني! أشفق يا ولدي على هذا الثدي الذي رضعت لبنه
أوريستيس :
ماذا أفعل يا بولاديس؟ هل أبقي على حياة أمي شفقة بها؟
بولاديس :
وماذا يكون إذن عن وحي لوكسياس الذي صدر في بوثو
، وعن عهدنا الذي أقسمنا عليه؟ لأن تعتبر جميع
أوريستيس :
أحكم بأنك المنتصر؛ فقد نصحتني بالصواب. (إلى كلوتايمنسترا)
هيا إلى هذا الجانب! أعني إلى جانبه لأقتلك. وبما أنك اعتبرته خيرا من والدي بينما كان حيا،
كلوتايمنسترا :
أنا التي غذيتك، وسأصير عجوزا لديك.
أوريستيس :
ماذا؟! أتقتلين والدي وتتخذي مسكنك معي؟
كلوتايمنسترا :
القدر هو المسئول عن هذا، يا ولدي.
أوريستيس :
إذن فالقدر هو الذي دبر موتك بنفس تلك الطريقة.
كلوتايمنسترا :
ألا تخشى لعنة الوالدين، يا ولدي؟
أوريستيس :
لقد ولدتني، ثم طردتني وألقيتني إلى البؤس.
كلوتايمنسترا :
من المؤكد أنني لم أطردك بإرسالي إياك إلى بيت حليف.
أوريستيس :
بعتني عبدا، رغم كوني ابن رجل حر المولد.
كلوتايمنسترا :
إذن فأين الثمن الذي تقاضيته عنك؟
أوريستيس :
يمنعني العار من أن أقرعك بما تستحقين.
كلوتايمنسترا :
كلا، إذن فلا تحجمن عن إعلان حماقات والدك.
أوريستيس :
لا تتهمي ذلك الذي كان يكد وأنت جالسة في البيت بدون عمل.
كلوتايمنسترا :
كان عملا قاسيا، يا بني، أن تتجرد النساء من زوج.
أوريستيس :
نعم، ولكن كد الزوج هو الذي يعولهن وهن جالسات في البيت.
كلوتايمنسترا :
يبدو أنك مصمم، يا بني، على أن تقتل أمك.
أوريستيس :
إنك أنت التي تقتلين نفسك، ولست أنا الذي أقتلك.
كلوتايمنسترا :
احترس، احذر كلاب اقتفاء الأثر برائحة الدم المنتقمة للأم.
أوريستيس :
ولكن الكلاب المنتقمة للأب، كيف أفلت منها لو تركت هذه المهمة بغير
كلوتايمنسترا :
بما أنني لا أزال على قيد الحياة، فأعتقد أنني أنوح عبثا أمام قبر.
49
أوريستيس :
نعم، فإن مصير أبي هو الذي يحدد حتفك هذا.
كلوتايمنسترا :
ويلي! هذه هي الأفعى التي ولدتها وأرضعتها!
أوريستيس :
نعم، وقد تنبأ حلمك المفزع بالصواب. إنك قتلت من كان يجب ألا
(يجبر أوريستيس أمه على الدخول، ويتبعهما بولاديس.)
الكوروس :
إني لأحزن، حتى من أجل هذين في مصرعهما المزدوج. ومع ذلك، فبما أن أوريستيس
وكما جاءت العدالة لبريام وابنه أخيرا في عقاب ساحق، كذلك جاء إلى بيت
50
بذل المنفي والمتضرع إلى إله بوثو، قصارى جهده في إنجاز
أطلقوا صيحات النصر لإفلات بيت سيدنا من محنته، ومن تبذير ثروته بأيدي
وقد جاء ذلك الذي دوره الانتقام بالخداع، بواسطة الهجوم خلسة. وفي أثناء
أطلقوا صيحة النصر لإفلات بيت سيدنا من محنته، ومن تبذير ثروته بأيدي
إن الأوامر التي أعلنها جهرا لاكسياس ساكن محراب مغارة برناسوس القوية، قد
51
ومن الصواب احترام سنة السماء.
انظروا، ها هو النور قد أقبل وتحررت من الحكم القاسي الذي شل حركة
سرعان ما سيمر «الوقت» المنجز لكل شيء، من أبواب البيت عندما يطرد كل
انظروا، ها هو النور قد أقبل، وتحررت من الحكم القاسي الذي شل حركة
(يرى أوريستيس ممسكا بغصن المتضرع وبإكليله، وواقفا بجانب
أوريستيس :
انظروا إلى هذين الشخصين الظالمين في هذا البلد، اللذين قتلا والدي، وبددا
وانظروا الآن ثانية، يا من تنصتون إلى هذه القضية المليئة بالكوارث،
أما تلك التي دبرت هذه الفعلة الشنعاء ضد زوجها، وجعلت أولادها الذين
أولدت أفعى بحرية أو حية رقطاء، أعتقد أن مجرد لمستها دون لدغتها، قد شلت
(يعود فيمسك الثوب المضرج بالدم.)
