189

Caanka Culimada Muslimiinta

مشاهير أعلام المسلمين

EDITOR|

ENDNOTES

مواقف من حياته

قيل إن المكتفي أراد أن يحبس وقفا تجتمع عليه أقاويل العلماء فأحضر له ابن جرير فأملى عليهم كتابا لذلك فأخرجت له جائزة فامتنع من قبولها فقيل له لا بد من قضاء حاجة قال اسأل أمير المؤمنين أن يمنع السؤال يوم الجمعة ففعل ذلك وكذا التمس منه الوزير أن يعمل له كتابا في الفقه فألف له كتاب الخفيف فوجه إليه بألف دينار فردها.

******

وروي عن محمد بن أحمد الصحاف السجستاني سمعت أبا العباس البكري يقول جمعت الرحلة بين ابن جرير وابن خزيمة ومحمد بن نصر المروزي ومحمد بن هارون الروياني بمصر فأرملوا ولم يبق عندهم ما يقوتهم وأضر بهم الجوع فاجتمعوا ليلة في منزل كانوا يأوون إليه فاتفق رأيهم على أن يستهموا ويضربوا القرعة فمن خرجت عليه القرعة سأل لأصحابه الطعام فخرجت القرعة على ابن خزيمة فقال لأصحابه أمهلوني حتى أصلي صلاة الخيرة قال فاندفع في الصلاة فإذا هم بالشموع ورجل من قبل والي مصر يدق الباب ففتحوا فقال أيكم محمد بن نصر فقيل هو ذا فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه ثم قال وأيكم محمد ابن جرير فأعطاه خمسين دينارا وكذلك للروياني وابن خزيمة ثم قال إن الأمير كان قائلا بالأمس فرأى في المنام أن المحامد جياع قد طووا كشحهم فأنفذ إليكم هذه الصرر وأقسم عليكم إذا نفذت فابعثوا إلي أحدكم.

***

وقال أبو محمد الفرغاني في ذيل تاريخه على تاريخ الطبري قال حدثني أبو علي هارون بن عبد العزيز أن أبا جعفر لما دخل بغداد وكانت معه بضاعة يتقوت منها فسرقت فأفضى به الحال إلى بيع ثيابه وكمي قميصه فقال له بعض أصدقائه تنشط لتأديب بعض ولد الوزير أبي الحسن عبيد الله بن يحيى بن خاقان قال نعم فمضى الرجل فأحكم له أمره وعاد فأوصله إلى الوزير بعد أن أعاره ما يلبسه فقربه الوزير ورفع مجلسه وأجرى عليه عشرة دنانير في الشهر فاشترط عليه أوقات طلبه للعلم والصلوات والراحة وسأل استلافه رزق شهر ففعل وأدخل في حجرة التأديب وخرج إليه الصبي وهو أبو يحيى فلما كتبه أخذ الخادم اللوح ودخلوا مستبشرين فلم تبق جارية إلا أهدت إليه صينية فيها دراهم ودنانير فرد الجميع وقال قد شرطت على شيء فلا آخذ سواه فدرى الوزير ذلك فأدخله إليه وسأله فقال هؤلاء عبيد وهم لا يملكون فعظم ذلك في نفسه.

***

وكان ربما أهدى إليه بعض أصدقائه الشيء فيقبله ويكافئه أضعافا لعظم مروءته. وكان ممن لا تأخذه في الله لومة لائم مع عظيم ما يلحقه من الأذى والشناعات من جاهل وحاسد وملحد فأما أهل الدين والعلم فغير منكرين علمه وزهده في الدنيا ورفضه لها وقناعته رحمه الله بما كان يرد عليه من حصة من ضيعة خلفها له أبوه بطبرستان يسيرة، وكان ينشد لنفسه:

إذا أعسرت لم يعلم رفيقي وأستغني فيستغني صديقي

حيائي حافظ لي ماء وجهي ورفقي في مطالبتي رفيقي

ولو أني سمحت بماء وجهي لكنت إلى العلى سهل الطريق

وله خلقان لا أرضى فعالهما بطر الغنى ومذلة الفقر

فإذا غنيت فلا تكن بطرا وإذا افتقرت فته على الدهر

***

قال أبو القاسم بن عقيل الوراق: إن أبا جعفر الطبري قال لأصحابه هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا قالوا كم قدره فذكر نحو ثلاثين ألف ورقة فقالوا هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه فقال إنا لله ماتت الهمم فاختصر ذلك في نحو ثلاثة آلاف ورقة ولما أن أراد أن يملي التفسير قال لهم نحوا من ذلك ثم أملاه على نحو من قدر التاريخ.

