تقديره واغسلوا أرجلكم كما أضمروا العامل في قول الشاعر علفتها تبنا وماء باردا وقول متقلدا سيفا و رمحا واضطربوا في توجيه قراءة الجر فقال بعضهم أن الأرجل فيها معطوفة على الوجوه وإنما جرت لمجاورة المجرور أعني الرؤس نحو قولهم حجر ضب خراب وقال آخرون هي معطوفة على الرؤس والآية مقصورة على الوضوء الذي يمسح فيه الخفان وليس المراد بها بيان كيفية مطلق الوضوء ولم يرتض الزمخشري في الكشاف شيئا من هذين الوجهين بل طوى عنهما كشحا واخترع وجها آخر حاصله أن الأرجل معطوفة على الرؤس لا لتمسح بل لتغسل غسلا يسيرا شبيها بالمسح لئلا يقع إسراف في الماء بصبه عليها فهذا غاية ما قاله الماسحون والغاسلون في تطبيق كل من تينك القرائتين على ما يوافق مرادهم ويطابق اعتقادهم وأما الجامعون بين الغسل والمسح فهم يوافقون الإمامية في استفادة المسح من الآية على كل من القرائتين كما مر تقريره و أما المخيرون بين الأمرين فرئيسهم أعني الحسن البصري لم يقرء بنصب الأرجل ولا بجرها وإنما قرأها بالرفع على تقدير وأرجلكم مغسولة أو ممسوحة وباقيهم وافقوا الإمامية على ما استفادوه من الآية فهذه أقوال علماء الأمة بأسرهم في هذه الآية الكريمة وآرائهم عن آخرهم في هذه المعركة العظيمة اللهم اهدنا لما اختلف فيه بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم درس تمسك أصحابنا في وجوب المسح بما ثبت بالنقل المتواتر عن أئمة أهل البيت عليهم السلام أنهم كانوا يمسحون أرجلهم في الوضوء ويأمرون شيعتهم بذلك وينقلونه عن جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وأبيهم أمير المؤمنين عليه السلام وينهون عن الغسل ويبالغون في إنكاره وقد سئل أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام عن مسح الرجلين في الوضوء فقال هو الذي نزل به جبرئيل عليه السلام وروينا عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال يأتي على الرجل ستون وسبعون سنة ما قبل الله منه صلاة قيل له وكيف ذلك قال لأنه يغسل ما أمر الله بمسحه وأمثال ذلك عنهم عليهم السلام أكثر من أن يحصى ومن وفقه الله لسلوك جادة الإنصاف ومجانبة جانب الاعتساف لا يعتريه ريب ولا يخالجه شك في أن الآية الكريمة ظاهرة في المسح شديدة البعد عن إفادة الغسل وأن ما تمحله الغاسلون في توجيه قراءة النصب في عطف الأرجل والواقعة في ذيل الحكم بالمسح على الوجوه المندرجة في حكم الغسل لإفادة كونها مغسولة يوجب خروج الكلام عن حلية الانتظام لصيرورته بذلك من قبيل قول القائل ضربت زيدا وعمرا وأكرمت خالدا وبكرا بجعل بكر معطوفا على زيد لقصد الإعلام بأنه مضروب لا مكرم ولا يخفى أن مثل هذا الكلام في غاية الاستهجان عند أهل اللسان تنفر عنه طباعهم وتشمئز منه أسماعهم فكيف يحتج إليه أو تحمل الآية الكريمة عليه وأما ما تكلفوه لتتميم مرامهم وترويج كلامهم في ثاني وجهي توجيه تلك القراءة من اضمار فعل ناصب للأرجل سوى الفعلين المذكورين في الآية تقديره واغسلوا أرجلكم فلا يخفى ما فيه فإن التقدير خلاف الأصل وإنما يحسن ارتكابه عند عدم المندوحة عنه وانسداد الطريق إلا إليه وقد عرفت أن العطف على المحل طريق واضح لا يضل سالكه ولا تظلم مسالكه وأما التقدير في الشاهدين اللذين استشهدوا بهما فلا مناص عن ارتكابه فيهما ليصح الكلام بحسب اللغة إذ لا يقال علفت الدابة ماء ولا فلان متقلدا رمحا وإنما يقال سقيتها ماء ومعتقل رمحا وما نحن فيه ليس من ذلك القبيل والله الهادي إلى سواء السبيل و
Bogga 287