أي اسم أطلقه على هذا الثوب، وأنا أتحدث بلغة غير حلوة؟ هل أسميه
52
لف حول قدميه؟ كلا، بل الأحرى أن تسموه «شبكة» لصيد الحيوانات،
عسى ألا تقيم مثل هذه المرأة معي في بيتي! وإلا فليسمح الله قبل ذلك
الكوروس :
أواه، أواه ، يا للعمل الوبيل! تعيسة هي الميتة التي أنهت حياتك. يا للحسرة! يا للحسرة! والازدهار أيضا لمن خدم الآلام.
أوريستيس :
أفعلت تلك الفعلة أم لم تفعلها؟ كلا، إن شاهدي هو هذا الثوب الذي صبغه سيف
وأخيرا أتكلم الآن بالثناء عليه، وقد حضرت الآن أخيرا لأبكيه وأنا أخاطب
الكوروس :
لن يقضي مخلوق بشري حياته بغير خسارة وخالية من الآلام حتى نهايتها. يا
أوريستيس :
ولكن، بما أنه قد يواجهني، وأنتن تعرفن - لأنني لا أعرف كيف ستنتهي - فأنا
أما عن البواعث التي شجعتني على هذا العمل، فأهم من أقدمه هو لوكسياس،
والآن، انظروا كيف أتسلح بهذا الغصن وهذا الإكليل، وأذهب كمتضرع إلى
53
منفيا لفعلة قتل الأقارب هذه، كما أمرني لوكسياس بألا
الكوروس :
كلا، بل فعلت خيرا. لذا لا تسخر لسانك للنطق بكلام الشؤم، ولا تجعل
أوريستيس :
أواه، أواه! انظرن إليهما هناك، أيتها الوصيفات، كأنهما جورجونتان
54
ترتديان أثوابا من الشعر الأحمر المنسوج بالثعابين المكتظة! لا
الكوروس :
أية أوهام تلك التي تزعجك، يا أعز الأبناء على والدك؟ لا يسيطرن
أوريستيس :
ما من مخاوف متوهمة تساورني، بل الحقيقة أن هناك تقف الكلاب المقتفية
الكوروس :
إن الدم لا يزال يبلل يديك، وهذا هو السبب في الوساوس التي تبلبل
أوريستيس :
استمع إلي أيها السيد أبولو! إنهن يأتين الآن جماعات، ويقطر من عيونهن دم
الكوروس :
هناك طريقة واحدة لتطهيرك، إنها لمسة لوكسياس التي تخلصك من هذه
أوريستيس :
إنكن لا ترينهن، بل أنا الذي أراهن. إنني أطارد، لن أستطيع البقاء هنا
(يندفع خارجا.)
الكوروس :
إذن، فلتصحبك النعم، وليرعك الله برحمته ويحرسك بحظ
انظروا! للمرة الثالثة تهب عاصفة الأسرة على البيت الملكي، وتستمر في
Achaeans . والآن، يأتي مرة ثالثة مخلص، أو هل
مسرحية اليومينيديس أو الرحيمات1
ملخص المسرحية
اكتشفت كاهنة أبولو وجود أوريستيس المتضرع في المحراب الداخلي لإله دلفي، وأمامه
فاستيقظن من سباتهن بسبب تعييراتها ، وانتحين باللوم على أبولو إذ آوى رجلا
ينتقل المنظر إلى أثينا، حيث تتبعت المطاردات فريستهن، فأمسك أوريستيس بتمثال
تفتح المحاكمة بحضور أبولو كمحام عن المتضرع إليه، وكممثل لزوس الذي ينقل أوامره
يعترف المتهم بفعلته، ولكنه يقول في الدفاع عن نفسه إن كلوتايمنسترا إذ قتلت زوجها،
أعلنت أثينا أن المحكمة، وهي أول محكمة تنظر في قضايا قتل الإنسان، قد تأسست منها
Ares .
شخصيات المسرحية
الكاهنة
The Pythian Prophetess .
أبولو
Apollo .
أوريستيس
Orestes .
شبح
Shade of Clytaemnestra .
كوروس من الفوريات
Chorus of Furies (ربات الانتقام).
الربة أثينا
Athena .
حرس .
المنظر: (1) معبد أبولو في دلفي. (2) معبد الربة أثينا بمدينة أثينا.
الزمن:
عصر الأبطال.
التاريخ:
سنة 458ق.م. في عيد ديونيسيا المدينة. ***
الكاهنة :
أعطي أعظم مجد بين الآلهة في صلاتي هذه للعرافة الأولى «الأرض»، وبعدها ل
Themis ؛ لأنها كما يقال أخذت
ابنة
،
2
الذي أخذ اسمه من فويبي، فغادر بحيرة ديلوس
3
وتل ديلوس، ونزل على شواطئ بالاس، التي تؤمها السفن. ثم جاء إلى
4
هيفايستوس، الذين شقوا الطرق العظيمة وروضوا برية الأرض غير
Delphus
وملك تلك البلاد. وأوحى
5
تبجيلا في كلامي، كما أبجل الحوريات اللواتي يتخذن مساكنهن
6
ذات الكهوف، التي هي بهجة الطيور ومنتدى القوى الإلهية. احتل
Bromius
تلك المنطقة (ولا أنساه)
كما لو كان أرنبا
، وإلى قوة بوسايدون وزوس المدبر البالغ السمو، بعد
(تدخل المعبد، وبعد فترة قصيرة تعود مذعورة.)