***

وكان الطبري لا يقبل المناصب خوفا أن تشغله عن العلم من ناحية ولأن من عادة العلماء البعد عن السلطان من ناحية أخري، فقد روى المراغي قال لما تقلد الخاقاني الوزارة وجه إلى أبي جعفر الطبري بمال كثير فامتنع من قبوله فعرض عليه القضاء فامتنع فعرض عليه المظالم فأبى فعاتبه أصحابه وقالوا لك في هذا ثواب وتحيي سنة قد درست وطمعوا في قبوله المظالم فذهبوا إليه ليركب معهم لقبول ذلك فانتهرهم وقال قد كنت أظن أني لو رغبت في ذلك لنهيتموني عنه قال فانصرفنا خجلين.

وفاته

قال أبو محمد الفرغاني حدثني أبو بكر الدينوري قال لما كان وقت صلاة الظهر من يوم الاثنين الذي توفي في آخره ابن جرير طلب ماء ليجدد وضوءه فقيل له تؤخر الظهر تجمع بينها وبين العصر فأبى وصلى الظهر مفردة والعصر في وقتها أتم صلاة وأحسنها، وحضر وقت موته جماعة منهم أبو بكر بن كامل فقيل له قبل خروج روحه يا أبا جعفر أنت الحجة فيما بيننا وبين الله فيما ندين به فهل من شيء توصينا به من أمر ديننا وبينة لنا نرجو بها السلامة في معادنا فقال الذي أدين الله به وأوصيكم هو ما ثبت في كتبي فاعملوا به وعليه وكلاما هذا معناه وأكثر من التشهد وذكر الله عز وجل ومسح يده على وجهه وغمض بصره بيده وبسطها وقد فارقت روحه الدنيا.

قال أحمد بن كامل توفي ابن جرير عشية الأحد ليومين بقيا من شوال سنة عشر وثلاث مئة ودفن في داره برحبة يعقوب يعني ببغداد قال ولم يغير شيبة وكان السواد فيه كثيرا وكان أسمر أقرب إلى الأدمة (السواد) أعين نحيف الجسم طويلا فصيحا وشيعه من لا يحصيهم إلا الله تعالى.

رثاء الطبري

روي عن أبي الحسن هبة الله بن الحسن الأديب لابن دريد يرثي الطبري في قصيدة طويلة جاء فيها:

لن تستطيع لأمر الله تعقيبا***** فاستنجد الصبر أو فاستشعر الحوبا

وافزع إلى كنف التسليم وارض بما***** قضى المهيمن مكروها ومحبوبا

إن الرزية لا وفر تزعزعه*****أيدي الحوادث تشتيتا وتشذيبا

ولا تفرق ألاف يفوت بهم*****بين يغادر حبل الوصل مقضوبا

لكن فقدان من أضحى بمصرعه***** نور الهدى وبهاء العلم مسلوبا

إن المنية لم تتلف به رجلا*****بل أتلفت علما للدين منصوبا

أهدى الردى للثرى إذ نال مهجته*****نجما على من يعادي الحق مصبوبا

كان الزمان به تصفو مشاربه*****فالآن أصبح بالتكدير مقطوبا

كلا وأيامه الغر التي جعلت*****للعلم نورا وللتقوى محاريبا

لا ينسري الدهر عن شبه له أبدا*****ما استوقف الحج بالأنصاب أركوبا

إذا انتضى الرأي في إيضاح مشكلة*****أعاد منهجها المطموس ملحوبا

لا يولج اللغو والعوراء مسمعه*****ولا يقارف ما يغشيه تأنيبا

تجلو مواعظه رين القلوب كما*****يجلو ضياء سنا الصبح الغياهيبا

لا يأمن العجز والتقصير مادحه*****ولا يخاف على الإطناب تكذيبا

ودت بقاع بلاد الله لو جعلت*****قبرا له لحباها جسمه طيبا

كانت حياتك للدنيا وساكنها***** نورا فأصبح عنها النور محجوبا

لو تعلم الأرض من وارت لقد***** خشعت أقطارها لك إجلالا وترحيبا

إن يندبوك فقد ثلت عروشهم*****وأصبح العلم مرثيا ومندوبا

ومن أعاجيب ما جاء الزمان به*****وقد يب ،ين لنا الدهر الأعاجيبا

أن قد طوتك غموض الأرض في لحف*****وكنت تملأ منها السهل واللوبا

وقال أبو سعيد بن الأعرابي:

حدث مفظع وخطب جليل*****دق عن مثله اصطبار الصبور

قام ناعي العلوم أجمع لما*****قام ناعي محمد بن جرير

Bogga 38