Socdaalka Masraxa ee Masar
مسيرة المسرح في مصر ١٩٠٠–١٩٣٥ : فرق المسرح الغنائي
Noocyada
غلاف مخطوطة مسرحية «الرجاء بعد اليأس».
تدور أحداث مسرحية «الرجاء بعد اليأس » حول استعداد جيش أجاممنون بقيادة آشيل لفتح طروادة، وعندما يذهب أجاممنون إلى معبد الآلهة لاستشارتهم في فتح المدينة يخبره الكاهن كلكاس بأن الآلهة تريد دما ذكيا يراق لها كقربان لفتح طروادة، ومن ثم يحدد الكاهن هذا القربان بإيفجنيا ابنة أجاممنون. وأمام هذه النبوءة يقع أجاممنون في حيرة، كيف ينقذ ابنته من قدرها المحتوم؟ وكيف يبعدها عن حبيبها آشيل الذي وعده بالزواج منها؟ وقد أرسل بالفعل يحث ابنته على الحضور إلى موقع الجيش كي يزوجها منه؟ وكيف يبعدها عن أمها كليتمنستر التي تحبها وتدافع عنها؟ وبعاطفة الأبوة ينهي أجاممنون صراعه بأن أرسل رسالة إلى إيفجنيا وطلب منها عدم الحضور؛ لأن آشيل عدل عن الزواج منها بسبب حبه لأريفيليا الأسيرة.
ولكن القدر وقف بالمرصاد ضد رغبة أجاممنون؛ حيث إن إيفجنيا قد أتت بالفعل مع أمها قبل أن تصلها الرسالة، وتتقابل مع الأسيرة أريفيليا، وتفهم منها أن آشيل قد أسرها وأحضرها معه إلى موقع تجمع الجيش كي تقابل الكاهن ليطلعها على أصلها النبيل المجهول كما قيل لها، ولكن إيفجنيا تعلم بحبها إلى آشيل فتطردها، ومن ثم تحضر كليتمنستر وتخبر ابنتها بأمر الرسالة، فيقررا العودة والابتعاد عن المكان. وفي أثناء ذلك تقابل إيفجنيا آشيل، ومن خلال الحوار تفهم إيفجنيا أن آشيل لا علم له بأمر الرسالة، ويعدها بالبحث في الأمر.
وبعد عدة أحداث تعلم كليتمنستر وإيفجنيا وأريفيليا أمر النبوءة، ولا بد لإيفجنيا من الرضوخ لرغبة الآلهة، ولكن أجاممنون رغم حرصه على تنفيذ النبوءة إلا أن عاطفة الأبوة غلبته مرة أخرى، فاتفق مع زوجته أن تأخذ ابنته وتهرب بها دون أن يعلم أحد، ولكن أريفيليا أرادت أن تنشر فتنة بين جنود الجيش كي تنتقم ممن أسروها، ولكي تتخلص من إيفجنيا حتى تفوز بآشيل، فقامت بإبلاغ الجنود أمر النبوءة، وأن إيفجنيا تريد الهرب لينهزم الجيش ولا تفتح طروادة. وهنا هاج الجيش ضد أجاممنون وآشيل، ومنع إيفجنيا من الهرب، وطالب بتنفيذ النبوءة. وأمام هذا الأمر لم يجد أجاممنون بدا من تنفيذ النبوءة، وقبل ذهاب إيفجنيا إلى المعبد لتذبح جاء الكاهن بنبوءة أخرى تقول: إن الآلهة تريد بديلة عن إيفجنيا، وهي أريفيليا لأنها خائنة، هذا بالإضافة إلى أنها ابنة الإلهة هيلانة من الزنى. وهكذا عادت السعادة مرة أخرى إلى أسرة أجاممنون، وتنتهي المسرحية.
وقد كتب عباس حافظ سلسلة مقالات نقدية - عندما مثل جوق أبيض وحجازي هذه المسرحية - كانت بمثابة المرآة العاكسة لحقيقة هذا الجوق رغم قسوة عباراتها، ولنكتف هنا بذكر المقالة الأخيرة المنشورة في جريدة «المنبر» في 20 / 3 / 1916؛ لأنها تخص الشيخ سلامة حجازي، وفيها قال عباس حافظ تحت عنوان «الروح العامية في آداب المسرح المصري»:
نحن يحزننا أن نقول إن أهل المسرح الآن لا يعتمدون في إمساك أرزاقهم إلا على حنجرة رجل مريض يسند في حدود الشيخوخة، كان أخلق به أن يكون اليوم في عزلته، يرفه عن نفسه أثر الآلام والمتاعب التي عاناها في صناعته. وكان أحق أن يكون بعد هذه الحياة العملية المستطيلة يسكن الآن مبنى أنيقا بهيجا في بلد صامت هادئ، كما يفعل أهل الفنون عندما يرون الفن قد أصبح في غناء عنهم، وأنهم لا يستطيعون أن يتحملوا الجهد الذي تستلزمه فنونهم. ولكن الرجل يأبى ألا أن يحمل على نفسه، ويحبس روحه في جثته، ويغالب ضعفه وفتور قوته؛ لكي يظهر على المسرح أمام الجمهور الذي طالما احتشد له وصف وابتهج بصوته البديع الحنون؛ لأنه يريد أن يعيش؛ إذ كان لم يستطع أن يدخر شيئا من عمله لشيخوخته. ولكن ظهوره فوق المسرح على أعين الناس هو أكبر ضربة لهم، وهو إعلان مخيف على قسوة الناس وأنانيتهم