أخذ الأب والبنت إلى سوق الديم، ولأنه كان قويا وبصحة جيدة وتجاوز مرض الجدري، تم عرضه في السوق مباشرة، ولو أنه كان حانقا ومتورم الوجه؛ لأنه دافع عن حريته بشراسة، ولكن كما يقولون: الكثرة غلبت الشجاعة. في السوق، قال للنخاس باللغة الوسيطة الشائعة في تلك الأنحاء: أنا مسلم مثلك.
أجابه النخاس ضاحكا: لكنك عب، والعب مكانه السوق.
ولم يزد، كانت لديه معرفة كاملة بما سيصير إليه أمره، سيباع من سوق إلى سوق، وإذا كان محظوظا، ينتهي به المطاف في أم درمان، هنالك العبيد أحسن حالا، أما إذا لاحقته لعنة ربه الجبلي، فإنه سوف يقع في يد فلاح أو تاجر جوال، أو سلطان يستخدمه جنديا يخوض به الحروب وقد يخصيه، وهي فعلة مؤلمة كثيرا تحدث عنها الناس، وكلما قبض رجل بواسطة النخاسة، تقوم أمه أو زوجته وأطفاله بأداء صلاة خاصة للرب طالبين منه، في حال أنه لا يستطيع أن يعيده إليهم، فليحمه من أن يخصى؛ لأن ذلك مؤلم جدا ويقطع النسل.
وفي اليوم الثالث بينما كان يطعم بنته التي تصرخ بشدة عندما تجوع فيضطر الحراس إلى توفير اللبن لها، إذ بثمانية من الشبان يلقى بهم في الزريبة، إنهم جماعته أنفسهم، الذين كان يتعبد معهم؛ أي خليته الإيمانية، فلقد تطير بهم سكان القرية بعد أن اختفى بخيت، وحاولوا قتلهم، فهربوا بدينهم إلى مغارة قصية عند جبل بعيد، فصادفهم النخاسة في صحبة البازنجر، ولأنهم غير مسلحين، وكانوا يكفرون بالتمائم الواقية من الطلق الناري، وهاربين، تمت السيطرة عليهم بكل سهولة، ربطوا في صف طويل. أتى بهم النخاس المحظوظ إلى الديم، فلقد كانوا فتية في صحة جيدة، أعمارهم جميعا تجارية، ويعرفون اللغة العربية الوسيطة، كل ذلك يجعل سعرهم مرتفعا وبيعهم سهلا. كانوا وهم يدفعون للأمام ويضربون بالسياط للمضي قدما، يصيحون بصوت واحد منغم وبحرقة: الله أكبر، الله أكبر ...
تم عرضهم أولا لممثل الحكومة؛ فهو المسئول الرئيسي عن الرق، الذي من حقه أن يشتري منه ما يشاء بالسعر الذي يضعه؛ لأن كل الرقيق يعتبرون في الأصل ملكا للحكومة؛ فهي تعطي تصاريح للصيد فقط وليس للملكية، فالملكية تحتاج إجراءات أخرى، وهذا المسئول بالذات يعرف عنه أنه يشتري الرقيق من أجل متعته الشخصية، وذلك عندما لا تكون الدولة في حاجة إلى جهايدية محاربين. يختار الرجل فتيات جميلات صغيرات، صبيان مردة. أما النساء فخلقن لذلك.