يا للفظاعة! إنها فظائع عند روايتها، فظائع لعيني إذ تنظر إليها، أرجعتني
كنت في طريقي إلى المحراب الداخلي المتوج بالكثير من الأكاليل، فإذا بي
7
رجلا دنسا أمام السماء يحتل مكان المتضرعين، يداه تقطران
جلست أمام ذلك الرجل جماعة عجيبة من النساء نائمات على عروش. كلا! لسن
8
تخطف الأطعمة من فوق مائدة وليمة فينيوس
غير أن هذه عديمة الأجنحة وحمراوات الشعور، وبغيضات
أما عن النتيجة فليهتم بها سيد هذا البيت، لوكسياس نفسه القوي؛ لأنه
(تخرج.) (يظهر داخل المعبد، يدخل أبولو من المعبد الداخلي ويقف بجانب
أبولو :
كلا! لن أهجرك، فأنا حارسك إلى النهاية، أقف إلى جانبك، وحتى إذا وقفت
أوريستيس :
أيها السيد أبولو، لم تعرف أن تكون غير عادل، وبما أنك تعرف، فتعلم أيضا
أبولو :
تذكر ألا تدع الخوف يسيطر على روحك. واسهر على مراقبته، يا هيرميس، يا
9
أرشد المتضرع إلى هذا، وأنت في صورة راع - الحقيقة أن زوس
(يخرج أوبستيس برفقة هيرميس، فيظهر شبح كلوتايمنسترا.)
شبح كلوتايمنسترا :
أأنتن نائمات؟ ما شاء الله! وهل هناك
انظرن إلى هذه الجروح التي في قلبي، من أين أتت! يستطيع العقل النائم أن يرى
(يبدأ الكوروس يتحرك في قلق بينما يغمغم.)
غمغمن ما شئتن! ولكن الرجل انصرف. هرب بعيدا؛ لأن له أصدقاء ليسوا
(يستمر الكوروس في الغمغمة.)
إنكن مثقلات جدا بالنوم، ولا تأخذكن أية شفقة على محنتي. لقد انصرف من
(يبدأ الكوروس يئن.)
ما هذا الأنين، وما هذا النوم، ألا
(يستمر الكوروس في الأنين.)
لقد أفسد النعاس والتعب، هذان المتآمران المناسبان، قوة التنينات
الكوروس (في همهمة مضاعفة وشديدة) :
اقبضوا عليه! اقبضوا عليه! اقبضوا عليه! اقبضوا عليه! اعرفوه!
شبح كلوتايمنسترا :
إنكن تصدن فريستكن في حلم، وتزمجرن ككلب صيد لا يترك الأثر
(يختفي شبح كلوتايمنسترا. توقظ رئيسة الكوروس الفوريات
الكوروس :
استيقظي يا هذه! أيقظيها كما أيقظتك، ألا تزال نائمة؟ استيقظي. انفضي
10
أواه، أواه! يا للأسف لقد أصابنا الضرر، أيتها الصديقات!
حقا، أصابني الضرر في كل شيء ضاع بغير جدوى.
لقد أصابنا ظلم فادح، بكل أسف! إنه ضرر لا يطاق، إذا أفلت صيدنا من بين
يا للعار! أنت، يا ابن زوس، إنك قد تعودت السرقة.
وأنت لا تزال شابا، قد تخطيت الآلهة المسنة
بإظهارك الاحترام للمتضرع إليك، وهو شخص لا آلهة له، شخص قسى على والدته. فرغم كونك إلها، فقد سرقت ذلك الذي قتل أمه.
ماذا هنا يستطيع أي فرد أن يسميه عدلا؟
جاءني إله اللوم في حلم، وضربني، كما لو كان سائق عربة، بمنخس كان يقبض
إن من حقي القبض على ذلك القاسي، ذلك البالغ القسوة الذي تحدى العقاب
هكذا أعمال الآلهة الأصغر سنا، الذين يحكمون بعيدا عن جانب الصواب. عرش
إن من حقي أن أرى حجر مركز الأرض، وقد لوثه دم نجس فظيع، فرغم كونه
كما أنه جلب المحنة علي، ولكنه لن يستطيع تخليصه، فمهما طار إلى ما وراء
11 (يدخل أبولو قادما من المعبد الداخلي.)
أبولو :
انصرفن من هنا، إني لآمركن! اخرجن الآن من هذا البيت، اتركن معبدي
12
يطلق من وتر قوس مصنوع من الذهب، فتتقيأن الزبد الأسود
الكوروس :
أيها السيد أبولو، استمع بدورك إلى ردنا. إنك المحرض على هذه الفعلة،
أبولو :
ماذا تعنين؟ أوضحن كلامكن أكثر من هذا.
الكوروس :
أنك حرضت الغريب بنصيحتك على أن يقتل والدته.
أبولو :
بل حرضته بوصيتي على أن يأخذ بثأر أبيه. وماذا إذن؟
الكوروس :
بعد ذلك شغلت نفسك بإيواء قاتل متلبس بجريمة الدم.
أبولو :
وأمرته بأن يأتي إلى هذا البيت ليتطهر.
