أما سيل العرم الأول فقد حدث في 447 ميلادية، واستمر إلى 450، وكان من أثره هجرة الكثير من البطون الأزدية، وقبائل الأوس والخزرج إلى يثرب وحواليها.
يقول صاحب الأغاني في ص96 جزء 19: «فلما توجه الأوس والخزرج نزلوا في حرار ثم تفرقوا ...» ويقول السمهودي في خلاصة الوفاء ص83: «وقد وجد الأوس والخزرج الأموال والآطام بأيدي اليهود والعدد والقوة معهم، فتحالفوا وتعاملوا معهم، ولم يزالوا كذلك زمانا طويلا، وأثرت الأوس والخزرج.»
وقد لبثت البطون العربية عصورا طويلة على موالاة اليهود إلى أن أوعزت الدولة الرومانية إلى ملوك بني غسان بإثارة الفتن ضد اليهود، وعند العالمين فيلهاوزن وفوشتنفلد تعقيبا على «السمهودي» أن الكفاح بين النصرانية واليهودية في بلاد الحجاز كان عنيفا.
حروب اليهود قبل الإسلام
يشتهر بين اليهود، كاتب يهودي ملحوظ اسمه «فلافيوس جوزيفاس»، ولد في 37م، وزار روما في سنة 63م كمندوب إلى نيرو. وقد عين حاكما على الجليل حين نشبت الحرب مع روما، وبعد الهزيمة اعتقل ثم حارب مع الرومان عند القدس في عهد طيطوس في سنة 70م، وبعد أن منحه فسبيان لقب مواطن روماني مات في القرن الثاني. وقد رماه الألمان والناقدون بالتناقض والذبذبة ووهن الخلق. غير أن مواهبه ككاتب مؤرخ معترف بها، ومنذ أخرج كتابه «حروب اليهود» طبعت منه طبعات عديدة في الكثير من اللغات. والكتاب في سبعة كتب استغرقت 483 صفحة تحدث في الكتاب الأول عن ما حدث في المدة التي ابتدأت منذ استولى على القدس أنتيوكوس إيبيفانز إلى وفاة هيرود العظيم. وهي فترة من الزمن لبثت 160 سنة. أما الكتاب الثاني فيتحدث عن مدة التسع والستين سنة، التي تبدأ منذ وفاة هيرود إلى تولي فيسبيان، حين أوفده نيرو لإخضاع اليهود، أما الكتاب الثالث فيتناول مدة سنة تقريبا؛ أي منذ حضور فيسبيان لإخضاع اليهود إلى الاستيلاء على جامالا. أما الكتاب الرابع فيعرض عن مدة سنة تقريبا للفترة منذ حصار جامالا إلى حضور طيطوس لحصار القدس. أما الكتاب الخامس فيبسط ما حدث في فترة قدرها ستة أشهر؛ أي منذ حضور طيطوس إلى الحد الأدنى الذي أرغم عليه اليهود على النزول إليه، وأما الكتاب السادس فيتحدث عن شهر تقريبا منذ النزول إلى استيلاء طيطوس على القدس. أما الكتاب السابع فيتحدث عن ثلاث سنوات منذ الاستيلاء إلى فتنة اليهود في سيرين.
في عهد الدولة الإسلامية
كان من أثر اضطهاد المسيحيين - خاصة الدولة الرومانية - لليهود أن رحبوا بقيام الدولة الإسلامية خاصة في إسبانيا، على مقربة من أوروبا المسيحية الطاغية؛ لأن الحكومات الإسلامية قد جنحت إلى التسامح مع غير المسلمين، بل إن هذه الحكومات قد استخدمت من اليهود والنصارى الكثيرين، وظفروا بالمناصب العالية والنفوذ الواسع.
غير أنه في الإمبراطورية الكارلوفيجينية وفي إنجلترا وبعض إسبانيا المسيحية، كان اليهود يعاملون بشيء من العدل نظرا للحاجة إليهم في الشئون التجارية، التي وإن كانت تعد حرفة غير شريفة، غير أنها كانت أدعى إلى الكسب من مهنتي الجندية والدين، اللتين كانتا أشرف المهن يومئذ.
على أن تدهور الدولة الإسلامية في بغداد وقرطبة قد أفضى إلى اضطهاد الحكام الطغاة المسلمين خاصة غير العرب، لليهود وأمثالهم.
كذلك كان من أثر الحروب الصليبية، أن قام المسيحيون المتعصبون بالمذابح في أحياء اليهود؛ مما حملهم على وقف نشاطهم على الاشتغال بتسليف النقود والتجارة الصغيرة، خاصة حين شاع اتهام اليهود بأنهم يذبحون أولاد المسيحيين.
Bog aan la aqoon