عندما بدأت ماري جو العمل لدى دكتور ستريتر، كانت قد حصلت على شهادة التمريض منذ ثلاث سنوات، لكن لم تكن تملك أي مال إضافي؛ لأنها كانت ترد الأموال التي اقترضتها لتكمل تعليمها وتساعد أخواتها في استكمال تعليمهن. جاءت من بلدة صغيرة في مقاطعة هورون. كان والدها يعمل ضمن طاقم الصيانة في البلدة. كانت أمها قد ماتت مما كان يطلق عليه «مرض بالقلب»؛ شيء عرفت ماري جو لاحقا أنه مشكلة في القلب كان دكتور ستريتر يمكن أن يشخصها ويوصي بإجراء عملية لعلاجها.
بمجرد أن حصلت على مال كاف، بدأت ماري جو في الاهتمام بأسنانها. كانت تهتم بها؛ فلم تكن تضع أحمر شفاه قط، وكانت حريصة في طريقة ابتسامها. خلعت النابين العلويين وحشت الأسنان الأمامية. كانت لا تزال لا تحب مظهر أسنانها؛ لذا وضعت دعائم أسنان. كانت تخطط لتفتيح لون شعرها - الذي كان بنيا خالصا - وشراء بعض الملابس الجديدة، وربما الانتقال بعيدا، والحصول على وظيفة مختلفة بمجرد فك الدعائم. بحلول الوقت الذي تم فيه فك الدعائم، تغيرت حياتها دون أي من هذه الخطط.
حدثت بعض التغييرات الأخرى، بمرور الوقت؛ فمن فتاة تبدو عليها علامات الجدية، ممتلئة عند الوسط، ذات أسلوب لبق وصوت رقيق وصدر كبير؛ صارت امرأة نحيفة القوام أنيقة ذات شعر قصير ذي خصلات صفراء - أكثر جمالا الآن من النساء الأخريات في نفس عمرها اللائي كن أكثر جمالا بكثير منها عندما كن صغيرات جميعا - فضلا عن امتلاكها لطريقة محببة لكن حازمة في الحديث. يصعب تحديد أي فرق يمثل أيا من هذا بالنسبة لدكتور ستريتر. كان كثيرا ما يطلب منها ألا تصبح جذابة أكثر مما ينبغي وإلا فسيلمحها أحدهم ويخطفها منه. لم تكن تشعر بالراحة في حديث كهذا، وكانت تجد رسالة غير مشجعة فيه. توقف عن قول أشياء كهذه، وكانت مسرورة. فقط مؤخرا عاد مرة أخرى إلى قول ملاحظات كهذه، مشيرا إلى رحلتها إلى هايتي. لكنها تعتقد أنها تعرف بصورة أفضل الآن كيف تتعامل معه، وتغيظه، قائلة: لا يعرف المرء أبدا، أو تقول: تحدث أشياء أكثر غرابة من هذا.