الكوروس :
ثم تؤنبنا حقيقة على أننا أسرعنا به ليأتي إلى هنا؟
أبولو :
نعم؛ لأنه ما كان يليق أن تأتين إلى بيتي هذا.
الكوروس :
ولكن عهد إلينا بهذه المهمة.
أبولو :
وما مهمتكن هذه؟ الزهو بامتيازكن الأمجد!
الكوروس :
إننا نطارد من يقتلون أمهاتهم، ونخرجهم من بيوتهم.
أبولو :
ولكن، ماذا عن الزوجة التي تقتل زوجها؟
الكوروس :
ليس هذا قتل شخص قريب من نفس الدم.
أبولو :
الحقيقة أنكن تعملن على تراكم الإهانة والاحتقار على عهود هيرا المتممة،
13
كذلك نبذت كوبريس
Cypris
14
مجللة بالعار بحجتكن هذه، ومنها أخذ قومها أقرب أفراحهم
الكوروس :
لن نترك هذا الرجل إطلاقا!
أبولو :
إذن، فطاردنه واجررن على نفوسكن متاعب جمة.
الكوروس :
لا تحاول اقتطاع بعض امتيازاتنا بكلامك هذا.
أبولو :
لن آخذ امتيازاتكن هذه هدية.
الكوروس :
كلا، هذا لأنك على أية حال معتبر عظيما بواسطة عرش زوس. أما أنا، فبما أن
(تخرجن.)
أبولو :
وسأنقذ المتوسل إلي وأنجيه! لأن غضب من يسعى إلى التطهير، مفزع في
(يدخل المعبد.) (يتغير المنظر إلى أثينا، أمام معبد الربة أثينا. يدخل هيرميس
أوريستيس :
أيتها الملكة أثينا، ها أنا ذا أتيت طاعة لأمر لوكسياس، فتكرمي بفضلك
(تدخل الفوريات متفرقات، مقتفيات أثر أوريستيس
الكوروس :
مرحى ! ها هنا أثر ذلك الرجل، وإنه لواضح! اقتفين أثر المرشد الصامت. فكما
انظرن! انظرن ثانية! ابحثن في كل بقعة لئلا يهرب قاتل أمه، ويتسلل
نعم، إنه هنا ثانية! في مخبأ، وذراعاه تطوقان تمثال الربة الخالدة،
15
ولكن قد لا يحدث هذا، فإن دم الأم المسفوك على الأرض، أكثر من أن يجدي فيه
كلا، لا بد أن تقاسي في نظير ذلك، أن أمتص كتل الدم الحمراء من أعضائك
سأضعف قوتك، وأنقلك حيا إلى العالم السفلي لتنال العقاب جزاء ألم
وسترى كل شخص غيرك من البشر يكون قد أثم إثم عدم احترام الإله أو
لأن إله الموت قوي في محاسبة البشر تحت الأرض، ويشرف على كل شيء بعقله
أوريستيس :
وإذ علمتني المحنة، فلدي معلومات عن كثير من قوانين التطهر، وأعرف
لذا، أتوسل الآن بتقوى، بشفتين نقيتين، إلى الربة أثينا، ملكة هذه
Triton ، ذلك
16
تساعد أولئك الذين تحبهم، أو تكون كقائد جريء يذرع السهل
،
17
ليتها تحضر - فإذا كانت ربة كما هي، فإنها تسمع من مسافة بعيدة
الكوروس :
كلا، كن على يقين من أنه لن ينقذك من الهلاك أي إله، لا أبولو ولا أثينا،
ماذا! ألا تكلف نفسك حتى مئونة الرد، بل تحتقر كلامي أيتها الضحية
هيا، الآن إلى الرقص أيضا إذ عزمنا على عرض أنشودتنا المحزنة، ونبين
يا ربة الليل الأم، أيتها الأم التي ولدتني لأكون عقابا للموتى
Leto
يريد أن
هذه أنشودتنا تنزل على فريستنا المكرسة لنا، زاخرة بالجنون، مفعمة بالخبل،
لأن هذه الوظيفة التي عهد بها إلينا المصير الدائم المعرفة، وهو يغزل خيط
هذه أنشودتنا تنزل على فريستنا المكرسة لنا، زاخرة بالجنون، مفعمة بالخبل،
عهد إلينا بهذه الوظيفة عند مولدنا، ولكن الخالدين لا يستطيعون وضع
لأنني جعلت همي كوارث البيوت، كلما دب النزاع في البيت، وصرع أحد الأفراد
انظروا، إننا نتلهف إلى أن ننتزع هذه المهمة من إله آخر، ونصدر قرارا
لأنني جعلت همي كوارث البيوت، كلما دب النزاع في البيت، وصرع أحد الأفراد
أما البشر ذوو الأفكار المتغطرسة، الذين يعتبرون أنفسهم قد بلغوا
لأنني موقنة أنني بوثبة قوية من أعلى سأوقع به قوة السقوط الثقيلة
ولكنه بينما يسقط، لا يعرف ذلك بسبب غباوته التي لا يحس بها. فيحلق
لأنني موقنة أنني بوثبة قوية من أعلى سأوقع به قوة السقوط الثقيلة
لأنه سيظل مقررا أننا نظل ماهرات في التدبير، مهتمات بفعل الشرور، مخيفات
من من البشر إذن لا يرهب ذلك، ولا يفزع منه، عندما يسمع من شفتي الحق
(تدخل أثينا ممسكة بالترس «الأيجوس».)
