قال أبو أيوب: «ثم شتمني حتى خفت أن يأمر بقتلي.» (4) اللقاء الأخير
فقال عثمان قولة ضعيفة: أقتله.
ثم دنت الساعة الحرجة التي يفصل فيها التاريخ قوتين قاهرتين، ويغلب إحداهما على الأخرى، فإما أن ينتصر أبو جعفر فيطيح برأس أبي مسلم، وإما أن يتغلب عليه أبو مسلم فيطيح به وبخلافته ويغير وجه التاريخ.
ولقد كان اسم أبي مسلم وحده كافيا في إزعاج من يسمعه، وكان أبو جعفر يعرف حقيقة ما يقدم عليه من أمر خطير يتوقف مجده على النجاح فيه، ولم يكن أحد يجهل أن فشل المنصور في قتل أبي مسلم معناه الاشتباك معه في حرب طاحنة لا يعرف أي نتيجة تسفر عنها، وأن قتله ربما أثار عليه جنده فعاثوا في المدينة نهبا وقتلا ثم لا يدري أحد عاقبة الأمر. على أن من حسن حظ المنصور أن قواد أبي مسلم وأنصاره كان أكثرهم يخلص له خوفا من بطشه وجبروته، فلم يكد يقتله المنصور ويغريهم بالمال حتى انضموا إليه ونفضوا أيديهم من الأخذ بثأره، بعد أن أمنوا غائلته وبطشه بهم.
وليس أدل على الخوف من أبي مسلم من تلك الدهشة التي كانت تستولي على كل شجاع جريء حين يطلب إليه أبو جعفر أن يفتك بأبي مسلم.
انظر إلى ابن نهيك يدعوه المنصور فيقول له: «كيف بلاء أمير المؤمنين عندك؟» فيجيبه متحمسا: «إنما أنا عبدك، والله لو أمرتني أن أتكئ على سيفي حتى يخرج من ظهري لفعلت.»
فيقول له وهو في حماسته هذه: «كيف أنت إن أمرتك بقتل أبي مسلم.»
وهنا يرتاع عثمان بن نهيك ويبدو عليه الذعر من هول ما يطلب إليه الإقدام عليه، وكأنما انقضت عليه صاعقة من السماء. أيقتل أبا مسلم الذي روع الدنيا ودوخ الممالك وقلب دولة وأقام مكانها أخرى، وكان يهزم الجيش الجرار اسمه وحده؟ هنا يبدو التردد والخوف. وتفتر الحماسة المتقدة، فقد طلب إليه ما لم يكن يخطر على بال.
قالوا: ووجم ساعة لا يتكلم، فقال له أبو أيوب: «ما لك لا تتكلم؟»
فلما أحرج ابن نهيك قال قولة ضعيفة: «أقتله؟!» قال: «انطلق فجئ بأربعة من وجوه الحرس.» فلما كان عند الرواق ناداه: «يا عثمان، يا عثمان.» فرجع، فقال له: «اجلس وأرسل إلي من تثق من الحرس.» وكأنما خشي المنصور أن يتردد ابن نهيك في عزيمته، إذا بعد تأثير شخصيته عليه فأمر ببقائه، وأرسل في طلب أربعة أشداء.
Bog aan la aqoon