كان يحبها حين كانت لا تزال ترتدي دعائم الأسنان. كانت تضعها في المرة الأولى التي ضاجعها فيها. أدارت رأسها جانبا، ظانة أن فما مليئا بالأشياء المعدنية ربما لن يكون شيئا سارا. أغلق عينيه، وكانت تتساءل عما إذا كان ذلك يرجع إلى هذا السبب. لاحقا، عرفت أنه كان دوما يغلق عينيه. لا يريد أن يتذكر نفسه في هذه الأوقات، وربما لا يريد أن يتذكرها، أيضا. كان تلذذه نهما ولكن منفردا. •••
يوجد على الجانب الآخر من ممر الطائرة إلى جانب ماري جو مقعدان خاليان، ثم عائلة شابة؛ أم وأب ورضيع وفتاة صغيرة تبلغ حوالي عامين. إيطاليان، أو يونانيان، أو إسبانيان، هكذا تظن ماري جو، ثم سرعان ما تكتشف من خلال حديثهما مع المضيفة أنهما يونانيان، لكنهما يعيشان حاليا في بيرث، أستراليا. كان صف المقاعد الذي يجلسون فيه - والذي كان تحت شاشة عرض الأفلام - المكان الوحيد على متن الطائرة الذي كان يوفر مكانا لأشيائهما وجميع أنشطتهما العائلية؛ حقائب عازلة، وأطباق طعام بلاستيكية، ووسائد أطفال، والسرير القابل للطي الذي يتحول إلى مقعد، وزجاجات لبن، وزجاجات عصير، ودمية باندا كبيرة من أجل إسكات الفتاة الصغيرة. الأبوان منشغلان بصورة مستمرة بالطفلين؛ يلبسانهما بيجامتين بلون فاتح، يطعمانهما، يهدهدانهما، ينشدان الأغاني لهما. نعم، يخبران المضيفة المعجبة بالطفلين أنهما متقاربان جدا في العمر، لا يفصل بينهما سوى أربعة عشر شهرا. الرضيع صبي. لديه مشكلة بسيطة في التسنين. تنتاب الفتاة نوبات غيرة من حين إلى آخر. كلا الطفلين يحبان الموز حبا جما. هي تحب الموز كاملا، وهو يحبه مهروسا. أخرج فوطة الطعام الخاصة به، يا عزيزي، من الحقيبة الزرقاء. المنشفة، أيضا، يسيل لعابه قليلا. لا، المنشفة ليست هنا، في الحقيبة البلاستيكية. هيا أسرع. ها هي. أسرع. حسنا.
تشعر ماري جو بالدهشة حيال المشاعر العدائية التي تشعر بها إزاء هذه العائلة المسالمة. لماذا يكدسان فمه بالطعام هكذا؟ تشعر كما لو كانت تريد أن تقول ذلك (إذ إنهما خلطا بعض الحبوب في طبق أزرق). يعتبر الطعام الصلب لا فائدة منه في هذا العمر؛ إذ يجعل الأبوين يزيحان المزيد من الطعام عند طرفي الفم. يا لها من جلبة لا داعي لها! يا له من تكديس للأمور وتباه ورضاء، فقط لأنهما نجحا في الإنجاب! أيضا، هما يعطلان المضيفة عندما يكون من المفترض أنها تقدم المشروبات للركاب.
يوجد في الصف خلفهما عائلة أخرى شابة، هندية. ترتدي الأم ساريا أحمر مطرزا بتطريزات ذهبية، ويرتدي الأب بذلة ضيقة كريمية اللون. أم نحيفة، صامتة، ترتدي مجوهرات ذهبية كثيرة؛ وأب بدين، يبدو كسولا، يستمع إلى قناة أغاني الروك في السماعات التي يضعها على أذنيه. يمكن أن يعرف المرء أن قناة الأغاني التي يستمع إليها قناة أغاني الروك من خلال حركة أصابعه على بنطاله الكريمي اللون المفرود على فخذيه الممتلئتين. يجلس بين هذين الأبوين فتاتان صغيرتان، ترتديان ملابس حمراء بالكامل، وأساور وأقراطا ذهبية، وحذاءين لامعين من الجلد، وأخ أصغر، ربما في عمر الفتاة اليونانية التي في الأمام، يرتدي بذلة، صورة مصغرة من بذلة أبيه؛ نفس الصديري، ولسان البنطال، والجيوب، وما إلى ذلك. تقدم المضيفة أقلام تلوين وكتب تلوين، لكن الفتاتين اللتين تتلألآن بالذهب الذي ترتديانه، تضحكان وتخبئان وجهيهما. تحضر لهما كوبين من أحد المشروبات الغازية بنكهة الزنجبيل. يهز الأخ الصغير رأسه عند رؤية هذا. ويتسلق إلى حجر أمه، فتخرج من الساري ثديا حلمته داكنة، جاهزا للإرضاع. يستقر هناك، يهدأ ويرضع وعيناه مفتوحتان، ينظر نظرة سعيدة ومسيطرة في آن واحد.