أثينا :
سمعت من بعيد صوتا يطلبني، سكاماندر. منذ مدة وأنا أمتلك الأرض التي
18
لذا أتيت مسرعة وقدمي غير المتعبة تحف في الهواء وأنا
19
بدل الأجنحة. عندما أتطلع إلى ذلك الجمع غير المألوف من زوار
الكوروس :
يا ابنة زوس، ستسمعين كل شيء باختصار. إننا بنات الليل المرهوبات،
أثينا :
عرفت الآن سلسلة نسبكن والأسماء التي أطلقت عليكن.
الكوروس :
وسرعان ما ستعلمين وظيفتنا أيضا.
أثينا :
سأفهمها إذا أخبرت بها في وضوح.
الكوروس :
نطرد قاتلي البشر من بيوتهم.
أثينا :
وأين هي منطقة نفوذ القاتل الهارب؟
الكوروس :
حيث يغيب الفرح ولا يعرف.
20
أثينا :
أحقا أنك تريدين مطاردته بكلامك، إلى مثل هذا الهروب؟
الكوروس :
نعم؛ لأنه اعتبر أن واجبه قتل أمه.
أثينا :
وهل ذلك بناء على ضغط آخر، أو لخوفه من غضب شخص ما؟
الكوروس :
أين يكون هناك حافز قوي يضطر الشخص إلى قتل أمه؟
أثينا :
هنا طرفان حاضران، ولم أسمع سوى نصف القضية.
الكوروس :
ولكنه لم يحلف اليمين، وليس على استعداد لأن يقسمها.
أثينا :
إنك على استعداد لأن تكوني عادلة بالاسم أكثر منك بالفعل.
الكوروس :
وكيف يكون ذلك؟ علميني لأنك لست ضعيفة في فنون الدهاء.
أثينا :
أقول إن الأيمان لا يجب أن تكسب الانتصار للظلم.
الكوروس :
حسنا، إذن فاسأليه، ثم أنطقي بحكمك العادل.
أثينا :
أتعهدن لي حقا بإصدار القرار في التهمة؟
الكوروس :
وكيف لا؟! تبجيلا لمولدك النبيل العظيم.
أثينا :
ماذا تقول أيها الغريب ردا على هذا؟ أخبرني أولا بدولتك، ونسبك،
Ixion .
21
أجبني بوضوح على كل ما سألتك عنه.
أوريستيس :
أيتها الملكة أثينا، سأزيل أولا تشاؤما عظيما يختفي في ثنايا حديثك
إنني أزيل هذا السبب الذي يقلقك. أما عن نسبي فستسمعين عنه؛ إنني
أثينا :
هذا الأمر جد جسيم. فإذا اعتقد أي إنسان أن بالإمكان إصدار حكم في هذا،
إذن، فهذا وضع هذه القضية؛ كلا الأمرين - أن نحتمل بقاءهن أو نطردهن -
(تخرج.)
الكوروس :
الآن نهاية كل الأشياء التي تنمو بالقوانين الجديدة. إذا كان لقضية قاتل
بما أنه لن يقترب منا - نحن الفوريات الثائرات الدائمات السهر على البشر
ولا يصرخن أي فرد منذ الآن عندما يصيبه ضرر، ولا يتضرعن بصوت عال
هناك أوقات يسود فيها الخوف، ويظل متوجا كحارس للقلب . وإنه لمن
لا تعجبنك حياة محكمة، ولا حياة تخضع لسلطان طاغية. يعطي الرب النصر
إنني أقول الحق في أوانه؛ لأن الغطرسة
قصارى القول في الموضوع كله، أقول لك: احترم مذبح العدالة، ولا تحتقره
من كان عادلا من تلقاء نفسه بغير رادع فلن يخفق في سعادته، ولن ينقطع
إنه ينادي من لا يسمعونه، ويناضل عبثا وسط المياه ذات الدومات ... تضحك
(تدخل أثينا في موكب وحاجب، وطائفة المحلفين المكونة من
أثينا :
أيها الحاجب، أعط الإشارة، وأبعد الجمهور، وليرسل البوق التورهيني
Tyrhene
22
المليء بنفس الإنسان، صوته المجلجل إلى القوم! فبينما تمتلئ قاعة
(يدخل أبولو.)
الكوروس :
أيها السيد أبولو، احكم في اختصاصك، قرر الدور الذي قمت به في
أبولو :
جئت لأكون شاهدا - لأن المتهم الواقف هناك متضرع بالطريقة الشرعية ومن
(إلى أثينا.)
أعدي القضية بنفسك وباشريها بحكمتك إلى أن يصدر القرار
أثينا (إلى الفوريات) :
الكلام لكن؛ إنني أعد القضية، فيتكلم المدعي أولا، ويخبرنا
الكوروس :
نحن كثيرات، بيد أن كلامنا سيكون موجزا. (لأوريستيس)
أجب على أسئلتنا سؤالا سؤالا. فأولا: هل قتلت
أوريستيس :
قتلتها. لا أنكر هذا.
