مشاهير أعلام المسلمين
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
(( حقوق الطبع متاحة للهيئات العلمية والخيرية ))
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فهذه باقة من تراجم مشاهير علماء المسلمين عبر التاريخ ،لم أقصد بها الاستيعاب ، ولا الحصر ، وإنما انتقيت بعضا منها ، وما تركته كثير ، وهي تراجم ليست بالطويلة ، وتركز على العظة والعبرة من حياة المترجم له .
وهي مشفوعة بمصادرها معها ،وفيها العالم والفقيه والزاهد والواعظ والمحدث والمفسر والمؤرخ والطبيب والداعية ، والمرشد والمجاهد....
جمعتها من هنا وهناك لي ، ولكن رأيت من باب الفائدة وضعها على النت ، ولا سيما أنها ليست موجودة في موقع واحد ، بل في مواقع عديدة متفرقة .
وتركتها كما هي عليه ، وإن قدر لنا العودة إليها فسنزيدها بحثا وتوثيقا بعون الله تعالى .
قال الفرزدق يهجي جريرا :
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع
فما نحن سوى ثمرة من ثمارهم اليانعة ، دخلنا بستانهم ، فقطفنا بعض الورود والرياحين ،علنا نستنشق من عبيرها فيزداد إيماننا ويقيننا وقربنا منهم .
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أرتجي منهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة
هذا وقد قمت بفهرستها وتنسيقها ، ووضعها في الشاملة 3 كذلك مع فهرستها
راجيا من المولى عز وجل أن ينفع به كاتبها وناشرها والدال عليها في الدارين .
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
24 شعبان 1429 ه الموافق ل 26/8/2008 م
- - - - - - - - - - - - - - - - -
سعيد بن المسيب
الإسلام عزيز بك وبأمثالك أيها الرجل..إنك كالجبل الراسخ، وقفت في وجه الطغاة..علمتنا أن الحق الأعزل قادر على أن يقف في وجه الباطل المدجج
بالسلاح، وأن المؤمن لا تزيده المحن إلا عزة وإيمانا، أما الظالم فيرجع إلى
الوراء، يتخاذل ويتقهقر، يخشى سيف الحق وعزة الإسلام، فهنيئا لك يا
سيد التابعين.
بعد مضي سنتين من خلافة الفاروق عمر -رضي الله عنه- ولد (سعيد بن المسيب) في المدينة المنورة؛ حيث كبار الصحابة ، فرأى عمر بن الخطاب، وسمع عثمان بن عفان، وعليا، وزيد بن ثابت، وأبا موسى الأشعري، وأبا هريرة..وغيرهم، فنشأ نشأة مباركة، وسار على نهجهم، واقتدى بأفعالهم، وروى عنهم أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتزوج بنت الصحابي الجليل أبي هريرة، فكان أعلم الناس بحديثه.
وهبه الله في نشأته الباكرة ذكاء متوقدا، وذاكرة قوية، حتى شهد له كبار الصحابة والتابعين بعلو المكانة في العلم، وكان رأس فقهاء المدينة في زمانه، والمقدم عليهم في الفتوى، حتى اشتهر بفقيه الفقهاء، وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- وهو المقدم في الفتوى بالمدينة آنذاك- إذا سئل عن مسألة صعبة في الفقه، كان يقول: سلوا سعيدا فقد جالس الصالحين.
ويقول عنه قتادة: ما رأيت أحدا قط أعلم بالحلال والحرام منه، ويكفي ابن المسيب فخرا أن الخليفة العادل (عمر بن عبد العزيز) كان أحد تلاميذه، ولما تولى عمر إمارة المدينة لم يقض أمرا إلا بعد استشارة سعيد، فقد أرسل إليه عمر رجلا يسأله في أمر من الأمور، فدعاه، فلبي الدعوة وذهب معه، فقال عمر بن عبد العزيز له: أخطأ الرجل، إنما أرسلناه يسألك في مجلسك.