طريقة سير الأمور لا تناسب ماري جو على الإطلاق. ليست معتادة على الشعور بهذا النفور؛ تعرف أن هذا ليس معقولا. لا تشعر بشعور كهذا في المكتب على الإطلاق. مهما كانت الصعوبات التي تحدث في المكتب، أو مهما كانت تشعر بالتعب، تتعامل بسهولة مع أي نوع من السلوك الغريب أو الفظ، مع العادات البغيضة، الروائح الكريهة، الأسئلة غير المعقولة. ثمة شيء ليس على ما يرام بها. لم تنم. تشعر بوجود التهاب بسيط في حلقها وبثقل في رأسها. يوجد صوت طنين في رأسها. ربما هي في طريقها للإصابة بالحمى. لكن على الأرجح يعلن جسدها رفضه انتقاله سريعا أكثر مما ينبغي، مع ازدياد المسافة أكثر فأكثر، من مكان تعلقه وراحته المعتاد عليه. ذلك الصباح، استطاعت رؤية جانب من متنزه فيكتوريا عبر نافذتها، الثلج تحت مصابيح الإضاءة في الشارع والأشجار الخالية من الأوراق. الشقة والمكتب موجودان في منزل جميل من الطوب القديم الذي يملكه دكتور ستريتر، وهو واقع في صف من المنازل المشابهة المكرسة لأغراض مشابهة. نظرت ماري جو إلى الشوارع المغطاة بالثلج الذائب، ثلوج فبراير القذرة، والجدران الرمادية لهذه المنازل، ومبنى تجاري مرتفع، وأنواره الليلية المضاءة، حتى إنها تستطيع رؤية ما وراء المتنزه. لم ترغب في شيء أكثر من البقاء. كانت ترغب في عدم الذهاب في السيارة الأجرة، وفي تغيير بذلتها الجديدة المصنوعة من الجلد الصناعي لترتدي زي العمل، وفي أن تنزل إلى أسفل وتعد بعض القهوة وتسقي النباتات، وتستعد ليوم طويل آخر من المشكلات والروتين، الخوف والطمأنينة، والخوف من أن تحصر نفسها - لبعض الوقت - في الحديث عن الطقس الكئيب. تحب المكتب، غرفة الانتظار، الأنوار المضاءة في أوقات ما بعد الظهيرة شديدة البرودة الآخذة في الإظلام؛ تحب التحدي والرتابة. في نهاية اليوم، يصعد دكتور ستريتر في بعض الأحيان معها إلى أعلى؛ تعد العشاء، ويمكث جانبا من المساء. زوجته تخرج لعقد مقابلات، حضور محاضرات، الاشتراك في جلسات لقراءة الشعر؛ تخرج لتشرب وتعود إلى المنزل لتخلد إلى النوم مباشرة.
عندما تستدير المضيفة لتسألها عما تريد، تطلب ماري جو فودكا مارتيني. تختار فودكا دوما، آملة في ألا يمكن لأحد شم رائحتها. لأسباب واضحة؛ لا يحب دكتور ستريتر أن تفوح من النساء رائحة مشروبات كحولية.
ها قد أتى زوجان جديدان عبر الممر، غيرا مقعديهما، فيما يبدو، وهو ما تسبب في مشكلة مع عربة المشروبات. تأتي مضيفة أخرى تتجادل خلفهما. تحمل المضيفة والمرأة الجديدة حقائب تسوق، وحقيبة سفر، ومظلة. يسير الرجل أمامهما ولا يحمل أي شيء. يجلسان في المقعدين على الجانب الآخر من الممر مباشرة، إلى جانب الأسرة اليونانية. يحاولان دس متعلقاتهما تحت المقعد، لكنهما لا يفلحان.
Bog aan la aqoon