الكوروس :
هذه لنا، من السقطات الثلاث.
23
أوريستيس :
تفخرين بهذا، مع أن عدوك لم يسقط بعد!
الكوروس :
ومع ذلك، فيجب أن توضح لنا الطريقة التي قتلت بها.
أوريستيس :
أرد على هذا بأنني طعنتها في رقبتها بسيف كان في يدي.
الكوروس :
من الذي حرضك، وبنصيحة من؟
أوريستيس :
بإيعاز هذا الإله المقدس، وهو شاهدي.
الكوروس :
هل لقنك العراف أن تقتل أمك؟
أوريستيس :
نعم، ولهذه الساعة لا ألوم حظي.
الكوروس :
ولكنك إذا وقعت في قبضة الحكم، قلت حكاية أخرى بأسرع ما يمكن.
أوريستيس :
لي ثقة طيبة. سيرسل أبي نجدة من قبره.
الكوروس :
إذن فأنت تثق بالموتى، يا قاتل أمك!
أوريستيس :
نعم، أثق بهم؛ لأنها ملطخة بتلوث مزدوج.
الكوروس :
وكيف ذلك، بالله عليك؟ فسر هذه للقضاة.
أوريستيس :
لأنها قتلت زوجها، وبذلك قتلت أبي.
الكوروس :
ولذا، رغم أنك حي، فهي مطلقة السراح بموتها.
24
أوريستيس :
ولكن لماذا لم تطارديها وهي حية إلى المنفى؟
الكوروس :
لأنها لم تكن ذات قرابة دموية بالرجل الذي قتلته.
أوريستيس :
وهل قرابتي بوالدتي دموية؟
الكوروس :
من غيرها، أيها الرجل الملوث بالدم، قد غذتك تحت منطقتها؟ ألا تعتبر
أوريستيس :
هل لك، يا أبولو، أن تدلي بشهادتك الآن؟ وأرجوك أن تفسر القانون فيما
أخبرني بهذا حتى أقوله للمحكمة.
أبولو :
سأوجه الكلام إليك أيتها المحكمة العليا التي خلقتها أثينا، بحسب ما
لاحظوا قوة حجة العدالة هذه، وإني لأكلفكم بأن تطيعوا مشيئة «الأب»؛ إذ
25
الكوروس :
هل أصدر زوس - حسب قولك - هذا الأمر بواسطة الوحي؛ أن يأمر أوريستيس الواقف
أبولو :
نعم؛ لأنهما لم يكونا متشابهين بحال ما، مقتل رجل سامي المولد تقلد
فعند عودته من الحرب التي شنها تبعا لمشيئة شعبه الذي يحبه، وأحرز له
26
رحبت به، ثم بينما كان يخطو من الحمام عند حافته بالضبط، وضعت
هكذا كانت طريقة قتله كما رويتها لكم، إنه بطل بالغ العظمة، وقائد
الكوروس :
إذن، تبعا لحجتك، يعتبر زوس موت الأب أكبر إجراما. ومع ذلك، فهو نفسه
Cronus ،
27
فكيف تناقض هذه الفعلة حجتك؟ أرجو (تستدير نحو القضاة)
أن تهتموا بهذه النقطة.
أبولو :
أيتها الوحوش الممقوتة والمحتقرة لدى الآلهة، بوسع زوس أن يفك القيود،
الكوروس :
لاحظ الآن مغزى مرافعتك لإطلاق سراحه! هل يسكن من أراق دم أمه على
وأية أخوة
28
تقبله في طقوسها المطهرة؟
أبولو :
سأهتم بهذا أنا أيضا، وألاحظ شرعية ردي. ليست الأم والدة من يسمى
29
المغروسة حديثا. ومن وضع هذه البذرة فهو الوالد، بينما هي
وسأقدم لك برهانا أكيدا على ما أقول: قد تكون هناك أبوة بغير أمومة. لدينا
أما من جهتي، يا بالاس، فكما هي الحال في كل شيء آخر أعرفه حق المعرفة،
أثينا :
هل لي أن أعتبر أن ما قيل يكفي، وهل لي أن أكلف هؤلاء القضاة الآن بأن
الكوروس :
أما من جهتنا، فقد أطلقنا كل صاعقة، ومع ذلك فسأبقى هنا لأسمع نتيجة
أثينا :
ولماذا لا تبقين؟ أما أنتما (لأبولو
فكيف أتصرف لمنع الرقابة على أيديكما؟
أبولو :
لقد سمعتم ما سمعتم. فبينما تلقون بأزلامكم يا أصدقائي، اجعلوا قلوبكم
أثينا :
اسمعوا أوامري الآن يا رجال أتيكا، يا من ستنطقون بالحكم في أول محاكمة
Aegeus
منذ الآن وإلى الأبد. وأما تل آريس
30
أقول فوق تل آريس هذا، ستقيم ربة «التبجيل» في مدائني هي
لا فوضى ولا طغيان، أنصح سكان مدائني بهذا، وأوصيهم باحترامه، وبألا
هكذا أقمت أخيرا، ناصحة لشعبي في الزمن المقبل، ولكن يجب أن تنهضوا
(ينهض القضاة من فوق مقاعدهم ويضعون أزلامهم واحدا واحدا في
الكوروس :
واسمعوا أيضا: أنصحكم بألا تجلبوا العار علينا، نحن اللواتي بمقدور
أبولو :
أما أنا، فآمركم بأن تخافوا كل وحي، لي وحي فحسب - لأن كل وحي صادر
الكوروس :
كلا، فإنك تحترم جرائم الدم بما يتعدى اختصاصك. إذن فكل وحي ستصدره لن
أبولو :
وهل كان الأب مخطئا في شيء عندما تقدم إليه إكسيون - أول سافك دم -
الكوروس :
يا لك من قوي الحجة! ولكني إذا عجزت عن كسب هذه القضية، زرت هذه البلاد
أبولو :
كلا، فليس لك شرف بين الآلهة، صغيرها وكبيرها على حد سواء. سأحظى
الكوروس :
هكذا أيضا كانت طريقة عملك في بيت فيريس
عندما أثرت الأقدار لجعل البشر خالين من الموت .