وعاش سعيد طيلة حياته مرفوع الرأس، عزيز النفس، فلم يحن رأسه أبدا لأي
إنسان، حتى ولو ألهبوا ظهره بالسياط، أو هددوه بقطع رقبته، فها هو ذا أمير المدينة في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان يأمره بالبيعة للوليد بن عبد الملك، فيمتنع
فيهدده بضرب عنقه، فلم يتراجع عن رأيه رغم علمه بما ينتظره من العذاب، وما إن أعلن سعيد مخالفته حتى جردوه من ثيابه، وضربوه خمسين سوطا، وطافوا به في أسواق المدينة، وهم يقولون: هذا موقف الخزي!! فيرد عليهم سعيد في ثقة وإيمان: بل من الخزي فررنا إلى ما نريد.
ولما علم عبد الملك بما صنعه والى المدينة لامه وكتب إليه: سعيد..كان والله أحوج إلى أن تصل رحمه من أن تضربه، وإنا لنعلم ما عنده من خلاف، وبعد كل هذا التعذيب الذي ناله سعيد جاءه رجل يحرضه في الدعاء على بني أمية، فما كان منه إلا أن قال: اللهم أعز دينك، وأظهر أولياءك، وأخز أعداءك في عافية لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
صلى (الحجاج بن يوسف الثقفي) ذات مرة، وكان يصلى بسرعة، فلم يتم ركوع الصلاة وسجودها كما يجب، فأخذ سعيد كفا من الحصى ورماه به، فانتبه الحجاج لذلك واطمأن وتمهل في صلاته، وكان ذلك قبل أن يتولى الحجاج الإمارة، ورفض سعيد أن تكون ابنته أعظم سيدة في دولة الخلافة الإسلامية؛ وذلك حين أراد الخليفة عبد الملك بن مروان أن يخطب ابنة سعيد لولي عهده الوليد، لكن سعيدا رفض بشدة، وزوج ابنته من طالب علم فقير.
فقد كان لسعيد جليس يقال له (عبد الله بن وداعة) فأبطأ عنه أياما، فسأل عنه وطلبه، فأتاه واعتذر إليه، وأخبره بأن سبب تأخره هو مرض زوجته وموتها، فقال له: ألا أعلمتنا بمرضها فنعودها، أو بموتها فنشهد جنازتها، ثم قال: يا عبد الله تزوج، ولا تلق الله وأنت أعزب، فقال: يرحمك الله ومن يزوجني وأنا فقير؟ فقال سعيد: أنا أزوجك ابنتي، فسكت عبد الله استحياء، فقال سعيد: مالك سكت، أسخطا وإعراضا؟ فقال عبد الله: وأين أنا منها؟ فقال: قم وادع نفرا من الأنصار، فدعا له فأشهدهم على النكاح (الزواج)، فلما صلوا العشاء توجه سعيد بابنته إلى الفقير ومعها الخادم والدراهم والطعام، والزوج لا يكاد يصدق ما هو فيه!!
وحرص سعيد على حضور صلاة الجماعة، وواظب على حضورها أربعين سنة لم يتخلف عن وقت واحد، وكان سعيد تقيا ورعا، يذكر الله كثيرا، جاءه رجل وهو مريض، فسأله عن حديث وهو مضطجع فجلس فحدثه، فقال له ذلك الرجل: وددت أنك لم تتعن ولا تتعب نفسك، فقال: إني كرهت أن أحدثك عن رسول الله وأنا مضطجع، ومن احترامه وتوقيره لحرمات الله قوله: لا تقولوا مصيحف ولا مسيجد، ما كان لله فهو عظيم حسن جميل، فهو يكره أن تصغر كلمة مصحف، أو كلمة مسجد أو كل كلمة غيرهما تكون لله تعالى إجلالا لشأنها وتعظيما.
ومرض سعيد ، واشتد وجعه، فدخل عليه نافع بن جبير يزوره، فأغمى عليه، فقال نافع: وجهوه، ففعلوا، فأفاق فقال: من أمركم أن تحولوا فراشي إلى القبلة..أنافع؟ قال: نعم، قال له سعيد: لئن لم أكن على القبلة والملة والله لا ينفعني توجيهكم فراشي، ولما احتضر سعيد بن المسيب ترك مالا، فقال: اللهم إنك تعلم أني لم أتركها إلا لأصون بها ديني، ومات سعيد سنة ثلاث أو أربع وتسعين من الهجرة، فرحمه الله رحمة واسعة
Bogga 1