وفساد قلوبهم، وهو دليل محزن على الحياة المتعبة المكدودة التي يلقاها صاحب الفن في هذا الوسط المادي الموحش، مهما اشتغل وكد ودأب. ونحن لا نزال نقول إن الرجل كان خليقا من الحكومة والأمة بشيء من الرثاء والعطف، وكان جديرا بأن ينال منهما معاشا سنويا يكفل له العيش في ظلال الراحة وكنف العزلة الهادئة، حتى يأخذ الفن على أيدي غيره في سبيل حياة مهذبة صالحة، وينطلق في دور الرقي والاكتمال. ونحن لشد ما ثار في فؤادانا الحزن وتملكتنا الموجدة عندما شاهدنا الرجل في رواية «أجاممنون» يأخذ دور آخيلا فاتح طروادة وشيطان القوة، والجندي المخوف الرهيب، فرأينا أكبر مريض يمثل أكبر قوي، وشهدنا كيف يقتل صاحب الفن نفسه لكي يظفر بشيء من النقود لمطالب العيش والطعام. وكنا نسمع إلى أغنياته ونشائده، فنتبين في تضاعيف جرسه صوتا محزونا باكيا، صوتا يخرج من قلب كله سخط على الناس وعتب وتقريع، فكأنه يصرخ في الوسط صائحا: أيها الناس، ابكوا لي واستعبروا، هذا أنا فارقت السرير وجئت أسليكم بالأشعار والألحان، ولكن ألا تنظرون إلي؟! أنا مريض يا سادة، وأريد أن أنام وأستريح، ولكنكم لا تزالون تريدونني لصوتي، وأنا لا أزال أريدكم لكرمكم، يا للقسوة! ويا للعذاب! إني أصبحت يا سادة شيخا متهدما خليقا بالعزلة والحياة الناعمة الهادئة، فما بالكم لا تفهمون ولا تشعرون؟ وكذلك يعيش هذا الرجل ويعيش معه أهل المسرح، وكذلك بفضل حنجرة واحدة تفتح بيوت، وتأكل أفواه، وتملأ بطون وأجواف. ولكنا مع تقديرنا لمتاعب الرجل ورثائنا لأمره، نقول إن حياة المسرح ستظل بذلك مريضة ضعيفة؛ لأنها تكون إذ ذاك وسيلة من وسائل استعطاف القلوب واستجداء الأكف واستبكاء العيون، ونحن لا نعلم أين يقع هذا الضرب من التمثيل، ولا نظن أن في مسارح الدنيا كلها مسرحا شبيها له وضريبا. ونحن لا ننكر أن الشيخ هو الذي أوجد المسرح وحده، ولكنا ننكر منه مع هذا عناده وإصراره على أن يبقى المسرح هكذا عاميا آخر الدهر، وأن يظل هكذا غنائيا حتى تخفت هذه الحنجرة، وإذا لم يبق له صوته، والجمهور لا يزال يصبو إليه ويخف لسماعه، فإنه أجدى عليه وعلى حياة المسرح أن يلتمس الرزق من قصائده وألحانه، ويستحث عصبة الكتاب والشعراء العموميين الذين كانوا يلتفون حوله على أن يضعوا له جملة من المنولوجات والقصائد الجديدة المبكية المشجية، ولا حاجة به إلى الظهور على المسرح؛ لأن المهذبين قد بدءوا يشمئزون من الروح العامية المتفشية في التمثيل، ويريدون أن يكون لأصحاب المذهب الجديدة الكفة العليا والنفوذ الأكبر.
وبدلا من أن ينسحب الشيخ سلامة من ساحة الفن ويقبع في داره - كما قال عباس حافظ - أو على أقل تقدير يستمر في عمله ضمن الجوق تحت وصاية جورج أبيض، وجدناه كالعنقاء يرفض الاستسلام للواقع المفروض عليه، ويصدر بيانا مطبوعا تم توزيعه، ونشرته الصحف في أول سبتمبر 1916، قال فيه تحت عنوان «بيان إلى الأمة المصرية»:
قضت ظروف بأن أنفصل عن حضرة شريكي الأستاذ جورج أبيض، وأن أعود إلى عالم التمثيل مستقلا بجوقي المؤلف من كبار الممثلين والممثلات، الذين قضوا الأعوام الطوال مجاهدين معي في خدمة التمثيل العربي، بعد أن انضم إليه طائفة من الأدباء الراقين، الذين قضوا السنين في تلقي العلم وخدمة الأدب، فأصبح الجوق بهؤلاء جميعا فرقة تمثيلية راقية قادرة على خدمة الأمة الكريمة من ناحية التمثيل، ولا يسعني هنا إلا أن أشكر لزميلي الأستاذ جورج أبيض ماضي عمله معي، سائلا الله أن يوفقه إلى ما فيه الخير والنجاح.
95
وهكذا انفصل الشيخ سلامة عن جورج أبيض، كما عادت إليه ممثلته الأولى ميليا ديان بعد أن اعتزلت التمثيل بعد مرضه، مما شجعه وساعده على تقديم آخر مواسمه المسرحية بصورة مشرفة، تليق باسم سلامة حجازي. وقد بدأه بعرض مسرحية «صلاح الدين الأيوبي» ببرنتانيا يوم 2 / 9 / 1916،
Bog aan la aqoon