31
أبولو :
أليس من الصواب إذن أن نصادق مقدم النذور، قبل كل ما عداه، في وقت
الكوروس :
الحقيقة أنك أنت الذي خدعت بالخمر أولئك الربات العتيقات، وبذا أبطلت
أبولو :
ولكنك بمجرد أن تخسري قضيتك ستنفثين سمك أذى لأعدائك. (في تلك الأثناء ينتهي جمع الأصوات.)
الكوروس :
بما أنك أيها الشاب، سوف لا تعمل حسابا لسني، فسأنتظر هنا حتى أسمع
أثينا :
ما مهمتي الآن سوى إصدار الحكم النهائي، وسأضيف صوتي هذا إلى أوريستيس. بما
أسرعوا، أخرجوا الأزلام من الأوعية، أيها المحلفون الذين عهد إليكم
(تفرغ الأزلام من الأواني وتفرز.)
أوريستيس :
أي فويبوس أبولو! أواه، ما عسى أن يكون الحكم؟
الكوروس :
أيا ربة الليل، يا أمنا الداجية، أترين هذا؟
أوريستيس :
جاءت النهاية؛ فإما أن أحيا، أو أهلك شنقا.
الكوروس :
نعم، والخراب لنا، أو الاحتفاظ بكرامتنا منذ الآن.
أبولو :
أحضروا الأصوات بحق يا أصدقائي، لقد جمعت الأزلام، وبينما تقومون
(تقدم الأزلام لأثينا.)
أثينا :
هذا الرجل بريء الساحة من تهمة القتل، إذ تساوت الأصوات. (أبولو يختفي.)
أوريستيس :
أي بالاس، يا منقذة بيتي! حرمت وطن آبائي فأعطيتني وطنا هناك ثانية،
والآن سأنصرف إلى بيتي، أولا إلى أرضك هذه وقومك، إذ تعهدت بقسمي
32
أهلها. فإني أنا نفسي، عندما أكون في قبري، وشن قوم الحرب،
وهكذا أودعكم أنتم وشعبكم الذي يحرس مدينتكم. عسى ألا يصبح نضالكم مع
(يخرج.)
الكوروس :
يا للعار! أيها الآلهة الأصغر سنا، تخرقون القوانين القديمة، وتنتزعونهم
33
وإذ حرمت الشرف، أنا التعيسة في غضبي الشديد على هذه البلاد
أثينا :
اسمحن لي بألا أجعلكن تسمعن هذا الحكم في حزن؛ لأنه ليس هزيمة لكن؛
الكوروس :
يا للعار! أيها الآلهة الأصغر سنا، تخرقون القوانين القديمة، وتنتزعونهم من
أثينا :
لم تتجردن من الشرف، فرغم كونكن ربات، فلا تنزلن بأرض البشر
الكوروس :
من العار أن أعامل هكذا! أنا المشهورة بالحكمة القديمة، أسكن تحت الأرض،
أواه، يا أماه، يا ربة الليل، أعيري أذنك لصيحة عاطفتي! يعتبرني الآلهة
أثينا :
سأتحمل حالة غضبك هذه؛ إذ إنك أكبر مني سنا. ولا شك في أنك
ستكون مثل هذه النعم لك من أرضي، تختارين منها ما تريدين، تمنحين الخير
الكوروس :
يا للعار! أن أعامل هكذا، أنا المشهورة بالحكمة القديمة، أسكن تحت الأرض،
أواه، يا أماه، يا ربة الليل، أعيري أذنك لصيحة عاطفتي! يعتبرني الآلهة
أثينا :
كلا، لن أمل ذكر منحي لك، حتى لا تقولي إطلاقا إنك الربة الكبرى
Suasion
واعتبرتها مقدسة، تلك التي هي
الكوروس :
أيتها الملكة أثينا، أي نوع من المسكن تقولين إنه سيكون لي؟
أثينا :
مسكن خال من أي ألم أو مضايقة، وقد قبلته.
الكوروس :
تقولين إنني قبلته، وماذا ينتظرني من المجد؟
أثينا :
السلطة.