أما الرجال فإن أمام الرقيق الذي صادف شهوة رجل الحكومة أن يختار بين اثنين؛ إما أن يتم خصيه ومن ثم يصبح في حكم النساء، وبعد ذلك يرضخ للفعلة مكرها، أو يرضى طائعا أن يفعل به كما يفعل بالنساء. ويعرف عن الحكومي أيضا، أنه يفضل الحالة الأخيرة، حيث إن غاية متعته هي أن يقبض على ذكر المفعول به ويعضه في ظهره عندما يصل ذروة نشوته، فالخصي يحرم الحكومي المسكين تمام متعته المرجوة، كما أن المهدي قد أحل الرق ولكنه - رضوان الله عليه - حرم الخصي، فلا يمارسه الرجل إلا مضطرا ومخاطرا. اختار الحكومي لمتعته الشخصية المتجددة أحد المؤمنين، أحدثهم سنا، وبيع البقية بالجملة لوكيل مهرب مغربي شهير اسمه محمد البخيت، الذي برع في تهريب الرقيق إلى مصر، بعد أن حرم تصديره إليها الخليفة عبد الله التعايشي، خوفا من أن يجندهم الأتراك جيوشا لإعادة فتح السودان مرة أخرى، ينوي الوسيط توريدهم إلى أسواق استانبول مباشرة، ولربما أصبحوا فيما بعد بعض الجند العثمانيين الذين قتلوا في إحدى المعارك التي دحرت فيها السلطنة العثمانية المتهالكة في ذلك الوقت.
عبر مجرى النيل الأزرق الفتي، انتهى بهما المطاف إلى أم درمان، ثم عبر النيل العظيم إلى سوق النخاسة بشندي، اشتراهما إقطاعي، ودارت بهما دوائر الأيام والعبودية، إلى أن بلغت بخيتة الرابعة عشرة من عمرها، وأصبحت في طور ما يمكن أن يؤتى من النساء. اشتراها نخاس متجول، فودعت والدها وداعا مؤلما؛ لأنهما كانا يعلمان أنه نهائي وأبدي، أعادها النخاس إلى أم درمان حيث أخذ يستثمرها في سوق الدعارة مع أخريات، يستأجرها للناكحين الأغنياء بالساعة والليلة والأسبوع. أنجبت من آباء كثر بنتا سميت السرة، ثم من آباء آخرين ولدا سمي مستور، ثم من رجل واحد ثري اشتراها لمتعته الخاصة توأما سميا التوم والتومة، والتومة هي الجدة المباشرة لإبراهيم، اشتراها بدوي بكسلا ب 160 ريالا مجيديا، وهو أعلى سعر لرقيق بسوق أم درمان؛ لأن الخادم الشابة أو كما يسمونها «الفرخة الفاتية»، تعتبر استثمارا مربحا لسيدها، خاصة الجيل الثاني من الرقيق الذي كان نتاج علاقات بين الرقيق الأنثى والذكور العرب، حيث إنهم أخذوا من الآباء ألوانهم البنية والصفراء، والأجساد الأفريقية ذات البنية الجسمانية المتينة والقوام السامق، بل أحيانا يصعب أن يحدد ما إذا كان الشخص من الرقيق أو السادة وفقا للونه.
كان البدوي قاسي القلب، يجعلها تعمل اليوم كله في طحن الغلال بحجر الصوان، ويبيع الطحين للتجار، تطعم ضيوفه الكثر الذين لا يشبعون، ونساءه وأطفاله الآخرين، وبالليل يستأجرها لطلاب المتعة والهوى من الأثرياء.
في صباح باكر، سمعت سيدها المجروح - نتيجة لطلق ناري أصيب به لاشتراكه في معركة كرري - يتحدث مع بعض أصحابه الذين فقدوا أموالهم وثرواتهم بعد عودة الإنجليز لحكم السودان، وسقوط دولة المهدية، يتجمعون كل ليلة يتحسرون ويتباكون على أيام زمان، يتحدثون بحرقة عن طلب الإنجليز غير المعقول وغير الشرعي، بل والمستفز والغريب، الذي يطلب منهم إطلاق الرقيق الذين بين أيديهم أحرارا فورا. ومنذ إعلان هذا القرار، ويجرم ويحاكم بالسجن والغرامة كل من يمتلك أو يتاجر أو يحتفظ بأي شخص ذكرا كان أم أنثى، طفلا أو بالغا، كعبد، أو سرية، أو أي شكل آخر من أشكال الاسترقاق.
كادت أن تطير من الفرح، وتأكدت لها تماما صحة الإشاعات التي انطلقت قبل الحرب قائلة إن الإنجليز سوف يطلقون الناس أحرارا، وسوف يرجعون الناس إلى قبائلهم وأهليهم أينما كانوا.
Bog aan la aqoon