يتعهد الأمير عبد القادر بتوريد 30000 كيلة جزائرية من القمح كل سنة و20000 كيلة من الشعير و5000 بقرة للجيش الفرنسوي. (7)
يجوز للأمير أن يشتري ما يلزمه من السلاح، ولكن من معامل فرنسا فقط. (8)
تعطى مدينة تلمسان بقلعتها ومدافعها للأمير عبد القادر. (9)
يجوز لرعايا الطرفين أن يقيموا أينما شاءوا في الجزائر بلا معارضة. (10)
يجوز لرعايا الطرفين أن يشتروا الأراضي في المنطقتين. (11)
لا يجوز للأمير أن يتنازل عن شيء من أرضه لدولة غير فرنسا. (12)
يجوز لكل فريق أن يعين له وكيلا سياسيا في منطقة الفريق الآخر.
هذه خلاصة المعاهدة، اهتم الأمير عبد القادر على أثرها بإنشاء معامل السلاح والبارود، وضرب نقودا على أحد وجهيها «هذه مشيئة الله عليه توكلت» وعلى الوجه الآخر «السلطان عبد القادر ضرب في تكرمة»، وتكرمة بلدة أنشأها عبد القادر بهذا الاسم. وأرسل الجنرال بوجو صورة هذه المعاهدة إلى وزير الحرب فأبى رئيس الوزارة - وهو يومئذ الكونت موله - أن يقرها، ولكن وزير الحرب أرسل مندوبا من قبله إلى وهران بلغ الجنرال أن الملك راض عن المعاهدة، وأنه سيرسل صورتها إلى الحاكم العام في الجزائر ليقرها بإمضائه، وكان الجنرال بوجو قد طلب مواجهة الأمير عبد القادر على مسافة بضع ساعات من وهران، وذهب إلى المكان المعين ببعض جنوده فبلغه والأمير لم يأته بعد، فما وصله إلا بعد 3 ساعات ومعه نحو 200 من رؤساء القبائل على فاخر الجياد بكامل سلاحهم وزخرف ملابسهم، فكان منظرهم جميلا جدا فتقدم الجنرال ومد يده للسلام على الأمير، ولكن الأمير أسرع وترجل وجلس إلى الأرض، ففعل القائد فعله ثم دار بينهما الحديث الآتي: - اعلم يا عبد القادر أني ضمنتك أمام ملك فرنسا بحسن السلوك. - لا تخف، إن ديننا يأمرنا بالصدق فيما نقول. - هل أمرتم بإرجاع العلاقات التجارية مع عاصمة الجزائر والمدن البحرية؟ - لا، ولكنني أفعل حين أستلم تلمسان وقلعتها حسب الشروط. - لا يمكن تسليمها إلا بعد مصادقة الملك على المعاهدة. - أفلست إذا مفوضا بعقدها؟ - نعم، إني مفوض، ولكنه لا بد من تصديق الملك والتصديق خير لك؛ لأنه ربما أتى بعدي قائد عبث بها إذا لم يصدق الملك، وأما بعد تصديقه فالعبث بها أمر مستحيل. - إذا لم تسلمني تلمسان فلا تعد هذا معاهدة منا ، بل اعتبر أننا في هدنة. - صحيح، ولكنك أنت الرابح من إطالة زمان الهدنة؛ لأني لا أحرق الزرع في خلالها. - مهما تحرق فإنه يبقى عندنا مقادير من الحبوب تكفينا في كل حين. - لست أظن هذا صحيحا؛ فإن قبائل كثيرة رجتني ألا أحرق زرعها وحاصلاتها.
فتبسم عبد القادر من هذا القول، ولما علم من الجنرال أنه يلزم ثلاثة أسابيع على الأقل لورود المصادقة من الملك أبدى إشارة الملل، وقال إنه لا يعيد العلاقات التجارية إلا عند المصادقة النهائية على المعاهدة، ورأى الجنرال بوجو أن استطراد الحديث ربما أدى إلى ما لا يحمد، فقام يريد الانصراف، وبقي الأمير جالسا يكلم الجنرال بصوت خافت، والجنرال واقف وكان يريد من هذا ما أراد من إبطائه في الحضور للمقابلة، وهو التظاهر بعلو المقام وعدم الاعتداد بالقائد الفرنسوي؛ فلحظ القائد مراده، وقال له بلسان الترجمان إنه إذا قام القائد الفرنسوي وجب عليه أن يقوم هو أيضا، فوقف عبد القادر في الحال، وانصرف الرجلان على غير نتيجة من المقابلة.
ولما علم الحاكم العام دامرمون بمعاهدة بوجو وعبد القادر زاد به الغيظ، وكتب إلى وزير الحرب ينذر فرنسا بالذل من الموافقة عليها، ويجعل القبائل الموالية لها تحت إرهاب عبد القادر، ويجعل لهذا الأمير دولة مستقلة مثل فرنسا، وكان في الصحف والنواب فريق عظيم على رأي الحاكم العام قاموا ينددون بهذه المعاهدة، ويقولون إن فرنسا أزالت السلطنة التركية من الجزائر لتخلق فيها سلطنة عربية قوية تعضدها مراكش وغيرها، وهولوا في الأمر حتى اضطرت الوزارة أن تجيب طلب الحاكم العام وتعضده بكل ما يريد، وقررت الاستيلاء على بلاد الجزائر كلها بصورة نهائية، وأرسلت تجريدة جديدة كان في جملة قوادها الدرك دي نمور من أمراء البيت المالك في فرنسا، وسارت هذه الحملة الجديدة إلى عنابة، حيث عقد مجلس الحاكم العام دامرمون والدوك دي نمور والقواد ومشايخ القبائل الموالية لفرنسا، فقرروا أن يؤجل الزحف على الأعداء إلى أول الصيف حتى لا يصيب الجنود ما أصابهم في الحملة السابقة، ولكنهم عادوا وقرروا الزحف في أول أكتوبر - سنة 1837 - فقامت الحملة من نفس الطريق الذي اتبعته الحملة السابقة، ووصلت أمام قسنطينة في اليوم السادس من الشهر المذكور، فصدر أمر القائد العام إلى قسم من جيشه باحتلال جهة المنصورة، وهي من ضواحي المدينة، والقسم الآخر بأن يحتل تلال علي، وعند ذلك رأوا الراية الحمراء فوق القلعة والنساء على سطوح المنازل تحض الرجال على الدفاع والاستقتال، وكان ابن عيسى قائد العرب خارج المدينة، وأحمد بك قائدهم داخلها.
Bog aan la aqoon