الكوروس :
وهل تضمنين لي مثل هذه السلطة؟
أثينا :
نعم؛ لأننا سنهب الازدهار لحظوظ مقدمي النذور لنا.
الكوروس :
وهل تتعهدين بذلك طيلة الزمن المستقبل؟
أثينا :
نعم، إذ لا حاجة بي إلى أن أقول شيئا لا أستطيع إنجازه .
الكوروس :
أعتقد أنك ستكسبينني بتعاويذك، فإن غضبي قد أخذ يفارقني.
أثينا :
إذن فأقيمي في هذه الأرض، تربحي أصدقاء آخرين.
الكوروس :
أية نعم تأمرينني بأن أهبها لهذه الأرض؟
أثينا :
نعم لا تأتي بنصر شريد. كما أطلب النعم من الأرض ومن مياه البحر ومن
(تشير إلى المتفرجين)
الذي لا يسببون أية أضرار محزنة.
لك مثل هذه المنح لتهبيها، أما أنا فلن أخزي هذه المدينة بين البشر، هذه
الكوروس :
سأقبل وطنا أسكن فيه مع بالاس، ولن أزور بسوء مدينة تعتبرها هي وزوس
أثينا :
أفعل هكذا بقدر عظيم من المحبة لساكني مدينتي هؤلاء، فأضع بينهم هنا آلهة
الكوروس :
عسى ألا تهب ريح ضارة تحطم الأشجار - هكذا أقرر نعمتي - وعسى ألا تمر
34
أثينا :
أتسمعون يا حارسي مدينتي ماذا سيجلبن لكم من البركات؟ عظيمة هي قوة
الكوروس :
كما أنني ألعن مصير البشر المميت والسابق لأوانه. فيا من بيدكم القوة
امنحنهن هذا، أيتها الأقدار المقدسات، يا أخواتنا من أم واحدة، أيتها
أثينا :
يسرني وعدهن بتأكيد هذه الخيرات لأراض بروح الود، كما أشكر سواسيون إذ
35
قد انتصر، وستنتصر منافستنا هذه في صنع الخير إلى الأبد.
الكوروس :
عسى الشغب الذي لا يكف عن فعل الشرور، ألا يرفع قط صوته عاليا داخل
36
وبدلا من هذا، عساهم يردون على الفرح بالفرح بروح الود
أثينا :
ألا يزمعون إذن أن يوجدوا طريقا للسان الرحيم؟ يمكنني أن أتكهن، من
الكوروس :
ازدهروا وسط الثروة التي يضمنها لكم القدر. ازدهروا تماما يا أهل المدينة،
أثينا :
وداعا أيضا، ولكن يجب أن أقود الطريق لشهر مساكنكن بضوء هؤلاء؛ رفقائكن. انصرفن
37
الآن بسرعة إلى تحت الأرض بهذه الذبائح المقدسة، وأوقفن كل
Granaus ،
38
يا من تقبضون على زمام هذه المدينة، افتحوا الطريق أمام هؤلاء
الكوروس :
وداعا ، وداعا، للمرة الثانية أكرر هذا لجميعكم يا من في هذه المدينة،
أثينا :
تروقني ألفاظ توسلكن. وسأرافقكن الآن في ضوء المشاعل المتألقة إلى
يرتدي هؤلاء ثياب الأعياد القرمزية، وليتحرك ضوء المشاعل إلى الأمام،
(كوروس موكب الحرس.)
اذهبن في طريقكن إلى مساكنكن، يا بنات الليل، يا بنات رغم شيخوختكن، يا
الزموا الصمت! ولتكن ألفاظكم رقيقة، أيها الساكنون في الأرض!
تحت كهوف الأرض الطبيعية المقسمة بالمجد السامي للعبادة والقرابين ...
الزموا الصمت! ولتكن ألفاظكم رقيقة، يا جميع القوم!
هيا إلى هنا، أيتها الربات الموقرات، أيتها المباركات والرحيمات بهذه
أطلقن صيحة فرح صدى لأغنيتنا!
نرجو أن يسود السلام في الزمن المستقبل بين مواطني مدينة بالاس وبين اللواتي
أطلقن صيحة فرح صدى لأغنيتنا! (يخرج الجميع.)
من أشهر أقوال أيسخولوس
أفضل الجهل على العلم في سبيل الشر.
من طبيعة البشر أن يركلوا الرجل الذي سقط.
لا نصدق الرجل بالقسم، بل نصدق القسم بالرجل.
الموت للبشر خلاص من الشقاء.
إنني أتحدث إلى من يعرفون، وأهمل من لا يعرفون.
النحيب علاج أكيد للآلام.
الطاعة أم النجاح وزوجة السلامة.
الفن أضعف من الضرورة بكثير.
الحظ إله، وأكثر من إله لدى البشر .
قوة الحاجة لا تقاوم.
إشاعات الناس عظيمة القوة في كل مكان.
أيها الموت أنت وحدك دواء جميع العلل.
إنه لا يرغب في أن يبدو أفضل الجميع، ولكنه يريد أن يكون كذلك.
فم الله لا ينطق بالكذب، ولو كان مبدع الكلام.
قل من سر بنجاح صديقه بلا حسد.
أمين سلامة
Bog aan la aqoon