نبي يبحث عمن يكفر به.
لكي تكتمل حجته، يحتاج النبي لمن يكفر برسالته، تماما كما يحتاج لمن يؤمن به، وفي مرحلة ما قد يحتاج لمن يؤذيه بشدة بل لمن يقتله أيضا، حتى الأنبياء الكذبة يتشوقون لمطرقة العصاة الرحيمة، قال وهو يحملق في عيون الجند المسعورين، في تلك الجمعة التي انتظروها طويلا: أما أنا فما لي حاجة عند أحد، فلا يفيدني إيمان المؤمن بقدر ما يضرني كفر الكافر بي؛ لأن من يكفر بي إنما يكفر بنفسه، فأنا جميع الخلق، وليس الخالق شيئا آخر، أقصد أنا أنتم واحدا واحدا.
تهامس البعض، بمعنى أنهم لا يفهمون شيئا: حدثنا بلغة نعرفها، أو دعنا نقتلك بهدوء ونعود إلى وحداتنا، فأنت لست أكثر من دارفوري متبجح.
أضاف وفي فمه ابتسامة كبيرة، وبدا للجند أكثر غموضا وتناقضا: مشكلتي الأساسية هي المؤمنون بي، إنني أتوق لمن يكفر بي، هل أنتم الكافرون أم رسل الكافرين؟
كان رجلا عاديا - مثله مثل أي شخص في المكان - يشبه عشرات الأشخاص، يرتدي عراقيا كان فيما سبق لونه أبيض، هو الآن يميل إلى لون التربة الطينية الرملية، له أكمام قصيرة، ويرى من الخلف متموجا من كثرة الجلوس واللبس المتكرر، تحت العراقي يرتدي سروالا طويلا إلى ما دون الركبة، حيث يتحول إلى تموجات من التترون ما قبل الرسغين، ليس برأسه عمامة أو طاقية، ليست له نظارات شمسية، ولا ساعة يد، أصلع الرأس تماما كما لو أنه فرغ منه الحلاق للتو، لونه أسود، عيناه كبيرتان بيضاوان تنظران في عمق وبقوة، يمشي حافيا، وليس بقدميه تشققات. الشجعان الذين استطاعوا أن يبحلقوا فيهما أحسوا بطعم ملح البحر، وأكد أحد الجنود أنه أحس بحالة أشبه بالغرق. فيما بعد قال إبراهيم خضر: لو أن هنالك نبوة أو ألوهية تخص الرجل لكانت عيناه أكبر برهانا عليها؛ بالتالي كان كل من يلتقي به يؤمن به بدرجة ما؛ لأن الذين لا يستطيعون إمعان النظر في عينيه هم ليسوا بالضرورة من يجهله أكثر، ولكن هنالك أسرار أخرى فيه تشغلهم عن عينيه، ليست من مهامنا البحث عن أسراره، ولا حتى تأكيد نبوته أو الكفر بها، مهمتنا الحقيقية هي الإجابة عن الأسئلة التالية: أهو من العرب أم من الدارفوريين؟
هل نبوة هذا الشخص تخدم مهمة السلطة في دارفور؟ إلى أي مدى؟
هل نبوته ضد الحكومة المركزية في الخرطوم؟
هل ستخدم المتمردين والأهالي الناقمين علينا؟
أم أنها مجرد ادعاء نبوة والسلام؟! أي نوع من الشعوذة والدروشة الصوفية الهلامية التي لا تصب في غير بحر الذات الوهمي الكبير، على حسب تعبير القائد المتفلسف الشاب.
عندما تم اختيار إبراهيم خضر إبراهيم لهذه المهمة الصعبة، كان في خلد الذين اختاروه أنه يؤمن بالفكر الجمهوري، وفي رأيهم أن هذا الفكر يقوم على الحجة والجدل أكثر مما يقوم على الوقائع التاريخية والموروث الديني، ومدعو النبوة هم حاجة أكثر مما هم سلفيون، فما ضرنا أن نرسله له، يمارس هواياته في المحاجة ويخلص إلى حقيقته إن كانت هنالك حقيقة خلف مدع درويش ربما مخبول أو مريض نفسي؟
Bog aan la aqoon