[شبهة المتفلسفة الثانية]
وأما الشبهة الثانية: وقولهم: إن المحدث يتقدمه الإمكان؛ فلا
بد له من محل ثبوتي.
فيقال لهم: الإمكان ليس وصفا موجودا للمكن زائدا على نفسه؛ بل هو بمنزلة الوجوب والحدوث والوجود والعدم ونحو ذلك من القضايا التي تعلم بالعقل، وليس العدم زائدا على المعدوم في الخارج، ولا وجود الشيء زائدا على ماهيته في الخارج، ولا الحدوث زائدا على ذات المحدث في الخارج، ولا الإمكان زائدا على ذات الممكن في الخارج، ولا الوجوب زائدا على ذات الواجب في الخارج.
والمقصود هنا الإمكان؛ فالممكن إما أن يكون معدوما أو موجودا؛ فإذا كان معدوما فليس له صفة ثبوتية أصلا؛ إذ المعدوم لا يتصف بصفة ثبوتية. وإن كان موجودا؛ فقد صار واجبا بغيره؛ فإنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن؛ فما شاءه وجب وجوده، وما لم يشأه امتنع وجوده؛ لكن وجب بغيره وامتنع لغيره، وهو في نفسه قابل للوجود والعدم.
وقولنا: في الموجود ممكن. معناه: أنه موجود بغيره.
ومما يبين ذلك: أن الإمكان لو كان صفة زائدة على الممكن لامتنع قيامه بغيره؛ إذ صفة الشيء لا تقوم بغيره، وقبل وجود الممكن ليس له صفة؛ فيمتنع وجود إمكان هو صفة له قبل وجوده.
فتبين أن ما يدعونه في إثبات إمكان وجودي من محل قبل / (¬1) وجود الممكن خيال محض.
Bogga 66